الانتخابات النيابية وتحديات الحاضر والمستقبل
نــدوة
الانتخابات النيابية وتحديات الحاضر والمستقبل
بتاريخ الخميس الواقع فيه 16 تموز 1992
المحاضران: الأستاذ سامي شعيب المحامي: بشارة منسّى
مدير عام وزارة الداخلية المستشار القانوني في المجلس النيابي
التعليق السياسي: سماحة السيّد محمد حسن الأمين
التقديــم: د. مصطفى دندشلي
* * * *
* كلمة ترحيب بالجمهور
* كلمة شكر للمحاضرين الذين لبّوا دعوتنا ورغبوا في الحديث في هذا الموضوع الهام، موضوع الساعة،
الانتخابات النيابية وتحدّيات الحاضر والمستقبل وأتوجّه كذلك وبهذه المناسبة بالشكر والتقدير إلى الأصدقاء في جمعية الأدب والثقافة الذين هيّئوا لنا هذه القاعة وهذا الجوّ الديمقراطي اللائق لعقد هذه الندوة.. وأننا نأمل أن تكون ندواتنا اللاحقة في قاعة محاضرات مركزنا الثقافي التي سوف ينتهي العمل من تحضيرها في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع..
* ويسرّ المركز أيضاً أن يقيم هذه الندوة بالتعاون ومشاركة الأصدقاء في الأمسيات العاملية في صور. وهذه ليست المرة الأولى التي ينظّم فيها مركزنا الثقافي لقاءات ثقافية وأمسيات شعرية مع الأمسيات العاملية.. وهي لن تكون الأخيرة.. ذلك أننا نسعى دائماً لإقامة نشاطات ثقافية مشتركة مع الجمعيات الثقافية الناشطة في الجنوب أو في لبنان..
كلمة الأمسيات العاملية يقدّمها السيد حسين شرف الدين.
* * * *
إذا كان لي من كلمة سريعة أقدّمها في بداية هذه الندوة فأنني أودّ فقط أن أبدي بعض الملاحظات السريعة لإثارة الموضوع وطرحه للنقاش:
1)- أولاً إنني أنظر إلى أهمية هذه الانتخابات النيابية العتيدة من زاوية معيّنة، يهمّني أن أشير وأن ألفت النظر إليها وهي أنها سوف تكشف ـ إذا كان هناك من حاجة إلى ذلك ـ طبيعة النظام السياسي برمّته في لبنان، والأُسس التي يقوم عليها. سوف تكشف طبيعة التحالفات السياسية التي تجري أمامنا على المسرح السياسي... وهي تحالفات أقل ما يمكن أن يُقال عنها أنها لا تقوم على مبادئ أيديولوجية أو أهداف سياسية واضحة، بقدر ما تقوم على مصالح شخصية أو طموحات فردية أو جماعية..
إن هذه الانتخابات ـ كالانتخابات النيابية السابقة ـ سوف تعرّي وتظهر للعلن طبيعة علاقات القوى السياسية جميعها، بعضها ببعض وعلاقاتها بالناس وبجمهورها وسوف تظهر بالتالي طبيعة التحالفات السياسية في حقيقتها وجوهرها وعلاقة القوى الخارجية بالسلطة السياسية، وعلاقة المال بالسلطة السياسية.
2)- شيء آخر أودّ فقط أن أشير إليه: وهو الديمقراطية في لبنان ومفهومها وترجمتها على صعيد الممارسة.. هذه الديمقراطية التي تظهر كما هي على حقيقتها من خلال العملية الانتخابية.. هكذا كان في الماضي ولن يتغير في المستقبل..
تُعرّف الديمقراطية بأنها حكم الشعب، بالشعب ومن أجل الشعب فهل الديمقراطية في بلدنا هي فعلاً حكم الشعب اللبناني، وبالشعب اللبناني ومن أجل الشعب اللبناني؟!.
ما هو تأثير العوامل الخارجية ـ من كل الجهات ـ في تكوين وقيام واستمرارية النظام السياسي في لبنان؟
لن تكون هناك من محاكمة أبلغ للنظام السياسي وللانتخابات الرئاسية أو النيابية في لبنان، من محاكمة رئيس الجمهورية في حديثه الأخير مع سفراء الدول الأوروبية المشتركة.. وقد جاء ذلك في مقال سركيس نعوم اليومي في جريدة النهار...
3)- بالفعل، فإن الديمقراطية والانتخابات النيابية، من المواضيع التي استأثرت باهتمامي البحثي.. وقد قُمت بدراسات وأبحاث ميدانية مطوّلة مع طلاب الجدارة والدبلوم في الجامعة اللبنانية ـ معهد العلوم الاجتماعية ـ صيدا، حول هذا الموضوع ـ الانتخابات النيابية ـ في الجنوب اللبناني..
فهنا، واقعياً، نظهر طبيعة هذه الديمقراطية المهزوزة بل والمتخلّفة، في مجتمع متخلّف.. هنا نظهر بوضوح سلطة العشيرة "والقبيلة" (بالمعنى المجازي) والمال والسلطة السياسية ـ داخلية وخارجية، وتأثيرها الفاعل في النجاح أو السقوط.
