لبنان
لبنان
الجمهوريّة اللبنانيّة هي إحدى الدول العربية الواقعة في الشرق الأوسط في جنوب غرب القارة الآسيوية. تحدها سوريا من الشمال والشرق، وفلسطين المحتلة - إسرائيل[3] من الجنوب، وتطل من جهة الغرب على البحر الأبيض المتوسط. هو بلد ديمقراطي جمهوري طوائفي غني بتعدد ثقافاته وتنوع حضاراته. معظم سكانه من العرب المسلمين والمسيحيين. وبخلاف بقية الدول العربية هناك وجود فعال للمسيحيين في الحياة العامة والسياسية. هاجر وإنتشر أبناؤه حول العالم منذ أيام الفينيقيين، وحالياً فإن عدد اللبنانيين المهاجرين يقدر بضعف عدد اللبنانيين المقيمين.
واجه لبنان منذ القدم تعدد الحضارات التي مرت أو احتلت أراضيه وذلك لموقعه الوسطي بين الشمال الأوروبي والجنوب العربي والشرق الآسيوي والغرب الأفريقي، وكانت هذه الوسطية سبباً لتنوعه وفرادته مع محيطه وبنفس الوقت سبباً للحروب والنزاعات على مر العصور تجلت بحروب أهلية ونزاع مصيري مع إسرائيل.[4] ويعود أقدم دليل على استيطان الإنسان في لبنان ونشوء حضارة على أرضه إلى أكثر من 7000 سنة.[5]
كان لبنان موطن الشعب الفينيقي، وهؤلاء قوم ساميون اتخذوا من الملاحة والتجارة مهنة لهم، وازدهرت حضارتهم طيلة 2500 سنة تقريبًا (من حوالي سنة 3000 حتى سنة 539 ق.م). وقد مرّت على لبنان عدّة حضارات وشعوب استقرت فيه منذ عهد الفينيقين، مثل المصريين الفراعنة، الآشوريين، الفرس، الإغريق، الرومان، الروم البيزنطيين، العرب، الصليبيين الأوروبيين، الأتراك العثمانيين، فالفرنسيين.
وطبيعة أرض لبنان الجبلية الممانعة كمعظم جبال بلاد الشام كانت ملاذًا للمضطهدين في المنطقة منذ القدم، وبنفس الوقت صبغت جمال طبيعته ومناخه التي تجذب السياح من البلاد المحيطة به مما أنعش اقتصاده حتى في أحلك الأزمات، فاقتصاده يعتمد على الخدمات السياحية والمصرفية التي تشكلان معاً أكثر من 65% من مجموع الناتج المحلي.
يعتبر لبنان أحد أكثر المراكز المصرفية أهمية في آسيا الغربية، وفي الفترة التي بلغ فيها البلد ذروة ازدهاره أصبح يُعرف "بسويسرا الشرق"،[6] لقوة وثبات مركزه المالي آنذاك وتنوعه،[7] كما استقطب أعدادا هائلة من السواح لدرجة أصبحت معها بيروت تعرف بباريس الشرق. بعد نهاية الحرب الأهلية جرت محاولات عديدة ولا تزال لإعادة بناء الاقتصاد الوطني والنهوض به من جديد وتطوير جميع البنى التحتية،[8] وقد نجح البعض منها، فقد تفادت معظم المصارف اللبنانية الوقوع في متاهة الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2007 التي أثرت في معظم الشركات والمصارف حول العالم، وفي سنة 2009 شهد لبنان نموًا اقتصاديًا بنسبة 9% على الرغم من الركود الاقتصادي العالمي، واستقبل أكبر عدد من السوّاح العرب والأوروبيين في تاريخه.
ويشتهر لبنان بنظامه التربوي الرائد والعريق في القدم الذي يسمح بإنشاء مؤسسات تعليمية من مختلف الثقافات ويشجع التعليم بلغات مختلفة بالإضافة للعربية. وكان لأبنائه دورٌ كبير في إثراء الثقافات العربية والعالمية في مجالات العلوم والفنون والآداب وكانوا من رواد الصحافة الإعلام في الوطن العربي.
أصل التسمية
عُرفت سلسلة الجبال الواقعة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط باسم "جبال لبنان" منذ زمن سحيق. فقد ذُكرت 12 مرة في ملحمة جلجامش، قرابة عام 2900 ق.م،[9] وفي أثار إبلا،[10] و 64 مرة في العهد القديم.[11] ويرد أصل اسم لبنان إلى ثلاث إحتمالات:[12][13]
- لبنان مشتق من كلمة " ل ب ن " السامية والتي تعني "أبيض" وذلك بسبب لون الثلوج المكللة لجباله.[14]
- مشتقة من كلمة "اللبنى" أي شجرة الطيب، أو اللبان أي البخور، وذلك لطيب رائحة أشجاره وغاباته.
- هي اسم أشوري مؤلف من "لب" و"أنان" وتعني "قلب الله" إذ اشتهر جبال لبنان كموقع للآلهة عند الأقدمين.
كما ذكر بالكتابات الفرعونية كـ "ر م ن ن". والمعروف أن "ر" الفرعونية التي ترمز للكنعانيين.عـ.[15]
وفي عام 1920 خلال الانتداب الفرنسي للبنان ضمت المدن الساحلية ومناطق الشمال ووادي البقاع وسفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية إلى مناطق متصرفية جبل لبنان وسميت بدولة لبنان الكبير. فأصبحت تسمى هذه المناطق كلها بلبنان. وعندما حصل لبنان على الاستقلال في 22 نوفمبر 1943 إعتمد اسم "الجمهورية اللبنانية".
السكان
لبنان بلد متنوع بشعبه، فحوالي 40% من السكان البالغين 22 سنة[17] ينتمون إلى الديانة المسيحية، وهو البلد الوحيد في الوطن العربي الذي يتولى رئاسته مسيحيون بحكم عرف دستوري. ويتوزع الشعب اللبناني على 18 طائفة معترف بها،[18] كما أن اللبنانيون منتشرون حول العالم كمهاجرين ومغتربين أو منحدرين من أصول لبنانية. ويبلغ عدد سكان لبنان بحسب تقدير الأمم المتحدة لعام 2008 حوالي 4,099,000 نسمة.[19] ويُقدر عدد اللبنانيين المغتربين والمتحدرين من أصل لبناني في العالم بحوالي 8,624,000 نسمة، وفقا لإحصائية من سنة 2001،[20] ينتمي أكثرهم إلى الديانة المسيحية، وذلك لأن الهجرة اللبنانية أول ما بدأت من متصرفية جبل لبنان ذات الأغلبية المسيحية.[21] ونسبة زيادة السكان هي 0.85%، كما يُتوقع انخفاض عدد سكان لبنان عام 2050 ليصل إلى 3,001,000. وتبلغ الكثافة السكانية للبنان 344 نسمة / كلم.2[22] ويعيش ما بين 87% إلى 90%[23] من اللبنانيين في المدن[24] ويتجمع أكثر من 1,100,000 نسمة وهو ما يعادل ربع السكان في العاصمة بيروت وضواحيها.[25] وتبلغ نسبة المتعلمين فيه 87.4%. ويتكلم سكانه اللغة العربية بالإضافة للفرنسية والإنكليزية، وهناك لغات أخرى تستعمل بشكل أقل مثل الأرمنية والكردية والسريانية.
