النهار ـ السودان في مهب الريح فأين مصر؟ بقلم حسن نافعة
السودان في مهب الريح فأين مصر؟
بقلم حسن نافعة
أشعر بقلق حقيقي على السودان ومستقبله. فكل الاحتمالات ترجح ليس فقط انفصال الجنوب وإنما اندلاع الحرب مع الشمال من جديد، وربما تفتت السودان إلى دويلات عدة وليس دولتين فقط. ويجب أن ننتبه جميعا إلى مسألة مهمة وهي أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في انفصال الجنوب، الذي يحق له في النهاية أن تتاح له الفرصة لتقرير مصيره بنفسه، وإنما تكمن في كيفية الانفصال وفي شكل العلاقة بين الشعبين في المرحلة التالية.
كان يفترض، بعد التوقيع على اتفاقية نيفاشا، أن تسوى كل القضايا الخلافية خلال مرحلة انتقالية، طالت لسنوات، بحيث يصبح شعب السودان حين تحين لحظة الاستفتاء في وضع يسمح له بتقبل نتيجته أيا كانت عن طيب خاطر وباطمئنان تام إلى أن العلاقات بين الشمال والجنوب، حتى في حالة الانفصال، ستدار بطريقة ودية تقوم على توازن المصالح والرغبة في تطوير المصالح المشتركة، وهو ما لم يتحقق للأسف الشديد.
فالعلاقة بين الطرفين الآن تبدو في قمة توترها حيث يحاول كل طرف كيل الاتهامات للطرف الآخر وتحميله مسؤولية ما جرى، والقضايا الخلافية العالقة لاتزال كثيرة وبعضها معقد للغاية. وقد وصل الأمر إلى حد مطالبة الأمم المتحدة، قبل إجراء الاستفتاء، بإرسال قوات دولية إلى مناطق عازلة بين الشمال والجنوب، وهي مطالب تجد، رغم عدم شرعيتها في الوقت الراهن، آذانا صاغية لدى أطراف دولية في مقدمتها الولايات المتحدة.
لست هنا في معرض البحث عن الأسباب التي أدت إلى تفاقم الوضع على هذا النحو، ولا عن الطرف المسؤول عن ذلك. فلاشك عندي في أن الأسباب كثيرة ومعقدة، وأن المسؤولية تقع على الطرفين، اللذين لم ينفذا الاتفاق المبرم بينهما بحسن نية. فالحزب الحاكم سعى لاستخدام الاتفاق وسيلة لتكريس احتكاره للسلطة والثروة، أما الطرف الجنوبي فقد خضع، دون مبرر، لتأثير أطراف خارجية لا تُخفي عداءها للسودان وللأمة العربية. لو كانت الحكومة المركزية، من ناحيتها، قد انفتحت على القوى والأحزاب السياسية الأخرى وعهدت إلى حكومة تعبر عن كل ألوان الطيف السياسي في السودان بإدارة هذا الملف حتى مرحلة ما بعد الاستفتاء، ولو أن الحركة الشعبية، من ناحيتها، تصرفت بشكل مسؤول وأكثر حذرا وحرصا على منع التغلغل الأجنبي في الجنوب، وأتاحت الفرصة أمام كل المكونات في الجنوب للاختيار الحر دون تدخل أحد بين الاتحاد والانفصال، لما كان السودان قد وصل إلى حافة الهاوية التي يوجد عندها الآن. فكل الخيارات الأكثر رجحانا تبدو الآن سيئة: استفتاء مطعون في شرعيته يرجح كفة الانفصال ولا يعترف به النظام الحاكم، وقوات دولية ترسلها الأمم المتحدة إلى المناطق العازلة دون موافقة الحكومة المركزية. وتلك خيارات تمهد للحرب وليس للسلام، وتشجع حركات انفصالية في مناطق أخرى لتصعيد تمردها المسلح على نحو يهدد بتفتت السودان دويلات عدة وليس دولتين فقط.
لست في حاجة إلى القول إن أي مكروه يصيب السودان سوف يصيب مصر حتما بضرر ربما أكبر. وليس هذا بكلام إنشائي أو عاطفي لكنه حصيلة دروس التاريخ والجغرافيا، التي أحالت نهر النيل شرياناً تاجيا يمر عبر قلب موحد يضخ في جسدين منفصلين! فأين النظام الحاكم في مصر مما يجري وراء حدود بلاده الجنوبية؟ وهل وصلت به الغفلة إلى هذا الحد؟ وهل لديه خطط لمواجهة السيناريو الأسوأ الذي قد يصيب مصالحه في مقتل؟ أم أن انشغاله بمشروع التوريث إلى هذا الحد المرضي أنساه كل شيء، بما في ذلك السودان ونهر النيل؟
("المصري اليوم")