الرأي العام! الشعب! أصوات الجماهير، حريتها واحترام رأيها: كلها تعابير، للأسف القول بأنها فارغة من أي مضمون حقيقي..
في إحدى الدراسات التي قام بها أحد طلابي حول مفهوم الزعامة السياسية في منطقة جزين، صرّح النائب السابق لجزين المغفور له مارون كنعان في ما يتعلّق بالعوامل المؤثّرة لنجاح النائب فقال: يا ابني، لا تتعب نفسك: حتى يصبح الواحد نائباً، يحتاج إلى دعم: 1)السلطة السياسية، والسلطة الدينية وسلطة المال.. فإذا توفّر له ذلك فهو لابدّ ناجح.
4)- إنني لا أقول ذلك لإقرار هذا الواقع المؤلم، بل بالعكس، وإنما لإظهار عيوبه وبالتالي لرفضه، لرفضه جملة وتفصيلاً، ولتغييره حتى يستطيع فعلاً أن يُعبّر الشعب عن رأيه بحرّية وبوعيّ وبجرأة.
ونحن في المركز الثقافي نودّ أن نكون "شهداء" بمعنى شهود، شهداء على هذه المرحلة... لا شهود زور وإنما شهود فاعلون ومؤثّرون ومحرّكون، بكل ما تسمح به الإمكانيات، وهي إمكانيات كبيرة إذا أحسن استخدامها... إننا نحاول أن تكون الثقافة والفكر وحركتهما السياسية والوطنية الفاعلة، ضمير هذا الشعب في تطلّعه نحو مستقبل أفضل.
لذلك، وكخطوة أولى للعب دورنا الحقيقي والفاعل في هذه الانتخابات النيابية المزمع عندها مستقبلاً... وكمحاولة منّا، محاولة صادقة ومؤثّرة، لإثارة الموضوع على صعيد الفكر والسياسة الوطنية والجماهيرية الواسعة.. ومحاولة منّا أيضاً لاستنهاض النفوس والهمم وتحريك الوعي السياسي الحقيقي في نفوس أوسع قطاع ممكن من الفئات الاجتماعية.. دعونا في هذه الأمسية لكي يحدّثونا عن:
الانتخابات النيابية في لبنان
وتحدّيات الحاضر والمستقبل
ذوي الاختصاص والممارسة العلمية والعملية في هذا الميدان السادة:
الأستاذ سامي شعيب مدير عام وزارة الداخلية
المحامي بشارة منسّى المستشار القانوني في المجلس النيابي
وسماحة السّيد محمد حسن الأمين قاضي شرع صيدا الجعفري
كلمـــة
الأستـاذ سامـي شعيـب
مع مطلع هذا العهد وما رافقه من تأليف الوزارة الأولى وإقرار وثيقة الطائف والمباشرة بإعادة بناء المؤسسات، طالب البعض بإجراء انتخابات نيابية ليختار المواطنون وخاصة أولئك الذين بلغوا السن الـ 21 خلال فترة الأحداث، ممثّلين عنهم وتكون تصرفات هؤلاء ترجمة لرغبات من ولاهم، في حينه كان لنا رأي صريح وهو باختصار أن هذه المطالبة هي هرتقة أو فشّة خلق ليس إلاّ، لأن التنفيذ كان مستحيلاً في وقت كانت فيه البِنية التحتية للمؤسسات منهارة، فالجيش مشتّت وقوى الأمن الداخلي قليلة العدد ومعدومة العتاد والآليات والدوائر الإدارية في وضع يستحق الشفقة.
سُؤالنا: لماذا هذه السلبية، نحن نعرف أن الدولة إذا حزمت أمرها، فلا يصعب عليها التنفيذ، هذا القول من حيث المبدأ صحيح، إلاّ أن خبايا الأمور لا يعرفها إلاّ من يُعايشها، لقد عايشنا الانتخابات النيابية والاختيارية منذ أواخر الخمسينات، ونعرف تمام المعرفة أن نجاح الانتخابات تستوجب أموراً أساسية أهمها:
1- لوائح انتخابية سليمة.
2- أعمال تمهيدية ولوازم ومعدّات كاملة.
3- إجراءات أمنية يستطيع المسؤولون معها السيطرة على الوضع وقمع أيّ عمل من شأنه تعكير الأجواء وتغيير مجرى الأمور الصحيحة.
جاءت الوزارة الحالية وكان من حسن حظ المسؤولين في وزارة الداخلية إداريّين وعسكريّين أن يتولّى شؤونها اللواء الركن سامي الخطيب الذي يتحلّى بالخبرة والإقدام واتّخاذ القرار الصعب.