قُدّر عدد سكان لبنان في تموز/يوليو من عام 2008 بحوالي 3,971,941 نسمة.[2] بينما قدر عدد اللاجئين الأجانب في عام 2007 بما يزيد عن 375,000 شخص: 270,800 منهم من فلسطين، 100,000 من العراق،[26] و 4,500 من السودان. أبعد لبنان أكثر من 300 لاجئ قسرا عام 2007.[27] يُعتبر الشعب اللبناني الحالي مزيجاً من الشعوب المختلفة التي مرّت على لبنان واستقرت فيه عبر العصور، فالكثير من اللبنانيين ذوي جذور فينيقية وعربية ورومانية وتركية وفارسية والبعض له جذور أوروبية من عهد الصليبين وفترة الانتداب الفرنسي، ففي تلك الفترة استقرت أقلية كبيرة نسبياً من الفرنسيين، لكن معظمهم غادر بعد الاستقلال عام 1943 وبقي منهم القليل، كذلك هناك عدد كبير من السوريين والمصريين المقيمين والذين يعملون بمعظمهم في قطاع البناء والخدمات.
كانت اللغة الفينيقية أول اللغات التي تكلمها السكان الذين قطنوا المناطق التي تدخل اليوم ضمن نطاق الدولة اللبنانية، وبعد ذلك بفترة انتشرت اللغة الآرامية والسريانية قبل أن تنتشر اللغة الإغريقية خلال العصر الهليني، أي عند غزو الإسكندر الأكبر. استمرت تلك اللغة متداولة لفترة طويلة نسبيّا بين السكان حتى الفتح الإسلامي لبلاد الشام، عندما حلّت اللغة العربية بدلا منها.[28] ويتكلم اللبنانيون اليوم اللغة العربية المدموغة بلهجتهم الخاصة المستمدة من اختلاط اللغة العربية مع الآرامية والسريانية، وبعض الكلمات التركية والفارسية.[29] كما أن معظم اللبنانيين يتكلمون أكثر من لغة منها الفرنسية والإنجليزية. كما تستعمل اللغة الأرمنية بكثرة بين اللبنانيين من أصل أرمني. وما زالت اللغة السريانية واللاتينية مستعملة في الطقوس الدينية المسيحية. كانت اللغة الفرنسية تعتبر لغة رسمية في لبنان خلال فترة الانتداب، حيث كانت تستعمل في المعاملات والإجراءات الرسمية إلى جانب العربية، وبعد إعلان الاستقلال أصبح الدستور ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة في لبنان. ويتكلم العديد من اللبنانيين اليوم أكثر من لغة في الجملة الواحدة في بعض الأحيان بشكل تلقائي،[30] والبعض يفعل ذلك كتعبير عن مكانته الإجتماعية العالية وما شابه، وهذا ما دفع بعض اللغويين إلى القول أن اللبنانيين يتكلمون لغة مختلفة عن اللغة العربية هي "اللغة اللبنانية"، إلا أن معظم اللبنانيين يرفضون هذه الفكرة وينظرون للغة التي يتكلموها على أنها عربية.[31]
الموقع
يقع لبنان في غربي قارة آسيا. يحده البحر الأبيض المتوسط من الغرب بشاطئ طوله 225 كم (140 ميل)، وفلسطين المحتلة - إسرائيل [3] من الجنوب وسوريا من الشرق والشمال. وطول حدوده مع سوريا 375 كم (233 ميل)، ومع إسرائيل 79 كم (49 ميل). وهناك خلاف قائم بين لبنان وسوريا بشأن منطقة صغيرة تجاور مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل وهي مزارع شبعا، حيث إن كلا البلدين يدعي انتمائها لإقليمه، إلا أن الأمم المتحدة قامت بتعيين حدود المزارع وتحتسبها على أنها جزء من لبنان.[32]
الأرض
معظم الأراضي اللبنانية جبلية[33] ماعدا الخط الساحلي وسهل البقاع. وتخترق لبنان من الشمال إلى الجنوب سلسلتي جبال هما سلسلة جبال لبنان الشرقية والتي تشكل حدوده الشرقية مع سوريا وسلسلة جبال لبنان الغربية والتي تطل على البحر الأبيض المتوسط وأهمها جبل المكمل إذ أن قمته القرنة السوداء هي أعلى قمة جبل في غربي آسيا، ويفصل بين سلسلتي الجبال سهل البقاع. وتنتشر في لبنان الأنهار التي تتجمع من ذوبان الثلوج ومن أشهرها نهر الليطاني ونهر العاصي.
المناخ
مناخ لبنان متوسطي معتدل:[34]
• في الساحل: الشتاء بارد وممطر، أما الصيف فحار ورطب.
• في الجبال: الشتاء بارد وتصل الحرارة إلى ما دون الصفر مع تساقط الثلوج، أما الصيف فتكون درجات الحرارة فيه معتدلة بدون رطوبة.
معدلات هطول الأمطار مرتفعة بالنسبة للمنطقة المحيطة به إلا في الشمال الشرقي، وذلك بسبب سلسلة الجبال الغربية التي تمنع وصول المطر إلى تلك المنطقة.[35]
ويشتهر لبنان بغابات الأرز رمز البلاد والتي كانت ضخمة في العصور الغابرة[36] إلا أن كميتها إنخفضت بسبب استعمال خشبه على مر العصور وعدم الاهتمام بإعادة زراعته إضافة إلى إصابته بالأمراض.
