كلمة المناضل - عدد - ماذا وراء التهديدات التركية لسورية ؟؟؟
كلمة المناضل العدد 292 أيلول ـ ت1 1998
ماذا وراء التهديدات التركية لسورية ؟؟؟
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
في تطور مفاجئ أعلنت تركيا قبل أسابيع قليلة أنها توجه تحذيراً وتهديداً لسورية ما لم توقف دعمها لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يقوم بعمليات عسكرية ضد النظام التركي منذ أكثر من عقد من الزمان في المناطق الكردية في تركيا .
لقد أثارت التهديدات التركية المفاجئة لسورية استغراباً واستهجاناً واستنكاراً لدى الرأي العام العربي والإسلامي والدولي خصوصاً وإنها تزامنت مع تصعيد خطوات تنفيذ التعاون العسكري بين تركيا وإسرائيل من خلال الحلف العسكري الذي أقيم منذ فترة والذي تبعته مناورات عسكرية تركية إسرائيلية في حوض المتوسط الشرقي في تهديد واضح للمصالح القومية العربية وللأمن في منطقة شرق المتوسط ومع ربط النوايا العدوانية الإسرائيلية ضد سورية باعتبارها عقبة في وجه المصالح الإمبريالية الصهيونية، ومع تصاعد الأزمة في الكيان الصهيوني ووصول العلاقات مع سلطات الحكم الذاتي الفلسطيني إلى طريق مسدود ، ومع استمرار تعنت حكومة الصهاينة برفض الانسحاب من جنوب لبنان وتطبيق القرارات الدولية بهذا الخصوص ورفض استئناف المفاوضات مع سورية من النقطة التي توقفت عندها ، ومع الأزمة التي أحاطت بالرئاسة الأميركية عقب نشر تقرير المحقق الأميركي في علاقات الرئيس الأميركي بموظفة البيت الأبيض مونيكا لوينسكي ، ولرغبة تركيا للهروب من جميع المشكلات التي تحيط بها وبحكومتها ، بادرت إلى تهديد سورية واتهامها بمساعدة حزب العمال الكردستاني التركي في محاولة للتخفيف عن حلفائها وإخراجهم من مأزقهم وتطبيقاً للتحالفات السياسية والعسكرية التي تضمنها اتفاق التعاون التركي الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية .
إن المتتبع لما يجري في المنطقة وفي تركيا على وجه الخصوص يستنتج بسهولة أهداف التحرك التركي الأخير الموجه ضد سورية وضد الأمة العربية ومصالحها وأمنها واستقرارها .
فتركيا تعيش أوضاعاً داخلية سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية صعبة للغاية ، كما أن وضعها السياسي الدولي لا تحسد عليه وعلاقاتها مع جميع الدول المجاورة لها في غاية السوء والتوتر ، وعلاقاتها الأوربية في أزمة ، وبنتيجة تحالفها العسكري مع الكيان الصهيوني أصبحت أوضاعها متوترة مع عدد من الدول العربية والاسلامية وتعيش عزلة تفاقم من أزماتها المتعددة .
فالوضع الداخلي في تركيا والذي يشكل فيه الجيش المحرك الأساسي في السياسات الداخلية والدولية رغم وجود حكومة مدنية تواجه حركة تمرد كردية مصحوبة بعمليات عسكرية ضد قوى الأمن والجيش التركي تدفع فيها الحكومة خسائر مادية وبشرية يصعب حصرها وتشكل أزمة حقيقية ضاغطة على الحكومة والمجموعة العسكرية التي تتحكم بالأمور ، والحركة الإسلامية الناشطة في تركيا والتي تحاول الحكومة والجيش منعها وقمعها بالوسائل المتعددة تزيد من أزمة النظام وتكسب هذه الحركة مواقع جديدة في مختلف مجالات التأثير يوماً بعد يوم .