كان في حقيبته أُمنيات منها ما هو على مستوى الوطن ومنها ما هو على مستوى الوزارة والموضوع الذي يجمع بين الاثنين معاً والذي هو في أول الأولويات موضوع إجراء الانتخابات النيابية والبلدية. فعرضَ الأمر على مجلس الوزراء وأخذَ الضوء الأخضر، ثم دعا إلى اجتماع لهذه الغاية تبعه عدة اجتماعات للمسؤولين مدنيّين وعسكريّين، وبعد بحث الأمور وما يكتنفها من صعوبات قال "المهمة شاقة وصعبة"، "السلطة السياسية قرّرت وعلينا التنفيذ والنجاح بالمهمّة" سنبدأ منذ الآن بوضع خطة عمل ويجب المباشرة منذ هذه اللحظة بالتنفيذ.
كانت نقطة الضعف الأولى: المديرية العامة للأحوال الشخصية ـ التي كانت مشتّته في ثلاثة أماكن، المركز الرئيسي الذي ترقد فيه تحت الأنقاض سجلاّت النفوس التي يتم عنها نسخ لوائح الناخبين والتي هي العامود الفقري للأعمال الانتخابية ـ مبنى الأونيسكو ـ حيث يتواجد بعض الموظّفين لإنجاز مصالح المواطنين والمركز الثالث في مبنى قرب العدلية لإنجاز أعمال المواطنين في المنطقة الشرقية، أُعطيت التعليمات بعد أن تمّ تأهيل المركز الرئيسي وزوّد باللوازم والمكاتب والحاجات الضرورية، كما تكاتفنا جميعاً وأشرفنا على تأهيل سجلات النفوس واستنساخ لوائح الناخبين فكانت الاجتماعات متواصلة قبل الظهر وبعده لـتأمين إنجاز اللوائح ضمن المُهَل المحدّدة لها وبالتالي لعرضها على لجان القيد ومن ثمّ إرسالها للنشر في المدن والقُرى للاطلاع عليها مِن قِبَل المواطنين، وتقدّم ملاحظاتهم وفقاً للأصول. ونظراً للشواغر الكثيرة في ملاك المديرية العامة للأحوال الشخصية فقد تمّ الاستعانة بعناصر من قوى الأمن الداخلي والأمن العام والدفاع المدني للمساعدة في تأهيل السجلات واستنساخ لوائح الناخبين، وكلّف مفتّش عام قوى الأمن الداخلي مع مساعديه زيارة أقلام النفوس وإعطاء التعليمات وفقاً لما يتمّ اتّخاذه مِن قِبَل المسؤولين في الوزارة وفي نفس الوقت لنقل مشاهداتهم ومتطلّبات مأموري النفوس.
لقد كان إنجاز القوائم الانتخابية معجزة، هذه اللوائح لم تكن لتتمّ لولا عملية تأهيل السجلات بعد تنقيحها وإزالة الشوائب منها إذ بلغت الأسماء التي شُطبت في قضاء واحد كونها مزوّرة سبعين ألفاً وتعدّت في الأقضية الأخرى المايتي ألفاً. لم يكن القيام بهذا العمل سهلاً فكان من الضروري الاستعانة بالميكروفيلم وكذلك بالوقوعات لما بعد عام 1969، ولهذا تمّ استحضار آلة خاصة لتوضيح وتصوير الميكروفيلم الذي لحق بعض أجزائه رطوبة، أثّرت على وضوحه، رغم كل الصعوبات وحرتقة المتضرّرين من إجراء الانتخابات فقد تمّ انجاز لوائح الناخبين في جميع المناطق.
وفي الموعد المحدّد أصدر معالي الوزير اللواء الرُكن سامي الخطيب بلاغاً إلى المواطنين أعلمهم فيه أن القوائم الانتخابية وُضعت بتصرّفهم وفقاً للأصول القانونية وعلى المواطنين الاطلاع عليها ويمكن لأيّ مواطن استنساخها وتقديم اعتراضه على أي خطأ أو إهمال ورد فيها.
كانت نقطة الضعف الثانية: البطاقة الانتخابية ـ اتّخذ مجلس الوزراء القرار رقم 23 تاريخ 14- 5- 1992 الذي يضمن العودة إلى البطاقة الانتخابية وتكليف وزير الداخلية واتخاذ الإجراءات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ وفتح الاعتمادات اللازمة لذلك والإذن له باعتماد التعاقد التراضي بعد استقصاء أسعار لهذه الغاية.
ماذا يعني هذا القرار أنه يطلب إلى وزير الداخلية اتخاذ جميع الإجراءات التي يراها مناسبة لكي تكون البطاقة جاهزة في الموعد المحدّد، وأن تكون في مستوى ما يتمّ إجراؤه في البلدان الراقية، ولهذا دعا إلى اجتماع لأركان الوزارة، ووضعنا في الصورة قائلاً: علينا تفادي أي خطأ أو مخالفة، لأن المتضرّرين من إجراء الانتخابات يتربّصون بنا الدوائر وسوف يختلقون القصص والروايات لتشويه الصورة، ومن أجل تفادي أي خطأ أُلّفت لجنة قوامها المدير العام للأحوال الشخصية المفتّش العام لقوى الأمن الداخلي ـ رئيس مصلحة الشؤون السياسية والإدارية ــ رئيس دائرة نفوس بيروت والمحاسب ـ مهمّتها وضع دفتر شروط خاص لهذه الغاية والقيام باستقصاء أسعار من جميع العاملين في هذا الحقل لديهم الكفاءة اللازمة، وتمّت العملية في جوّ سليم ووقع الخيار على السادة عيتاني الذين قاموا بالعمل على أكمل وجه، والبطاقة الانتخابية التي قرّر مجلس الوزراء مؤخراً تأجيل العمل بها ستبقى صالحة للاستعمال لسِت دورات انتخابية ولأي تاريخ كان.
