كلمة المناضل - لقد اصبح شعبنا اكثر وعيا لمخاطر الغزو الامبريالي الصهيوني واقوى تصميما على القتال وتحمل اعظم التضحيات في سبيل كنس الاحتلال الصهيوني
كلمة المناضل العدد 50 كانون الثاني 1973
لقد اصبح شعبنا اكثر وعيا لمخاطر الغزو الامبريالي الصهيوني واقوى تصميما على القتال وتحمل اعظم التضحيات في سبيل كنس الاحتلال الصهيوني
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
تعرض شعبنا خلال شهر كانون الثاني عام 1973، لابشع عدوان وقع على القطر العربي السوري منذ حزيران عام 1967 . ومع ان هذا الاعتداء كان استمراراً للسياسة التوسعية والروح العدائية اللتين تميزان الايديولوجية والممارسات الصهيونية ضد شعبنا وبلادنا ، إلا أنه هذه المرة ، قد انطوى على خطر كبير كان يكمن في الإصرار الشرس على قصف الأهداف المدنية والاقتصادية في سورية كمحاولة يائسة لإرهاب شعبنا وتطويع قواه الثورية التي تجسد القطر العربي السوري إرادتها في الصمود ، وتصميمها على مواجهة التحدي وسحق العدوان .
إن عمليات الردع الطولية التي مارستها القوات المسلحة السورية ، جعلت العدو الصهيوني يدرك ، رغم ما أبداه من شراسة ووحشية ، بأنه لن يستطيع تركيع شعبنا ، وبان فظاعة عدوانه تقابل بتعاظم إرادة القتال في نفوس جماهيرنا العربية الكادحة ، وخصوصا في نفوس أفراد القوات المسلحة الذين يتزايد يوما بعد يوم ، إصرارهم على الكفاح واستعدادهم للتضحية من اجل انتزاع النصر النهائي على العدو المغتصب .
لقد جاءت عمليات الردع الناجحة تلك ، لتؤكد للعدو انه لن يستطيع ممارسة الإجرام بعد بعد اليوم دون أن يتلقى العقاب المناسب ، فكانت بذلك بداية إيجابية جديدة في مجال الرد على الحرب النفسية التي درج العدو على ممارستها وهو يعتقد بان شعبنا يمكن أن يستسلم لليأس ويدع العدو يفرض شروطه علينا .
إن المعارك الأخيرة التي خاضها الجيش العربي السوري الباسل ضد أحدث الأسلحة التي يمتلكها العدو ويستخدم أقصى طاقاتها التدميرية ضد شعبنا ، إن تلك المعارك والأصداء التي أحدثتها في أوساط الرأي العام العربي والدولي ، أثبتت لقوى العدوان ، بان شعبنا اصبح اكثر وعيا لمخاطر الغزو الامبريالي الصهيوني ، واقوى تصميما على القتال وتحمل اعظم التضحيات في سبيل كنس الاحتلال الصهيوني .
لهذا كله نرى أن الامبريالية الاميركية وحكومة الاحتلال الصهيوني ، لم تتركا فرصة لكسب الوقت ومواصلة لعبة المبادرات والنشاطات السياسية على أمل تضليل الرأي العام وجذب القوى الرجعية في المنطقة العربية وفي مقدمتها النظام الأردني ، من اجل فرض الحلول الجزئية الاستسلامية التي تهدر حقوق الشعب العربي وتحقق للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أطماعها ، ففي الوقت الذي تحركت فيه جولدا مائير إلى فرنسا والفاتيكان ونشط اقطاب الاحتلال الصهيوني في اميركا وأوروبا ، وفيما يباشر نيكسون ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة الامريكية ، يعلن بأنه سيتفرغ لحل مشكلة الشرق الأوسط ، وفي الوقت نفسه ، يصرح وزير خارجيته روجرز ، عن مبادرة جديدة لفتح قناة السويس .
