د.دندشلي - رحلة نيكسون الصينيّة : وجه جديد لسياسة قديمة
رحلة نيكسون الصينيّة : وجه جديد لسياسة قديمة . ( )
بقلم : د. مصطفى دندشلي .
ليس من السهل الآن التنبؤ بنتائج المحادثات ( سلباً أم إيجاباً ) التي من المحتمل أن تسفر عنها زيارة الرئيس نيكسون للزعماء الصينيين . إلاّ أنّ هذه الزيارة ـ الأولى في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ، التي يذهب فيها رئيس أميركيّ إلى بكين ـ تعتبر بحدّ ذاتها وفي الظروف الحالية للسياسة الدوليّة ، حدثاً تاريخياً يمكن أن تكون لـه نتائج بعيدة المدى في تغيير موازين القوى في آسيا وعلى الصعيد العالميّ . وهذا ما دعا إحدى المجلات الفرنسيّة أن تطلق على لقاء نيكسون للرئيس الصينيّ ماوتسي تونغ اسم " لقاء القرن ".
ومن الواضح أنّ الدبلوماسيّة الأميركيّة تسعى ، في الآونة الأخيرة ، لإيجاد حل لمشاكلها المعقدة في شبه القارة الهنديّة ـ الصينيّة ، وبالتالي لإرساء أسس تحسين علاقاتها مع جمهوريّة الصين الشعبيّة . فبعد أن بقيت واشنطن مدة أكثر من عشرين سنة مضت ، تمارس سياسة " ضرب الحصار " العسكريّ والدبلوماسيّ حول الصين ، عادت الآن وأظهرت تراجعاً ملموساً في هذا الميدان، أو بالأحرى أجبرت على القيام بهذا التراجع .
كيف يمكن تفسير ذلك ؟... وما هي الأسباب البعيدة والقريبة التي أرغمت الولايات المتحدة على تعديل سياستها الصينيّة ؟... وإلى أيّ مدى يمكن أن تصل سياسة الانفراج التي نلمسها سواء في السياسة الأميركيّة أو في سياسة جمهوريّة الصين الشعبيّة ؟...
* * *
قبل الإجابة على هذه الأسئلة ، تجدر الإشارة ، بادئ ذي بدء ، إلى أنّ الاتصالات الأميركيّة ـ الصينيّة ليست حديثة العهد . بل أنّها تمتد إلى أكثر من 15 سنة مضت ، حيث تمّت سلسلة طويلة من المحادثات بين البلدين في فرصوفيا ( عاصمة بولونيا ) على مستوى سفرائهما هناك .
وإذا كانت الاعتداءات العسكريّة والغارات الجويّة الأميركيّة على فيتنام الشماليّة قد أوقفت هذه المحادثات في سنة 1968 ، إلاّ أنّها لم تلبث أن عادت في أواخر عام 1969 ، وإن كانت الصفة الغالبة عليها هي ما يمكن تسميته بـ " حوار الطرشان ".
هذا ن ناحية ومن ناحية ثانية ، فإنّ زيارة الفريق الرياضيّ الأميركيّ لكرة الطاولة إلى بكين ، في الربيع الماضي ، أظهرت للعالم مدى " الدهشة الساذجة " للمواطنين الأميركيين أمام "اكتشافهم " لجمهوريّة الصين الشعبيّة . كما أظهرت في نفس الوقت مدى انغلاق الأميركيين على أنفسهم ، وأنّ تصوراتهم عمّا يجري خارج بلادهم إنّما هي أقرب على التخيّلات والقصص البولسيّة منه إلى الواقع .
لقد كان المواطن الأميركيّ العادي يتصوّر ، في السابق ، إنّ الصينيين يعيشون في فقر مدقع وعام وأنّ المجتمع الصينيّ تتحكم فيه علاقات العنف والتعسف . أي ، وبتعبير آخر ، إنّ الصينيين أناس " غير عاديين ". وقد كتبت " واشنطن بوست "، على أثر زيارة الفريق الرياضيّ الأميركيّ قائلة في هذا الصدد : " كثيرون من الأميركيين دهشوا عندما وجدوا أنّ الصينيين هم أناس كسائر البشر : يتنزهون في الشوارع ، ويتحركون ويتحدثون ، وليسوا دمى محقونة بعداء مرضي ضدّ الأميركييم . فإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ هذا يمكن أن يعرفنا على أنفسنا نحن ، أكثر ممّا قد يعرفنا على الصينيين ".