موجز تاريخ لبنان
يعود تاريخ لبنان إلى ما قبل بداية الحضارة البشرية، حيث تُظهر بعض الأثار وجود مجمعات بشرية بدائية تعيش على الصيد استوطنت الساحل اللبناني، أطلق على الأفراد منها اسم "إنسان أنطلياس".[37] وفي الفترة التي بدأت فيها المدنية والتأريخ، ازدهرت الحضارة على الساحل الذي يعتبر اليوم ساحل لبنان، فكان هذا الساحل موطن الشعب الفينيقي الذي انتشر حول البحر الأبيض المتوسط[38] وخلال عهد الفينيقين توالى على حكم لبنان عدد من الإمبراطوريات مثل المصريون، الآشوريون، الكلدانيون، وبعد قرنين من حكم الفرس، احتل الإسكندر الأكبر الساحل الفينيقي ودمر مدينة صور. وتوالى على حكم لبنان العديد من الحضارات المختلفة بعد ذلك وهي: الرومان، البيزنطيين، العرب، الصليبيين والعثمانيين. وتمتعت مناطق جبل لبنان بنوع من الاستقلال الجزئي تحت حكم العثمانيين بفترات الإمارة المعنية في القرن السادس عشر والسابع عشر والإمارة الشهابية في القرن السابع عشر حتى منتصف الثامن عشر وعهد القائممقاميتين (1842 - 1860) والمتصرفية (1860 - 1920).[39][40]
العصور القديمة
أثبتت الأثار أن البشر استوطنوا لبنان قبل عام 5000 ق.م وأن مدينة جبيل هي أقدم مدينة مأهولة في العالم.[41] وبعض البقايا المتحجرة تشير إلى وجود من سكن سواحل المتوسط منذ عام 7000 ق.م.[42] في العصرين الحجري الحديث والنحاسي. أما أقدم ذكر مدون للبنان فيعود إلى 5000 سنة. فقد ذُكر اسم لبنان بشكل مؤرَخ يعود لأثار من 3000 سنة قبل المسيح. وكان سكان هذا الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من الكنعانيين الساميين من صلب سام بن نوح. دعا الإغريق سكان هذه المناطق "بالفوينيكوس" والتي تعني البنفسجيين وذلك نسبة للون البنفسجي الذي طغى على ألبستهم وللصباغ الأرجواني الذي اشتهروا به. وهكذا عرفوا بالفينيقيون في الأثار القديمة.[43] كما سمي أهل مناطق البقاع "بالأمورو" نسبة إلى الشعوب الأمورية التي أتت من جزيرة العرب واستوطنت بادية الشام،[44] وخلال هذه الفترة كانت كل مدينة تشكل جمهورية أو مملكة مستقلة. وخلال طرد الفراعنة للهكسوس من مصر، احتل تحتموس الثالث الساحل الشرقي للبحر المتوسط وضم المدن الفينيقية لحكمه. وبنهاية القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ضعفت الدولة الفرعونية مما أعطى لبنان الفرصة ليستقل عنهم في بداية القرن الثاني عشر ق.م. وبقي استقلال الفنيقيين للعقود الثلاث التي تلت، فازدهرت المنطقة وفرضت وجودها التجاري على حوض المتوسط، وبعد ذلك استولى الأشوريون على الساحل الشرقي للمتوسط وقضوا على ازدهار الفنيقيين، ثم تلاهم كل من البابليون والفرس.
وبعد انتصارات الملك الإغريقي الاسكندر المقدوني على الفرس في عام 333 ق.م، رحب الفنيقيون به فاتحا لبلادهم. إلا أن أهل صور رفضوا طلبه لتقديم ذبائح في معبد ملقارت مما دفعه لتدمير القسم البحري من المدينة، الذي كان جزيرة آنذاك، بعد 8 أشهر من الحصار. تأثر الفينقيون كثيرا بالثقافة الإغريقية مما أعطاهم طابعا مختلفا عن بقية شعوب المنطقة. بعد موت الإسكندر، تبع الفنيقيون الدولة السلوقية،[45] وفي سنة 64 ق.م أنهى القائد بومبي حكم السلقيون وضم المدن الفينيقية لحكم الرومان، ونعمت المدن الفنيقية بالازدهار الاقتصادي والفكري والثقافي عند ذلك حيث أنشأت أكبر مدرسة لتدريس الحقوق في الإمبراطورية في بيروت التي عُرفت بأم الشرائع آنذاك.
العصور الوسطى
في سنة 395 ق.م تبعت منطقة لبنان الدولة البيزنطية مما تابع ازدهارها لقرن كامل. وفي القرن السادس الميلادي ضرب البلاد سلسلة من الزلازل التي دمرت العديد من معالمها كهيكل بعلبك ومدرسة الحقوق في بيروت وقتلت 30,000 من سكانها، وخلال هذه الفترة هاجر الموارنة المسيحيون إلى لبنان من سوريا. قامت الفوضى في منطقة لبنان بسبب الزلازل، الجزية القاسية، والإختلافات الدينية في القرن السادس الميلادي مما أضعف الدولة البيزنطية وفتح البلاد أمام المسلمون القادمون من شبه الجزيرة العربية. أرسل أبو بكر الصديق قواته لفتح بلاد الشام، وفي سنة 636م دحر القائد الإسلامي خالد بن الوليد القوات البيزنطية في معركة اليرموك وفتح بلاد الشام ومنها لبنان وأدخلها ضمن الدولة الإسلامية. وخلال عهد الأمويين نعمت السواحل اللبنانية بفترات من الأمان والازدهار، وقدم العديد من القبائل العربية التي استوطنت ساحل لبنان للحد من التدخل البيزنطي مثل اللمعيون. استولى العباسيون على الحكم من الأمويين سنة 750م وضموا لبنان لحكمهم. في بداية هذا العهد، استوطن الإرسلانيون لبنان عام 756م. فرض العباسيون ضرائب قاسية على لبنان مما دفع اللبنانيين للقيام بالعديد من الإنتفاضات. وفي القرن العاشر أعلن الأمير الصوري علاقة استقلاله عن العباسيين إلا أن حكمه انتهى مع استيلاء الفاطميين على الحكم.
وبعد أن هزم الصليبيون السلاجقة الأتراك وتقدموا عبر سوريا، قاموا باحتلال مدن ساحل لبنان وسيطروا عليها تدريجياً، وخلَّفوا وراءهم العديد من القِلاع في لبنان مثل قلعة طرابلس وقلعة الشقيف.وخلال العصر المملوكي، بعد انهزام الصليبيون، أنتعشت تجارة مدينة بيروت وأصبحت من أهم موانئ التجارة بين أوروبا والعالم العربي. وفي هذه الفترة، قدم عدد من القبائل العربية واستوطن مناطق وادي التيم وساحل بيروت والشوف.