كانت الأسباب التي دعت مجلس الوزراء إلى تأجيل العمل بالبطاقة الانتخابية أنّ هناك صعوبات أمام بعض المواطنين للانتقال والحصول شخصياً على البطاقة، وأنّ استعمال تذكرة الهويّة لما قبل عام 1975 وإخراج القيد لما بعد هذا التاريخ يشجّع الناخبين على الانتخاب وبالتالي تأمين عملية الانتخاب في جوّ ديمقراطي سليم.
أما النقطة الثالثة: فهي تأمين اللوازم والتجهيزات ـ فلغاية تاريخه لم يتمّ تأمين أي اعتماد لوزارة الداخلية للمباشرة بتلزيمها بسبب تريّث مجلس الوزراء بتخصيص الاعتمادات إلى ما بعد تعديل قانون الانتخابات.
لقد انتبه وزير الداخلية لهذا الموقف، وحذّر في كتاب وجّهه إلى مجلس الوزراء من أنّ الوقت الذي يفصلنا عن موعد الانتخاب لا يتعدّى الشهرين، وأي تأخير في تأمين الاعتمادات يشلّ العمل، وتمنّى على مقام مجلس الوزراء تحمّل مسؤولياته واتّخاذ القرار المناسب.
إنّ عملية تأمين اللوازم والتجهيزات ليست سهلة، وخاصة إذا ما تمّ اعتماد طريقة التلزيم لقطع الطريق على المشوّشين.
أما النقطة الرابعة: فتتعلّق بتأمين رؤساء وكتبة أقلام الاقتراع مِن الموظّفين ومِن غيرهم مِن المواطنين وكذلك تأمين وسائل النقل لهم والقوى الأمنية والمواكبة والمحافظة في المدن والقرى.
لقد تمّ الاتصال بجميع وزارات الدولة لإيداعنا لوائح بالموظّفين مع المعلومات اللازمة عنهم وبدأت اللوائح تردنا تمهيداً لإيداع نسخة عنها إلى المحافظين.
كذلك تمّ إعداد دفتر شروط تلزيم وسائل النقل وسوف يُعلن عنه فور تأمين الاعتمادات مِن قِبَل مجلس الوزراء كما سبق وأشرنا.
أما القوى الأمنية فالتنسيق والبحث قائم بين المحافظين والقائمقامين مع قادة المناطق وقادة السرايا وآمري الفصائل لدرس الوضع ميدانياً وبيان ملاحظاتهم وأهمّها تحديد المناطق الهادئة أو الساخنة أو المضطربة ورفعها إلى الإدارة المركزية لاتّخاذ ما يلزم مِن قِبل مجلس الأمن المركزي.
هذه صورة واضحة عن تقنيات الأعمال الانتخابية، أما تطلّعات الحاضر والمستقبل فهي من وجهة نظرنا:
بالنسبة للانتخابات النيابية الحاضرة :
1- وجوب الابتعاد عن التشنّج الذي يساهم في إعادة فرز الطائفي.
2- تخفيف حدّة المواجهة والتحدّيات لمقرّرات الدولة، لأنّ هذا الأسلوب وإن صدر عن جهات قد لا يكون لها انعكاسات سلبية في تنفيذ القرارات إلاّ أنها تعيد إلى الذاكرة تشنّجات مطلع الأحداث، وما رافقها من تصرّفات ساهمة في تعكير الأجواء.
3- الاهتمام باللوائح الانتخابية التي تمّ إعدادها كما ذكرنا وهي موضوعة في مراكز البلديات ومخافر الدّرك حيث لا يوجد بلدات، للاطلاع عليها مِن قِبَل الجميع مسؤولين ومرشّحين ومواطنين وتقديم اعتراضاتهم وملاحظاتهم إلى لجان القيد.
إن الوعي وعدم الإهمال لجهة الاطلاع على لوائح النّاخبين يجنّبنا مشاكل ومتاعب يوم الانتخاب ويحول دون استغلال أصحاب النوايا السيّئة لهذه الأخطاء العفوية.
4- اختيار موظّفين ممن لهم خبرة في العمل الانتخابي، لأنّ رئيس القلم المتفهّم لواجباته يمكنه أن يتحاشى أموراً كثيرة خلال عملية الانتخاب، خاصة وأنّ إلى جانبه ممثّلين لجميع المرشّحين.
5- التعزيزات الأمنية أمر ضروري، وهذا الأمر لما له من أهمية، فإنّ حسن توزيع القوى وإيجاد قوى احتياطية حيث يجب أن تكون، تحدّ من الاستفزازات، والتسلّط، والرشوة وما يرافق عمليات الانتخاب من أمور نأمل تلافيها.