إن المؤتمرات القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي رفضت الحلول الجزئية وأي حل استسلامي يقصد فرضه على شعبنا ، كما أن الشعب العربي ، لم تعد تنطلي عليه الأكاذيب الصهيونية والرأي العام العالمي اصبح اكثر تفهما وإدراكا للحق العربي وبطلان السياسة الامبريالية والصهيونية . الأمر الذي تؤكده جولة جولدا مائير الأخيرة في اوروبا حيث استقلت بمظاهرات الاستنكار والشجب ، إضافة إلى إعلان السيد جورج بومبيدو رئيس الجمهورية الفرنسية عدم ترحيبه بها ، وكذلك النتائج السلبية التي أعقبت زيارتها الفاتيكان واضطرارها لان تعلن بوقاحة نادرة عن الحقد واللؤم اللذين تنطوي عليهما نفسها تجاه الإنسانية ، عندما ردت على البابا بولس السادس في إشارته للاضطهاد الذي تمارسه الصهيونية ضد العرب قائلة ، ( أتعرف ياصاحب القداسة ما هي أولى ذكرياتي ؟ إنها مذبحة ((كييف)).
أعلنت للصحفيين في الأرض المحتلة عن تلك المقابلة : كان عندي شعور بأنني أخاطب رجل الصليب الذي يقود الكنيسة والتي في ظل شعارها ـ الصليب ـ ذبح اليهود عدة أجيال ، ولم يكن باستطاعتي التهرب من هذا الشعور الذي كان لاصقا بي)).
أن فشل جولة مائير وانحسار الأقنعة الأخيرة التي تغلف نفسيات الساسة الصهانية وتبجحهم باسم الحضارة وبحجة ادعاءاتهم بالاضطهاد الذي وقع على اليهود ، وان التحول الإيجابي الذي بدأنا نلمس آثاره في أوساط الرأي العام العالمي عامة وفي أفريقيا بالذات ، أن هذا كله وغيره من المؤشرات الإيجابية ، ينبغي إلا يحملنا على التفاؤل والاستسلام للأحلام فلا يمكن لاعدائنا أن يفوتوا فرصة دون السعي الحثيث لتحقيق أهدافهم وبمختلف الوسائل ، وهم في ذلك يلقون تجاوبا من الذين ينتفعون بالاحتلال والتجزئة وبقاء المجتمع العربي متخلفا بعيدا عن التطور الحضاري .
ومن هنا تبرز أهمية الصمود وأهمية الردع وكذلك الدور الأساسي الذي يترتب على تطبيق الحشد الفعلي للطاقات العربية في مواجهة معركة التحدي . وبذلك تتبين الفوائد الكبيرة التي تعول على الموقف الإيجابي للقطر العربي السوري ومبادرته في إيفاد الرفيقين نائبي رئيس مجلس الوزراء وزيري الخارجية والإصلاح الزراعي ، إلى أقطار الوطن العربي من أجل نقل وجهة نظر الحزب والسلطة للرؤساء والملوك العرب ومواجهتهم بمسؤولياتهم التاريخية حيال خطورة الأوضاع الراهنة التي تهدد وجود الأمة العربية بتهديد القطر العربي السوري ومحاولة عزل جمهورية مصر العربية عن دورها الأساسي في المعركة ، وعدم السير الجدي في إحياء الجبهة الشرقية التي يجب أن يقع عبء رئيسي فيها على العراق . ولابد هنا من التنويه بالنتائج الجيدة التي سوف تترتب على توقيع اتفاقية البترول بين سورية والعراق ، لان هذه الاتفاقية إضافة إلى تدعيمها الاقتصاد السوري وتمكينه من مواجهة أعباء الحرب ، فهي مؤشر إيجابي على طريق حشد الطاقات العربية وتشجيع العراق لان تأخذ دورها في هذا المجال وتخطو خطوات اكثر إيجابية في التنسيق والتعاون بشتى الوسائل التي تعزز الموقف العربي . وأخيراً، لابد من التأكيد انه كلما تعززت في نفوسنا وبين صفوفنا إرادة القتال وروح المبادرة والتصدي ، كلما تكشف بطلان وإخفاق الحلول الجزئية التي يراد فرضها علينا ، للقضاء على طموحات شعبنا وأعاقته عن اللحاق بركب الحضارة والإسهام في تكوين الإنسان الحديث الذي يتصدى للتخلف والظلم ويصنع بنفسه مستقبله المشرق .
المناضل