كلمة المناضل - عدد - الانتفاضة الفلسطينية بين مطرقة الاحتلال وسندان السياسة
كلمة المناضل العدد 309 تموز ـ آب 2001
الانتفاضة الفلسطينية بين مطرقة الاحتلال وسندان السياسة
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
يوماً فيوم تتصاعد حدة المواجهة بين الجماهير الفلسطينية وقوات العدو الصهيوني, ومع مرور الوقت تتحول الانتفاضة الباسلة إلى ثورة جماهيرية شعبية عارمة ، أضفت ولأول مرة على الصراع مع العدو طابعاً مميزاً ، فقد تعود العالم خلال الخمسين سنة المنصرمة على سماع ومشاهدة مظاهر مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من خارج الأراضي الفلسطينية ، عبر عمليات عسكرية تجري في معظمها من مناطق خارج حدود فلسطين وبعض تلك العمليات حدثت سابقاً خصوصاً في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي خارج الوطن العربي أو في دول بعيدة جداً ، مما شكل بعض الإحراج السياسي والمواقف السلبية تجاه العمل الفلسطيني والعربي آنذاك ، والقليل المحدود من العمليات الجادة وقعت داخل الأرض المحتلة ، أما الآن فقد تغيرت الصورة تماماً حيث تنامت المقاومة في الداخل حتى شدت العالم وأصبحت هي الأساس في مواجهة سلطات الاحتلال وآلته الحربية وسياسته العنصرية الاستيطانية المجرمة ، ونادراً ما نسمع عن عمليات مقاومة خارج الوطن المحتل .
هذه هي الصورة الطبيعية للمقاومة ، وهي إن استغرقت وقتاً طويلاً كي تتخذ شكلها الموضوعي ، فإنها تقدم اليوم تضحيات يصعب حصرها في الأرواح والممتلكات جعلت جميع الشرفاء ينحنون إجلالاً لها لأنها حق مشروع لشعب وقع تحت الاستعمار الاستيطاني ويناضل من أجل استعادة أرضه وحريته وحقوقه .
لقد تجاوزت الثورة الفلسطينية مرحلة مهمة من مراحل كفاحها السياسي والعسكري وأضحت متجذرة وراسخة في قلوب الملايين من أبناء شعبنا وتفرض نفسها اليوم واقعاً معاشاً داخل الأرض المحتلة رغم عنف الضربات التي تتلقاها من العدو في مختلف مجالات حياتها ، وأصبحت قوافل الشهداء ومن مختلف قطاعات الشعب وفئاته العمرية أطفالاً وشباباً وشيوخاً ، المشهد اليومي في المدن والبلدات الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال ، على مرأى ومسمع العالم أجمع .
وعلى الرغم من هذه التضحيات الكبيرة تزداد صلابة الشعب الفلسطيني ، وتتعزز وحدته الوطنية ، ويزداد إصراره على نيل حقوقه المشروعة ، مهما بلغت التضحيات ، وهذا الأمر يحتاج إلى قيادة قادرة وشجاعة وصادقة تسير مع جماهيرها نحو الأهداف المنشودة .
إن سياسة الجسور المفتوحة والقنوات السرية مع العدو ، ومحاولات إعادة التفاوض على مسائل من المفترض أن الانتفاضة قد تجاوزتها واسقطتها ، وطرح شعارات تهدف إلى إجهاض العمل الثوري الذي وصلت إليه الجماهير ، والمساومة على دماء الشهداء ، والمحاولات اليائسة للتهدئة كما تريد الولايات المتحدة الأميركية الراعية الأولى في العالم لسياسة إسرائيل العدوانية ، والإذعان لما تريده حكومة الإرهابي ارييل شارون ، أمر تجاوزته المقاومة .
إن القيادة التاريخية الصادقة ، هي التي تمسك في لحظة ما أهداف شعبها وتتقدم مع جماهيرها تدافع وتقاوم ، وتضحي ، وتعطي النموذج الذي يحتذى في العمل الصحيح والموقف الصلب ولو تطلب ذلك بذل دمها في سبيله .
إن الثورة الفلسطينية القائمة الآن في الداخل ترهب العدو وحلفاءه . وتقلق مستوطنيه وتثير شكوكهم حول مسألة بقائهم على الأرض العربية ، وعلى الرغم من التضحيات التي قدمتها الثورة فهي في الوقت نفسه قد ألحقت بالعدو الإسرائيلي خسائر فادحة ، سياسية ، واقتصادية ، واجتماعية وبشرية ، وإن استمرار ذلك يعني ازدياد الضغوط على المجتمع الصهيوني الذي لن يستطع تحمل ذلك لفترة طويلة ، بسبب طبيعته وبنيته السكانية ، والاقتصادية المعقدة وحاجته إلى الأمن والاستقرار والهدوء حتى يحقق أهدافه ونموه .
وفي الوقت نفسه بقدر ما تحتاج الانتفاضة إلى مثل تلك القيادة التي ترقى إلى مستوى تضحياتها ، تحتاج أيضاً إلى الدعم العربي الرسمي والشعبي ، مادياً وسياسياً ومعنوياً ، وبذل جهد سياسي وإعلامي فاعل أمام الرأي العام العالمي الذي يقع يومياً تحت تأثير الإعلام الصهيوني المعادي الذي يظهر " دولة إسرائيل الوادعه " وهي تقاوم العدوان الذي يشنه عليها شباب الانتفاضة وأنها تدافع عن نفسها وعن أمنها وعن شعبها " المسالم " !!!!
إن تفعيل العمل العربي على مختلف المستويات ضرورة وطنية وقومية لكل عربي أينما وجد ، ولكل دولة عربية مهما كان نظامها أو موقعها الجغرافي من فلسطين ، لأن الصهيونية تستهدف العرب جميعاً ، ويستلزم ذلك وقف كافة الاتصالات مع العدو حسب قرارات القمم العربية ورفض التطبيع معه ، وتفعيل وتطبيق قرارات المقاطعة العربية لإسرائيل ، لأنها سلاح مشروع وفعال وهو حق لمن يقع عليه العدوان ، إن دولاً عربية وغيرها تتعرض للمقاطعة الآن دون وجه حق ويفرض عليها الحصار وهي لم ترتكب من الأخطاء ما ارتكبته إسرائيل من الجرائم البشعة وعلى مدى خمسين عاماً من العدوان المستمر على الأمة العربية عموماً والشعب العربي الفلسطيني على وجه الخصوص . وإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي ترفض الالتزام بقرارات المجتمع الدولي وتقاومها ، وترفض تطبيقها منذ تأسيسها عام 1948 خصوصاً قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 , 338 القاضيين بوجوب انسحابها من كافة الأراضي العربية المحتلة والإقرار بالحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني بما فيها حقه في العودة وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني .
إن ما يقوم به الحزب وقيادته في القطر العربي السوري من تفعيل للتضامن مع الانتفاضة ودعمها بمختلف الوسائل أمر يجب أن يحتذى به في كافة الأقطار العربية وهو واجب قومي على كل فرد من أفراد الأمة العربية .