هذا بالنسبة إلى تطلّعات الحاضر، أما التطلّعات المستقبلية فهي تتلخّص بالتالي:
1- البدء بتنظيم الحياة السياسية، وذلك بإيجاد أحزاب تختلف تماماً عن الأحزاب القائمة بمعنى أن تكون لهذه الأحزاب الصفة الشمولية فتتعدّى العائلة والطائفة والمنطقة لترسم لنفسها سياسة محليّة وقوميّة واضحة تهدف إلى صهر الجماعات في بوتقات بعيدة عن الطائفة البغيضة التي هي أساس علّة هذا البلد. وبالتالي اعتماد الأحزاب في العمل الانتخابي كما هو الحال في البلاد الراقية.
2- إعداد الشؤون الانتخابية إعداداً صحيحاً بحيث يتمّ العمل بمكننة أعمال دوائر الأحوال الشخصية بدءاً بوثيقة الولادة أو الوفاة مروراً بلوائح الناخبين، وانتهاءً بالبطاقة الانتخابية. إذا ما تمكنّا من تحقيق ذلك وهو ليس بعسير، فعندها يُسهل على النّاخب عملية الانتخاب.
إنّ البطاقة الانتخابية التي تناولتها ضجّة مفتعلة، قامت وزارة الداخلية بإنجازها بناء لمقرّرات مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة بتاريخ 4- 92، وجمّدت مجدّداً بناء لقرار مجلس الوزراء الذي جاء نتيجة لرغبة معظم النواب الذين تخوّفوا من تقاعس المواطن وعدم قيامه بواجباته لوجود صعوبات في الحصول على البطاقة الانتخابية.
إنّ البطاقة الانتخابية التي تمّ طبعها حُفظت في أماكن أمينة ليتم استعمالها في دورات نيابية وبلدية واختيارية مستقبلاً، واعتماد البطاقة يُسهل عملية الانتخاب بحيث يمكن لأي مواطن أن يدلي بصوته في محل إقامته وهذا الإجراء يوفّر مبالغ ضخمة على المرشّحين.
إنّ اعتماد البطاقة الانتخابية وكذلك مكننة شؤون الأحوال الشخصية والانتخابية واعتماد الأحزاب المنظّمة يُمكِّن طبقة المثقّفين والعاملين بإخلاص في الحقل العام من الوصول إلى المجلس النيابي وبالتالي سَن القوانين بما يتلاءم ومصلحة البلاد والعباد.
وشكراً
الانتخابات النيابية وتحديات الحاضر والمستقبل
كلمـــة
المحامي بشـارة منســّى
الديمقراطية هي أقل الأنظمة السياسية سواء كما كان يقول رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل. والانتخاب، أي تعبير الناس عن أرائهم بواسطة الاقتراع، هو السبيل الأفضل لتجسيد الديمقراطية على الأرض وإنفاذها إلى عقول الناس.
فوائد الديمقراطية لا تُعد ولا تُحصى وأقلّها أنه بإمكان الناس أن تبدِّل قياداتها إذا بَدَتْ هذه القيادات غير صالحة أو غير جديرة بالثقة. والمثل في ذلك أعطانا إياه الشعب البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية عندما خذل ونستون تشرشل نفسه وهو منقذ بريطانيا من نير الاحتلال النازي باعتبار أن ونستون تشرشل قد أدّى قسطه للعُلى بالإضافة إلى كونه رجل حرب لا رجل سلام. فكانت بريطانيا، في الحقيقة، قد سئمت الحرب وهي تخشى من أن يُقدم ونستون تشرشل على مغامرات عسكرية في شرق أوروبا للحد من توسّع الاتحاد السوفياتي في هذه المنطقة. إذاً الانتخابات مغامرة وهي غير مضمونة النتائج لألف سبب وسبب. ولذلك بالذات، تبقى مفصلاً في حياة الشعوب وتاريخها.
كل هذا الكلام عن الديمقراطية، والانتخابات وفوائدهما لا يغنينا عن القول إن مطباتهما عديدة والعبرة فيهما للتطبيق. وإن التِقَنية تبقى في هذا المجال كما في سائر مجالات الحياة هي الرائدة. كيف يصار إذاً إلى الانتخاب؟ المواضيع المطروحة هي سِن المنتخِب، لوائح الشطب، الاعتراض على لوائح الشطب، المعزل، البطاقة الانتخابية، كيفية حماية المنتخِب من الإغراءات سواء أكانت غير مشروعة، كشراء الأصوات، أو شرعية كالإعلام الذي يتلبس براقع البراءة وهو منها براء. ناهيك عن قانون الانتخاب بحد ذاته فاللوائح الكبرى واعتماد النسبية تعطي نتائج مختلفة بنتائجها عن الدائرة الانتخابية الصغيرة.
إنّ بريطانيا تعتمد الدائرة الصغيرة أما فرنسا فقد بدّلت طريقة الاقتراع خلال رئاسة فرنسوا ميتران وحده ثلاث مرّات، فانتقلت من اللوائح والنسبية إلى الدائرة الصغيرة والأمر مطروح مجدّداً بسبب اقتراب الانتخابات النيابية.