وتركيا على أبواب انتخابات عامة في الأشهر القليلة المقبلة ومع تصاعد المد الإسلامي فإن القوى المهيمنة على السياسة التركية ترى في تحقيق عمل ما يمكن أن يؤدي أما إلى تأجيل الانتخابات أو إلى تحقيق مكاسب معينة بعد تهديد سورية ويقود بالتالي إلى تحسين وضعها السياسي داخل تركيا ، ومحاولة لامتصاص التوتر الحاصل والخروج من الأزمة الاقتصادية التي تحيط بها وكذلك تخفيف الحملة العربية والإسلامية على تركيا ، جراء تحالفها مع إسرائيل كل ذلك دفع بالأوساط التركية النافذة إلى التحرك ضد سورية على أمل أن يكون رد الفعل السوري متجاوباً مع ما تخطط له تركيا وتتفاعل الأزمة كي تؤدي إلى النتائج التي تأملها الدوائر التركية والصهيونية والامبريالية لجر سورية إلى موقع الصدام ولتحقيق ما يريدون .
لقد كان رد الفعل السوري المتزن والهادئ والمبدئي مؤثراً لدرجة حركت الأمة العربية جماهيرياً ورسمياً لمساندتها كما وقف عدد من الدول الإسلامية والأوربية في مواجهة التهديدات والعنجهية العسكرية الحاكمة في تركيا ، مما أفقد الموقف التركي مبرراته وأصبح في موضع الإدانة والاستنكار .
إن موقف سورية والذي نقله الرئيس حسني مبارك إلى الحكومة التركية ممثلاً الوساطة العربية يتمثل فيما يلي :
إن سورية ترى في تركيا دولة إسلامية وجارة لها ترتبط معها بعلاقات جوار على مدى عقود طويلة ، وسورية تتمنى الاستقرار لتركيا ولا تشجع القيام بأي عمل يضر بالمصالح التركية ، وسورية وهي تستذكر المواقف الإيجابية التي وقفتها تركيا سابقاً مع الأمة العربية في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي ، تتمنى أن تعيد تركيا حساباتها ومواقفها خصوصاً لجهة التحالف التركي الصهيوني الذي يشكل خطراً ليس على البلدان العربية وسورية بل على مستقبل المنطقة برمتها بما فيها الأوضاع في تركيا .
وترى سورية أن موقع تركيا الطبيعي هو في جانب الحق والقضايا العربية والإسلامية وليس عكس ذلك . لذلك فهي ترى أن الحوار والعلاقات الطبيعية وحسن الجوار هما الكفيلان يحل جميع المشكلات التي يطرحها الطرفان ولن تحل أية مشكلة بالتهديد والحشود وسوء النية ، وسورية عندما تقدم عرضها هذا فهي تقدمه من جانب القوة والتصدي لأي عدوان محتمل ولم ولن يرهبها التهديد باستعمال القوة العسكرية وترفض التهديد والوعيد من أي جهة كانت .
وهي عندما تقول أنها لا تدعم حزب العمال الكردستاني التركي فهي صادقة ومحقة في ذلك ومستعدة لإثبات دعواها أمام الاتهامات التركية غير المبنية على أي أساس سوى النوايا المعادية وخدمة الأهداف الصهيونية والامبريالية التي ترفضها سورية شكلاً ومضموناً .
لقد أثمرت الوساطة المصرية عن الاتفاق على خطة عمل للقاء مسؤولين من الجانبين على مستوى الخبراء لبحث المشكلات العالقة وخصوصاً ما تدعيه تركيا بالمشكلات الأمنية وفي ضوء تلك المباحثات يمكن استمرار اللقاءات السياسية وغيرها على مستويات أعلى ، ومع أن الحل الدبلوماسي قد أخذ مجراه ، فما زالت هناك أصوات في تركيا تنذر بالتهديدات واستعمال وسائل أخرى لمواجهة سورية مما يدل على أن النوايا لدى المسؤولين الأتراك ومن يحركهم ما زالت على حالها وهذا أمر تتوقعه سورية وهي ستتعامل مع أية مستجدات بما يتلاءم مع مصالح جماهيرها وجماهير الأمة العربية لأن هذه المصالح هي الوحيدة التي تهتدي بها سياسية سورية التي يقودها ويوجهها حزب البعث العربي الاشتراكي وأمينه العام الرفيق المناضل حافظ الأسد .