ولكن ماذا عن حب الوطن للمواطن؟ - د.علي فخرو
علي فخرو بقلم د
كتبهامريم مكي ، في 2 فبراير 2008 الساعة: 10:50 ص
ولكن ماذا عن حب الوطن للمواطن؟
الحديث المادح للوطن والمشيد به والمطالب بحبه والولاء له، كل ذلك في صورة مجردة من شروط ومن تبعات ومسؤوليات هو خطاب مدرسي يصلح للصغار ولا يرقى إلى الخطاب السياسي. فالوطن ليس مكاناً جغرافياً فقط وإنما هو أيضاً بيئة اجتماعية وعلاقات إنسانية ونظام قانوني يحكم تلك البيئة والعلاقات وامتدادا ذهني في المستقبل يرسخ التفاؤل والأمل أو التشاؤم واليأس. من هنا تصبح الاحتفالات بالأعياد الوطنية والقومية أنشطة فولكلورية مظهرية ومناسبات لا طعم ولا لون لها إذا لم يصاحبها إثبات ويقين بأن الوطن يسير في الاتجاه الصحيح الذي سيجعل منه بيئة وعلاقات وأنظمة قائمة على موازين العدالة وحقوق الإنسان الكبرى. إنها علاقات لا تبقي الوطن متأرجحاً بين قليل من العدالة وكثير من الظلم، بين تحسن محدود في المعاش وازدياد متنام لفحش الفروق بين الفقراء والأغنياء، بين توسع في الحريات الشخصية الاجتماعية وتراجع في الحريات المجتمعية السياسية، بين سوق يضج فرحاً بالمضاربات الجنونية في العقارات والأسهم والخدمات الهامشية العبثية وبين سكون العجز عند المزيد من المواطنين للحصول على مجرد سكن متواضع أو عمل شريف يبعد الفاقة والتذلل والاستزلام لهذا أو ذاك، بين طفل يولد وفي فمه ملعقة من ذهب وتحت مظلة ضمان مستقبلي مؤكد وبين طفل ينتظره الشقاء في كل خطوة يخطوها. يستطيع القادة السياسيون أن يؤكدوا نياتهم الحسنة ويتحدثوا عن أحلامهم المستقبلية الوردية، ويستطيع قادة الاقتصاد المباهاة بحجم الاستثمارات الخارجية والداخلية وارتفاع نسب أرباح الشركات والبنوك وغيرها، ويستطيع المتربعون على عرش الإعلام، من مرتزقة ومتعبين متساقطين في أنصاف الدروب الوعرة ومبهورين بجمال الماكياجات والعطور المسكوبة على الأجساد القذرة النتنة، أن يكذبوا ويتلاعبوا بعواطف البشر ويتوجهوا إلى بناء قلاع فوق الرمال… يستطيع كل هؤلاء وغيرهم أن يرقصوا ويغنوا لوطن مجرد وفي صورة خيال، لكن الحقيقة ستبقى: لا وطن من دون شروط وتبعات ومسؤوليات تجعله وطناً للجميع وسكناً للجميع ومشروعاً للجميع ومن دون أي تفريق بسبب الدين أو المذهب أو الجنس أو القبيلة أو العائلة. الشاعر ملتون كان محقاً عندما كتب أن «بلاد الإنسان هي حيث يعيش في خير«. وفي عصرنا هناك إعلانات دولية ومواثيق موقعة ودساتير مكتوبة تشرح معنى ذاك الخير. إنها حقوق للمواطن لا تقبل المساومة في التعليم والصحة والغذاء والمسكن والأمن والعمل وحق ممارسة النشاطات الديمقراطية السياسية السلمية. إنها في روحها حق في تساوي الفرص لاقتسام خيرات الوطن بعدالة وتراحم وتعاضد. ولذلك فمن حق الجيل الشاب ألا نختصر له الوطن فقط فيما كان عليه الوطن في الماضي وإنما أيضا، وبقوة ووضوح ومن دون أي غمغمة وغموض، فيما سيكون عليه في المستقبل المنظور. إن الطلب من أجيال المستقبل أن تحتفل بأوطانها وهي معصوبة الأعين هو طلب غير موضوعي وخبيث. فالوطن الذي لا تكشف كل زواياه الأنوار الساطعة ولا تراه العين الفاحصة ولا يخضع للمساءلة، الذي يطلب من الناس حباً عذرياً مجردا، ينقلب إلى صنم وينحدر حب المواطنين له إلى عبادة وثنية بدائية. هل ندعو إلى علاقة نفعية مع الوطن؟ حتماً كلا. لكننا ندعو إلى حب متبادل. ولما كان الوطن في نهاية المطاف هو المجتمع فإننا نتكلم عن ود متبادل وتضحيات متكافئة بين الفرد ومجتمعه. التضحية بأحدهما هو نحر لفكرة الأعياد الوطنية، تحت أي مسمى أقيمت: باسم الثورة أو الجيش أو الجمهورية أو الدين أو حكم هذه الأقلية أو تلك. إنها أعياد المنعّمين في طول وعرض بلاد العرب وهم يستعرضون طوابير الفقراء والعاطلين والمهمشين. يستطيع قيس أن يحب ليلى بلا أمل في زواج وإنجاب وسكن العيش المشترك. لكن ليس من حقنا أن نطلب مثل تلك العلاقة بين المواطن العربي ووطنه. إن النتيجة لن تكون إلا لوعة وحزناً وضياع فرص.
نشر في جريدة أخبار الخليج
20 ديسمبر, 2007
http://mariamf.maktoobblog.com