يقول أحد الكتّاب الفرنسيّين إنّ رجل السياسة في عصرنا هذا لا يمثّل الناس بقدر ما يمثّل وسائل الإعلام التي تستحْوذ على عقول الناس وألبابهم. ومن هنا وُضعت التشريعات في الدول المتقدّمة لإنصاف المرشّحين في الانتخابات فلا يُعطى أحدهم ما لم يعطِ منافسه من الوقت على موجات الأثير أو شاشة التلفزيون. ويَذكر بعضكم بأنّ جون كيندي فاز على منافسه ريتشارد نيكسون سنة 1960، لأنه استطاع أن يستأثر بألباب الأميركيّين في الحوار مع منافسه.
الانتخابات في عهد الانتداب:
بعد الحرب العالمية الأولى ودخول جيوش الحلفاء إلى لبنان وسوريا أُنشئ ما سُمِّيَ باللّجنة الإدارية المؤلّفة من خمسة عشر (15) عُضواً ثمّ رفع عدد أعضائها إلى سبعة عشر (17) في 8 آذار 1922.
ولم يطل الزمن، حتى وُضع الدستور موضع التنفيذ في 23 أيار 1926 وأُنشئ مجلسان تمثيليّان وذلك على غِرار ما كان معمولاً به في الدولة المُنتدبة: مجلس للشّيوخ ومجلس للنوّاب. أما مجلس الشيوخ فقد كان يتألّف من ستة عشر عُضواً سبعة منهم معينون وتسعة منتخبون. ثمّ أُلغي مجلس الشيوخ بموجب القانون الدستوري الصادر في 17 تشرين الأول سنة 1927 فضُمّ أعضاؤه إلى مجلس النواب واستعيض عنه بتعيين ثلث أعضاء مجلس النواب مِن قِبَل المفوّض السامي. ووضع حد نهائي لتعيين النواب في 18 آذار 1943، بموجب قرار صادر عن المفوّض السامي وذلك تحت ضغط الظروف الإقليمية والدولية، وأصبح جميع النوّاب منتخبين وقد أُجريت الانتخابات التي أسند على أثرها إلى الشيخ بشارة الخوري منصب رئاسة الجمهورية.
في عهد الاستقلال:
تكوّن هذا المجلس من خمسة وخمسين (55) نائباً وكانت المحافظة هي الدائرة الانتخابية. وكان على المرشّح الفوز بأكثر من نصف الأصوات في الدورة الأولى والأكثرية النسبية في الدورة الثانية.
رفع عدد المقاعد في قانون انتخاب سنة 1950 إلى سبعة وسبعين مقعداً وبقيت الدائرة الانتخابية هي المحافظة باستثناء المحافظات التي يبلغ عدد المقاعد فيها (15) خمسة عشر، فقد قُسِمت إلى أكثر من دائرة. وقُسِمت كل مِن محافظتيّ جبل لبنان ولبنان الشمالي إلى ثلاث دوائر بحيث أصبح لبنان يشكّل تسع دوائر انتخابية.
أما قانون الانتخاب الذي صدر في تشرين الثاني 1952 بعد الإطاحة بالشيخ بشارة الخوري، وكان ذلك في بداية عهد الرئيس كميل شمعون، فقد اختُصر عدد النواب فيه إلى أربعة وأربعين (44) وقُسِّمت المناطق إلى ثلاث وثلاثين (33) دائرة انتخابية وأُعطيت المرأة حق الانتخاب.
وقد اتُّهم الرئيس شمعون في حينه بأنه يهدف، من خلال تخفيض عدد المقاعد وزيادة الدوائر الانتخابية، إنشاء مجلس مطيع لشخصه، بالإضافة إلى أن الرئيس شمعون اتُّهم بتعزيز روح الطائفية عن طريق الدائرة المصغّرة.
في أواخر عهد الرئيس شمعون، أيّ سنة 1957، صدر قانون يرفع عدد المقاعد إلى ستة وستين (66) وحُدّد عدد الدوائر الانتخابية بسبع وعشرين (27) دائرة. وإحدى نتائج سياسة الرئيس شمعون الانتخابية كانت ثورة 1958. لقد كان الرئيس شمعون يتطلّع إلى التمديد عن طريق المجيء بمجلس مطيع لرغباته، وكان له ما أراد من حيث إيصال أنصاره إلى المجلس، لكن ثورة 1958 حالت دون ذلك.
وبعد ثورة 1958 اعتلى سدّة الرئاسة اللواء فؤاد شهاب، الذي وضع، سنة 1960 قانون انتخاب نصّ على جعل عدد المقاعد تسعة وتسعين مقعداً. وكان المقصود بذلك الأهداف نفسها التي يبتغيها المشترع اليوم بعد خمس عشرة سنة من حرب متواصلة وهي إدخال جميع الأفرقاء إلى المجلس لينتقل الصراع بينهم من الشارع إلى الندوة النيابية.
