موضوع العولمة
8 ـ موضوع العولمة
العولمة تعني، بوجه عام، ترابط العالم وتواصل أجزائه والتفاعل بين هذه الأجزاء، حيث تأخذ الأفكار والممارسات والتوجهات والتطورات بعداً عالمياً، وتنتهي شيئاً فشيئاً كل انعزالية أو انغلاق..
والعولمة ظاهرة قديمة، تمثل نزوع الانسان والظواهر نحو الساحة الأوسع التي تتخطى الحدود الاقليمية أو الجغرافية أو الثقافية. أما العولمة المعاصرة فقد ظهرت بداياتها في كنف النظام الاستعماري. وبعد الحرب العالمية الأولى ظهر هذا المصطلح مفهوماً مركزياً في النظريات الجيوسياسية للقوى الكبرى، وأشار الى تخطي مشاريعها الجيوسياسية والاستراتيجية الحدود الاقليمية الى مساحات العالم بكامله، مؤكدة على ترابط أجزاء هذا العالم واعتباره مادة متكاملة لمصالحها وأهدافها في السيطرة و استغلال ثروات العالم.
بعد الحرب العالمية الثانية توسع مفهوم العولمة ليشمل مضامين اقتصادية وثقافية وتكنولوجية وإعلامية. وقد انتشرت الحدود الجغرافية للعولمة لتشمل العالم بكامله، بالمفهوم الجغرافي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وقد ظهرت مضامين هذه العولمة الأساسية في عالم غير متوازن وغير متكافىء، يسيطر عليه منطق التطور الرأسمالي الذي يقوم على قواعد التطور غير المتوازن على المستوى العالمي، وتسيطر فيه القوى الرأسمالية الكبرى التي تعمل على تعزيز هيمنتها وسيطرتها على العالم بكامله.
وقد أسهم في تعزيز ظاهرة العولمة التطور التكنولوجي الحاد، وخاصة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والإعلام، مما سهل الانتقال السريع للأفكار والمعلومات حتى أصبح العالم وكأنه قرية صغيرة. ومن أهم سلبيات ظاهرة العولمة الراهنة تعزيزها لسيطرة قوى الهيمنة على مقدرات العالم مستغلة الفوارق بين الأغنياء والفقراء وبين الدول المتطورة والدول النامية. وتقوم هذه القوى بالتأثير على الاقتصاد العالمي عبر آليات متعددة من أهمها آليات النظام النقدي العالمي والنظام المالي العالمي وعمليات الشركات متعددة الجنسيات ومنظمة التجارة العالمية وسياسات الاستثمار والتجارة والمضاربات وتفعيلات رأس المال المالي، إضافة الى ما يقدمه الوضع الاحتكاري للعلم والمعرفة والتكنولوجيا من أولويات وقدرة على التحكم تمتلكها قوى الهيمنة.
ومن السلبيات أيضاً مسألة الغزو الثقافي، إذ إن العولمة تعزز هذه الظاهرة وتقوي من محاولات الهيمنة الثقافية وفرض نمط من التفكير والقيم والتقاليد وطريقة الحياة، وكل مضامين الثقافة الأخرى، وعدم الاعتراف بما تمتلكه الأمم الأخرى، وخاصة العريقة منها وفي مقدمتها الأمة العربية، من إرث ثقافي غني وطريقة حياة وتفكير متميزة. وتحاول قوى الهيمنة، عبر الغزو الثقافي، إحلال ثقافة جديدة بديلاً عن الثقافة والهوية الخاصة لكل أمة.
لكن العولمة تقوي من حدة التناقض العالمي العام، وهو التناقض بين الأوضاع الاحتكارية (اقتصاداً وعلماً وثقافة) لقوى الهيمنة والقطب الواحد، وبين الطبيعة العالمية، الانسانية، للانتاج والعلم والمعرفة وتقوية هذا التناقض يعتبر أمراً إيجابياً على المستوى التاريخي إذ أنه يقرب العالم من الحل الأكثر تطوراً.
وللعولمة إيجابيات معينة، فهي تفرض الانتقال السلس والسريع للمعلومات والعلم والمعرفة والتكنولوجيا والتفاعل الثقافي، مما يؤدي للتفاعل بين الثقافات وإغناء بعضها البعض فيما لو توفر مناخ للحوار والأخذ والعطاء وبما يساعد على شمول عملية التطور لتشكل هي الأخرى ظاهرة عالمية يستفيد منها الجميع.
لكن المشكلة في أن السلبيات تفرض فرضاً، أما الايجابيات فلا تستطيع الدول النامية الاستفادة منها تلقائياً، ففي كثير من الحالات تحتكرها القوى التي تمتلكها وتحاول حجبها عمن هم بحاجة إليها في الدول النامية. وعلى البلدان التي تعاني من محاولات اختراق ثقافتها أن تعزز انتماءها الثقافي والقومي وتشكل كتلاً اقتصادية كبرى قادرة على التعامل مع أهم مضامين العولمة (العلم والمعرفة والاتصالات والتكنولوجيا) بما يعزز إيجابيات هذه الظاهرة.
إن تحقيق المشروع القومي العربي، بكل مضامينه، هو العامل الوحيد الذي يمكننا من الاستفادة مما تقدمه العولمة من إيجابيات وإتقـاء سلبياتها.