العصور الحديثة
في عام 1516 سيطرت جيوش السلطان سليم الأول على جبل لبنان وعلى المناطق الجبلية من سوريا وفلسطين، وعهد بإدارة هذه المناطق لفخر الدين الأول وهو أمير من الأسرة المعنية الذي قدم الولاء للباب العالي. ولقد أزعجت الأتراك محاولاته التي كانت ترمي إلى التملص من دفع الجزية. فقرروا بسط النفوذ المباشر على البلاد، ولكن ملاك الأراضي والفلاحيين في جبل لبنان على السواء قاوموا ذلك، وفي عام 1544 توفي فخر الدين في بلاط باشا دمشق مسموما، وكذلك استشهد ابنه قرقماز في عام 1585 أثناء قتاله للأتراك.[46] وفي عام 1590 إعتلى فخر الدين الثاني نجل قرقماز السلطة، وكان سياسيا ماهرا حتى وصف بأنه تلميذ لميكافيلي وأنه كان يتقنع بأقنعة الدرزية والمسيحية الإسلام بحسب حاجته، فقام بدفع الجزية للسلطان وتقاسم معه الغنائم الحربية، فعينه السلطان والياً على جبل لبنان، واعتبر من أعظم حكام جبل لبنان والشرق، ولكن أعدائه أثاروا غضب السلطان والولاة عليه، فتم إرسال حملة كبيرة ألقت القبض عليه حيث سيق إلى إسطنبول وأعدم شنقا.[47] وبعد ذلك بفترة زالت الإمارة المعنية من جبل لبنان بعد أن دامت أكثر من خمسمائة سنة وحلت بدلا منها الإمارة الشهابية.[48]
حكم جبل لبنان 8 أمراء من آل شهاب خلال الفترة الممتدة بين عامي 1697 و1841،[49] وكان أبرزهم بشير الثاني الذي اعتبر خليفة لفخر الدين الثاني، وخلال عهده حصلت بضعة أحداث هامة في لبنان منها ثورتين من الشعب على الأمير بسبب الزيادة الباهظة في الضرائب، مجيئ الجيش الفرنسي إلى سوريا بقيادة نابوليون بونابرت أثناء محاولته احتلال عكا، والحملة المصرية على بلاد الشام التي اخرجت لبنان لمدة تسع سنوات من تحت الحكم العثماني واخضعته للحكم المصري، قبل أن يعود العثمانيون لاستعادة البلاد بمساعدة الإنكليز والروس. انقضت الإمارة في جبل لبنان بعد أن حصلت فتنة عام 1841 نقل العثمانيون على أثرها الأمير بشير الثالث، أخر أمراء جبل لبنان، إلى إسطنبول وعينوا حاكما عثمانيا مباشرا للجبل، وبعدها اتبعوا ولاية جبل لبنان إلى ولاية دمشق.[50] وفي تلك الفترة أنشأ العثمانيون نظام القائم مقاميتين ثم عادوا وألغوه وأنشؤوا بالاتفاق مع الدول الأوروبية الكبرى نظام متصرفية جبل لبنان، بسبب فشل النظام القديم في حل عدد من النزاعات وتسبيبه ببعض الفتن. وفي عهد المتصرفية اقتصرت حدود لبنان على سلسلة جبال لبنان الغربية وبعض المناطق المجاورة في البقاع، فأصبح لبنان يُعرف بلبنان الصغير.[51]
المرحلة المعاصرة
الحرب العالمية الأولى لعدد من الأسباب، فقد قام العثمانيون بفرض التجنيد الإجباري على سكان إقليم الشام بكامله، كما أدى تجنيد الشباب والرجال وهرب البعض منهم إلى تراجع الإنتاج الزراعي، كما فرض العثمانيون حصارا برّيا على الجبل بحجة الأعمال الحربية، وقام الحلفاء بفرض حصارا بحريا على البلاد باعتبار أنها تابعة لدولة معادية من الدول الوسطى. كان من تأثير ذلك منع وصول أموال المغتربين إلى ذويهم بالإضافة لانقطاع الإمدادات الغذائية مما أدى لانتشار المجاعة والأمراض.[52]
الانتداب الفرنسي: بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وتقسيمهم للأراضي التي كانت خاضعة للحكم العثماني تم عام 1920 وضع إقليم سوريا تحت الانتداب الفرنسي بحسب اتفاقية سايكس بيكو التي عقدت في عام 1916.[53] وبقي الحال على ذلك حتى عام 1943 عندما قام اللبنانيون بانتزاع حقهم بالاستقلال من فرنسا بدعم من حكومة تشرتشل البريطانية.[54] وتم جلاء كل الجيوش الأجنبية في عام 1946.[55]
حرب 1948: بعد خمسة أعوام من الاستقلال شارك لبنان مع بقية الدول العربية في محاربة إنشاء دولة يهودية في فلسطين عام 1948، وكان دوره يتلخص بتقديم دعم لوجيستي مساند للقوات العربية. وبعد انتصار الجيش الإسرائيلي وقّع لبنان مع إسرائيل معاهدة وقف إطلاق النار التي عرفت بهدنة 1949، واستعاد لبنان بموجبها كل الأراضي التي احتلها الجيش الإسرائيلي. ونتيجة للحرب نزح حوالي 100 ألف فلسطيني إلى لبنان وسكنوا في مخيمات للاجئين.[56][57]
حروب لبنان الأهلية: منذ الاستقلال شهد لبنان حربا أهلية واحدة، ونزاعا كاد أن يتطور لفتنة طائفية، وكان هذا النزاع قد وقع في عام 1958 وكان سببه الداخلي هو رفض تمديد ولاية الرئيس كميل شمعون. أما السبب الإقليمي فكان الصراع الدولي بين الشرق والغرب المتمثل بمعارضة إنشاء حلف بغداد.[58]
بيما كانت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 نتيجة صراع داخلي بين المسيحيين من جهة والفلسطينيين والمسلمين واليساريين من جهة أخرى. وتطور النزاع بأشكال مختلفة خلال 15 سنة منها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ومحاصرة بيروت والتي أدت إلى خروج القوات الفلسطينية والسورية. وفرض الإسرائيليون اتفاقاً مع لبنان عرف باتفاق 17 أيار الذي رفضه مجلس النواب وأدى إلى انتفاضة 6 شباط عام 1984 التي أعادت السوريين إلى لبنان بعد العديد من المعارك الداخلية بين الحلفاء مثل حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي ومسلحي المخيمات الفلسطينية. وانتهت الحرب باتفاق الطائف الذي كرّس التوزيع الطائفي للحكم، وقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، وتخللت هذه الفترة احتلال العراق للكويت مما سهل لسوريا وضع اليد على لبنان كمقابل لمشاركتها في الحرب ضد العراق بعد غزو الكويت.[59] وانتهى الصراع العسكري بشكل نهائي بعد دخول الجيش السوري إلى القصر الجمهوري وطرد قائد الجيش ميشال عون منه في أكتوبر 1991. وبقي الصراع السياسي.
وفي عام 2000 انسحبت إسرائيل وجيش لبنان الجنوبي العميل لها من المناطق اللبنانية المحتلة بسبب أعمال المقاومة اللبنانية، إلا أن الحكومة اللبنانية والمقاومة المتمثلة بحزب الله ما زالت تطالب بمنطقة مزارع شبعا المتنازع عليها بين لبنان وسوريا وإسرائيل. وبانتهاء الحرب بدأت إعادة إعمار بيروت المتهدمة لتعود مركز جذب سياحي لكل المنطقة العربية[60].