قامت في حينه نفس الاعتراضات: ما بالَنا نعطي الشرعية لمن أقاموا المتاريس وشهروا سلاحهم ضد النظام والدولة..
والخلاصة أن هذا القانون الذي ما زال ساري المفعول لحظ ستاً وعشرين (26) دائرة انتخابية وأدخل نظام المعزل واعتمد مبدأ البطاقة الانتخابية التي لم ترَ النور إِذ أُجِّل تنفيذها باستمرار وما يزال يؤجّل حتى اليوم.
بين القانونَيْن الانتخابيَّيْن في عهد الرئيس شمعون وقانون الانتخاب في عهد الرئيس فؤاد شهاب فوارق كبيرة. الرئيس كميل شمعون يريد كَم أفواه معارضيه مِن كمال جنبلاط إلى صائب سلام إلى معروف سعد عن طريق تقسيم الدوائر الانتخابية بما يخدم أهدافَه، بينما فؤاد شهاب يصبو إلى ضمّ الجميع إلى مسيرة السلام ما عدا كميل شمعون الذي كان فؤاد شهاب، والحق يُقال، يُحمِّله أوزار أحداث سنة 1958.
على أنّ هدفنا من هذه المقارنة ليس قطعاً الإشادة بقانون الانتخاب الصادر سنة 1960 لأنه:
1- بحجة محاربة الإقطاع لم يتّخذ حذره من الخطر الأدهى وهو الطائفية.
2- راعى مصالح بعض المحاسيب على حساب المصلحة العامة علماً بأنه لم يتوسّل غايات صغيرة كالتجديد والتمديد، ولو أراد لفعل.
واسمحوا لي أن استرسل حول هذا الموضوع لأنّ دروس التاريخ والماضي القريب والبعيد هي التي ترسم خطوط المستقبل. وإنّ الذي نعرفه عن أنفسنا هو الذي يجب أن يكون الضوء الذي يُنير طريق المستقبل والقاعدة التي يجب أن نسير على هُداها وليس القوانين النموذجية المقتبسة عن فرنسا وبريطانيا وأميركا رغم الفائدة من الاستنارة بمضامينها. العبرة إذاً ليست بالنصوص المثالية المستوردة بل بقابليتها للتطبيق في مكان وزمان ومجتمع معيّن.
ولنعد إلى قانون الانتخاب. فالحق يُقال بأنّ إرادة فؤاد شهاب كانت منزّهة من كل رغبة في التّجديد أو التمديد على أنه أراد أن يمنح نوعاً من الاحتكارات أو البارونات ـ على غرار الجنرال ديغول، ـ إلى أنصاره وحلفائه ـ أخصام كميل شمعون.
تقسيم بيروت إلى ثلاث دوائر، الهدف منه تقليد الرئيس صائب سلام إحداها والأخرى الشيخ بيار الجميّل فيكون بذلك قد تمّ توزيع المغانم، بل أبعد من ذلك يكون فصل الشيخ بيار الجميّل عن ركب الرئيس شمعون بإعطائه بارونية مستقلّة في بيروت مسيحية صرفا تتألّف من ثمانية نواب أربعة منهم ينتمون إلى الطوائف الأرمنية، قد حصل. لذلك قد نرى أنّ توحيد بيروت في دائرة انتخابية واحدة كان بالإضافة إلى أنه مطلب وطني شامل من ركائز هذا القانون الانتخابي الجديد. تقسيم بيروت إلى دوائر طائفية هو تقسيم للبنان وتوحيد بيروت هو توحيد للبنان.
الانتقادات الموجّهة إلى كل من الدوائر الانتخابية:
إنّ شكل الانتخاب في لبنان وتقسيم الدوائر يدور حول ثلاثة أنماط رجَحَت كفّة كل منها وفقاً للظروف والمعطيات السياسية والطائفية المتوفّرة. المحافظة، الدائرة الصغيرة، وأخيراً، ابتداءً من سنة 1960، القضاء.
إنّ الانتقاد الذي وُجّه إلى الانتخابات النيابية ضمن المحافظات هو أن الإقطاع السياسي كان له الكلمة الأولى في تلك الانتخابات فحال دون وصول أيّ مرشّح منفرد إن كان مستقلاً أو حزبياً إلى البرلمان. هذا الانتقاد كان يتناول والحق يُقال المناطق الحدودية أكثر من غيرها. كانت الأحزاب اليسارية واليمينية ترى في العائلات النافذة أو الإقطاعية، كما كانت تنعتها، حائلاً دون وصولها إلى المجلس النيابي. وكان ذلك من الأسباب الرئيسية لمطالبتها بلبنان دائرة واحدة وبالتمثيل النسبي في الانتخابات. ولكن أين منّا الإقطاع اليوم؟.
أما الدائرة الصغرى التي اعتُمدت في عهد الرئيس شمعون فلا ننسى أنها أجَّجَت روح الطائفية وكان من نتائجها المباشرة أحداث 1958.
أما الرئيس فؤاد شهاب فباعتماده القضاء كدائرة انتخابية أراد أن يوفّق بين فوائد المحافظة التي تَضعف من تأثير الطائفية ومنجزات الدائرة الصغرى التي تخفّف من وطأة الإقطاع، واختار القضاء كدائرة انتخابية وهو حلّ وسط.
