تراث إسلامي لا يستهوي الكثير - أحمد أمين الحبال
التاريخ في 16/5/1980
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة
أحمد أمين الحبال
قل هذه سبيلي أدعوا لي الله على بصيرة أنا ومن اتبعني.
والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله القائل:
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
وبعـد:
فقد رغب إلى المركز الثقافي في هذا البلد العزيز إلغاء كلمة عن الأوقاف الإسلامية في صيدا من الماضي إلى الحاضر.
تقبلت الدعوة شاكراً تقديرها خبرتي، كما حمدت الله سبحانه أن وجه المثقفين هذه الوجهة، فالموضوع موضوع تراث إسلامي لا يستهوى الكثيرين.
ومن أجدر من المثقفين بالاهتمام في شؤون التراث والله سبحانه إنما كرر مخاطبة أهل العلم وأولي الألباب.
راجياً أن يتسع صدركم للاستماع إلى هذا الموضوع الذي لم يسبق أن تصدى له أحد من الباحثين، وهو جزء من تاريخ المسلمين في لبنان، ولعله الجزء الأهم.
ولا شك أن المكتبة الإسلامية مفتقرة إلى تاريخ الأوقاف الإسلامية خلال انتداب الدولة الفرنسية على سوريا ولبنان، ونستعين بالله أن يوفقنا لسد هذا الفراغ.
حضرات السادة المحترمين:
لقد استجاب المسلمون لدعوة الله لهم في قوله سبحانه، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، وقوله، إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فكان أن انتشر الوقف في العالم الإسلامي على المساجد والمعاهد والمؤسسات الخيرية المختلفة، ثم اتجه وجهة عمرانية فذة فكان للمرضى والمعاقين وكان للحيوان وكان للنبات وكان للجماد، مما لم تنعم بمثله أمة من الأمم الغابرة أو الحاضرة.
واستهوت دعوة سيدنا إبراهيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون، وقوله، رب اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات.
فكانت أوقاف الحرمين الشريفين في طول البلاد الإسلامية وعرضها.
والأوقاف التي تديرها دوائر الأوقاف اليوم هي:
1 ـ الأوقاف المضبوطة، وهي أوقاف السلاطين المشروط توليتها لمقام الخلافة وقد كانت تديرها دوائر الأوقاف بالوكالة عن السلطان.
2 ـ أوقاف ضبطتها مديرية الأوقاف بعد أن انقرض من شرطت لهم التولية عليها من ذرية الواقف.
3 ـ أوقاف ملحقة وهي التي كان يديرها متولون وتم ضبطها لأسباب مشروعة، وتلك التي انتهت خدمات متوليها تطبقاً لأحكام قانون 10 آذار 1947.
4 ـ أوقاف تعود للحرمين الشريفين أدخلت وارداتها في موازنات الأوقاف المضبوطة خلافاً لشرط الواقف.
5 ـ أوقاف المؤجلات وهذه متعددة الأسماء كالاجارتين، والإجارة الطويلة، والمقاطعة والجدك، والحكر، والمرصد، والرقبى، والقيمة، والقميص، ووقف العوارض، ومشد المسك والاعشار، وغيرها وأكثرها يعود للحرمين الشريفين.
وقد يطول البحث عن كيفية نشوء طريقة أوقاف المؤجلات هذه ولمن يرغب في البحث عنها مراجعة أحكام الأوقاف.
حضرات السادة المحترمين:
أما إدارة الأوقاف الإسلامية في زمن الحكومة العثمانية فكانت الدوائر الوقفية مرتبطة بوزارة الأوقاف ومجلس شورى الأوقاف وبالمشيخة الإسلامية.
كانت الحكومة العثمانية حريصة على إدارة الأوقاف طبق الأحكام الشرعية وشروط الواقفين حيث أن الفقهاء أجمعوا على أن شرط الواقف كنص الشارع.
ويكفي أن يطلع أي إنسان على نظام توجيه الجهات العثماني ليقف على مدى حرص الدولة العثمانية على تطبيق أحكام الشريعة وشروط الواقفين.
أما خلال الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان فلا بدّ من ذكر لمحة عن القوانين والقرارات والأنظمة التي أصدرتها فرنسا ونخص بالذكر تلك التي كان لها نتائج على دائرة أوقاف صيدا.