أحداث جارية: بعيد إعادة انتخاب الرئيس إميل لحود متحدياً القوانين الدولية مثل قرار الأمم المتحدة رقم 1559، اغتيل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واتهام سوريا بالعملية، انقسم اللبنانيون إلى فريقين أساسيين، فريق سمي بتحالف 14 آذار ويطالب باستقلال لبنان وفك ارتباطه عن أي علاقة بأزمات الشرق الأوسط والفريق الثاني سمي قوى 8 آذار الذين يعتبرون لبنان في صلب الأزمات الإقليمية والدولية. وأدى هذا الانشقاق إلى حصول العديد من المواجهات منها اغتيال شخصيات لبنانية مناوئة لسوريا، ثم الحرب التي شنتها إسرائيل في 12 يوليو 2006 وما تلاها من اعتصام المعارضة ضد الحكومة في ديسمبر 2006، وأخيراً ما عرف باسم غزوة بيروت في 7 مايو 2008. وحصل نوع من الهدوء بعد اتفاق الدوحة الذي سهل انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً توافقياً للجمهورية وتأليف حكومة وحدة وطنية، كما وضع الاتفاق أسس لإجراء الانتخابات النيابية في عام 2009.[61]
وقد أجريت الانتخابات حسب اتفاق الدوحة في 7 حزيران / يونيو 2009، وكانت هذه المرة الأولى التي تجري فيها الانتخابات النيابية بيوم واحد.
النظام اللبناني
لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية طوائفية. تعتمد نظام توزيع السلطات على الطوائف الثماني عشر المؤلفة للنسيج اللبناني.[62][63] فمثلا رئاسة الجمهورية تعود للموارنة، ورئاسة الوزراء تعود للسنة أما رئاسة مجلس النواب فهي للشيعة.[64][65]
السلطة التشريعية
يقوم المجلس النيابي اللبناني بالمهام التشريعية. وهو مؤلف من 128 عضوا يُسمون نواب (جمع نائب). ويتم انتخابهم من الشعب مباشرة بالاقتراع السري. ويقسم عدد النواب بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين حاليا، وبنفس الوقت، يتم توزيعهم بحسب نسبة المذاهب في كل طائفة وبحسب المناطق. وقبل عام 1990 كانت نسبة النواب في المجلس تساوي 6 للمسيحين مقابل 5 للمسلمين، ولكن اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية اللبنانية قام بتعديل هذا الأمر فأصبح عدد النواب المسيحيين مساوي لعدد النواب المسلمين.[64] ويتم انتخاب أعضاء المجلس كل أربع سنوات[66]
السلطة التنفيذية
يتولى المهام التنفيذية رئيس الدولة وهو رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أي رئيس مجلس الوزراء. يُنتخب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب لفترة ستة سنوات غير قابلة للتجديد بأكثرية الثلثين. ويعين رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بناء على الاستشارات النيابية الملزمة. ويقوم رئيس الوزراء بتعيين الوزراء متبعاً عرف التوزيع الطائفي والتي يتيح له الحصول على ثقة أعضاء المجلس النيابي.[67]
السلطة القضائية
النظام القضائي اللبناني هو مزيج من القوانين العثمانية وقانون نابليون والقوانين المدنية.[68] ويقسم القضاء اللبناني إلى ثلاث مستويات:[69]
• المحكمة الابتدائية.
• محكمة الاستئناف.
• ومحكمة التمييز.
أما المجلس الدستوري فيصدر الأحكام المتعلقة بتفسير الدستور وخلافات الانتخابات. كما أن هناك المحاكم الدينية التي تفصل بالأمور الشخصية لكل طائفة في قضايا مثل الزواج والميراث.
الأحزاب السياسية
يوجد في لبنان العديد من الأحزاب السياسية العلمانية في الأساس، إلا أن معظمها طوائفية بالفعل ما عدا القليل من الأحزاب التي فقدت العديد من مناصريها في الأعوام الأخيرة لتلتحق بالأحزاب الطائفية.[70]
العلاقات الخارجية
لبنان عضو أساسي وفاعل في جامعة الدول العربية ومن مؤسسي هيئة الأمم المتحدة. وعضو في المنظمة الدولية للفرانكوفونية. وفي نهاية عام 2001 أنهى لبنان مفاوضاته للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما أن له العديد من الاتفاقات التجارية الثنائية مع البلاد العربية ويعمل للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. علاقاته ممتازة مع كل الدول العربية، لكن علاقاته تأزمت مع سوريا بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، إلا أنها في حالة تحسن منذ تنصيب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وقيام البلدين بفتح سفارات. ويأخذ لبنان الموقف الحيادي في كل الصراعات الإقليمية والدولية إلا بالنسبة لإسرائيل الذي أعلن حالة العداء والمقاومة معها لحين حصول السلام الشامل والعادل. وفي عاصمته بيروت أطلق الزعماء العرب مبادرة للسلام مع إسرائيل والتي عرفت باسم مبادرة بيروت والتي تعرض مبدأ السلام مقابل الأرض.[71]
القوات المسلحة
تشمل القوات المسلحة اللبنانية قطاعين:
1. الجيش اللبناني: وهو القطاع المسؤول عن الدفاع عن لبنان من الأخطار الخارجية والمساندة في ضبط الأمن الداخلي عند الحاجة. وللجيش ثلاث قطاعات: البرية والبحرية والجوية، وتجهيز الجيش بسيط.[72] وفي عام 2006 انتشر الجيش في جنوب لبنان وأصبح يواجه إسرائيل لأول مرة منذ سنة 1982.[73][74] في عام 1982 بدأت الولايات المتحدة ببرنامج تطوير وتحديث للجيش اللبناني، وكان من المفترض أن يُطبق على أربعة مراحل، وفي عام 2006 قدمت الولايات المتحدة مساعدات إلى الجيش لتحسين تدريباته وتطوير قدراته في المحافظة على أمنه.[75] قدم الجيش الأميركي أيضا 12 طائرة بدون طيّار إلى الجيش اللبناني،[76] كما قدمت روسيا 10 طائرات ميكويان ميج-29.[77]
2. قوى الأمن الداخلي: وهو القطاع المسؤول عن حفظ الأمن بشكل عام وتتألف من الشرطة في بيروت والدرك في المناطق والفوج السيار للتدخل.
ويوجد في لبنان بعض الجهات المسلحة التي لا تتبع الدولة مثل قوات حزب الله والتي تقوم بالمقاومة ضد إسرائيل بدعم من الحكومة والقوات الفلسطينية داخل المخيمات. وهناك حوار يجري بين أفرقاء الحكم لإيجاد إستراتيجية دفاعية تحدد دور المقاومة تحت كنف الحكومة وسحب السلاح من المخيمات.[78]
التقسيم الإداري
ينقسم لبنان إلى ست محافظات[79] تنقسم بدورها إلى 25 قضاء.[80] تُقسم الأقضية إلى بلديات تضم كلا منها مدينة أو عدد من القرى، التي تُقسم بدورها إلى أحياء ونواحي. أما أقضية لبنان فهي:
أقضية لبنان.