ويبدو وكأن المشترع في حينه لم يرَ فائدة مِن القفز مِن الدائرة الصغرى إلى المحافظة قفزة واحدة فتُعاد الروح إلى الإقطاع السياسي ـ واللواء شهاب بتربيّته ومسلكيّته ينفر منها أيضاً ـ وينتقل من محظور إلى محظور آخر أيّ من محاربة الإقطاع السياسي بجميع الوسائل إلى أحيائه من جديد مع كل مدخراته وشوائبه. لذلك فقد اختار هذا الحلّ الوسط الذي يوفّر للبلاد نوعاً من التعاون بين الطوائف وللبارونات الشهابية قواعد ثابتة أبرزت عوراتها أحداث 1975.
لبنان دائرة واحدة والتمثيل نسبي:
ما هي الحلول المطروحة في لبنان؟ بالإضافة إلى الدائرة الصغيرة والقضاء والمحافظة التي اعتمدت جميعاً بعد الاستقلال، هناك طروحات تبنّتها الأحزاب الوطنية وما زالت مطروحة وهي أن يكون لبنان كلُّه دائرة انتخابية واحدة.
لا ريب بأن هذه الطروحات مفيدة لأنها تدمج كلَّ اللبنانيّين تحت شعارات واحدة وتعطيهم جميعاً قسطهم من التمثيل عن طريق اعتماد النسبية. وهذا النظام معتمد ولو جزئياً في عدد من الدول الأوروبية ما عدا بريطانيا وفرنسا.
على أنه ولإقرار هذا النمط من التمثيل لابد من إقرار العلمانية وتبديل التفكير الانتخابي رأساً على عقب باعتماد نظام أحزاب جدد كمدخل لعملية الانتخاب هذه.
هل من قانون انتخابي أمثل؟
قبل اندلاع الحرب اللبنانية كان الجدل يدور حول ضرورة تعديل قانون الانتخاب الذي مضى عليه أربع عشرة سنة وثلاثة انتخابات نيابية دون تعديل يُذكر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن من رجال العلم السياسي من يتولّى الدفاع عن نظرية تعديل القانون الانتخابي بعد كل حِقْبة من الزمن ليس فقط لتبدّل الأحوال الديمغرافية في بلد ما، بل لتخطّي ما يمكن تسميته بالعادات والتقاليد وتمحوُر الجدل بين الناخب والمنتخب على أمور صغيرة querelle de clocher متجاوزين شؤون الوطن العامة. والمعلوم أن النائب لا يمثّل منطقته فحسب، بل الأمة جمعاء.
وفي اعتقادي أن حدس المجتمعين في الطائف كان يعكس واقع الحال، وأن الحلول التي وُضعت هي الأفضل، علماً بأن القانون الانتخابي هو قانون عادي يخضع للتعديل وفقاً للمتطلّبات والظروف.
أما وأن الظروف لم تتبدّل بعد، فإنّ ما اعتُمد في الطائف يبقى هو الأساس والسبيل السّوي لبلوغ الأهداف السامية والمبتغاة في آنٍ معاً.
لقد طُلب منّي في هذا الحديث المقتضب أن ألقي نظرة مستقبلية على الانتخابات التي ستُجرى في الشهرَيْن المقبلَيْن، لأنه قد رسخ في ذهن الناس بل ممثّليهم أيضاً بأن هذه الانتخابات أصبحت أمراً ضرورياً بعد أن مرّت عشرون سنة على انتخابِ المنتَخَبين ناهيك عن النواب المعينين والذين أمسوا وكأنهم يضيقون ذَرعاً بِحالهم.
وفي الجنوب الذي أنتمي إليه ليس فقط بجميع جوارحي، بل أشعر وكأنه يسري كاللّهب في دمي، أعتقد أن الذين سينتَخِبون ويُنتَخَبون هم الذين رووا بدمائهم الذكية أرض الجنوب، يعلّمنا التاريخ أن مقاومة النازية في أوروبا المحتلة من جيوش هتلر، وشرف الشهادة مِن أجل الحرية كانت أسمى درجات العزّة والكرامة. لقد قَدَّست فرنسا أبطال المقاومة عندها مِن جان مولان إلى غيره مِن المناضلين الشرفاء الذين وقفوا بكل إباء أمام مفرزة الإعدام، لا يهابون الموت. أليس حسن سعد، وخليل جرادي، وراغب حرب، وبلال فحص، وحسن قصير، وأبطال صيدا هم أمثالهم، بل وقد فاقوهم في روح الإقدام والبسالة ونُكران الذات. إنهم المُنتَخِبون وإنهم المُنتَخَبون. ولأهالي صيدا خاصة التي اختزنت بفضلها في قلبي مبادئ العيش المشترك أقول: بفضل مقاومتك يا صيدا وبفضل شُهدائك نعيش اليوم أحراراً على هذه البقعة من الأرض العربية.
والسلام عليكم وشكراً