لم يكد يستقر المقام بالفرنسيين في سوريا ولبنان حتى صدر القرار رقم 753 تاريخ 2 آذار 1921 الذي كان صدوره نتيجة لدراسة عن أوضاع المسلمين وبعد أن كانت كلمتهم قد تفرقت وتمزق صفهم إثر الاستفتاء الذي قامت به لجنة كراين، هذا الاستفتاء الذي لم يكن في الحقيقة والواقع إلاّ ستاراً حيث أن الحلفاء كانوا قد تقاسموا تركة الدولة العثمانية في اتفاقية سايكس ـ بيكو الموقعة بين فرنسا وانكلترا في 16 أيار 1916.
وساهم أكثر من شيخ من مشايخ المسلمين في وضع القرار.
والمطالع لحيثيات القرار تأخذه الدهشة بل الحيرة من العبارات المنمقة الكثيرة التي تنضح غيرة على الإسلام والمسلمين وعلى أوقافهم الخيرية التي لا يجوز أن يديرها غيرهم وطبقاً للأحكام الشرعية مما لم يرد مثله في قوانين أعرق الدول الإسلامية.
وكانت الغيرة الفرنسية هذه خاصة بالمسلمين وأوقافهم وحمعياتهم الخيرية دون باقي الطوائف اللبنانيـة.
حدد القرار رقم 753 جهاز إدارة الأوقاف الإسلامية بثلاثة مراجع هي:
1 ـ مجلس أعلى للأوقاف.
2 ـ لجنة عامة للأوقاف.
3 ـ مراقب عام للأوقاف.
وحظر تنفيذ مقررات الهيئات المذكورة إلاّ بعد التصديق عليها من المفوض السامي الفرنسي أو مندوبـه.
ولم يغفل الجمعيات الخيرية الإسلامية من الرقابة على أعمالها.
جاء في المادة 21 من القرار أن لمراقب الأوقاف العام بالإضافة إلى مهامه الوقفية مراقبة أعمال مديري الجمعيات الخيرية الإسلامية مهما كانت غايتها وأن يقوم بإلزام المديرين في تطبيق أعمالهم وفق منطوق صكوك المؤسسات وأن يهتم بنوع خاص بأن لا تحول إيرادات الأوقاف والجمعيات الخيرية الإسلامية عن غايتها وأن له إجراء التدقيقات بنفسه أو بواسطة مندوب منه عن أعمال المديرين والمتولين على الأوقاف الإسلامية ومديري الجمعيات الخيرية.
وهذه عناية خص بها المسلمون أيضاً دون غيرهم من الطوائف.
وكلنا يعلم أن للأوقاف كما للجمعيات الخيرية موارد مالية ويوم أصدرت الحكومة الفرنسية القرار كانت تحذر من أن يتصرف المسلمون بموارد أوقافهم وجمعياتهم الخيرية بما يتعارض ومصلحة الانتداب.
وقيدت المادة 25 من القرار تنفيذ مقررات المجلس الأعلى للأوقاف واللجنة العامة للأوقاف وكذلك قرارات المراقب العام للأوقاف إلاّ بعد التصديق عليها من المفوض السامي أو مندوبه.
وعينت المادة 26 منه مندوب المفوض السامي لدى مراقبة الأوقاف العامة مستشار الشؤون العقاريـة.
ولهذه المادة جذور وأهداف ذلك أن مستشار الشؤون العقارية كان الضابط الفرنسي فيليب جيناردى الذي سبق له أن خدم في المغرب وهو خبير بأحوال المسلمين وأوقافهم، ومن جهة ثانية كان للحلفاء أهداف كشفت عنها الوقائع ولهذه الأهداف كان ازدواج صلاحية مستشار الشؤون العقارية مع شؤون الأوقاف الإسلامية.
ولا يفوتني الإشارة إلى أن الضابط فيليب جيناردى ظل في منصبه المزدوج الصلاحية طيلة مدة الانتداب في حين أن جميع الموظفين الفرنسيين جرى تبديلهم أو صرفهم أو نقلهم عدا هذا الموظف الذي لم يترك بيروت إلاّ بعد أن أدركه الغرق فهرّبه أحدهم إلى عكا بطريق قرية يارين عندما تراجعت فلول الجيش الفرنسي جيش حكومة فيشي من لبنان.
وكان في الوادي أثر من ثعلبة ذلك أنه كان لمستشار الشؤون العقارية ومراقبة الأوقاف الإسلامية ترجمان يهودي يدعى جميل ساسون وكان لهذا الجميل الرأي الأول والتصرف المطلق.
