لقاء موسع
المركـز الثقـافي
للبحوث والتوثيـق
صـيـدا
14/10/1988
التقـديـم
نص كلمة الافتتاح
ألقاها رئيس المركز الثقافي للبحوث والتوثيق
الدكتور مصطفى دندشلي
أيّها الأصدقاء الأعزاء
أرحّبُ بكم باسم المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا ، وأشكر لكم حضوركم وتلبيتكم دعوتنا هذه . إنَّ حضوركم المكثّف هذا ، إنّ دلّ على شيء ، فهو يدلّ على رغبتنا الأكيدة جميعاً في عقد هذه اللقاءات الجماعيّة وتوثيق عُرى التعاون المشترك فيما بيننا ، خاصة في هذه الظروف الحرجة والخطيرة التي يمرّ بها وطننا لبنان .
واسمحوا لي قبل أنْ أفتتح الجلسة ، أنْ أقوم بعملية إحصائية للجمعيات والهيئات التي حضرت ولبّت دعوتنا . وأودّ هنا أن أشير إلى أننا قد وجهنا الدعوة إلى جميع المؤسسات الثقافية والتربوية والاجتماعية والرياضية والكشفية في مدينة صيدا دون استثناء . وإذا كان هناك من سهوٍ أو تقصير ، فإنّ ذلك غير مقصود ونقدّم سلفاً أسفنا واعتذارنا الشديدين ...
أيّها السيّدات والسادة
أكرّر ترحيبي بكم واسمحوا لي أيضاً أن أستهل هذا اللقاء الثقافي الموسّع بكلمة تمهيدية حول الغاية المتوخاة من عقد هذا الاجتماع ، وهي مناقشة ما يجري في الساحة اللبنانية من أحداث ، ومدى انعكاس هذه الأحداث وتأثيرها علينا نحن كمواطنين وكمثقفين وكهيئات اجتماعية .
لا شك في أنّ ما يجري في لبنان يتجاوزنا جميعاً ، وهو على أيّ حالٍ يتجاوز السياسيين وغير السياسيين ، وله طابع سياسي ـ عسكري ، داخلي وخارجي ، إقليمي ودولي . فإذا كانت هذه الأحداث التي تتسارع على الساحة اللبنانية بصورة جنونيّة ، تفوق إمكانياتنا الذاتية ، غير أنه وفي الوقت نفسه ، لا يجوز بأيّ حال من الأحوال أن نقف منها مكتوفي الأيدي ، أن نتخذ موقف المتفرج أو موقف اللامبالي العاجز ، بل بالعكس ، ينبغي علينا الآن أكثر من أي وقت مضى ، نحن كمثقفين وكمؤسسات تربوية واجتماعية ، أن نمارس ضغطاً اقله معنوياً احتجاجياً ، أن نُعلنَ عن موقفٍ تاريخيّ رافضٍ يكونُ تعبيراً عن الرأي العام المثقف ، عن جماهير الشعب اللبناني الواسعة والتي لا تُحْرم آراؤها في المعادلات السياسية ـ العسكرية الحاصلة على الأرض .
وهنا أودّ ، قبل أن أنهي كلمتي السريعة ، أن أبديَ ثلاث ملاحظات :
الملاحظة الأولى لها علاقة بمفهومنا للعمل الثقافي ـ الاجتماعي ، هذا المفهوم النابع من مسؤوليتنا نحن كمثقفين ومن إلتزامنا بقضايا الوطن وقضايا المجتمع وقضايا الإنسان . فنحن كهيئات ثقافية ـ اجتماعية لا يمكننا ولا يجوز أنْ نتحمل مسؤوليتنا أو أن لا نمارس إلتزامنا بالفعل والعمل . فهذه المسؤولية وهذا الالتزام يدفعاننا إلى أن نتحرك لدرء الخطر أقله باللسان والكلمة والموقف .
