الحياة - الإتصالات الأميركية - الإيرانية المكثفة «تحت الطاولة» والحركة السريعة حول العراق أوجبت تصعيداً سورياً في لبنان
الحياة
الأحد, 17 أكتوبر 2010
الإتصالات الأميركية - الإيرانية المكثفة «تحت الطاولة» والحركة السريعة حول العراق أوجبت تصعيداً سورياً في لبنان
بيروت - وليد شقير
دعا مصدر سياسي لبناني بارز الى قراءة التوتر الشديد على الساحة اللبنانية انطلاقاً من مجموعة من التطورات الإقليمية الجارية بعيداً من الأضواء معتبراً أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ليست هي العامل الوحيد الذي يسبب هذا التوتر، بل انها عامل يضاف الى عوامل أخرى تتعلق بالتحالفات والتحركات الإقليمية الجارية على هذا الصعيد تنعكس تداعياتها على الصعيد اللبناني بدءاً من المعالجات لأزمة تشكيل الحكومة في العراق وصولاً الى ما يجرى على صعيد مفاوضات السلام على المسار الفلسطيني والتمهيدات للمسارات الأخرى لا سيما السوري منها، وصولاً الى معطيات عن أن قنوات التواصل السرية، بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران أنتجت تفاهمات كان التعبير الأبرز عنها التوافق بين واشنطن وطهران في العراق بدعم تولي رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي رئاسة الحكومة.
ويتفق المصدر السياسي اللبناني البارز مع أوساط ديبلوماسية على القول إن نهايتي شهر آب (أغسطس) وشهر ايلول (سبتمبر) الماضيين شهدتا حركة إقليمية - دولية سريعة ما زالت مستمرة تتعلق بالملفات الإقليمية تضمنت تبدلات في المواقف والمناورات السياسية، تنعكس على الوضع اللبناني لأنه الحلقة الأضعف التي يجرى استخدامها سواء في ما يتعلق بالمحكمة الدولية أو في غيرها من المواضيع، جاء التوتر الداخلي اللبناني على خلفيتها وبسببها.
وإذ بات مسلّماً به من الأوساط المتابعة لما يجرى على الصعيد الإقليمي، أن التوافق الأميركي - الإيراني على دعم رئاسة المالكي الحكومة وانضمام دمشق الى هذا التفاهم خلافاً لتفاهمها مع المملكة العربية السعودية على البحث عن شخصية أخرى غيره طالما أنه يصعب إيجاد توافق على تولي رئيس القائمة العراقية أياد علاوي رئاسة الحكومة، قد أحدث اهتزازاً في التفاهم بين الرياض ودمشق الذي حصل في 29 تموز (يوليو) في دمشق ثم في بيروت في القمة الثلاثية حول لبنان، فإن المصدر البارز يرى أن رفع الصوت من قبل المعارضة ضد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وتغطية دمشق الحملة عليها وعلى رئيس الحكومة سعد الحريري، على رغم تصريحاته لجريدة «الشرق الأوسط» في 6 ايلول شكل تحولاً في موقف دمشق استغربه كثر.
فالرئيس السوري بشار الأسد كان اتفق مع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط خلال اجتماعه به في 4 آب على الفصل بين المحكمة وبين القرار الظني نظراً الى إدراك القيادة السورية صعوبة إلغاء المحكمة على المستوى الدولي لأن الدول الكبرى لن تقبل بكسر قرارها وأن لا سابقة من هذا النوع، لا سيما أن اتفاق الأسد مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله كان على «السعي» السعودي لتأجيل القرار الظني، يقول البعض إنه تأجيل «لأجل غير مسمى»، يكون وسيلة لإطفاء المحكمة وإنهائها، بحسب ما ردد مسؤولون سوريون أمام زوارهم من اللبنانيين.