حضرات السادة المحترمين،
تكشفت أهداف الحلفاء حول الأوقاف الإسلامية كما تكشفت أسباب ازدواجية صلاحية مستشار الشؤون العقارية مع شؤون الأوقاف الإسلامية بعد أن استقدمت أميركا إلى لبنان جحافل اللاجئين الأرمن، إن موجة اللاجئين الأرمن بدأت تتوافد على لبنان في سنة 1923 وبلغت الأوج في سنة 1926.
حضنت أميركا اللاجئين الأرمن نقلتهم إلى لبنان بوسائلها الخاصة وأنزلتهم في مؤسساتها التربوية وأمنت لهم حاجياتهم المختلفة حتى الجنسية اللبنانية.
ولسائل أن يسأل وما علاقة الأوقاف الإسلامية في هجرة الأرمن؟.
ولهذا السائل نضع الوقائع التالية:
بالرغم من كل العبارات المنمقة التي ذخرت بها الأسباب الموجبة لإصدار القرار رقم 753 تاريخ 2 آذار 1921 من أن الأوقاف الإسلامية هي أوقاف دينية إسلامية محضة لا يجوز أن يديرها إلاّ المسلمون ووفقاً لأحكام الشريعة، وإن مصلحة المسلمين الأدبية والمادية تقضي بأن تطبق أحكام الشريعة تطبيقاً تاماً.
وبالرغم من الصراحة الواردة في مواد القرار المذكور وخاصة في المادتين الخامسة والسادسة التي نصت على أن المجلس الأعلى للأوقاف هو الهيئة العليا الشرعية والإدارية للأوقاف وأن له إدخال التعديلات على القوانين طبقاً لأحكام الشريعة الغراء.
بالرغم من هذه المقدمات فقد أصدرت الحكومة الفرنسية بتاريخ 29 كانون الثاني 1926 دفعة من القرارات المتعلقة بإدارة الأوقاف الإسلامية ضاربة عرض الحائط بما سبق لها أن قررته وتجاوزت رأي المجلس الأعلى للأوقاف ومن تلك القرارات ما لا تجيز الشريعة الإسلامية الأخذ بها قبل الرجوع إلى الأحكام الشرعية وما يقوله الفقهاء بصددها.
ومن هذه القرارات قرار يعرف بقرار استبدال الأوقاف رقم 80.
يقضي القرار رقم 80 بإباحة استبدال عقارات الأوقاف مبنية أو غير مبنية ويفرض على كل صاحب حق بإجارة طويلة طلب استبدال ذلك الحق جبراً وخلال سنة من تاريخ صدور القرار ويخول دوائر الأوقاف القيام بالمعاملات اللازمة للاستبدال إذا تخلف المتولى أو صاحب حق التصرف من طلب الاستبدال وتحت طائلة المسؤولية.
وحدد بدل استبدال حق الأوقاف بثلاثين قسطاً من قيمة المرتب السنوي!
وتتلاحق الإجراءات فتصدر المفوضية الفرنسية بتاريخ 15 آذار 1926 دفعة من قرارات تتعلق بتحديد وتحرير الأملاك تحمل الأرقام 186 و187 و188 وغيرها.
ويتضمن القرار رقم 186 مادة كان لها نتائج خطيرة على الأوقاف الإسلامية هي المادة 31 التي حددت مدة سنتين للاعتراض على أعمال التحديد والتحرير تعتبر بعدها الملكية مبرمة وغير قابلة للاعتراض.
وتباشر بعثة ديرافور المكلفة القيام بأعمال تحديد وتحرير العقارات أعمالها في البقاع، في حين تباشر المفوضية الفرنسية معاملات استبدال حقوق الأوقاف الإسلامية هناك جبراً سنداً لأحكام القـرار رقـم 80.
وانتقل الأرمن إلى البقاع إلى عنجر وغيرها واستقروا جداراً فاصلاً تدعيما للبنان الكبير وللحؤول دون مطالبة سوريا بقضاء البقاع.
وللتاريخ نذكر أن المفوضية الفرنسية أرسلت سنة 1933 ـ وبعد انقضاء مدة السنتين المنصوص عنها في المادة 31 من القرار رقم 186 ـ أرسلت إلى مديرية أوقاف بيروت حوالة مالية بمبلغ (42000) ل.س. والقيمة مجموع بدلات استبدال حقوق الأوقاف الإسلامية في البقاع.
ولما كانت البقاع أحد الأقضية الأربعة التي ضمت إلى لبنان الكبير وأوقافها تعود إلى مديرية دمشق فقد وجهت مديرية أوقاف بيروت إلى مديرية دمشق كتاباً تشعرها فيه بورود الحوالة لاعتماد من يستلمها.