* * *
إنّ واشنطن كانت ولا تزال تنظر إلى جنوب شرق آسيا ، كمنطقة استراتيجيّة ذات أهميّة كبرى لنفوذها وتوسعها في الشرق الأقصى ، ولما تحويه من معادن ومواد أوليّة ضروريّة للصناعة الأميركيّة .
من أجل ذلك فالسيطرة الأميركيّة المباشرة أو غير المباشرة ، على معظم الدول في هذه المنطقة ، تكاد تكون شبه كاملة . ومن غير المعقول أبداً أن تتخلى واشنطن عن مركزها هناك ، إلاّ إذا تخلت عن طبيعة نظامها الاقتصاديّ الرأسماليّ التوسعيّ .
فالتغيير الذي يتحدّث عنه البعض إنّما هو ، في الواقع ، تغيير في الأسلوب أو في التكتيك، وليس في المضمون أو في الهدف الاستراتيجيّ . وما يعبّر عنه بـ" مبدأ نيكسون " الأسيويّ ، إن هو إلاّ وجه جديد للسياسة الأميركيّة القديمة .
وهذا المبدأ يعتمد في الأساس على دعامتين أساسيتين : أولاً ، العمل على خلق قوة عسكريّة في المنطقة الأسيويّة ، بفضل المساعدات العسكريّة من الولايات المتحدة ، وثانياً ، إعطاء مسؤوليّة أكبر لحلفائها في كيفيّة سير المعارك الحربيّة .
كما أنّ مستشار الرئيس الأميركيّ ، هنري كيسنجر ، مخطّط الاستراتيجيّة السياسيّة الأميركيّة ، يرى " أنّ التحدّي الكبير الذي تواجهه أميركا يكمن في أن تسعى إلى إيجاد عالم ونظام عالميّ جديد قائم على تعدّد الأقطاب والقوى السياسيّة ، حتى ولو بقيت القوة العسكريّة الكاسحة في أيدي القوتين الكبيرتين : الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ".
على هذا الأساس يجب أن يفسر تصريح وزير الحربيّة الأميركيّة ، عندما قال بأنّ اليابان مستعدّة أن تتحمل مسؤوليتها المتزايدة في الشرق الأقصى ، إذا قررت الولايات المتحدة أن تقلّل من وجودها العسكريّ .
كما أنّ الرئيس نيكسون أعلن في شباط سنة 1971 : " إنّنا لا نزال محافظين على التزاماتنا في آسيا ، ونحن قوة كبرى في المحيط الهادئ . فنحن واليابان نملك مفتاح نجاح مبدأ نيكسون في آسيا ".
ومن الناحية الثانية فقد أكد البيت الأبيض مراراً أنّ التقارب بين الولايات المتحدة والصين لن يكون على حساب " الأصدقاء القدامى " لواشنطن .
إنّ ما سبق يقودنا إلى طرح السؤال عن عوامل التحولات الظاهرة ، في أسلوب الدبلوماسيّة الأميركيّة ، وعن الأسباب الحقيقيّة التي دعت نيكسون إلى الإعلان عن رغبته في لقاء القادة الصينيين ، مع أنّ التاريخ السياسيّ للرئيس الأميركيّ حافل بعدائه الشديد للشيوعيّة ؟...
إنّ التكهنات التي أثيرت حول هذه المواضيع ، في الآونة الأخيرة ، والتي لا تزال تثار ، كثيرة ومتضاربة ، ولكنّها في غالبيتها تميل إلى الاعتقاد بأنّ هذا اللقاء الصينيّ ـ الأميركيّ يخدم المصالح الأميركيّة أكثر ممّا يخدم المصالح الصينيّة .
وبالنسبة لعدد من المعلقين السياسيين ، فإنّ الولايات المتحدة ، الغارقة منذ مدة طويلة في معضلة لم تستطع الخروج منها ، تتصور أنّ البحث عن حلول مشكلاتها ـ وليس فقط مشكلة حرب فيتنام وإنّما مشكلاتها في المنطقة الأسيويّة عموماص ـ يمكن إيجاده في بكين . وإنّ هذه القضايا المعقدة لا يمكن أن تحلها واشنطن ، ولم تستطع في الماضي أن تحلها دون تحسين علاقاتها السياسيّة مع جمهوريّة الصين الشعبيّة .