1. محافظة بيروت
تضم فقط مدينة بيروت
غير مقسمة أقضية. 2. محافظة جبل لبنان
• قضاء جبيل
• قضاء كسروان
• قضاء المتن
• قضاء بعبدا
• قضاء عاليه
• قضاء الشوف
3. محافظة الشمال
• قضاء طرابلس
• قضاء المنية - الضنية
• قضاء زغرتا - الزاوية
• قضاء البترون
• قضاء الكورة
• قضاء عكار
• قضاء بشري
4. محافظة البقاع
• قضاء بعلبك
• قضاء الهرمل
• قضاء زحلة
• قضاء البقاع الغربي
• قضاء راشيا
5. محافظة النبطية
• قضاء النبطية
• قضاء حاصبيا
• قضاء مرجعيون
• قضاء بنت جبيل
6. محافظة الجنوب
• قضاء صيدا
• قضاء صور
• قضاء جزين
الاقتصاد
المعروف عن المجتمع المدني اللبناني أنه مجتمع استثماري تجاري.[81] وقد سمح انتشار اللبنانيين في العالم في بناء علاقات تجارية عالمية.[82] وللبنان نسبة عالية من اليد العاملة الماهرة توازي مستوى الدول الأوروبية، وهي الأعلى بين الدول العربية.[83]
الزراعة
بالرغم من أن طبيعة لبنان مناسبة للزراعة من حيث وفرة المياه والأراضي الخصبة وهي الأعلى نسبة بين البلدان العربية الآسيوية،[84] إلا أن نسبة الاستثمار في الصناعات الغذائية ضعيفة ولا تجذب أكثر من 12% من اليد العاملة[85] والناتج من الزراعة لا يتجاوز 11% من إجمالي الناتج المحلي وهو الأدنى بالمقارنة مع القطاعات الاقتصادية الأخرى. ومن أهم المنتوجات الزراعية اللبنانية: التفاح، الدراق، البرتقال والحامض والزيتون.[86]
الصناعة
يفتقر لبنان لخامات المواد الأولية الطبيعية ويعتمد على الدول العربية في الحصول على النفط ولهذا فإن إنشاء صناعات إنتاجية عملية غير مربحة، لذلك يُركز الصناعيون اللبنانيون على الصناعات التحويلية وإعاده التركيب لمنتوجات مستوردة.
في عام 2004 شغّل القطاع الصناعي 26% من اليد العاملة وساهم بحوالي 21% من الناتج المحلي.[85][86] من أهم الصناعات: صناعة الأغذية والمنسوجات والكيماويات والاسمنت ومنتجات الأخشاب وتصنيع المعادن المجوهرات وتكرير النفط، وهناك موارد طبيعية أخرى مثل الحجر الجيري وخام الحديد الملح. من أهم الحرف: صناعة القش الفخار الخزف الزجاج المنفوخ النحاس والنسيج والخشب، وصناعة المرصبان والسكاكين وصهر الأجراس والحلي من الفضة وصناعة الصابون والتطريز.
الخدمات
أهم القطاعات الاقتصادية اللبنانية هو قطاع الخدمات وبخاصة قطاعي السياحة والمصارف. فنظام لبنان الرأسمالي وقانون سرية المصارف المتبعة فيه جذبت العديد من الرساميل. وطبيعة البلاد الجذابة ونشاطاته السياحية والثقافية تجعله منطقة جذب للسياح ويقصده خاصة السياح من الخليج العربي حتى خلال الأزمات. فحوالي 65% من اليد العاملة تعمل في قطاع الخدمات الذي يُساهم بحوالي 67.3% من الناتج المحلي.[85][86]
وتأثر الاقتصاد اللبناني بشدة بسبب الحرب الاهلية التي إنتهت عام 1990. إلا أنه عاد وتحسن بشكل متسارع، ففي عام 2006، سجلت موجودات المصارف بأكثر من 75 مليار دولار[87] كما سجلت حركة السياحة زيادة وصلت إلى 49.3% مقارنة بعام 2005 ووصلت قيمة الاستثمار في السوق إلى 10.9%، إلا أن عدوان تموز بعام 2006 دمر الاقتصاد اللبناني وبخاصة قطاع السياحة،[88] إلا أن مستويات الأخيرة عادت لترتفع إلى نسب عالية منذ صيف عام 2007.
الثقافة
إن قدم تاريخ لبنان وعبور الحضارات على أراضيه وتنوع شعبه يجعله غنيا بتنوع وغزارة ثقافاته. والمجتمع اللبناني الحالي متطور وحديث ويماثل المجتمعات الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.[89]
الموسيقى
تشتهر الموسيقى اللبنانية حول العالم بسلاستها النغمية المشرقية، وتتمازج في الموسيقى اللبنانية اللحن الفلكلوري اللبناني مع النغم العربي والموسيقى الغربية. ومن أشهر الموسيقيين اللبنانيين توفيق الباشا وابنه عبد الرحمن الباشا وسليم سحاب وإحسان المنذر.
الغناء
من أشهر مطربي لبنان فيروز وصباح حيث أغانيهم ما زالت تذاع على جميع الإذاعات العربية وشاشات التلفزيون منذ أكثر من خمسين سنة. ومن المطربين اللبنانيين المشهورين: مارسيل خليفة، ماجدة الرومي، وديع الصافي ونصري شمس الدين.
وفي الوقت الحالي يميل بعض المغنيين اللبنانيين للغناء باللون اللبناني الفلكلوري مثل نجوى كرم وعاصي الحلاني. بينما حاول أخرون إضافة النغم الغربي في موسيقاهم مثل زياد الرحباني وخالد الهبر. ومن مشاهير الغناء اللبناني الحديث: راغب علامة وإليسا وكارول سماحة ونوال الزغبي ونانسي عجرم وغيرهم.
الفن والأدب
اشتهر اللبنانيون بجميع ضروب الفن وكانت لهم شهرة محلية وعربية وعالمية. فبالرسم برز مصطفى فروخ وبول غيراغوسيان ووجيه نحلة وغيرهم. وفي النحت عرف الأخوة بصبوص منشئي محترف راشانا. وفي الرقص برزت فرقة كركلا التي جعلت الرقص اللبناني مفخرة عالمية. أما في الأدب فللأدباء اللبنانيون مكانة عربية رائدة وشهرة عالمية وخاصة في التإثير بعصر النهضة العربية في القرن العشرين[90] واشتهر العديد من الأدباء اللبنانيون الذين كتبوا باللغات الأجنبية مثل جبران خليل جبران، أمين معلوف وجورج شحادة. وفي الشعر كان لهم دور بارز في تحديث الشعر العربي مثل أعمال الأخطل الصغير وهنري زغيب. والزجل اللبناني الإرتجالي حافظ على أسلوب الشعر القديم في العفوية والعبقرية. وبرع العديد من اللبنانيين في مجال الإنتاج والإخراج السينمائي مثل مارون بغدادي وجان شمعون. في المسرح كان اللبنانيون من رواد المسرح العربي في مصر مثل روز اليوسف ومؤخراً نضال الأشقر ورفيق علي أحمد الذي برع بمسرحيات الشخص الواحد.