ما سبب انتقال دمشق من المراهنة على تأجيل القرار الظني، طالما يصعب طلب إلغاء المحكمة، الى تأييد مطالب حلفائها في لبنان، لا سيما «حزب الله» بإلغاء المحكمة، مقروناً بالحملة الشديدة على الحريري؟
يعدد المصدر السياسي البارز مجموعة عوامل، بعضها لا علاقة له بالمحكمة بذاتها. أبرزها:
1 - أن دمشق بمتابعتها الوضع العراقي وجدت نفسها أمام احتمالين، إما أن تنضم الى التفاهم الأميركي - الإيراني على المالكي، وتكون شريكة فيه، أو أن تبقى خارجه فتخسر موقع التأثير الذي اكتسبته بصلاتها مع علاوي والمجموعات السنّية المتحالفة معه والتي دعمتها خلال السنوات الماضية عبر البعثيين القدامى. وهي سلكت الخيار الأول وأخذ المسؤولون السوريون يرددون: «طالما اتفقت واشنطن وطهران فنحن لا نستطيع شيئاً والأفضل لنا أن نكون شركاء وأن نواكب هذا الاتفاق لنتلمس الصفقة التي يمكن أن تنتج عنه ومدى نجاحها».
2 - أن القيادة السورية اطلعت على معطيات حول «نشاط كبير وتواصل كثير يجريان بين طهران وواشنطن تحت الطاولة» في وقت بقيت العلاقات الأميركية - السورية دون المستوى الذي تنشده دمشق. وهو أمر أُجري التثبت منه خلال زيارة الموفد الرئاسي الأميركي لعملية السلام جورج ميتشل الى سورية في 16 ايلول لمطالبتها بعدم عرقلة التفاوض على المسار الفلسطيني، وطمأنتها الى أن جهود السلام ستشملها لاحقاً. وقد أجابه الرئيس الأسد في حينه أن سورية لن تعرقل الجهود على المسار الفلسطيني لاعتقاده أن الجانب الإسرائيلي سيحول دون إنجاحها، وإنه مستعد لاستئناف المفاوضات على المسار السوري مع دور تركي فيها من جهة لكنه يريد انفتاحاً أميركياً على سورية وفق الوعود السابقة بمجيء السفير الجديد الى دمشق ورفع الحظر المفروض في إطار العقوبات على سورية والذي يشمل عدداً من البضائع، وعودة التبادل التجاري عبر زيارات وفود متبادلة بين البلدين. ولم يرضِ جواب ميتشل في حينه الجانب السوري، إذ تحدث عن الصعوبات التي يواجهها الرئيس باراك أوباما مع الكونغرس الذي يزداد تحولاً نحو الجمهوريين وتشدداً حيال الانفتاح على سورية... وهو ما أثار حفيظة دمشق... وعبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن الخيبة من الموقف الأميركي بعد لقائه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون (وول ستريت جورنال في 29 أيلول).
3 - أن كل ذلك تزامن مع تشدد الحليف الرئيس لسورية، أي إيران، وبالطبع «حزب الله»، حيال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الذي ألحت طهران على دمشق الانضمام إليه، لا سـيما خلال زيارة الرئـيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الخاطفة الى دمـشق قبل توجهه الى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ايلول وبعد يومين من زيارة ميتـشيل الـعاصمة الـسورية.
ويرجّح المصدر السياسي البارز أن هذه الحركة الإقليمية الدولية السريعة دفعت دمشق الى التهيؤ لاحتمالات نتائجها، واعتماد سياسة تتجاوز التفاهم مع الرياض على حفظ وضمان الاستقرار في لبنان الى سياسة التشدد واستنفار الحلفاء ورفع سقف التعاطي مع الوضع اللبناني. وفي اعتقاد المصدر أن القيادة السورية تأمل، في حال نجاح التوافق الأميركي - الإيراني في العراق (على رئاسة المالكي الحكومة) وانضمت هي إليه، بتحسين شروط مشاركة حلفائها (قائمة علاوي في السلطة) في أن يحسن ذلك ظروف التسليم لها بنفوذها الراجح في لبنان، سواء من واشنطن أو من طهران، فتوافق الأخيرتين قد يمهد لترتيب واسع في المنطقة طالما أن عنوانه تسهيل الانسحاب الأميركي من العراق آخر عام 2011، الفرصة سانحة كي يشمل لبنان.
