كلمة المناضل - مزيـدا مـن الالتحـام بيـن القـوى التقدميـة
كلمة المناضل العدد 44 حزيران 1972
مزيـدا مـن الالتحـام بيـن القـوى التقدميـة
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
ذلك التحرك المتسارع على مرمى من النظر والسمع، المتلبس بأكثر من شكل مضلل ، تتسلل من خلاله الأصابع السوداء لنشاط اسود محموم في المنطقة العربية ، فتتعالى بين الحين والأخر أصوات كثيرة تتستر بأكثر من شعار مزيف ، تتهجم على مكتسبات الثورة الديمقراطية للجماهير في البلدان العربية التقدمية ، كأن ترتفع عقيرتها بالغيرة على القطاع العام وفشله في قيادة أو تسيير بعض القطاعات الاقتصادية ! وتتخذ نفس الأصوات سمات أخرى لتطرح حقدها على كل ما هو جماهيري وتقدمي ، فتدعو إلى الترامي على أقدام الامبريالية الامريكية بعد أن تحاول التأكيد بأنها صاحبة القوة التي لا يمكن دفعها ولا يمكن تلمس الإنقاذ إلا بواسطتها ؟! حملات مسعورة من الداخل والخارج ، وقفزات لعملاء الامبريالية الامريكية وسماسرتها على كثير من بقاع الوطن العربي ، من جنوبه إلى قلب الجزيرة العربية إلى الخليج العربي ، فإلى أمكنة أخرى ظاهرة ومستترة !! علما بان أهم ما يفتح المجال لهذه الحملات المسعورة هو التطاحن والاقتتال بين القوى التقدمية ، بدلا من أن تشكل جبهات تضم هذه القوى ذات المصلحة الواحدة في مواجهة عدوها المشترك الذي يوحد قواه وعناصره في حقد مجنون لضرب كل مظاهر الثورة أينما وجدت . فها هي بعض من نتائج هذه الحملات المحمومة على ثورة الجماهير تتبدى في اليمن الشمالي ، وها هي ملامح الانحراف عن أهداف الثورة التقدمية في السودان توجه صفعة إلى قوى التقدم ، وكل ذلك حصيلة حتمية لكل نظام يعمد إلى ضرب فصائل النضال الوطنية والتقدمية ، هذه الحقيقة التي أدركها المؤتمر القومي الحادي عشر لحزب البعث العربي الاشتراكي فنبه إلى مخاطرها بقوله : (( أن المحنة التي مرت بها ثورة السودان مؤخرا يجب أن لاتجر القوى والفصائل الوطنية والتقدمية . والتناحر)). أن حزبنا يرقب الأحداث في السودان الشقيق بقلق بالغ ، وهو يحذر من التورط في المواقف المتشنجة لأن هذه المواقف قد تقود القوى المعادية إلى الإغراق في المواقف الإقليمية والقطرية وتدفع به أثر فأكثر إلى مواقف يبتعد فيها عن الخط العربي التقدمي الوحدوي ، وقد تجره إلى صف القوى الرجعية والإمبريالية في القارة الإفريقية ، وسيقود ذلك بالتأكيد إلى التآمر على القوى الوطنية في المناطق المحيطة بالسودان ، وتحدث هوة واسعة بينه وبين دول المنظومة الاشتراكية التي هي حليفنا في هذه المرحلة من النضال ، كما قد تؤدي نتائج هذه الممارسات إلى أن تستغل من قبل القوى المعادية في السودان ، بحيث تجره اكثر فاكثر إلى الابتعاد عن الخط القومي الاشتراكي والانجراف إلى مواقع لا نريد ان نراه فيها . إن هذا الحشد الهائل من التحديات الذي تشنه القوى المضادة للثورة بأنواعها ، تستهدف وضع الروح الثورية العربية في دوامة من التراجعات المتوالية ، ودفع الذهن العربي إلى شبكة الأحداث المتسارعة بتواتر لم تعرفه أية منطقة للصراع في العالم ، بحيث ينتهي إلى حالة من الدوار تشله عن الحركة ، وعن القدرة على تحديد المسار الصحيح لارادته في التحرر ، والتمكن بالتالي من تهيئة الظروف لضرب فصائل النضال التقدمية والوطنية ، وتكريس الوجود الصهيوني والامبريالي على الأرض العربية ضمن المناخات الرجعية الملائمة !. الا ان مظاهر هذا الحشد سواء ما كان منها يعج بعصف البارود والنابالم الذي تنفثه العدوانات الاسرائيلية المتتالية على الأرض العربية وعلى طلائع الثورة الفلسطينية ، وسواء منها ما يلبس بلبوس أخرى مبرقعة بأكثر من لون تمهد له شراذم الرجعية والعمالة ، لن تستطيع أن تشل الفكر العربي الثوري عن اتخاذ المواقف الملائمة ، ولن تستطيع أية دعوة مضللة أن تخفي هويتها عن الجماهير العربية ، ومع هذا فان قوى الثورة والتقدم في سهرها الدائم على خطوط المواجهة المباشرة مع مختلف القوى المضادة للثورة ، وتدعيم وقوفها اليقظ من اجل التقدم المتواصل لعملية البناء الداخلي للنظم التقدمية وتدعيم الجبهات الداخلية القادرة فعلا على الصمود بمحافظتها على سماتها الجماهيرية والثورية .
