كلمة المناضل - عدد - إمبراطورية اليوم ودروس التاريخ
كلمة المناضل العدد 317 ت 2 ـ ك 1 2002
إمبراطورية اليوم ودروس التاريخ
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
عندما وافقت سورية على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441 الخاص بالتفتيش على أسلحة الدمار الشامل في العراق كانت تدرك أنه وتنفيذاً لذلك القرار سيقدم العراق تقريره إلى مجلس الأمن حيث يطلع بكامل أعضائه على فحوى التقرير ، ومثل ذلك تقارير لجنتي الطاقة الذرية والأسلحة الكيماوية كي يستطيع المجلس أن يقيم ذلك ويتخذ القرار اللازم بخصوص النتائج ، ولم يكن يخطر ببال أحد أن تصادر الولايات المتحدة الأميركية التقرير الذي قدمه العراق للمجلس وتحصر توزيعه على دول النادي النووي الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس وتحرم الدول العشر الأخرى الإطلاع على كامل التقرير وتقدم لهم نسخاً مختصرة منقحة من التقرير كما أرادت .
إن ذلك العمل يشكل انتهاكاً صريحاً للقرار 1441 نفسه إضافة لما يشكله من خرق للمواثيق الدولية ولأسس عمل المجلس وغيره من المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة .
إن انفراد الولايات المتحدة بالإعلان على " ما قام به العراق يشكل خرقاً مادياً للقرار " هو لإعطاء فكرة أو قناعة مسبقة للعالم كي يبتلع تلك البدعة الأميركية ويقطع الطريق على أية استنتاجات موضوعية لبقية أعضاء مجلس الأمن سواء الدائمين أو غيرهم . وهذا ما دفع عدداً من الدول وفي مقدمتها سورية إلى رفض تلك الأفكار الأميركية المسبقة ، وهو الذي حدا بسورية إلى رفض المشاركة في النقاش الذي يطرح على مجلس الأمن حول التقرير العراقي " الناقص والمتجزئ " حيث أعادته سورية إلى المجلس ورفضت تسلمه .
إن التصرفات الأميركية حول العراق سواء منها السياسية أو العسكرية تدفع العالم سريعاً إلى الاقتناع بأنها ستقوم بالعدوان العسكري الواسع على العراق رغم كل ما قام به العراق من امتثال للقرار 1441 ، وإظهاره التعاون التام مع المراقبين الدوليين كما أعلن رئيسا اللجنتين الدوليتين والمفتشون الدوليون أنفسهم ولمرات متعددة ، وسيكون ما قامت به الولايات المتحدة بلجوئها إلى استصدار قرار مجلس الأمن أو غير ذلك ما هو إلا خدعة لتضليل العالم كي يستفيد من الزمن للتحضير إلى تلك الحرب الظالمة والمدمرة ، والتي ستقود المنطقة إلى المجهول كما قال الرفيق الرئيس بشار الأسد .
والمفارقة أنه عندما تقدمت سورية في الفترة نفسها بمشروع قرار إلى مجلس الأمن ذاته لإدانة " إسرائيل " على تدمير منشآت الأمم المتحدة وقتل موظفيها الذين أرسلهم المجلس نفسه لإغاثة اللاجئين والمخيمات الفلسطينية وبعضهم من رعايا الدول الدائمة العضوية في المجلس ، ويوافق المجلس بأغلبية أعضائه ومن ضمنهم إنكلترا وفرنسا وروسيا والصين على مشروع القرار الذي يدين " إسرائيل " على فعلتها تلك ، تقوم الولايات المتحدة باستخدام حق النقض ( الفيتو ) لذلك القرار . إن تلك السياسة ذات المعايير المزدوجة تظهر بوضوح النوايا العدوانية والإجرامية التي تمارسها الولايات المتحدة وحليفتها الصهيونية في المنطقة العربية .
إنهم وبكل وضوح يريدون إطباق فكي الكماشة من الشرق في العراق ومن الغرب في فلسطين على كامل المنطقة وصولاً إلى سحق أية مقاومة لتلك السياسة العدوانية ، وبالتالي استهداف سورية وقيادتها المناضلة وكذلك القوى الوطنية والتقدمية المقاومة للعدوان في لبنان والوطن العربي التي تقف في مواجهة السياسة التوسعية للعدو الصهيوني ، ويظهر ذلك بوضوح في السكوت المطبق عن الممارسات الصهيونية الهمجية التي تمارسها " إسرائيل " في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة من قتل للمواطنين الأبرياء بكافة فئاتهم العمرية ، ومن تدمير كامل للبنية التحتية وهدم منازلهم وتجريف مزروعاتهم والاستيلاء على أراضيهم وإعادة احتلال كامل الأراضي الفلسطينية دون كلمة احتجاج واحدة على " إسرائيل " من الولايات المتحدة الأميركية التي من المفروض ووفق القرارات الدولية أن تكون راعية للسلام وهي إحدى الأعضاء الأربعة الذين أوكلت لهم مهمة وضع الحل اللازم بين السلطة الفلسطينية و " إسرائيل " .
إن التقرير الذي قدمته اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة الذي يسمى " بخارطة الطريق " يواجه تأجيلاً مستمراً من الرئيس الأميركي وإدارته كي يتسنى لهم ترتيب وضع العراق بعد العمل العسكري المنوى شنه في المنطقة وفي ضوء احتمالات تغيرات واسعة تشمل المنطقة برمتها وليس العراق وحده . وتظهر التقارير الاستخباراتية يومياً تعاوناً وثيقاً بين أميركا و " إسرائيل " وتنسيقاً عسكرياً للعمليات العسكرية التي ستقوم في العراق .
إنه وبسبب سياسة الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية الآن أصبح العالم يعيش حالة رعب وإرباك ، وليس فيه أية قيمة للمواثيق الدولية ، أو احترام القرارات المتوازنة التي جهدت البشرية للتوصل إليها بعد حروب عديدة وكوارث مدمرة مرت على العالم منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية ، والحرب الباردة ، حتى الآن .
وعندما اختل التوازن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، أصبحت أميركا الدولة العظمى التي تحاول إعادة صياغة الحياة في العالم على هواها ، وتحاول سحق جميع الحضارات والثقافات والخصوصيات التي تشكل هوية شعوب العالم وثقافاته قروناً طويلة .
إن تلك المحاولات سوف تواجه اليوم بتذمر وتململ ورفض من معظم دول العالم والتي ستواجه غداً كما واجهت القوى والإمبراطوريات الظالمة السابقة في التاريخ سوف تواجه بعالم يعصف بها ويدمرها كما حل بسابقاتها . ولنا في استذكار تاريخ العالم عبرة.