الملاحظة الثانية وهي أنه من الواضح للقاصي والداني ، أنّ الأحداث المدمّرة الجارية في لبنان والتي تستمر منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة ، قد نتج عنها تكريس النظام الطائفي المذهبي وأصبح هناك نوعٌ من الإقرار والتسليم به كأمر واقع . من هنا الأهمية بالنسبة إلينا نحن كجمعيات ومؤسسات ثقافية وتربوية واجتماعية الإتفاق على قواسم مشتركة تكون تعبيراً عن مواقفنا جميعاً ، تكون تعبيراً صادقاً عن جمهور مؤسساتنا الثقافية والقطاعات الاجتماعية الأخرى في مجتمعنا ، وهي قطاعات واسعة وواسعة جداً فلا يمكن أن نعيرها اهتمامنا الكلي ...
الملاحظة الثالثة والأخيرة تتلخص في أنه من الواجب علينا الإعتراف أن الاستراتيجية الصهيونيّة ، أن السياسة الإسرائيلية بصورة عامة في المنطقة قد حققت نجاحات بارزة لا يمكن نكرانها ، وقوام هذه الإستراتيجية السعي الحثيث والدؤوب إلى تأجيج التناقضات الطائفيّة والمذهبيّة ، واللعب على الخلافات العِرْقيّة وتشجيع بشكل أو بآخر قيام الكيانات الدينيّة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية حيث يكون الكيان اليهودي من جملة هذه الكيانات ، وهو أقدرها نفوذاً وهيمنة وقوة وتأثيراً ... هذا ما هو حاصل فعلاً على الأرض وكأمر واقع في لبنان . ودور إسرائيل في كل ذلك أصبح الآن معروفاً للجميع وللمواطن العادي بوجه الخصوص ...
لهذا وضمن هذا السياق العام ، ينبغي أن تُفهم وأنْ توضع عمليّة تعطيل جلسة غنتخاب رئاسة الجمهورية وربما أيضاً تعطيل أو عدم إجراء جلسة إنتخاب رئاسة مجلس النواب . فهذا التعطيل يصبّ عملياً في الإقرار بالواقع التقسيمي الطائفي المذهبي على الأرض وتثبيت دعائمه وتوجّهاته ... في حين أنّ الانتخابات الرئاسيّة كانت أملاً يراود أذهاننا جميعاً في أن تكون فرصة ، الفرصة الأخيرة ، في :
ـ إنهاء الحرب في لبنان
ـ إعادة اللحمة والوحدة المجتمعية بين اللبنانيين
ـ وتحقيق الإصلاحات المطلوبة
لمناقشة هذا الموضوع ومحاولة الخروج بموقف موحّد لجميع الهيئات الثقافية الحاضرة معنا هذا اللقاء ، والإتفاق على نقاط أساسيّة جامعة ، بغض النظر عن بعض الاختلافات الثانوية في الرأي ، من أجل هذا الغرض ـ أقول ـ دعونا الجمعيات الثقافية ـ الاجتماعية في صيدا ، لكي تعلن عن رأي موحّد في بيان مشترك ، يعبّر عن موقفنا ومنطلقاتنا المبدئيّة في هذا المنعطف التاريخي والمصيري من حياتنا ...
في لقاء ثقافي موسّع وبدعوة من المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا ، أعلنت المؤسسات الثقافية والتربوية والاجتماعية عن :
ـ رفضها لتعطيل إنتخابات الرئاسة والإسراع في إجرائها بالسرعة القصوى
ـ رفضها لما يجري على الساحة اللبنانية من تقسيم وتفتيت وتحت أي صيغة كانت ...
ـ والدعوة إلى إعادة الوحدة بين اللبنانيين على أساس من الديمقراطية والعدالة والحرية والمساواة التامة في الحقوق والواجبات وعلى جميع المستويات ...