ان هذه القوى مطالبة بتحرك أكثر شمولية واستيعابا لطبيعة المعركة التي يخوضها شعبنا، إنها مطالبة وبإلحاح لايحتمل أي تأجيل بالسعي إلى إيجاد الصيغ الكاملة والواضحة للرد العملي على كل التحديات والتصدي لعملية التحرير التي تضع انساننا العربي على طريق بناء حياة إنسانية حقيقية مطالبة بإيجاد هذه الصيغ في المجال التنظيمي ، مطالبة بإيجادها من اجل عملية ضبط وتنسيق علميين لمختلف الإمكانات المادية والمعنوية القائمة على الساحة العربية وموقع كل منها من المعركة ، وفي ضوء المعطيات الناتجة توضع استراتيجية تحريرية تحدد عملية التحرك الثوري على المدى القريب والبعيد .
وشهر حزيران هذا العام لم نتركه يمضي دون أن نحمله اكثر من حدث يرسم على مشارف الأفق الآتي بعضا من رؤى مشرقة ، لقد أمم البترول في العراق الشقيق ، وممتلكات شركة نفط العراق في القطر العربي السوري ، لقد أكد حزبنا دوما أن الهدف النهائي لأية سياسة بترولية عربية تقدمية يجب أن يسعى إلى وضع النفط العربي في خدمة المعركة .
إن تحقيق هذه الغاية هو جزء من استراتيجية الثورة العربية الهادفة إلى تحرير الوطن العربي من الاستعمار علما بان السعي بهذا السبيل يقتضي اتباع مرحلة سياسة مرحلية توصل إليه وتخدم المصلحة القومية في الفترة الراهنة وعلى المدى البعيد .
حدث آخر حمله معه حزيران معه هذا العام وهو البدء بالخطوات الأولى نحو توحيد منظمات العمل الفدائي، وذلك بتشكيل إدارة إعلامية واحدة ناطقة باسم المنظمات جميعا، والبدء بعملية توحيد النشاط العسكري لهذه المنظمات في الطريق إلى التنفيذ أيضا ، وإذا كانت هذه الخطوات تتطلب من المنظمات وكل القوى التقدمية العربية إن تجعل من صيغة الوحدة هذه سبيلا عمليا إلى انتهاج خط علمي في الثورة يعتمد التخطيط والتنسيق فان فصائل النضال التقدمي في كل الوطن العربي تتحمل مسؤولية خلق الظروف ، وتقديم كل ما من شأنه أن يساعد هذه الخطوة على التقدم ضمن مسار ثوري صحيح لا يفتح أي مجال لأي تحرك مضاد يمكن أن يحرفها عن مسارها وكل هذا يجعلنا نعود إلى التأكيد بأن عناصر المعركة التحريرية العربية تتوضح وتزداد رسوخا يوما بعد يوم وأفضل ما يمكن أن يحمله حزيران هو السعي من أجل تنسيق اكثر شمولية في شرق الوطن العربي ومغربه ترسم من خلاله أسس المشاركة والأدوار لكل جهة ، كي تنصب جميعها على طريق المسيرة التحررية والتقدمية نحو هدف التحرير وإقامة المجتمع العربي الاشتراكي الموحد .
المناضل