المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات- بري يبحث عن دور جديد ـ حسان القطب
السبت 6 جمادى الأولى 1432 هـ
الموافق 9 نيسان 2011 م
بري يبحث عن دور جديد
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
حسان القطب - بيروت اوبزرفر
لم يكن مفاجئاً ما قاله بري مؤخراً حول إعلان خروج كتلته من تحالف قوى 8 آذار /مارس الذي أسسه بري خلال الاجتماع الأول الذي عقد في عين التينة عام 2005، وقاده حزب الله لاحقاً بعد أن تجاوز بقدرته العسكرية المتنامية وعلاقاته مع سوريا النظام، حضور بري وحركته أمل على الساحة اللبنانية وحتى في سوريا، وهي التي أصبحت توصف في بعض الأوساط بالحركة (العجوز).. إعلان بري حول ابتعاده عن حلفائهن جاء حين( أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، في لقاء الأربعاء النيابي: "الحقيقة أن كتلة "التحرير والتنمية" لم تعد في قوى "8 آذار"، وذلك لأنَّه لم يعد هناك من وجود لـ "8 آذار"، لاسيما بعدما أخذ رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط بوصلته إلى قبلتها، وأصبحنا في تكتل جبهة وطنية عريضة تضم كتلاً نيابية وكتلاً من خارج المجلس وشخصيات نيابية وشخصيات من خارج المجلس، ويؤمنون كلهم بوحدة لبنان وعروبته وتنميته وتحريره")...
هذا الأمر يؤشر إلى تباين عميق بينه وبين حلفائه الأساسيين وعلى رأسهم حزب الله بسبب السياسات الأخيرة التي اتبعها حزب الله في مقاربته للشأن الداخلي في الدول العربية، سواء في البحرين، أو في ليبيا، أو في مصر وسوريا.. والكلام الذي أطلقه النائب السابق ناصر قنديل، كان في حقيقة الأمر كان موجهاً لنبيه برين حين صرح مهاجماً وزير الخارجية المحسوب على بري (الوزير علي الشامي) مطالباً إياه بالاستقالة بقوله..( ودعا قنديل وزير الخارجية علي الشامي "لاعتزال الشأن العام في ضوء إعلانه أنه تفاجأ بما جرى في أبيدجان، التي تشهد أحداثا دامية منذ أشهر فيما الوزارة المعنية لم تكلف نفسها عناء تحضير خطة طوارئ، وإنجاز تسويقها وتنسيقها مع الدول ذات القدرات في تلك المنطقة من العالم، وإذا البديل هو استعراض إعلامي بعقد مجلس أعلى للدفاع لا ينفع لغير التقاط الصور التذكارية).. في حين أن نبيه بري مدح وزير الخارجية بقوله: (لفت بري إلى أنَّ "الخسائر المادية في أبيدجان، طاولت الجميع من لبنانيين وأجانب وعاجيين"، وإذ أمل في أن "يبقى الجميع على تعاطيهم العالي سياسياً في موضوع أبيدجان"، اعتبر بري أنَّ "السياسة التي أدير بها ملف أبيدجان كانت على درجة عالية من المسؤولية"، ورأى أنَّ "أكبر برهان على ذلك عدم وجود خسائر في أرواح اللبنانيين حتى الآن")...
التناقض واضح بين ما قاله ناصر قنديل وهو حليف رسمي للنظام السوري وحزب الله، من تلكؤ وتقصير في مساعدة اللبنانيين المغتربين في دولة ساحل العاج من قبل وزير الخارجية المحسوب على بري، وبين إشارة بري الإيجابية نحو هذا الوزير وطاقمه الرسمي المحسوب بكامله على بري وأهمهم هيثم جمعه مدير عام شؤون المغتربين في وزارة الخارجية اللبنانية....
وما يؤكد أن التباين بين تحالف (قوى شكراً سوريا) قد بدأ هو تقاذف الاتهام بالتقصير في معالجة مشاكل اللبنانيين، أو بالتسبب في توريط اللبنانيين في ملفات داخلية لدول أخرى عربية وغير عربية، كان المواطن اللبناني المغترب، في غنى عن الانخراط فيها وتحمل نتائجها وتبعاتها المأساوية وتداعياتها الدراماتيكية..والمشكلة الأخرى التي بدأت تطل برأسها من باب واسع ولكن خطير وقد تتهدد السلم الأهلي وهيبة القضاء ودور قوى الأمن والجيش وسمعة لبنان الأمنية في المحافل الدولية وأمام المجتمع الدولي.. هي المشاكل المفتعلة في سجن رومية، والتناغم معها من قبل بعض المجموعات تحت مسمى الأهالي، وهو المصطلح المتبع أو المتداول في أكثر من مكان وزمان وفي العديد من المشاكل والصراعات وخاصةً مع القوات الدولية.. لينجلي غبار هذه الفتنة عن المطالبة بإصدار عفو عام يستفيد منه بالدرجة الأولى تجار المخدرات والمروجين وما أكثرهم..