إلاّ أن مديرية أوقاف دمشق راحت تعترض سنوات دون جدوى حتى تدهور الفرنك الفرنسي وذابت قيمة الحوالة إلى سنة 1939 حين زار مديرية أوقاف بيروت الأستاذ حسن الحكيم وزير العدلية في سوريا، جاء يطلب الحوالة.
حضرات السادة المحترمين:
ما كادت المفوضية الفرنسية تعين الشيخ شفيق الملك مراقباً عاماً للأوقاف الإسلامية حتى وجه بتاريخ 13 تشرين الأول 1923 إلى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت كتاباً يطلب فيه الاطلاع على سجلات الجمعية استناداً لأحكام المادة 21 من القرار رقم 753 تاريخ 2 آذار 1921 ولم يكن للمسلمين جمعية غيرها آنذاك.
كانت جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت برئاسة المرحوم الشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت الذي دعا مجلس الإدارة لبحث موضوع الكتاب، وسرت على الأثر موجة من الاستنكار في الأوساط الإسلامية وراحت تعترض حتى على إشراف المستشار الفرنسي على الأوقاف الإسلامية.
وأسقط في يد السلطة الفرنسية واستدعت قاضي القضاة الشيخ محمد الكستي للبحث في المخرج.
وكان الحل.
في البدء أوعزت إلى مراقب الأوقاف العام الرجوع عن طلبه تدقيق سجلات جمعية المقاصد بأن وجه للجمعية كتاباً في 17 تشرين الأول 1923 يعتذر فيه وأصدر بياناً نشر في الصحف أكد فيه اعتذاره.
أما مشكلة وجود المستشار الفرنسي على رأس الأوقاف الإسلامية فقد كان لها حل عملي آخر، وهذا الحل العملي:
إعلان اعتناق المستشار الفرنسي الضابط فيليب جيناردى الإسلام، ومن ثم تزويجه فتاة مسلمة.
وهكذا أعلن إسلام محمد عبد الله فيليب جيناردى ودعي أرباب الجهاز الديني من قضاة وأرباب الوظائف الدينية وتسابق أرباب العمائم من كل حدب وصوب في سوريا ولبنان للاحتفاء بهذا الحدث العظيم.
هرع القضاة والمفتون وأرباب الشعائر من سائر مدن سوريا ولبنان كما هرع رجال الطرق الصوفية وعلى رأسهم الطريقة المولوية التي قدمت من حلب وكانت برئاسة الشيخ شفيق الشلبي وضربت الدفوف والمزاهر وارتفعت الأصوات بالأزكار ولم تهدأ في ليل أو نهار مدة أسبوع الأفراح والليالي الملاح وتزاحمت الأيدي على المآدب العامرة تزاحم الجياع على القصاع، ذلك أنه كانت تحت كل كاسة شورباء ليرة عثمانية ذهب.
وهكذا ارتفعت الشكوى وهدأت النفوس وكفى الله المؤمنين القتال.
حضرات السادة المحترمين:
حين باشرت لجان التحديد والتحرير أعمالها في صيدا كانت دائرة أوقافها تعاني من الفوضى والارتباك الشىء الكثير إثر اختلاس صندوقها وانتحار أحد موظفيها وتوقف دفع مرتبات أرباب الشعائر الدينية مدة سبعة أشهر. وقد لعب ترجمان المستشار دوراً رهيباً في حادث الاختلاس والانتحار وكان صاحب الرأى في مسار التحقيق ونتائجه.
وانتدب موظف لمرافقة لجان التحديد والتحرير غير مؤهل لمثل تلك المهمة.
وبسبب هذا الو ضع مضافاً إليه فقدان سجلات المحكمة الشرعية التي نقلت إلى النبطية أثناء الحرب العالمية الأولى ضاعت على الأوقاف وخاصة أوقاف الحرمين الشريفين عقارات ومرتبات لا يمكن حصرها.
وتعاقب على القضاء الشرعي هنا وهناك من لم يهتم بوضع الأوقاف مما اضطر الدائرة لإقامة الدعوى عليه فأحيل إلى مجلس التأديب ومن ثم صرف من الخدمة.
ولقد بلغ التعدي على حقوق الأوقاف حده الأقصى حين أوعز مستشار الجنوب المسيو بنسون إلى المحافظ بتسجيل جبانة العسكر لاسم البلدية، وجبانة العسكر قسم من جبانة باكير المعروفة بجبانة الشاكرية وقد خصص لدفن الجنود وغلب عليها اسم جبانة العسكر.
