كلمة المناضل - الســــــلام الـــــذي نـريــــــد
كلمة المناضل العدد 51 شباط 1973
الســــــلام الـــــذي نـريــــــد
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في 27ـ1ـ1973، وقعت في باريس اتفاقية وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الفييتنامية التي خاضها الشعب الفييتنامي البطل ، لينهي أسطورة السيطرة العسكرية الأميركية ، وفي الوقت نفسه ، ليحقق النصر للجماهير المحرومة في تلك المنطقة من العالم ، ويقيم صرحا جديدا من صروح الحرية والتقدم التي تشكل قواعد صلبة في معركة الكفاح لبناء الإنسان الجديد . ولقد كان أنها هذه الحرب التي استقطبت القوى التقدمية والمناضلة كلها ، في العالم ، ولاقت تأييدا لم يسبق له مثيل في تاريخ معارك التحرر الوطني والديمقراطي ، كان إنهاء هذه الحرب ، بداية مرحلة جديدة ، سيكون الأكبر والاهم ، بالإضافة إلى الجانب التكنولوجي ((التقني)).
وعليه ، فالحقيقة الأولى التي تستخلص من وقف هذه الحرب ، أن الانتصار العظيم الذي حققه شعب فييتنام المكافح ، هو انتصار متصل اتصالا وثيقا بجدارة هذا الشعب ، بالحياة الحرة الكريمة ، وبنزوعه الثوري الأصيل ، وبقدرته على ممارسة النضال الدائم الدؤوب الذي لم يعرف الوجل آو التهاون وبأساليب اتسمت بالروح الثورية العالمية التي كانت تميز طول النفس عند المقاتلين الثوار الصابرين ، وبإرادة متحدة ، وقيادة موحدة ، ودليل واضح في العمل . والحقيقة الثانية المهمة التي تستخلص من توقيع اتفاقية السلام، وتؤكد أهميتها بالنسبة لنا نحن العرب ، لاتكمن في أنها أنهت حربا ضروسا في منطقة من العالم يسكنها شعب صديق فقط " بل تكمن بشكل أو بآخر فيما يلي :
أولا : هناك اعتقاد لدى بعض المواطنين ومنهم من هم مسؤولون عن القيادة السياسية في بلدان عربية شقيقة ، نقول أن لديهم اعتقادا ، انه بالاتفاقات السياسية ، يمكن حل ما في العالم من المعضلات القائمة بين الدول الكبرى بالدرجة الأولى .
وبين الشعوب المكافحة المهدورة حقوقها ، والمغتصبة أراضيها ، وبين المحتلين الأجانب وقوى الاستعمار الجديد ، ومختلف أشكال العدوان الذي يقع على الشعوب ، بالدرجة الثانية .
ويسوق هؤلاء الأمثلة التي يختارونها من التاريخ ، وآخرها وأهمها . مثال إنهاء الحرب الفييتنامية . انهم بذلك ينسون أو يتناسون الطبيعة المختلفة للواقع الموجود في جنوب شرق آسيا وفييتنام . وبين واقع منطقتنا العربية ، وعلى الخصوص ، في فلسطين المحتلة والمناطق المجاورة ، في فييتنام ، واجه الشعب ويواجه حكومة فييتنامية جنوبية رجعية عملية ، خادمة لمصالح الامبريالية العالمية ، ومدعومة مباشرة من الامبريالية الأميركية ، جماهيرية فييتنامية تهدف إلى الخلاص من ذلك الوضع الشاذ القائم في بلادها. أما في فلسطين ، فلا تواجه جماهيرنا حكومة فلسطينية رجعية عميلة تدعمها قوى إمبريالية . وإنما تخوض حربا من نوع آخر ، أنها حرب ضد الاحتلال استيطاني غريب طرد شعبنا واحتل أرضنا .
لهذا وبالتأكيد ، يجب أن تكون الأمور والنتائج مختلفة ، بين الوضع في جنوب شرق أسيا وفييتنام ، وبينها في الوطن العربي وفلسطين المحتلة . وعلى الأخص ، وللحقيقة ، أننا لم نقدم حتى الآن ما قدمه الشعب الفيتنامي الذي استطاع بإرادته ووعيه وتصميمه ، أن يرغم آلة الحرب الاميركية المتفوقة على قبول شروط اتفاقية السلام التي لا تحد من طموحه إلى بناء المستقبل المنشود .
ثانيا : يتركز الاعتقاد لدى فئة من المراقبين السياسيين ، بالاعتماد على تصريحات بعض قادة دول كبرى معروفة وبخاصة ، الولايات المتحدة الأميركية ، بان الجولة التالية هي فيما يدعونه ((مشكلة الشرق الأوسط)) وعلى الأخص بعدما نشر واذيع ، في نهاية العام الماضي ، حول أهمية ((الشرق الأوسط)) الستراتيجية ومخزونه من البترول، وتوقع انتهاء مخزون البترول الأميركية وما أحاط ذلك من دعاوات وكتابات كثيرة مختلفة ومتعددة المصادر .
إن ذلك الاعتقاد ، يدفعنا أكثر فأكثر إلى أن نؤكد ، بان الإمبريالية وحلفاءها لايستطيعون العيش إذا ساد العالم سلام تام ، ولن يقدر أحدهم على المبادرة إلى وقف عملية الحرب التي ترتكز عليها قوته السياسية والاقتصادية واحتكارات الامبرياليين في العالم ، لذا ، فمن الطبيعي أن تزداد ضراوة الهجمة الإمبريالية والصهيونية الشرسة في منطقتنا العربية . وسوف تختلق مسوغات كثيرة لتحريك الحرب وفتح جبهات جديدة ، وعمليات عنيفة ، من اجل تركيع الأنظمة العربية التقدمية الصامدة في وجه الاحتلال الصهيوني . وفي مقدمتها النظام التقدمي في القطر العربي السوري الذي يقوده حزب البعث العربي الاشتراكي .
ينبغي أن يكون ذلك كافيا لان يقتنع المشككون والمضللون ، أن لا فائدة ترجى من الإمبريالية والاستعمار وعلى رأسهما الولايات المتحدة الأميركية وان الذي يقدم من وعود وتطمينات ، كلها للتخدير ولزيادة التمزق والتصدع في الصفوف العربية ، ولتوزيع الولاءات وتضليل الرأي العام ، وبث روح اليأس في نفوس المواطنين العرب ، وإعطاء المسوغات لشن حرب عدوانية انتقامية على الأنظمة الصامدة وتركيعها ، وفرض الحلول الجزئية والاستسلامية .
إن على مناضلي حزبنا في كل مكان ، الاسترشاد بمقررات المؤتمرات الحزبية حول هذه الأمور .
إن الطريق الوحيدة لهزيمة المستعمرين والامبريالين ، وكنس الاحتلال ، وإعادة الحقوق المشروعة للشعب العربي ، هي طريق الوحدة ، طريق الكفاح المسلح وحشد الطاقات كل الطاقات المحلية والعربية لمواجهة العدوان ، وتحقيق النصر وذلك هو السلام الذي نريد .
المناضل