والإشارة التي أطلقت حول جهوزية وحضور مشروع قانون العفو هذا في أدراج مجلس النواب.. جعلت المواطن اللبناني يتساءل عن سبب هذه السرعة التي تحرك فيها مجلس النواب ورئيسه، إذا كان هذا الكلام صحيحاً، مع ما يحمله هذا المشروع من أضرار وتداعيات تصيب الثقة الدولية بالجهاز القضائي اللبناني والهيئة التشريعية الممثلة بمجلس النواب..؟ وعن سبب غياب مجلس النواب ورئيسه على مدى سنوات للعمل على حل مشكلة الموقوفين من مختلف الطوائف والمذاهب ولسنوات طوال دون محاكمة، بسبب أو بدون سبب..؟؟
وما قاله أحد رموز قوى (شكراً سوريا)، النائب السابق د.إسماعيل سكرية من أنه ليس مستغربا «ما أظهرته أحداث سجن روميه، من فساد يتحرك ما بين الرشاوى وتسويق المخدرات والممارسات اللاأخلاقية، ناهيك بالتقصير القضائي في متابعة الملفات والحكم بها،)... كلام النائب السابق هذا قد يكون صحيح.. ولكن نائبنا السابق لم يوضح من هم رموز الفساد الذين يسمحون بإدخال المخدرات إلى السجن، ومن يتقاضى الرشاوى، ومن يعطل القضاء، وصولاً لإثارة الشغب في السجون ومواكبتها من خارج السجون سياسياً وإعلامياً، ومن ثم مطالبة الدولة بإصدار عفوٍ عام..؟؟ كل هذا يؤكد أن تحرك هذا الفريق هو لخدمة مجموعة من المسجونين أو الموقوفين ممن يشعر بارتباطهم به بشكل أو بأخر
من الواضح أن نبيه بري يسعى لتحويل مساره المعلن على الطريقة الجنبلاطية أي فجأة ودون سابق إنذار، ليس لأن وليد جنبلاط قد صحح مساره بل لرفع المسؤولية عن نفسه وفريقه، ولتجنب المساءلة الشعبية حول ما جرى في دولة البحرين وساحل العاج، وتسبب في وضع الجالية اللبنانية في وضعٍ صعب والحق بها خسائر قاسية، وما قد يحدث لاحقاً من أحداث مماثلة ففي هذه الدولة أو تلك
هل صحيح أن نبيه بري قد أصبح وسطياً بين ليلة وضحاها، وانه تبنى شعار لبنان أولاً..!! لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً على الإطلاق.؟؟ ولكن كما يبدو فإن بري يسعى للعب دور جديد بعدما قرأ أن تحولاً ما يجري في سوريا المجاورة، وموقفاً صلباً برز في سياسة تركيا الخارجية يسعى لضبط إيقاع التحولات الراهنة في المنطقة العربية وخاصةً في سوريا، ولاحظ أن الدور المتنامي الذي تلعبه تركيا في المنطقة يحظى برعاية أميركية ورضا أوروبي وقبول عربي..
فكانت إشارة بري هذه للمجتمع اللبناني ولجمهوره بالتحديد، حول موقفه الجديد، ليواكبه في تحوله الموضعي والمؤقت هذا لتجنب عاصفة قادمة أو على وشك الوصول، لتفادي مواجهتها ولتجنب مزيد من الخسائر، في الداخل والخارج.. لأن المجتمع الدولي أخذ يضغط على الوضع اللبناني، عسكرياً بوقف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، ومالياً من خلال الإشارات المتلاحقة حول تورط مصارف لبنانية في عمليات وممارسات غير قانونية.. واقتصادياً حيث تراجع نشاط القطاع السياحي بشكل ملحوظ عبر التحذيرات من بعض الدول لرعاياها بعدم السفر إلى لبنان بعد خطف الرعايا الأستونين، ومؤخراً الضغوطات التي يتعرض لها المغتربين اللبنانيين في دول المهجر نتيجة مواقف حزب الله وإيران وحلفائهم.. إضافةً إلى الملف الداخلي اللبناني حيث يبرز عجز هذه القوى عن تشكيل حكومة جديدة من فريق واحد وذات لونٍ واحد، بسبب الخلافات الداخلية التي تعصف بأطرافها.. وبسبب التخوف من ردة فعل قاسية داخلياً وخارجياً في حال تشكيلها تحت عنوان معاداة المجتمع العربي، والانخراط في السياسات الإيرانية، وإلغاء المحكمة الدولية، وتشريع سلاح فريق واحد تحت عنوان المقاومة..
كل هذه الأسباب دفعت بري لتطوير موقفه بهدف لعب دور جديد تحت مسمى جديد، ولكن هذا لا يعني انه قد بلغ مرحلة التحول..إما لأنه لا يستطيع أو يجرؤ، أو أن قطار التحول قد فاته، والمواطن اللبناني الذي لم يصدًق أن جنبلاط قد انتقل من ضفة إلى أخرى، لن يصدّق أن بري قد انتقل هو الآخر.