في خلال سنة 1923 سكن مستشار الجنوب المسيو بنسون داراً لآل شهاب مجاورة لتربة العسكر وأوعز إلى بلدية صيدا بغرس بعض الأشجار وإنشاء حوض للماء ليحجب منظر القبور.
وأثناء قيام أعمال التحديد والتحرير عام 1932 أوعز المستشار المذكور إلى المحافظ بطلب تسجيل المقبرة لاسم البلدية فقدم هذا إلى أمانة السجل العقاري كتاباً بتاريخ 7 أيلول سنة 1932 رقم 369 طلب فيه تسجيل المقبرة لاسم بلدية صيدا وهكذا سجلت المقبرة لاسم البلدية تحت رقم 553 و554 من منطقة الدكرمان.
وبما أن هذا التصرف وبالتالي التسجيل لا يخرج المقبرة شرعاً وقانوناً عن كونها مقبرة إسلامية صرفة تعود ملكيتها لأوقاف المسلمين ولا يكسب البلدية حق تملكها.
وبما أن تصرف محافظ الجنوب لم يكن يستند إلاّ إلى رغبة المستشار وليس لدى البلدية أية وثيقة أو مستند يؤيد ملكيتها وبما أن الجيش العثماني قبل إعلان الحرية لم يكن يضم غير المسلمين وبما أن للمسلمين طريقة في الدفن غيرها عند بقية الطوائف،
وبما أن المهلة المحددة بموجب المادة 31 من القرار رقم 186 قد انقضت فقد أثارت دائرة أوقاف صيدا قضية ملكية هذه المقبرة سنة 1944 بعد الاستقلال بطريقة إدارية وطالبت رئاسة الوزارة ومحافظ الجنوب وبلدية صيدا اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتصحيح ملكية المقبرة واتخذ مجلس أوقاف صيدا الإداري عدة مقررات بهذا الشأن كما شكل وفوداً اجتمعت مع رئيس الوزارة آنذاك والمسؤولين وكانت في كل مراجعة تتلقى الوعود التي لم تنفذ.
إن الشارع المعروف اليوم بشارع رياض الصلح خططه وإلي بيروت عزمي بك، وهو يخترق تربة العسكر، وقبل تنفيذ التخطيط وبعد أن اطمأنت إحدى الطوائف إلى تسجيل المقبرة باسم البلدية شيدت كنيسة لها بمدخل يتاخم التخطيط بحيث يصبح المدخل في حال تنفيذ التخطيط واجهته على الشارع العام وهذا مشاهد حالياً.
وقد قبضت بلدية صيدا من وزارة الأشغال العامة عند تنفيذ التخطيط مبلغ سبعة آلاف ليرة لبنانية قيمة المساحة الزائدة عن الربع المجاني ثم أجرّت القسم المتبقي من المقبرة كما ترونه في الوقت الراهن.
حضرات السادة المحترمين:
خلال سنة 1946 جرت مفاوضات واجتماعات بين ممثلين عن دائرة أوقاف صيدا وجمعية المقاصد الخيرية فيها نظم على أثرها عقد بين المؤسستين يقضي بمنع الدفن في جبانة باكير ـ المعروفة بجبانة الشاكرية المسجلة برقم 558 من منطقة الدكرمان وأن تقتسم المساحات الخالية من الدفن ومن ثم كل مساحة مُدرسة بالشروط المتفق عليها، على أن يستعاض عن الجبانة بأرض العقار رقم 384 من منطقة الدكرمان المعروف بمقام أبي الروح علي أن يضم إلى العقار المذكور قسم من العقار المجاور بحيث تفي المساحة بحاجة المدينة.
إلاّ أن هذه الاتفاقية لم تنفذ والمشاهد الملموس الآن يحدث عن فداحة الخسارة اللاحقة بالأوقاف وبجمعية المقاصد من عدم تنفيذها.
حضرات السادة المحترمين:
كلنا يعلم أن لليهودية العالمية أطماعاً في العالم العري وفي لبنان الجنوبي بصورة خاصة، ولليهود أطماع باستعادة الأماكن الأثرية التي يعتبرونها جزءاً من تاريخهم وفي الجنوب في أعالي قرية شبعا مقام يعرف بمقام مشهد الطير هذا المقام الذي ورد في القرآن الكريم ذكر أسبابه في الآية الكريمة:
وإذ قال إبراهيم "رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهم جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم".
وفي صيدا مقام يعرف بمقام صيدون وللمقامين قدسيتهما عند اليهود.