في جوّ حاشد ومفعم بالحماس ومظاهر الإستنكار لما يجري في الساحة السياسية اللبنانية من استهتار بالمبادئ والمواثيق السياسية والوطنية التي قام على أساسها لبنان ، عقدت الجمعيات الثقافية والتربوية والاجتماعية إجتماعاً بتاريخ 14 من الشهر الجاري في مقر جمعية الأدب والثقافة وبرئاسة الدكتور مصطفى دندشلي ، رئيس المركز الثقافي وحضور مختلف الهيئات الثقافية والاجتماعية في صيدا والجنوب التالية : جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا ، مؤسسة الحريري في صيدا ، المركز الثقافي للبحوث والتوثيق ، جمعية دار رعاية اليتيم ، جمعية الارتيزانا في الجنوب ، مؤسسة عامل ، رابطة الأطباء في صيدا ، رابطة أطباء الأسنان في الجنوب ، جمعية رعاية الطفولة والأمومة ، جمعية متخريجي المقاصد في صيدا ، جمعية الأدب والثقافة ، مركز صيدا الثقافي ، التنسيقات الاجتماعية ـ الإنمائية ، الحركة الاجتماعية في صيدا، الجامعة اللبنانية في صيدا، مؤسسة الحريري ، فرع المعاقين ، التجمع النسائي الشعبي، نقابة معلمي المدارس الخاصة ، رابطة أساتذة التعليم الثانوي في صيدا ، جمعية الكشاف الجراح في صيدا ، جمعية قدامى كشاف الجراح ، نادي الفتيان ، نادي الفداء .
قال الدكتور مصطفى دندشلي رئيس الجلسة في كلمة الافتتاح : إذا كانت الأحداث اللبنانية تفوق إمكانياتنا الذاتية ، نحن كؤسسات ثقافية واجتماعية ، إلاّ أنه لا يجوز أبداً أن نقف منها مكتوفي الأيدي ، موقف المتفرج اللامبالي . بل العكس ، ينبغي علينا الآن أكثر من أي وقت مضى ، أن نمارس ضغطاً أقله معنوياً ، أن نعلن عن موقف تاريخي رافض يكون تعبيراً عن الرأي العام المثقف ، عن جماهير الشعب اللبناني التي لا تُحترم آراؤها في المعادلات السياسية ، العسكرية الحاصلة على الأرض . وأضاف : على الأقل يجب أن نقول كلمة لا ! كلمة لا كبيرة ... أن نطلق صرخة مدويّة ، صرخة إحتجاج ورفض لما أفرزته الحرب اللبنانية من تكريس النظام الطائفي المذهبي والتسليم بالتقسيم الفعلي والنفسي . فإذا لم نستطع أن نغيّر بقوة السلاح ما هو حاصل على الأرض ، فلنعلن أقله إستنكارنا القويّ ورفضنا القاطع له .
وعلى أثر هذا اللقاء الذي أثار نقاشاً طويلاً أصدر المجتمعون البيان التالي :
إن الجمعيات الثقافية والتربوية والاجتماعية المجتمعة في صيدا ، تعتبر إنّ انتخابات رئاسة الجمهورية ، ومعها انتخابات رئاسة مجلس النواب إنما هي فرصة الآن وقد تكون الأخيرة لإعادة اللحمة المفقودة بين فئات الشعب اللبناني الواسعة وتحقيق الوحدة المجتمعية بين اللبنانيين على أسس سليمة من العدالة والمساواة والديمقراطية . وهذه الانتخابات الرئاسية هي أيضاً مناسبة من أجل :
ـ تحقيق الوفاق الوطني اللبناني بعد حرب مديدة ، دمويّة وطاحنة في آن معاً ،
ـ وإنجاز الإصلاحات الاقتصادية الاجتماعية السياسية الضرورية لإرساء نظام سياسي حديث ومتقدم .
ـ والانطلاق بطريقة جدّية وحقيقية لبناء مجتمع العدالة والحرية والديمقراطية ، وذلك على أنقاض النظام السياسي القديم القائم على أسس من الطائفية والمذهبية البالية.