الرياضة
بسبب طبيعة لبنان الفريدة، فإن النشاطات الرياضية الصيفية والشتوية متوافرة، كل في موسمه. وحتى إنه يمكن ممارسة نشاطات الفصلين معا في الخريف والربيع مثل التزلج في الصباح والسباحة بعد الظهر. من أهم الرياضات الشتوية التزلج في أكثر من ستة مناطق جبلية. وفي الصيف تزدهر النشاطات البحرية، مثل السباحة، التزلج على الماء، والإبحار، على شواطئ البحر الأبيض المتوسط وتسلق الجبال واستكشاف الكهوف. والرياضات المنتشرة في لبنان هي: كرة اليد، كرة القدم، كرة المضرب، كرة السلة، الكرة الطائرة، القوس والنشاب، الركبي، الدراجات، ألعاب القوى، ماراثون، كرة الطاولة، التزلج على الثلج، المصارعة، الفروسية، الكيك بوكسينغ، الكونغ فو، الكاراتيه، سلاح المبارزة، الايكيدو، الجيدو، التايكواندو، الشطرنج، الجمباز، السباحة، الملاكمة، التزلج المائي، رفع الاثقال، الريشة الطائرة، اليخوت، الرماية والصيد، راليات، التزحلق على الجليد، الهوكي، الغوص والسباحة على أنواعها، تاي بوكسينغ، الرقص الرياضي، الغولف،[91] السكواش، والالعاب البحرية مثل الكانوي والكاياك، والعاب الورق مثل الليخا والطرنيب والبريدج والعاب النرد مثل المحبوسة والفرنجية.
المهرجانات
يقام في لبنان العديد من المهرجانات الموسيقية لفنانين لبنانيين وعرب وعالميين والتي تجذب اللبنانيين والعرب، ومن أشهر مهرجانات لبنان: مهرجانات بعلبك، مهرجان بيت الدين، مهرجان بيبلوس، ومهرجان البستان. كما أن لليالي بيروت رونقها الخاص وأنشطتها العديدة من معارض وعرض أزياء وأعمال مسرحية تقام بشكل دائم في مسارحها ومتاحفها ومعارضها والأماكن العامة.
وللبلدات والقرى اللبنانية احتفالاتها الخاصة التي تجذب المواطنين الذين يسكنون جوارها مثل احتفالات عيد السيدة في أب وانتخابات ملكات الجمال وإحتفالات العنب والأعمال اليدوية وغيرها.
المتاحف
لبنان الحضارة والتراث يحتوي معالم ترقى إلى أعرق مراحل التاريخ وأقصاها في الزمان. من هنا اهتمام السياح بهذه المعالم التي تضمها أكثر من عشرين متحفاً على كامل الأراضي اللبنانية.
التعليم في لبنان
النظام التربوي اللبناني نظام حر بحسب الدستور اللبناني. والتعليم إلزامي لجميع اللبنانيين للسنوات التسع الأولى من الدراسة الأساسية. ويوجد في لبنان ثلاث مراحل تعليمية:[92]
• المرحلة الأساسية: وهي تشمل السنوات التسع الأولى من الدراسة فيما يعرف بالسنوات الابتدائية والمتوسطة وهي سنوات إلزامية لجميع اللبنانيين. وينال الطلاب في نهايتها على "الشهادة المتوسطة الرسمية"
• المرحلة الثانوية: وهي عبارة عن ثلاث سنوات بعد المرحلة الأساسية. وفي السنة الثانية الثانوية، ينقسم الطلاب بين المسار العلمي أو المسار الأدبي. وفي السنة الثالثة، يختار الطالب أحد المسارات الثلاث التالية: الآداب والإنسانيات، العلوم العامة، علوم الحياة والاقتصاد والاجتماع. ويحصل بنهايتها الطالب على "الشهادة الثانوية الرسمية" أو ما يسميه العامة "بالبكالوريا القسم الثاني" بعد اجتياز امتحانات رسمية تشرف عليها وزارة التربية والتعليم.
• التعليم الجامعي: وهو التعليم الأكاديمي الذي يؤدي إلي الحصول على شهادات جامعية مثل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
وقد نتج عن هذا النظام وجود قطاعين للتربية في جميع مستوياتها وهما: القطاع الحكومي الذي بدء مع الاستقلال والقطاع التربوي الخاص الذي يُعد أقدم منه بأجيال.
وتتجلى الثقافة في لبنان بشكل عام بانفتاحها على ثقافات الشرق والغرب، الأمر الذي يبرر توجه الكثير من الطلاب اللبنانيين إلى متابعة تحصيلهم العلمي العالي في جامعات أوروبا وأميركا وجامعات العالم العربي.
تعليم مهني
التعليم المهني في لبنان هو نظام تربوي يهيئ طلاب المستوى الثانوي للعمل فور تخرجهم بتخصصات مطلوبة في سوق العمل. وفي لبنان العديد من المعاهد والمدارس المهنية والتي تستحوذ على 27% من مجموع طلاب المستوى الثانوي[93] إذ بلغ مجموع طلاب المسجلين في البرامج التقنية والمهنية: 39,773 طالب.
يتميز التعليم والتدريب المهني في لبنان بالآتي:
• يتعلم الطالب في جميع مراحل الدراسة المهنية، المواد النظرية العامة والمهنية والأعمال التطبيقية في ورش ومختبرات المدرسة.
• لا يوجد أي تدريب للطالب في سوق العمل أثناء الدراسة إلا في إطار المدارس التي تتبع نظام "التعليم المزدوج".
• تستطيع المدرسة المهنية الخاصة طلب الترخيص لأي اختصاص إذا كانت شروط البناء متوفرة.
• تستطيع المدرسة المهنية الحكومية اعتماد التدريس لأي اختصاص مع شروط الموافقة من المديرية العامة للتعليم المهني وموافقة وزير التربية.