كان في صيدا حاخام يدعى براون وكان يتردد في بعض الأحيان على دائرة الأوقاف لاستطلاع أوائل الشهور القمرية وذات يوم وقد تعمد المزاح سألني هل تبيع مقام صيدون قلت لمن قال لرجل مسلم وبطريقة الاستبدال المعتمدة في الأوقاف قلت إن المسلم إذا أراد استبدال الوقف لا يحتاج لوساطتك فأفصح عن غايتك، قال أقول بلا لف ولا دوران أرغب شراء مقام صيدون باسم أحد المسلمين ولا حرج عليك في ذلك لقد سبق لدائرة الأوقاف أن باعت في عهد سابق لراهبات الفرنسيسكان وقف جمال حيث تقوم الآن مدرسة الراهبات المعروفة، قلت هذا أمر آخر قال لا بأس فالمبدأ قائم ولك ترضية خاصة، قلت هذا عرض مرفوض، قال أولو جئتك بشيك موقع تضع بنفسك قيمـة الترضية، قلت هذا هراء لا أقبله، قال محتداً: إذا كنت لا تقبل أقول أنه سيأتي يوم نأخذ فيه المقام دون مقابل.
أروي هذه الحادثة لحضراتكم لتقفوا على مدى ما يبيت لنا وليحدد كل منا مواقع خطواته في هذا الوطن العزيز.
حضرات السادة المحترمين:
في آذار سنة 1947 صدر قانون تصفية الأوقاف الذرية. ولا يجوز لي وأنا أخاطب نخبة كريمة من المثقفين إلاّ أن أتطرق للمساوئ التي نتجت عن قانون 10 آذار 1947.
كلنا يعلم أن أهم ما يشد الإنسان إلى وطنه أن تكون له فيه ملكية عقارية فإن لم تكن له ملكية ردد مع الطغرائي:
فيـم الإقامة بالزوراء لا سكنـي بها ولا ناقتـي فيهـا ولا جملـي
لقد عمد السلف الصالح إلى ربط المسلمين في الأمصار التي افتتحها بطريقة وقف العقارات. من هنا استقر الإسلام وبفضل الأوقاف ومن هنا دعي النفر الذين سكنوا هذه الديار بالمرابطين.
لقد راودت فكرة تصفية الأوقاف الفرنسيين كما راودتهم فكرة فصل المحاكم الشرعية عن جسم القضاء اللبناني ومهدوا لذلك بأن صدر عن مجلس أوقاف دمشق قرار صدقه مستشار الأوقاف يقضي يتوزيع بدلات استبدال الأوقاف المجمدة في صندوق مديرية أوقاف دمشق. وقد أخذ مجلس أوقاف بيروت الإداري بهذا القرار وطبقه وكانت سابقة.
ولسنا هنا بصدد ذكر المخالفات الشرعية والقانونية العديدة الواردة في هذا القانون فإن لذلك موقفاً آخر إلاّ أننا نورد النتائج المؤسفة التي ترتبت على المسلمين من جراء هذا القانون كمواطنين وكأصحاب الأرض.
لقد تبخرت الثروة العقارية الإسلامية وضاعت مصنفات الفقراء طيلة العصور الإسلامية في استنباط الأحكام الوقفية وفي الفتاوى وفي نصوص شرط الواقف وما إلى ذلك.
وللعبرة وإلى من كان له ومن له قدم في تسيير دفة الشؤون الإسلامية نورد الحادثة التالية:
ما كاد قانون 10 آذار 1947 يصدر حتى دعا أحد رؤساء الطوائف الروحيين وجهاء طائفته إلى الاجتماع وحين اكتمل عقدهم راح يشرح لهم الغاية من الدعوة يقول إن المسلمين ستباع عقارات أوقافهم بالمزايدة وبحكم القانون فماذا أنتم فاعلون؟ قالوا بلسان واحد وماذا تأمرنا به يا أبانا. قال ألفوا فيما بينكم شركة واشتروا أملاك المسلمين!!!
وهكـذا كـان.
ضاعت الثروة العقارية الإسلامية والمرابطون وأحفادهم ما زالوا يتناقشون عن نوع الملائكة.
ونعود إلى سياق البحث.
كان مبرر إصدار قانون تصفية الأوقاف الذرية ضجة افتعلها بعض المأجورين وزكاها تصرف بعض قضاة الشرع الذين لم يرقبوا في تصرفهم مع المتولين والمستحقين إلاّ ولا ذمة فراحوا يستغلون الخصومات بين المتولين والمستحقين واتخذوا من ذلك موارد كلها السحت.
