النهار - الرئيس الإيراني والحصاد اللبناني
الأحد 17-10-2010
الرئيس الإيراني والحصاد اللبناني
كُتب الكثير عن زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للبنان. لكن في اللحظة التي غادرت طائرته مطار رفيق الحريري الدولي صار همُّ اللبنانيين معرفة ما جنوه من هذه الزيارة التي نقلتهم الى مشهد اقليمي ودولي متوتر كانوا في غنى عنه.
بداية، لا بد أن يعطي المسؤولون، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان جواباً عن سؤال عما حصده لبنان من الزيارة، كونه الداعي اليها. فهل كان يدرك ان الضيف سيتصرف وفق المثل القائل: "يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل؟".
فالرئيس الايراني تصرف في لبنان على نحو لا يفعله أي رئيس في العالم يزور دولة أخرى، بالغاً ما بلغ قربه منها، وعلى سبيل المثال: هل كان للرئيس نجاد في زياراته المتكررة لسوريا ان يلبي دعوة من فريق من المواطنين السوريين فيذهب الى مهرجان اقاموه في آخر مساحة محررة قرب الجولان المحتل فيطلق من هناك تهديدات بالجملة والمفرّق ضد اسرائيل واميركا وسائر من ينتمي الى العالم الرأسمالي؟ ثم كيف تسمح الدولة أن تحصر واجبات الزيارة بمقار الرئاسات الثلاث وأن تتخلى عنها في حرم المطار الذي يمثل واجهة أي بلد ذي سيادة على العالم؟ أما الاتفاقات التي وقعت، فإن أمرها لا يكتسب أهمية مقارنة باعلان الرئيس الايراني محوراً يضم لبنان يمتد من طهران الى بيروت، علماً ان وزير الطاقة جبران باسيل المقرّب جداً من "حزب الله" ذراع ايران في لبنان، أطل في مؤتمر صحافي بعد الزيارة لينظم عمل مولدات الكهرباء الخاصة في وقت كان ينتظر اللبنانيون منه أن يقول لهم ماذا سيجني لبنان من العروض السخية التي تحدثت عنها طهران لإمداد لبنان بمصادر الطاقة. التحرك الرسمي الوحيد الذي أنقذ ماء وجه لبنان تولاه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري عندما كشف انه في حوار بينه وبين الزائر الايراني سأله كيف يتحدث عن لبنان في محور مواجهة ولم يسأل أحد دولته عن موقفها.
والسؤال موجه ايضاً الى الطائفة الشيعية عموماً و"حزب الله" خصوصاً عما جنوه من زيارة نجاد؟ هل ترك بين أيديهم وسائل قوة أكثر من تلك التي يملكونها بما يمكنهم من القيام بالالتزامات التي تركها على عاتقهم أن يكونوا رأس حربة في محور ازالة اسرائيل من الوجود؟ هل أصبح الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله أكثر أماناً بفعل هذه الزيارة، علماً انه استقبل ضيفه في ملعب الراية بكلمة متلفزة وغاب كلياً عن واجب الضيافة في ملعب بنت جبيل الذي كان لنصرالله اطلالة تاريخية فيه بعد التحرير عام 2000 ولكنها لم تتكرر؟ هل يجعل هذا الاستنفار الشعبي الذي مارست فيه القوتان الشيعيتان "حزب الله" وحركة "امل" أقصى طاقاتهما، على غرار مهرجان الوفاء لسوريا في 8 آذار 2005، الطائفة الشيعية أكثر قرباً من سائر الطوائف أم سيجعلها مكشوفة أكثر فأكثر على انها جالية سورية - ايرانية تعيش في هذه البلاد لكنها تملك بطاقات هوية وطنية؟
أليس من المعيب جداً ان يتصاعد الاستهجان من المشاركين في مهرجاني ملعب الراية وبنت جبيل عندما ذكر نجاد اسم رئيس الحكومة ولم يتحرك أحد ممن يقودون هؤلاء المشاركين لتصحيح هذا السلوك المشين؟ هل ضمن قادة الشارع الشيعي ان ايران في الحرب المقبلة التي ستشنها اسرائيل على لبنان ستفي بالتزاماتها لإعانة مئات الالوف من الذين سيهجرون من منازلهم التي قد تصبح مجدداً اطلالاً كما حصل في حرب تموز 2006؟ وهل حصلوا على وعد منها بأن تحذو حذو كل العالم في الشرق والغرب عندما فتحوا الابواب أمام الخارجين من جحيم الحرب بمن فيهم من هم من جماعة "حزب الله" الذين يحملون بالآلاف جوازات سفر أجنبية؟ وهل أخذ هؤلاء القادة في الاعتبار مشاعر سائر اللبنانيين الذين يتلقون الاهانات تلو الاهانات من المتغطرسين الجدد الذين لم يتعظوا بما حل بالمتغطرسين القدامى من أهل البلاد في التاريخ الحديث والقديم على السواء؟
الاجوبة البديهية تفيد ان الطائفة الشيعية هي مجدداً كبش فداء عند أقدام صنم ولاية الفقيه الايراني. والسؤال: ما هو الثمن المطلوب لكي يلتزم الممسكون بزمام الطائفة، وتحديداً "حزب الله"، قواعد أن لبنان بيت بمنازل كثيرة، وان واحداً منها فقط شيعي؟
كما ان الاجوبة البديهية تفيد ان استقلال لبنان لا يزال وهماً. ويتمنى اللبنانيون أن يكون تعهد الجيش منع أي فتنة بعد القرار الظني للمحكمة الدولية وعداً ثابتاً. وإلا فإن ما كشفته زيارة الرئيس الايراني هو ان هذه البلاد تعيش في كنف شبه دولة تمارس نفوذها على مساكين شعبها وتتفرج على المتنمرين يفرضون نفوذهم.
احمد عياش