ويوجد نموذج تعاون بين مؤسسات التعليم والتدريب وقطاعات العمل والإنتاج عنوانه "التعليم المزدوج" وهو تعليم وتدريب مهني تتوزع مهمة القيام به على جهتين: المدرسة المختصة والمؤسسة التدريبية. وبالتالي يحصل التدريب المهني في المدرسة ومؤسسة العمل. حيث يتم التنسيق بين التعليم النظري في المدرسة والتدريب العملي في الشركة، ويحصل الطالب بموجب ذلك على الشهادة الثانوية المهنية بعد ثلاث سنوات، مرفقة بوثيقة تدريب خاصة من قبل الشركة.[94]
تعليم عالي
بعد الحصول على شهادة الثانوية يمكن لأي طالب أن يكمل تعليمه في الجامعة أو الكلية أو أي مؤسسة تعليم عالي. واليوم هناك 41 جامعة في لبنان، وبعضها هي من الجامعات المعروفة عالمياً.[95][96] كانت الجامعة الأميركية في بيروت أول جامعة تلقن مناهجها باللغة الإنكليزية في البلد، وجامعة القديس يوسف الجامعة الأولى التي لقنت مناهجها باللغة الفرنسية.[97][98] كما هناك الجامعة اللبنانية التي تديرها الحكومة، الجامعة الأنطونية للرهبان الأنطونيين وجامعة بيروت العربية المدعومة من مصر. حصل لبنان على المركز الثامن والثمانون في قائمة أعدتها الأمم المتحدة حول نسبة الأمية في العالم وفقا لنسبة إجمالي الالتحاق بالمؤسسات التعليمية لعام 2008، من بين 177 دولة مشاركة.[99]
الصحافة والإعلام
يعتبر لبنان من أكثر الدول العربية إشتهاراً بهذه المهنة منذ انطلاقتها مع جريدة "حديقة الأخبار" عام 1858.[100] واستطاعت الصحافة اللبنانية أن تحتل مركز الصدارة في مجالات الإعلام والإعلان والتثقيف والدفاع عن الحرية في العالم العربي.[101] كما يوجد في لبنان جامعات ومدارس خاصة لتعليم الصحافة والإعلام على درجة من الرقي والإتقان وبذلك تكون البلاد من أقوى الدول العربية في هذا المجال وخاصة في مجال الإذاعة والتلفزيون والصحافة. والإعلام في لبنان حر وغير موجه ومتعدد.[102][103]
الإعلام المرئي
ويوجد في لبنان تسعة محطات تلفزيونية أرضية، وسبعة منها فضائيات. تجذب محطات التلفزة التي تبث عبر الأقمار الاصطناعية مشاهدين من كل البلاد العربية.
وكان الإنتاج التلفزيوني اللبناني السباق مرتفعا ومعروفا بإنتاج الدراما العربية التي انتشرت في العالم العربي قبل الحرب الأهلية، إلا أن إنتاجية هكذا أعمال انخفضت مع بداية الحرب. والآن يشتهر التلفزيون اللبناني بالبرامج الاستعراضية والألعاب الفنية مثل سوبر ستار وبرامج الواقعية مثل ستار أكاديمي الذين يجذبان ويتفاعلان مع المشاهدين من كل العالم العربي. ومن أشهر محطات التلفزة اللبنانية هي تلفزيون المستقبل وLBC وOtv وMtv وتلفزيون المنار.[104]
الإعلام المسموع
الإعلام اللبناني متطور إلى حد كبير، ويتمتع بالتنوع الذي يعكس تنوع البلاد والانقسامات التي تعصف به. ولبنان أول دولة عربية تسمح لمحطات إذاعة خاصة بالعمل ضمن حدودها مع احتفاظ الحكومة بحق الموافقة على إنشاء المحطات ومراقبة نشرات الأخبار والبرامج السياسية. وبإمكان جهاز الرقابة إيقاف أي بث يعتقد أن له انعكاسات سلبية على الأمن.[105]
وتقسم المحطات الإذاعية إلى ثلاث فئات:[106]
1. الفئة الأولى هي التي يسمح لها ببث الأخبار السياسية. ومعظم هذه الاذاعات تتبع جهات سياسية أو طائفية.[107]
2. الفئة الثانية هي التي تبث البرامج الفنية فقط.
3. الفئة الثالثة هي إذاعات الإف أم التي تبث في المناطق التي تعد بالمئات، فخلال الطفرة الإعلامية الغير شرعية التي شهدها لبنان بثت المئات من إذاعات الـ «إف. أم» التي تعمل على الموجة القصيرة جداً، وكان يكفي وجود هاتف ومكتب صغير لإدارة إذاعة يغطي بثها بضعة كيلومترات مربعة، وبعد صدور قانون الإعلام إنخفض عددهم بشكل ظاهر.[108]
النشر
يشجع الدستور اللبناني الحرية الشخصية وحرية المعتقد والتعبير مما يجعل الحرية الصحفية في لبنان من أعلاها في البلاد العربية.[109] ولفترة طويلة من الزمن كانت معظم الأنظمة والمعارضات العربية تنشئ صحفها في لبنان من أجل التعبير عن مبادئها أو مهاجمة منافسيها. ومما يزيد من اعتزاز الصحافة في لبنان بأن يكون خريجوها قد انتقلوا بخبراتهم إلى أقطار عربية عدة، لا سيما في السعودية والخليج وأوروبا، لكن هذا الانتقال أثراً سلباً على الصحافة اللبنانية نفسها إذ لم تستطيع تعويض الخسارة.[110]
وحالياً هناك 110 صحف ومجلات سياسية مرخصة في لبنان متنوعه بين شهرية وأسبوعية ويومية. 14 منها هي صحف يومية، من ضمنها ثلاثة تصدر بلغات أجنبية هي الأرمنية والفرنسية والإنكليزية. تتحدث الأرقام المتداولة عن نسبة تتراوح بين الثمانين ألفا والمائة ألف عدد تباع يومياً موزعة على الصحف الأربعة عشر مجتمعة. أما القراء فيتراوح عددهم بين 320 ألفا و400 ألف قارئ.[111]
ودفع الصحفيون اللبنانيون أثمان غالية بسبب مواقفهم، فقد اغتيل جميل مروة وجبران المتني في أواخر ستينات القرن العشرين ورياض طه وسليم اللوزي أبان الحرب الأهلية، ومؤخراً اغتيل سمير قصير وجبران تويني بسبب مواقفهم من ثورة الأرز الداعية لاستقلال لبنان، كما تعرضت مي شدياق إلى محاولة اغتيال أدت إلى بتر يدها وساقها،[112] بالإضافة إلى ذلك فقد هرب العديد من الصحفيين اللبنانيين من لبنان بسبب التهديدات التي تلقوها بسبب مقالاتهم.
ويصدر في لبنان العديد من المجلات الأسبوعية والتي تغطى كل ميادين المعرفة من سياسية وفنية وعلمية وقصص مصورة. وكان لبنان أول من أصدر المجلات المصورة مثل سوبرمان و"ريما" في العالم العربي.
ويشتهر لبنان بدور النشر التي تصدر الكتب المتنوعة العربية منها والمترجمة من لغات أخرى. وأول دار للنشر في لبنان أنشئت بهدف النشر والتوزيع والتأليف هي دار العلم للملايين في سنة 1945، وكان معظم الشاغلون في إنتاج الكتاب قبل ذلك إما أصحاب مطابع أو أصحاب مكتبات ولم يمكن تخصصهم بالنشر. ويوجد لدى نقابة الناشرين في لبنان حوالي 600 ناشر مسجل لديها ولكن عدد