لقد شكل رئيس الوزارة آنذاك لجنة من كبار القضاة العدليين لبحث موضوع تصفية الأوقاف وفي هذه اللجنة عرضنا مساوئ تصفية الأوقاف وطالبنا بإصلاح القضاء الشرعي لسد باب الشكوى إلاّ أن ذلك ذهب أدراج الرياح. وكان أن اللجنة انقسمت على نفسها وأن أحد أعضائها اتخذ من نفسه لجنة فوضع القانون الذي صدر بتاريخ 10 آذار 1947 ناقلاً عن القانون المصري بعض مواده حرفياً وكذلك عن القانون السوري.
حضرات السادة المحترمين:
عندما باشرت دائرة أوقاف صيدا تصفية وقف قطيش وهو من الأوقاف الملحقة المشتركة بين الجامع والذرية تشبثنا بأن يعود في نصيب الجامع العقار رقم 443 من منطقة الدكرمان وكان بستاناً مشجراً يعرف ببستان ريمي مجاوراً لقناة الماء المعروفة بمزراب الخشب وكان التخطيط الذي وضعه والي بيروت عزمي بك يمر في جوار العقار الأمر الذي حملنا على التشبث بأن يعود العقار في نصيب الجامع وبالرغم من العقبات والاغراءات تمت القسمة وعاد العقار في نصيب الجامع.
وازدهرت واردات دائرة أوقاف صيدا نتيجة الإنشاءات التي أقيمت في العقار حتى أن الشارع يدعى اليوم شارع الأوقاف.
إن أكثر الأوقاف التي تديرها دائرة أوقاف صيدا والعائدة للجوامع المضبوطة تقع داخل المدينة القديمة وتحمل الأرقام التالية:
أوقاف الجامع الكبير:
القسم 1 من العقار 31 ميناء الحصن في بيروت 1400 سهم
الأقسام 36 و49 و88 من العقار رقم 252 مدينـة صيـدا
مجموع وارداتها سنة 1980
ق. ل.ل.
7227.35
أوقاف جامع كتخـدا:
الأقسام 11 و12 و13 و288 و 45 و 1 مدينة صيدا
226 261 263
مجموع وارداتها سنة 1980
6083.10
أوقاف جامع البراني:
الأقسام 1 و 1 مدينـة صيــدا
22 458
مجموع وارداتها سنة 1980
ق. ل.ل.
12024.30
أوقاف جامع البحـر:
الأقسام 3 و 1 و 1و4 و 1 و 7 و166
57 68 72 118 156
و 25 و 18 مدينة صيـدا
166 209
مجموع وارداتها سنة 1980
1767.00
أوقاف جامع بطـاح:
الأقسام 63 و66 و90 و115 و144 و14 و106 مدينة صيدا
252 309
مجموع وارداتها سنة 1980
1461.65
أوقاف جامع السراي:
الأقسام 33 و 36 و 65 و 13 مدينة صيدا
211 231
مجموع وارداتها سنة 1980
2872.35
أوقاف جامع المجذوب:
العقارات 476 و 477 دكـرمـان
مجموع وارداتها سنة 1980
5641.15
أوقاف مسجد أبو نخلة:
الأقسام 5 و 37 و 2 مدينة صيـدا
156 166 276
مجموع وارداتها سنة 1980
207.70
المقبـرة الإسلاميـة:
رقم 558 دكرمان مجموع وارداتها المقدرة لسنة 1980
3450.00
تكية عبد القادر الجيلاني:
القسم 21/161 مار نقولا وارداتـه سنـة 1980
200.00
وقف صالحة خروبي:
القسمين 35 و 36 مدينة صيدا وارداتهما سنة 1980
243
ق. ل.ل.
105.20
وقف الزاوية السعدية:
العقارين 253 و248 مدينة صيدا وارداتهما سنة 1980
75.00
قسائم أوقاف متعددة نتيجة أحكام التصفية:
الأقسام 26 و27 و28 و29 و30 و 2
226 265
و15 و230 و 352 و1/70 و1/86 مدينة صيـدا
مجموع وارداتها سنة 1980
14792.15
أوقاف جامـع قطيـش:
أ ـ 160 والأقسام 8و9و16و17و19و22و24و26و46
248 و 1 مدينة صيدا
249
مجموع وارداتها سنة 1980
ب ـ العقار 443 دكـرمان مجموع وارداته سنـة 1980
3756.05
489502.50
وقف أبو عز البخـاري:
العقار رقم 611 و13 دكـرمان
مجموع وارداتهما سنة 1980
79500.00
ملاحظـة:
إن هذا الوقف أي وقف أبو عز البخاري يعود للحرمين الشريفين ولم يتضح من موازنة دائرة أوقاف صيدا ذكر لعائديته وهي عادة قديمة كنا قد نبهنا إليها في حينه.