ـ وإقامة مجتمع المساواة بين مواطنين أحرار ، دون أي اعتبار سوى الكفاءة والأهلية والقيمة الإنسانية .
وهذه الجمعيات المجتمعة الآن في هذا الظرف التاريخي العصيب ، تعتبر أن فكرة إحياء أو "نبش" أي مشروع كيان سياسي إداري عسكري على أسس دينية طائفية أو مذهبية في أي بقعة من لبنان ، إنما هو مشروع توأم للمشروع الصهيوني ومن إفرازاته ولا يمكن أن يكون إلاّ خدمة له . فهو لذلك يحمل في داخله ومكوّناته عوامل هدمه وعلى رؤوس أصحابه قبل غيرهم .
لهذا فإن الجمعيات الثقافية والتربوية والاجتماعية في صيدا تعلن :
1 ) تأكيدها على أهمية إجراء الإنتخابات لرئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي : فلبنان يكون أو لا يكون نتيجة لذلك . وإنّ أي تأخير أو تسويف إنما هو وسيلة لتكريس التقسيم الفعلي على الأرض والقضاء بالتالي على أي عملية توحيدية وفاقية بين اللبنانيين : وهذا ما نرفضه رفضاً حاسماً وواضحاً .
2 ) اعتبار أن الرئيس التوافقي هو الذي يكون تعبيراً عن وفاق وطني لبناني يقوم على مبادئ وثوابت سياسية أساسية :
ـ بناء لبنان الديمقراطي العربي السيّد الموحد أرضاً وشعباً ومؤسسات ،
ـ التمسك بلبنان اللاطائفي القائم على أساس من العدل والمساواة ، دون أي اعتبار بين مواطن وآخر على أساس من دين أو طائفة أو مذهب .
ـ لبنان الرافض لأي مشروع تقسيمي طائفي تحت أي صيغة كانت : لا مركزية سياسية أو كانتونات أو فدرالية أو كنفدرالية ...
3 ) تثبيت الوحدة المجتمعية بين اللبنانيين وترسيخ دعائم العيش المشترك بينهم ، ذلك أنّ هذه الوحدة الاندماجية هي علة وجود لبنان واستقلاله ، فبدونها ينتفي مبرر هذا الوجود واستمراره .
4 ) وأخيراً وليس آخراً ، العمل في هذا الظرف بالذات ، وربما الآن أكثر من أي وقت مضى، على توجيه جميع الجهود من أجل تحرير الوطن ، تحرير أرض الجنوب، كل بطريقته ومن الموقع الذي يحتله : إذ لا حريّة ولا ديمقراطيّة حقيقيّة ، طالما أرض جنوبي لبنان تعاني من الإحتلال الإسرائيلي .
* ملاحظة : وقد وردت برقية تأييد للقاء الثقافي المنعقد في صيدا جاء فيها :
إن اتحاد الكتّاب اللبنانيين يعبّر لكم عن تأييده المطلق لما يصدر عن هذا اللقاء الثقافي من قرارات ومواقف تدعو إلى الإسراع في إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية وشجب جميع الخطوات التقسيمية الجارية على الساحة اللبنانية .
وبرقية أخرى من الحركة الثقافية في انطلياس هذا نصها :
إن تناديكم لعقد هذا اللقاء الثقافي الوطني في هذه المرحلة يُعبّر عن أعلى درجات المسؤولية الوطنية التي يقفها المثقفون المتنوّرون الملتزمون بقضايا وطنهم الكبرى . إننا نقف إلى جانبكم للتصدي لجميع مشاريع التفتيت والتقسيم ومؤكدين على التمسك بوحدة لبنان شعباً وأرضاً ومؤسسات ، وبالقيم السياسية والوطنية الأساسية : الحرية والاستقلال والديمقراطية والعدالة والمساواة .
مع أطيب التمنيات
الحركة الثقافية ، انطلياس
14/10/1988