كلمة المناضل - عدد - الوطن العربي صورة راهنة وصورة مستقبلية
كلمة المناضل العدد 273 تموز ـ آب 1995
الوطن العربي صورة راهنة وصورة مستقبلية
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
يشهد الوطن العربي ومنذ فترة ؛ سلسلة من التغيرات والأحداث والمواقف السريعة والمفاجئة أحياناً والعميقة في دلالاتها لم تتح للمواطن العربي تمثلها وهضمها ومعرفة مغزاها ونتائجها بنفس السرعة التي حدثت وتحدث بها هذا الأمر جعل كثيراً من المواطنين العرب في أقطار شتى من الوطن يعانون من ضياع سياسي وعدم القدرة على استيعاب طبيعة ما يجري وبالتالي عدم القدرة كذلك على متابعة سلسلة الأحداث المفاجئة وتطوراتها ونتائجها .
فمنذ حرب الخليج العراقية الإيرانية الأولى وحرب الخليج العراقية العربية الثانية بعد احتلال الكويت وما أفرزته من تحالفات جديدة وعملية السلام القائمة في المنطقة والتطورات المفاجئة التي أذهلت العرب والعالم عندما وقع الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي في أوسلو ، وكذلك اتفاق الأردن مع إسرائيل ، وما رافق ذلك ونتج عنه من مواقف ، وإجراءات ، أدت في النهاية إلى خسران العرب حقوقهم الأساسية القومية في استعادة كامل التراب الفلسطيني المحتل ، وضياع قسم من الضفة الغربية وحقوق مواطنيها وأخيراً ضياع القدس وما تحمله من معان تاريخية وعقائدية وقومية بعد اتفاق سلطات الحكم الذاتي الفلسطيني ، مع قوات الاحتلال في بداية شهر أب الجاري .
ونذكر كذلك ما رافق حرب اليمن وما يرافق تطورات الموقف في دول المغرب العربي خصوصاً الجزائر ، وأخيراً التطورات المفاجئة التي تحدث داخل القيادة العراقية والتصدع الحاصل نتيجة هروب عدد من كبار المسؤولين العراقيين إلى الأردن وغيرها. كل ذلك يجعل المواطن العربي في حالة من القلق والتشتت يصعب معها إدراك جوهر ومسببات ما يجري .
إن أحد أهداف الصهيونية ومخططاتها ، وكذلك القوى التي تحاول السيطرة على المنطقة العربية ، وثرواتها ، هو جعل المواطن العربي يمر بهذه الحالة النفسية الكسيرة والمربكة ، حتى يتاح لهم تمرير ما يريدون من مخططات بسرعة قياسية توصلهم إلى أهدافهم النهائية . إن هذه الحالة من البلبلة والتشتت الذهني والنفسي وما ينتج عنهما من قلق ويأس عميقين ، وحالة اقتصادية بائسة ، تدفع المواطن للقبول بأي شيء واعتباره مكسباً مهما قي مثل هذه الظروف الصعبة .
إن المجتمعات المستقرة سياسياً وفكرياً ونفسياً واقتصادياً ، من الصعب تمرير المؤامرات فيها ومثل هذه الحالة تتطلب وجود قيادة واعية ، مستقرة ، مخلصة ، تعمل من أجل الوصول إلى هذا الاستقرار بأشكاله المتعددة وعكس ذلك لم يجلب للمواطن والوطن غير ما نراه يجري الآن في عدد من الأقطار العربية التي يعاني مواطنوها هناك من أخطاء القيادات وتصرفاتهما السيئة الذكر .
لقد أدرك حزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي هذه الحقائق وانطلق الرفيق الأمين العام للحزب وقيادته إلى الخروج من هذه الحالة السيئة والاستثنائية التي وضع العرب فيها ، وبادر مرات للدعوة إلى صيغ جديدة من العمل العربي يحفظ الحقوق ويصون الكرامة ومع الأسف لم تلق جميع هذه الدعوات الاستجابة المرجوة منها .
أن سورية وحزبها وقائدها ما يزالون عند موقفهم المبدأي تجاه هذه الحالة فما لم يخرج العرب وقادتهم من هذا الوضع فستستمر حالة التفكك والتمزق والضياع ، وخسران الحقوق والأراضي ، وستستمر إسرائيل والصهيونية ومن يدعمها في السيطرة والهيمنة ، وقضم الأرض والحقوق وإيجاد حالة يسهل معها تحقيق الشعار " لمجتمع شرق أوسطي " تسيطر فيه إسرائيل والصهيونية سياسياً واقتصادياً ويخسر فيه العرب أكثر مما خسروه حتى الآن .
ويجب أن لا يغيب عن البال ، أن المسؤولية في ذلك تقع على الجميع ، أفراداً ومؤسسات وحكومات وحكام ، كل حسب مسؤوليته .
وعلى القوى الخيرة في هذا الوطن أحزاباً سياسية ومنظمات اجتماعية ومؤسسات فكرية واقتصادية أن تبادر فوراً للالتقاء ووضع السبل والخطط واتخاذ المواقف الكفيلة بوقف هذا التدهور والانحدار السياسي والفكري والاقتصادي الذي يلف المواطنين العرب في شتى أقطارهم .
إن دعوة حزب البعث العربي الاشتراكي وأمينه العام ما زالت قائمة تلح على الجميع التداعي للأخذ بها وتمثل ما يجري في سورية بقيادة الحزب من وحدة سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية جعلت سورية مثلا في وقوفها شامخة أمام تلك المؤامرات، متماسكة في وجه كافة الضغوط ، مستلهمة التاريخ ومتمسكة بالحقوق ، رافضة لكل أشكال الهيمنة والإذعان والإملاء التي خضع لها الكثيرون .