ويرى المصدر أنه في حال أدى التفاهم الأميركي - الإيراني الجاري ترتيبه حول العراق الى تغييب دور سورية فيه عبر السعي الى تحسين شروط مشاركة القوى الصديقة لها في بلاد الرافدين في السلطة، فإن دمشق ستتشدد في لبنان وهي مهدت لهذا التشدد عبر التحولات التي أدخلتها على سلوكها في لبنان خلال الأسابيع الماضية.
ويعتقد المصدر البارز نفسه أن الحركة السريعة الجارية في المنطقة والتي تفسر بعض أسباب التصعيد الذي حصل في لبنان، هي التي أوجبت المشاورات. السريعة بين السعودية وسورية (عبر زيارات مكوكية لمستشار الملك السعودي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله الى دمشق) التي ستشهد اليوم قمة سعودية - سورية في الرياض، والتشاور السعودي - المصري، والسوري - التركي. وقبله زيارة الأسد طهران والتي تتناول العراق في شكل أساس، ولبنان طبعاً وزيارة نجاد إليه التي حصلت أخيراً، وهي زيارة يستفيد منها الجانب السوري في الرسائل الى الغرب حول ما يمكن أن يكون عليه الوضع في لبنان في حال تجاهل عواصمه بأن لدمشق اليد الطولى في صوغ المعادلات فيه.
ومع أن المصدر يدعو الى رصد ما ستؤول إليه الحركة السريعة الحاصلة في المنطقة والى انتباه سائر الفرقاء الى خطواتها التفصيلية كي لا يقوم أي منهم بدعسة ناقصة لا تأخذ حقيقة ما يجرى في الاعتبار، فإنه يتفق مع أوساط سياسية وديبلوماسية عدة على القول إن انعكاس المناورات والخطوات التي تقتضيها هذه الحركة السريعة على لبنان لأنه الحلقة الأضعف أنتج خلال الأسابيع الماضية واقعاً سياسياً مسدود الأفق حيال العناوين الخلافية المطروحة بين اللبنانيين كالآتي:
1- أن مقتضيات التصعيد المدعوم من دمشق، من قبل حلفائها، فاقت بفعاليتها كل الدعوات الى الحوار والاستعداد لاعتماده أسلوباً لمعالجة الخلافات وجعلت هذه الدعوات مجرد ألفاظ غير قابلة للتحقيق. ومن الأمثلة على ذلك أن اضطرار «حزب الله» الى هذا التصعيد في الموقف دفعه الى وقف الاتصالات في شكل كامل مع الحريري على رغم وعد من الحزب بتكليف مساعد الأمين العام حسين الخليل إعادة التواصل معه منذ شهر، بعد أن طلب الحريري من رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب جنبلاط مساعدته على إعادة التواصل مع الحزب «لأنني لا أريد مشكلة معه وأرغب في التفاهم وما أقوله إنني لن أسمح للفتنة أن تقع (بسبب الخلاف على المحكمة والقرار الظني) أنا جدي فيه...». كما تنقل عنه أوساط واكبت جهود إعادة التواصل.
2 - أن تغطية دمشق هجومَ حلفائها خلال الأسابيع الماضية واكبه موقف منها تجاه الحريري، توزع بين هجوم مسؤولين فيها على المحيطين بالحريري والدعوة الى إزاحتهم، وبين استغراب عدم اتصاله بالقيادة السورية لطلب معالجة قضية مذكرات التوقيف السورية التي صدرت في حق شخصيات معظمها من المقربين منه، وبين دعوتها الى أن يتخذ خطوات تؤدي الى إلغاء المحكمة، في وقت دأب هو على الترداد أنه لن يتراجع عن فتح صفحة جديدة مع دمشق. وهي مواقف أعادت ما حصل من تقدم في العلاقة بين الحريري والقيادة السورية الى الوراء وذكّرت بأسلوب قديم عند المسؤولين السوريين أعاد الى أذهان جمهور الحريري وحلفائه أيام الإدارة السياسية المباشرة من قبل دمشق للوضع اللبناني...