وهناك مجموعة عوامل ، قديمة وآنيّة ، أرغمت الدبلوماسيّة الأميركيّة على تعديل استراتيجيتها السياسيّة السابقة في آسيا وفي علاقاتها مع الصين بعد عداء مستحكم استمر أكثر من عشرين سنة ، ويمكن تلخيص أهمّ هذه العوامل بما يلي :
1 ـ القضيّة الفيتناميّة : إنّ الحرب العدوانيّة التي تشنها الولايات المتحدة على فيتنام كانت تحمل في طيّاتها عناصر تهديم هذه السياسة الأميركيّة نفسها . وكنتيجة مباشرة لذلك ، أخذ الاقتصاد الأميركيّ في الانهيار تدريجياً لدرجة الخطورة ، وميزان المدفوعات أصيب باختلال وعجز مزمن ، والدولار ، العملة العالميّة ، يمرّ الآن بسبب التكاليف الباهظة لهذه الحرب ، بأخطر أزمة عرفها بعد الحرب العالميّة الثانية .
لهذا ، فالاعتقاد الذي كان سائداً في الماضي ، وفي بعض مناطق الشرق الأقصى بأنّ أميركا هي المدافعة عن " حرية الشعوب " ضدّ " الاعتداءات الشيوعيّة " قد زال وانهار .
فحرب فيتنام قد برهنت ، من جملة ما برهنت فيه ، على أنّ الاعتداءات العسكريّة المتكررة والتدخلات في الشؤون الداخليّة للشعوب ودعم الأنظمة البالية ، إنّما يأتي في الواقع من الجانب الأميركيّ .
فقد كتب " ساكاموتو " البروفسور في جامعة طوكيو ، في " الموند ديبلوماتيك " الفرنسيّة (نيسان 1971 ) إنذ انخفاض النفوذ الأميركيّ في آسيا قد لوحظ في ميادين ثلاث :
أولاً ، على الصعيد الأخلاقيّ ، حيث ظهرت الحرب الفيتناميّة بوضوح الجانب الوحشيّ والعنصريّ في السلوك الأميركيّ .
وثانياً ، هناك انهيار النفوذ الاقتصاديّ : من جهة أزمة الدولار المزمنة في الميدان الدوليّ، ومن جهة ثانية ، وجود الفقر المدقع في داخل الولايات المتحدة .
وأخيراً هناك انهيار النفوذ السياسيّ : فمنذ سنة 1960 ، أصبح من الجلي أنّ أميركا قد فشلت في ضمان الحريّة ، وفي تحقيق المساواة وتطبيق الحقوق الأساسيّة للأقليات العنصريّة عندها . وفي الخارج ، فشلت أميركا في انتهاج سياسة ديمقراطيّة لتضع حداً لحرب فيتنام ، وهذه الحرب التي تخرق مبادئ المساواة وحقّ تقرير المصير الذاتيّ للشعوب .
وفوق ذلك كله ، فقد أصبحت الثورة الفيتناميّة مثلاً يحتذى للقوى الثوريّة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينيّة وأظهرت للعالم خرافة " العملاق الأميركيّ " الذي لا يقهر .
فواشنطن مع تفوقها الهائل في القوة العسكريّة والتكنولوجيا ، ومع كونها أقوى قوة صناعيّة في العالم ، لم تعجز فقط عن قهر المقاومة المسلحة لشعب فيتنام ـ البلد المتخلف ـ بل أنّ بؤرة المقاومة المسلحة ضدّ السيطرة الأميركيّة أخذت تتسع وتمتدّ في جميع أنحاء الهند الصينيّة .
2 ـ تزايد الضغط الدوليّ على الولايات المتحدّة : أمام التدخلات العسكريّة والسياسيّة المتزايدة للولايات المتحدة في فيتنام وفي الهند ـ الصينيّة ، ازدادت مظاهرات الاحتجاج في العالم ، وانتقلت من العالم الثالث إلى أوروبا وإلى الولايات المتحدة نفسها .
ممّا دعا كثيراً من الحكومات التي كانت تعتبر حتى وقت قريب صديقة وحليفة لأميركا ، إلى أن تعيد النظر في سياستها الخارجيّة ، على الأقلّ المتعلقة بمشاكل الهند ـ الصينيّة والقضيّة الصينيّة ، وتمتنع عن التأييد المطلق للدبلوماسيّة الأميركيّة في كثير من هذه الأمور .
فانتقادات الجنرال ديغول العلنيّة لسياسة واشنطن ليس فقط في أوروبا ، وإنّما كذلك في أميركا اللاتينيّة ، في آسيا وفي أفريقيا ، كان له أثر كبير في كسر الطوق الأميركيّ وزعزعة نفوذ الأميركيّ .
لهذا ، فإنّنا نجد في السنين الأخيرة انحساراً ظاهراً للنفوذ الأميركيّ على مسرح السياسة الدوليّة . وقضية انضمام الصين الشعبيّة إلى الأمم المتحدة ، في الدورة الأخيرة ، بكامل حقوقها المشروعة وموقف واشنطن منها ، يمكن أن يعتبر ( بل أنّه اعتبر ) كصفعة موجهه إلى الولايات المتحدة بالذات .
3 ـ الضغط الداخليّ : لقد وصل الهجوم على السياسة الخارجيّة لواشنطن إلى أميركا بالذات ، وأخذ يزداد ويتسع أكثر فأكثر مع تصعيد الحرب العدوانيّة في فيتنام وانتشارها في الهند ـ الصينيّة كلها .
وهكذا أخذت المعارضة تشتد في أوساط المثقّفين والجامعيين وبعض الصحف وحتى بين بعض رجال الأعمال .
أمـام ازدياد المعـارضة الداخليّـة للسياسة الخارجيّـة واقتراب انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني 1972 ، اضطر البيت الأبيض لتعديل سياسته الخارجيّة العامة في هذه المنظمة والإعلان عن الانسحاب التدريجيّ للقوات البريّة الأميركيّة .
* * *
وفي المقابل ، فإنّ وجهة نظر الصين هي الأخرى واضحة كلّ الوضوح وقطعيّة فيما يتعلق بتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة ، كما أنّ سيطرة العملاق الأميركيّ ، كانت دائماً بالنسبة لبكين ، سيطرة آنيّة ، ولن تلبث أن تزول وتتلاشى تدريجياً . وهي لذلك ليست مستعدة ( وبأيّ ثمن ) لأن تساعد الولايات المتحدة على إيجاد حلول لمشكلاتها . بل هي تتصور أنّ الحرب العدوانيّة التي تشنها في الشرق الأقصى من المحتمل أن تؤدّي في النهاية إلى انهيار النظام الإمبرياليّ الأميركيّ كله. وإنّ المقاومة المسلحة أخذت تتسع وتمتدّ إلى مناطق كثيرة وأصبح العداء لأميركا عاماً في جميع أنحاء العالم .
وللصين ، من غير شكّ ، استراتيجيّة محدّدة ومصالح خاصة ، ليس باستطاعتها أن تتخلى عنها من أجل بناء علاقات وديّة مع الولايات المتحدة .
ولكن ، في نفس الوقت ، ليست الصين ، كما يتصور البعض ، من دعاة الحرب بأيّ ثمن ومهما كانت النتائج ، فهي لم ترفض في الماضي أو في الحاضر سياسة التعايش السلميّ ، أو سياسة المفاوضات مع دول المعسكر الغربيّ وعلى رأسها أميركا ـ كما رأينا سابقاً ـ وإنّما هي تعطي لهذه السياسة مفهوماً خاصاً ( وهذا ما سنبحثه في مجال آخر ).
لذلك نجد بكين لا تتخلى عن فكرة الاستعداد للحرب أو عن فكرة دعم حركة التحرر الوطنيّ والثوريّ في العالم ، في الوقت الذي تدخل فيه في مباحثات ثنائيّة مع واشنطن .
وهذا ما أكد عليه شو أن لاي في 5 تشرين الأول في بكين عندما قال : " يجب أن نكون مستعدين لدخول الحرب ولإجراء المحادثات في وقت واحد ". وأضاف قائلاً : " إذا كنّا نستعد فقط للدخول في المباحثات دون أن نستعد لخوض المعركة المسلحة ، فإنّ ذلك شيء غير سليم ... وفي الحالة التي لا نكون فيها خائفين من الحرب ، نستطيع عندئذ أن نقوم بالمحادثات . وإذا أردنا أن نباشر مفاوضات سلميّة ن فيجب علينا أن نكون على أتمّ الاستعداد لخوض الحرب ".
* * *
ما هي الشروط التي تضعها الصين والحلول التي تريد الحصول عليها ، لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة ؟...
هناك ثلاث قضايا أساسيّة : قضيّة " فرموزا " وقضيّة الهند ـ الصينيّة ، ومشكلة ظهور العسكريّة اليابانيّة .
قضيّة " فرموزا " : فقد صرّح شو أن لاي لبعض الأميركيين ، في المدّة الأخيرة ، بأنّه إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في بناء علاقات مع الصين ، فيجب عليها أن تعترف بأنّ حكومة جمهوريّة الصين الشعبيّة هي الحكومة الشرعيّة الوحيدة التي تمثل الشعب الصينيّ . وإنّ " تايوان " إقليم من الصين وجزء لا يتجزأ من الأراضي الصينيّة . وإنّ على الولايات المتحدة أن تسحب جميع قواتها العسكريّة الحاليّة .
قضيّة الهند ـ الصينيّة : يؤكد أيضاً شو أن لاي بأنّ الهند ـ الصينيّة هي ملك شعوب المنطقة وأنّه يجب احترام إرادة هذه الشعوب . فقد أعلن ، في 19 تموز الماضي ، على أثر زيارة كيسنجر لبكين قائلاً : " أوّل مطلب للرأي العام ، سواء في الولايات المتحدة أو في أيّ مكان آخر ، هو انسحاب القوات الأميركيّة من كلّ شبه جزيرة الهند ـ الصينيّة . حتى أنّنا نستطيع القول بأنّ هذا الطلب هو أكثر إلحاحاً من عودة العلاقات بين الشعبين الصينيّ والأميركيّ ". ويضيف رئيس الوزراء الصينيّ : " من أجل ذلك ، فإنّنا نعتقد بأنّ القضيّة الأولى التي يجب حلها هي قضيّة الهند ـ الصينيّة . فإذا فعلنا ذلك ، فإنّنا لا نلبّي فقط مصلحة شعوب الهند الصينيّة ، وإنّما كذلك مصلحة الشعب الأميركيّ ".
لهذا يعود ويكرر تأكيده بأنّ الشعب الصينيّ يحترم ويؤيد البرنامج الثوريّ للبلاد الثلاث : الجمهوريّة الديمقراطيّة الفيتناميّة ، والحكومة الثوريّة المؤقتة لجمهوريّة فيتنام الجنوبيّة ، والجبهة الوطنيّة المتحدة لكمبوديا .
مشكلة العسكريّة اليابانيّة : ثم أخيراً هناك بالنسبة إلى الصين مشكلة ظهور وانتعاش النفحة العسكريّة الجديدة في اليابان . واليابان اليوم ثاني قوة اقتصاديّة في العالم الرأسماليّ . وحتى تستطيع أن تواصل توسعها الاقتصاديّ في الخارج ، يجب عليها أن تواصل تطوّرها ونموّها العسكريّ . من أجل ذلك ، فإنّ الخطّة الرباعيّة للدفاع الحربيّ لليابان لسنة 1972 ـ 1976 قد ازدادت ـ كما يؤكد على ذلك شو أن لاي ـ إلى أكثر من 16 مليار دولار للنواحي العسكريّة ، في حين أنّ مجموع النفقات اليابانيّة منذ إنهاء الحرب العالميّة الثانيّة لم يتجاوز أبداً أكثر من 10 مليار .(2)
* * *
يظهر ممّا سبق أنذنا نجد أنفسنا أمام مواقف متنافسة . وكما أنّ الاعتدال التكتيكيّ للدبلوماسيّة الصينيّة يجب أن لا يفسر على أنّه تحوّل عن الخط العام للسياسة الخارجيّة للصين الشعبيّة ، كذلك فإنّ الاستراتيجيّة السياسيّة الأميركيّة لا تزال تتبع في آسيا نفس الأهداف السابقة في التوسع والسيطرة ، وإنّما بأسلوب وشكل جديد .
وقد أعلنت " الصين الجديدة " في 18 شباط في تعليق على رسالة نيكسون إلى الكونغرس بأنّ " الإمبرياليّة الأميركيّة لا ترغب في تغيير موقفها العدوانيّ بالنسبة إلى الصين ". وتقول وكالة الأنباء الصينيّة بأنّ " الصين حكومة وشعباً كانت دائماً تكن للشعب الأميركيّ عواطف الصداقة ". وتضيف : " إنّنا نؤيد بقوة شعوب العالم في نضالها ضدّ الاعتداء الإمبرياليّ الأميركيّ . وقوات الاعتداء الأميركيّة يجب أن تنسحب من الهند ـ الصينيّة ومن كوريا الجنوبيّة ومن تايوان ومن كلّ المناطق التي تحتلها وتسيطر عليها . إنّ موقفنا حول هذه المنطقة لا يتزحزح ".
ومن جهة ثانية ، فقد صرّح الرئيس نيكسون ، عند وصوله إلى هونولولو في 17 شباط قائلاً : " إنّنا لا نتصوّر إنّ 25 سنة من العداء بين جمهوريّة الصين الشعبيّة وبين الولايات المتحدة ستزول بعد أسبوع من المحادثات ...".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) أنظر ، جريدة " المحرر "، 23 شباط 1972 .
[2] ) أنظر ، أفريكازيا ، النصف الأول من شباط 1972 ، العدد الأخير .