اللواء - قلق أوروبي للربط بين المحكمة والحرب••! - صلاح سلام
الع عدد 12995 السنة 48
الجمعة,1 تشرين الأول 2010 الموافق 22 شوال 1431 هـ
قلق أوروبي للربط بين المحكمة والحرب••!
صلاح سلام
بدأ السجال المحتدم في لبنان حول المحكمة الدولية يتردّد صداه في بعض العواصم الأوروبية، وخاصة تلك التي تشارك جيوشها في قوات اليونيفل العاملة في الجنوب اللبناني، لا سيما إسبانيا التي تقود حالياً القوات الدولية المتواجدة على الحدود الجنوبية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701•
ومع ارتفاع اللهجة التهديدية من معارضي المحكمة الدولية وتلويحهم المتزايد بإمكانية اندلاع حرب داخلية، بسبب أعمال المحكمة وقرارها الظني، تزداد حالة القلق الأوروبية من احتمال تدهور الأوضاع الأمنية في الوطن المعذّب، مما يعرّض سلامة القوات الأوروبية العاملة تحت الراية الدولية الزرقاء للخطر، خاصة في حال وصول تداعيات الصراعات اللبنانية المحلية الى المناطق الجنوبية، التي تبقى المسرح الأساسي لعمليات القوات الدولية•
وترصد بعض دوائر القرار الأوروبي بكثير من العناية، حركة الاتصالات والمشاورات الجارية على أكثر من صعيد بين عواصم عربية وأجنبية، بما فيها، واشنطن، حول الوضع اللبناني الهش، والمعالجات المناسبة لتعزيز الاستقرار اللبناني، والحؤول دون انزلاق الوطن الصغير الى هاوية الفتن والاقتتال الداخلي، حرصاً على ما تحقق من تقدّم في الحركة السياسية اللبنانية خلال السنتين الماضيتين، بعدما أدّت الصراعات الداخلية الى تعطيل المؤسسات الدستورية طوال فترة سنوات الانقسامات والمواجهات الداخلية التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتوالي مسلسل الاغتيالات التي طالت نخبة من الشخصيات السياسية والإعلامية•
* * *
ثمة استغراب أوروبي حول إصرار بعض الأطراف السياسية في لبنان على الربط بين القرار الظني الدولي واستمرار أعمال المحكمة وبين احتمال اندلاع حرب داخلية، لأن الدول الأوروبية، التي عملت مع اطراف فاعلة في المجتمع الدولي على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كانت تسعى الى وقف مسلسل الاغتيالات أولاً، ثم الى حماية لبنان من الوقوع في خضم فوضى أمنية في لعبة الفعل وردّة الفعل، وذلك الى جانب التأكيد على رفض المجتمع الدولي السكوت عن اللجوء الى القتل واستعمال العنف لحسم الخلافات السياسية•
ولكن هل نجح التحرك الأوروبي في تحقيق الأمن والاستقرار في لبنان عبر إنشاء المحكمة الدولية؟
ويأتيك الجواب ببساطة ووضوح: أمن لبنان واستقراره ليس مسؤولية الدول الأوروبية وحدها، ولا يعني الأوروبيين وبعض الاصدقاء العرب المهتمين بالوضع اللبناني، ما هو مسؤولية اللبنانيين انفسهم، كل اللبنانيين سواء كانوا في السلطة أم في المعارضة، لا يستطيع احد ان يأخذ دور اللبنانيين، وغير مسموح لأحد ان يتخذ القرار نيابة عن اللبنانيين، الا في حال عجز أهل البيت عن تسوية خلافاتهم، فعندها يعود البحث من جديد عن وسائل اعادة فرض الأمن والهدوء في البلاد، وبما يؤدي في النهاية الى عودة اللبنانيين الى طاولة الحوار، وطوي صفحة العنف، والاقتتال الداخلي•• كما كان يجري بعد كل أزمة متفجرة في الوطن المعذب!!
الغبار السياسي الذي يحيط بالسجالات الدائرة حول المحكمة الدولية، لم يحجب الاهتمام الاوروبي بمتابعة اداء الحكم في لبنان عامة وخاصة الحكومة ورئيسها، في هذه الظروف الدقيقة التي تحيط بوطن الارز، بل وبالمنطقة كلها على ايقاع المفاوضات الدائرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، والاندفاعة الاميركية اللافتة لتحقيق اختراق ما في ازمة الشرق الاوسط المعقدة•
هناك ملاحظات على اداء الحكومة اللبنانية البطيء حيناً والمتعثر أحياناً، والذي ينعكس سلباً على الجهود الدولية الهادفة الى تدعيم وجود الدولة ودورها في التصدي للمشكلات اليومية، فضلاً عن المساعي الاوروبية الناشطة على اكثر من صعيد، لتعزيز عمل المؤسسات الدستورية والاجهزة الامنية وفي مقدمتها الجيش وقوى الامن الداخلي•
ومقابل ذلك ثمة تقدير لمهمة رئيس الحكومة ومحاولاته المستمرة لنزع الالغام من امام عمل الحكومة، فضلاً عن الحرص الدائم على الحفاظ على الامن والاستقرار في البلاد، رغم حراجة موقفه ازاء الضغوط التي يتعرض لها حالياً للتخلي عن المحكمة الدولية، واقفال ملف جريمة اغتيال والده•
ثمة تشجيع اوروبي للمصالحة التي تمت بين الرئيسين بشار الاسد وسعد الحريري، والتي افسحت المجال لتصحيح العلاقات اللبنانية - السورية، واعادة وضعها في الاطار الطبيعي الذي يخدم مصالح الشعبين الجارين•
ولكن فجأة تسمع سؤالاً يطرحه صاحبه في سياق الحديث: هل تبذل دمشق الجهد اللازم لضبط حلفائها في لبنان؟
يبدو ان الوضع اللبناني الذي يعاني من ضغوطات واهتزازات، بين الحين والآخر، لم يعد همّاً يومياً للبنانيين، يحملونه معهم حيثما ذهبوا، بقدر ما هو موضع اهتمام ومتابعة من عواصم قرار عربية واوروبية، تسعى بشكل جدّي الى عدم عودة الوطن المعذب ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية، سواء نجحت المفاوضات الحالية في تحقيق اختراق في جدار الصراع العربي الاسرائيلي، او في حال فشلت المحاولات الايرانية الحالية في نيويورك في كسر حلقة الحصار الدولي حول الملف النووي الايراني!
صلاح سلام