على أن لوقف أبو عز البخاري عقارات أخرى تحمل الأرقام التالية:
1530 و1531 و1532 و1533 من منطقة الدكرمان.
وتجدر الإشارة إلى أنه دون على الصحيفة العقارية لهذه العقارات في حقل أسماء المالكين وقف أبو عز البخاري بتولية دائرة الأوقاف في صيدا.
حضرات السادة المحترمين:
كانت واردات دائرة أوقاف صيدا سنة 1933
وكانت وارداتها سنـة 1941
وكانت فـي سنــة 1945 مبلغ
مبلغ
مبلغ 3616.52 ل.ل.س
7050.00 =
34367.53 ل.ل.
وبلغت بعد ضم واردات قسائم الأوقاف المحكوم بتصفيتها سنة 1949 مبلغ 106399.25 ل.ل.
وبلغـت واردات الدائـرة فـي هـذه السنـة 1980 فـي القســم الأول العـادي مبلـغ 1.065.000 ل.ل.
أما نفقاتها في القسم الأول العادي فهي كما يلي:
البـاب الأول:
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخصصات سماحة المفتي
رواتب الموظفين الدينيين
رواتب الموظفين الإداريين
أجور الأجـراء
المتعاقـدون
2400.00 ل.ل.
112520.00 =
60173.00 =
1500.00 =
4800.00 =
البـاب الثاني:
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
التعويضات والمساعدات المختلفة للموظفين الدينيين والإداريين
مساعدات جوامع القرى والمحتاجين
مكافـآت
مساهمة بنفقات المجلس الشرعـي
مساهمة بنفقات الصندوق المستقل بتعويض
صرف الموظفين الدينيين والإدارييـن
منحة رمضان لجميع الموظفين وطلاب الأزهر
24710.00 =
24868.00 =
--
67000.00 =
14865.00 =
البـاب الثالث:
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
لوازم للمساجد والإدارة وإنـارة وتدفئـة
صيانة وترميم المساجد والمباني وغيرها
نفقـات مختلفـة
ضرائب ورسوم
43750.00 =
200000.00 =
19600.00 =
50600.00 =
البـاب الرابـع:
فصل وحيد
ديـون متوجبـة
100000.00 =
البـاب الخامس:
فصل وحيد
الاحتياطي للنفقات الإداريــة
للنفقات الإنشائيـة
88214.00 =
250000.00 =
وبلغت واردات القسم الثاني ـ الإنشـاءات ـ بما فيـه المأخـوذ من الاحتياطـي العـام مبلغ/ 1.350.000/ ل.ل.
وقد لحظ مجلس أوقاف صيدا الإداري في مصاريف القسم الثاني من موازنة السنة الحالية مبلغ 850.000.00 ل.ل. لبناء خمسة طوابق فوق البلوك الثاني من العقار رقم 443 دكرمان. ومبلغ 500.000.00 ل.ل. لمشروع بناء المجمع الإسلامي في أرض وقف مسجد الشمعون القديم.
أما الجوامع التي تديرها دائرة أوقاف صيدا فهي:
الجامع الكبيـر
جامـع البحـر
جامـع كتخـذا
جامـع السراي
جامـع قطيـش
جامـع البراني
جامـع المجذوب
جامـع بطـاح
جامـع الصديق
مقام أبو نخلـة
وفي صيـدا جامع آل الزعتـري ويتولى إدارتـه والإنفاق عليه آل الزعتري جزاهم الله خيراً.
وتقوم دائرة أوقاف صيدا بمساعدة أئمة المساجد في قرى:
كفرحمام ـ حاصبيا ـ شبعا ـ الهبارية ـ البرغلية ـ كفرشوبا ـ مرجعيون ـ مرج الزهور ـ عرب الجل ـ طبايا ـ يارين.
كما تقوم بمساعدة بعض المحتاجين من العائلات المستورة.
هذه لمحات خاطفة عن الأوقاف الإسلامية وما صدر بشأنها من قوانين وقرارات وأنظمة وخاصة تلك التي كان لها أثر على مدينة صيدا أوردتها بإيجاز واضعاً بين تفكيركم تقدير المخاطر التي نتعرض جميعاً لها وخاصة مؤسساتنا الدينية والخيرية داعياً الله سبحانه أن يلهم المسؤولين في أن ينظروا إلى مصلحة الأمة قبل فوات الآوان.
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته