مشاريع بلدية صيدا قيد التنفيذ - د. عبد الرحمن البزري
مقابلة مع
الدكتور عبد الرحمن البزري
رئيس بلدية صيدا
بتاريخ 24 نيسان 2008
الموضوع: مشاريع بلدية صيدا قيد التنفيذ
رؤية مستقبليـة
أجرى المقابلة: الدكتور مصطفى دندشلي
* * *
الدكتور مصطفى دندشلي: …. هنـاك في الجزء الثالـث من كتابي حول: مشاريـع صيدا العمرانيـة، قسم أخير له علاقة بالمشاريع قيد التنفيـذ حالياً، وأهمها فيما أرى ثلاثة أو أربعة وهي:
1 ـ معمل فرز معالجة "مكبّ النفايات" أو ما يسمى "جبل النفايات" المزمن في صيدا…
2 ـ معمل معالجة النفايات الصلبة، إلى أين وصلت عملية التنفيذ وما هي الصعوبات العديدة التي اعترضته وكيف يمكن تجاوزها والتغلب عليها؟!…
3 ـ محطة تكرير مياه الصرف الصحّي، المياه المبتذلة، مياه المجارير التي تصبّ جميعها في شاطىء بحر صيدا.
4 ـ أخيراً، أين أصبح الآن مشروع المسار الثقافي ـ التراثي السياحي لمدينة صيدا القديمة…
هذه هي في مجملها موضوعات المشاريع التي لا أملك المعلومات الدقيقة والصحيحة والرسمية حولها. وليس من الممكن أن يُكتب شىء حولها ولا تكون المعلومات دقيقة ورسمية في كتاب توثيقيّ وموضوعيّ وعلميّ إلى حدٍّ ممكن. فأودّ أن توضِّح لي هذه الأمور وأن تقدِّم المعلومات الضرورية والرسمية في هذا الشأن، كي أنشرها كما هي في الجزء الأخير من الكتاب….
لهذا، لنبتدىء من البداية، كما نقول، من معضلة "مكبّ النفايات والآثار السيئة التي تركها ولا يزال حتى الآن. ومن المعلوم أنه جرت محاولات عديدة لإيجاد حلّ لهذه المشكلة ـ ولترطيب الذاكرة فقط ـ منذ مثلاً عهد صديقنا المهندس أحمد الكلش الذي استمرت مدة ولاية مجلسه البلدي نحو عشرين (20) سنة متتالية (1978 ـ 1998)، خلالها قد أسَّس لِبنية تحتية تُعتبر إجمالاً معقولة ومقبولة في حينه. بيد أنه، هو مع مجلسه، وقف عاجزاً أمام مشكلة مكب النفايات، وأمام قضية مجارير المياه المبتذلة التي تصبّ جميعها على الشاطىء، كل ذلك على الرَّغم من وضع الدراسات تلو الدراسات لوضع الحلول ولا سيما لمشروع يرمي إلى تجميع المياه المبتذلة في قناة واحدة وجرّها بطريقة علمية على محطة التكرير بالقرب من سينيق… ولكن كل هذه الدراسات ذهبت أدراج الرياح…
وبعده، جاء صديقنا كذلك المهندس هلال قبرصلي ومجلسه البلدي عام 1998. ولكن أيضاً طوال عهده، مشروع حلّ معضلة مكب النفايات لم يُبصر النور وبقيت الأمور تتفاقم أكثر فأكثر. غير أنه وبعد مضيّ ثلاث سنوات، قد لزَّمت الدولة ـ كما يقول ـ عام 2001، من خلال مجلس الإنماء والإعمار عَبْر قرض يابانيّ، بناء محطة تكرير مياه المجارير المبتذلة في جنوب صيدا، بالقرب من سينيق، على أرض تبلغ مساحتها 22 ألف متر مربع وقد بوشر في التنفيذ في حينه وإن لم ينته المشروع كاملاً في عهده لأسباب تقنية ومالية وإدارية، إلخ…
أعود وأكرر، لقد ذكرت ذلك كله سريعاً ترطيباً للذاكرة فقط ولطرح موضوع حديثنا في هذه الجلسة. لنبدأ بالحديث ـ إذا سمحت ـ ويكون الحديث والنقاط مختصرة، لأنني سوف أنشر وجهة نظرك نصاً وبالاعتماد على المعلومات الرسمية التي هي بحوزتك، وانطلاقاً من موقعك كرئيس بلدية صيدا. فالموضوع الأول: "مكبّ النفايات": الوضع الحالي، والحلول المطروحة…
الدكتور عبد الرحمن البزري: بداية، وللتذكير وحتى يكون حديثنا متدرِّجاً، لا أحد يعلم فعلاً وحقيقة سبب اختيار الموقع، موقع مكبّ النفايات الحالي، جنوبي مدينة صيدا. وهنا تكمن بداية المشكلة التي تعانيها، كون الموقع في جنوبي المدينة. ذلك أنه، وكما جرت العادة في المدن الساحلية اللبنانية، أن تكون المكبّات شمالي المدينة وليس جنوبها. لماذا؟!… لأن معظم المدن اللبنانية كانت تحدُّها أنهارٌ من الشمال، وحركة المياه على البحر المتوسط هي من الجنوب إلى الشمال. وبالتالي فإن المنطق يقول ـ فكما هي حركة المياه وحركة الرياح ـ أن تكون المكبَّات في شمال المدينة حتى تنقل الرياح روائحها بعيداً جداً عن الكثافة السكانية. فإذن، فمن المنطق أن يكون مكب نفايات صيدا شمال المدينة وليس جنوبها.
ومن جهة ثانية، فقد كان مكبّ نفايات صيدا، في الأساس، في شمال مدينة صيدا، بالقرب من مجري نهر الأولي. ولربما لأسباب تطوير مدخل صيدا الشمالي… ذلك أن مداخل كل المدن اللبنانية المرتبطة ببيروت، هي مداخل سليمة. في حين أن مداخلها المرتبطة بالمدن الأخرى، هي مداخل غير واضحة. ومدينة صيدا خبر مثل على ذلك. أنظر إلى مدخل مدينة صيدا الشمالي، وقارنه بمدخل صيدا الجنوبي، ترى الفارق الكبيرْ. رُغم أن الحركة الاقتصادية في صيدا تبلغ 60% منها تقع جنوباً…
فإذن، من أجل تطوير المدخل الشمالي لمدينة صيدا، فقد تمَّ نقل الدبّاغات كذلك من الشمالي إلى جنوب المدينة، وتمَّ وضع مكبّ النفايات في منتصف السبعينات، وضمن هذا التوجُّه، في موقع ما كان يسمى "أبا روح"، أي في موقعه الحالي، على أساس إن هناك أيضاً المسلخ القديم وكذلك الدبّاغات التي وُضعت أيضاً في الأملاك البحرية…
وهكذا ابتدأ يُنقل تدريجاً مكبّ النفايات. وقد كانت النفايات في البداية صغيرة الحجم نسبياً، وأخذت تُحرق عادة. ولكن الشكل الحقيقي الذي ابتدأ يكتسبه المكبّ حتى غدا جبلاً، بدأ مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. عندما اجتاح العدوّ الإسرائيلي مدينة صيدا، وتمّ نقل الأنقاض إلى تلك المنطقة، فقد ابتدأ حينذاك يأخذ هذا المكب منحى الجبل.
ومن ثَمَّ، اتِّباع البلديات بعد ذلك ما يقال نمطيَّة: الفرش والطَّمر. هذا يعني أن المشكلة تكمن في مدينة صيدا، أولاً: إن صيدا موقعها جنوباً وتقع على البحر، ودون أيّ حماية. ثانياً: المشكلة الأخرى هي أنها مدينة صغيرة، ولا تضمّ مساحات واسعة وفيها كثافة سكانية عالية. والسؤال المطروح: لماذا، أثناء الحرب الأهلية في لبنان، لماذا لم تُختر منطقة أبعد من صيدا لوضع فيها نفايات المنطقة المحيطة؟!… لا أحد يعرف!!…. وإنما، اختبرت مدينة صيدا ليكون فيها موقع مكب النفايات في المكان الذي نعرفه. وهكذا كَبُر الجبل، "جبل النفايات" مع الزمن وازدياد حجم النفايات.
وعندما جئنا إلى المجلس البلدي الحالي، منذ أربع سنوات، كنا قد وضعنا في برنامجنا البلدي الانتخابي، رغبتنا في إيجاد حلّ لهذه المشكلة. ولكي نجد حلاً لهذه المشكلة، كان لا بدَّ من مقاربة هذه المشكلة من ثلاث نواحي:
1 ـ الموضوع الماليّ
2 ـ الموضوع التقنيّ
3 ـ الموضوع الإداريّ القانونيّ.
الموضوع الماليّ، إننا نعلم أن بلدية صيدا لا تملك الإمكانات لكي تتحمَّل مسؤولية القيام بهذا الموضوع لوحدها. وعندما قاربنا الحكومة في ذلك الوقت، سواءً كانت حكومة الرئيس كرامي أو حكومة الرئيس السنيورة، لم يبدِ أحد حماساً لتمويل هذا المشروع، في حين أنه ـ للتذكير ـ قد مُوِّلت مشاريع أكبر ومشابهة وبأموال ضخمة: بيروت، طرابلس، زحلة… وجميع هذه المشاريع قد مُوِّلت من المال العام. ولقد تجاوزنا الموضوع المالي من خلال وعد بهبة مالية من قِبَل مؤسسة الأمير الوليد بن طلال الإنسانية، ومؤداها أن الأمير الوليد بن طلال ومؤسسته مستعدّان لتقديم هبة مالية لبلدية صيدا، من أجل معالجة مكبّ النفايات. وقد علمنا أن حجم هذه الهبة المالية خمسة ملايين دولار أميركي. ولكننا كنا قد أصررنا على عدم إدخالها كهبة مالية إلى صندوق البلدية. بل أصررنا أن نأخذها كهبة، وهي هبة غير مشروطة، وذلك لمعالجة مكبّ النفايات. لماذا لم ندخلها كهبة مالية في صندوق بلدية صيدا؟!… لأن دخولها إلى حساب بلدية صيدا، سوف يدخل في الواردات والمصروفات وموافقة الوزارات على كل ذلك. وبعد ذلك، فإن كل عملية صرف مالي، نحن بحاجة إلى موافقة ديوان المحاسبة وقانون المحاسبة العمومي وإلى غير ما هنالك من الإشكالات…
إذن، الموضوع المالي فقد تمَّ الجزء الأصعب منه. فتوجهنا نحو الموضوع التقنيّ. وقد فوجئنا بأنه لم يوجد قط أيُّ دراسة جيَّدة لمحاولة معالجة مكب النفايات، باستثناء دراسة ـ سوف أعطيك هذه الدراسة ـ لشركة Lacico. (يجب التأكد فيما بعد من اسم هذه الشركة بدقة). هذه الدراسة تقول ببناء جدار على البحر واحتواء مكبّ النفايات داخل هذا الجدار، مع إبقاء المكبّ كجبل (للنفايات)، ولكن تكون حدوده هي الحدود البحرية. ولقد كانت كلفته خيالية: تصل أحياناً إلى تسعة ملايين دولار أميركي وأحياناً أخرى إلى إثني عشر مليون دولار أميركي، وذلك بحسب إذا كنا نحن بحاجة إلى أن نبطِّن المكبّ ـ أي وضع الباطون في أسفله ـ أو أن لا نبطِّنه من تحت. ولقد كانت هذه الدراسة عبارة عن عدد من الصفحات الصغيرة، بمعنى أنه يمكننا أن نسميها كناية عن مجموعة من الأفكار أكثر منها دراسة تحديداً.
فكان بالنسبة إلينا والحالة هذه لا بدّ من إجراء دراسة حول هذا الموضوع الشائك والمزمن. فعقدنا مع إحدى الشركات ـ سوف أعطيك لاحقاً اسمها ـ لإجراء هذه الدراسة. وبعد الانتهاء من هذه الدراسة، ذهبنا إلى وزارة البيئة وقدمناها لها. فقيل لنا في وزارة البيئة إنه يجب علينا أن نحدِّد مواقع نقل مكوِّنات المكب وأماكنها وأين هي، وذلك قبل أن نسمح لكم ببدء العمل. ويجب عليكم أيضاً أن تقوموا بدراسة أثر التُّربة. فلا تكفي دراسة آلية المعالجة، بل يجب مرافقتها بدراسة التُّربة. فالمكب إنما هو عبارة عن كتلة ترابيَّة ضخمة تحتوي على نفايات صلبة. والكتلة الترابية والأنقاض وما شابه ذلك، تشكل حوالي 70% أو أكثر من مجمل مجموع المكب. ففي هذه الحالة، إذا اعتبرنا أن مساحة المكب تبلغ 580 ألف م2، يعني ذلك أن لدينا حوالي 350م2 من الأتربة تحتاج إلى نقل. وعندما نريد نقل هذه الأتربة، فينبغي أن نحدِّد وُجهتها.
ففي هذه الناحية، لقد كان هناك ثلاثة خيارات مبدئياً بالنسبة إلى وزراة البيئة. الخيار الأول، بعد معالجة هذه الأتربة، نقلها إلى البحر إلى مسافات بعيدة ومساحات عميقة ينقصها الرمول…. وأخذنا بعض الخرائط البحرية الفرنسية واطلعنا وحدَّدنا أين توجد هذه الحفر التي تنقصها الرمول وهي بحاجة إلى هذه الرمول. والخيار الثاني، هو بناء حاجز بحري وطمر مكوِّنات المكب داخل هذا الحاجز البحري. وبالتالي، تكسب المدينة مساحة إضافية. الخيار الثالث، هو نقل مكوِّنات المكبّ إلى إحدى الكسّارات المغلقة واستصلاح هذه الكسّارة. ونكون في هذه الحالة قد أصبنا عصفورَيْن بحجر واحد: أي أننا نكون قد غلقنا المكبّ من جهة واستخدمنا مكان الكسّارة بعد إصلاحه وإعادته إلى منطقة خضراء من جهة ثانية…
في الشق الأول، صدر اعتراض من نقابة الصياديين. بالإضافة إلى ذلك وجدنا أن "معاهدة برشلونة" تمنع رمي أي شىء حتى ولو كان سليماً في البحر، رُغم أن جميع الدول في المنطقة تتجاوز هذه الاتفاقية، ولا سيما شركة سوليدير ومكب نفايات النورماندي في بيروت قد خرقا هذه الاتفاقية. ولكن، لقد قيل لنا صراحة إن وزارة البيئة لن تسمح بنقل الأتربة إلى البحر…
إذن، سقط الخيار الأول. فأتينا إلى الخيار الثاني وهو بناء الحاجز البحري، فإن كاسر الأمواج والحاجز البحري يحتاج تنفيذهما إلى مراسيم. وكانت الحكومة في ذلك الوقت بدأت تدخل في مشكلة التجاذب والاستقطاب السياسي، فكان من الصعوبة بمكان كبير إصدار المراسيم آنذاك. وهذا الخيار إنما هو أيضاً خيار محتمل في حال فشلت الخيارات الأخرى. وميِّزة هذا الخيار، على الرُّغم من أنه مكلف وهو يحتاج إلى مراسيم ـ وهذه بعض سيئاته ـ ألا أنه خيار صيداوي ولسنا بحاجة إلى أن "نربح جميل" أحد من الناس.
الخيار الثالث، هو نقل الأتربة إلى إحدى الكسّارات المغلقة. وهو الخيار الذي كانت وزارة البيئة تفضله ومتحمِّسة له في الأساس. وقامت وزارة البيئة باقتراح عدد من الكسّارات المغلقة التي هي كانت قد درستها في السابق بالنسبة إلينا من الناحية البيئية، وهي تقع ضمن مسافة 25 كيلو متراً من مدينة صيدا. وأشارت إلى أن أفضل كسّارة من ناحيـة بعدها عن السكان وعن المياه الجوفيَّة وعن حركة الرياح هي كسّارة زغدرايا، التي تقع في خراج القِريَّة. هنا، ذهبنا وقدمنا عرضاً إلى بلدية القِريَّة، مؤداه أننا نحن مستعدون أن نقفل مكب النفايات في زغدرايا، الذي هو مكب عشوائي لسبع (7) قرى مجاورة، وأن نستصلح كسّارة زغدرايا وأن نزرعها وأن نشتريها من أصحابها ونقدِّمها إلى القِريَّة. بداية، لقد كان هناك شىء من الموافقة المشكوك فيها، أي موافقة متردِّدة، وثمة تردّد في الحسم في هذا الموضوع، لم يلبث بعد ذلك أن جاء الرفض.
إلى هنا، وبعد مضي ثلاث سنوات من التأخير في بداية العمل، كان قد حدث تطوّر هام: لا شك في أن مكب النفايات ازداد وكَبُر. وفي الوقت نفسه، حدث تطوّر آخر وهو أن صناعة إعادة التدوير تطوّرت هي الأخرى. وأصبحت نادرة جداً المكوِّنات في المكب، التي لا يعاد تدويرها. لهذا، فقد بات لدينا نظرية جديدة ممكنة وهي أنه من الممكن أن ننقل معظ مكوِّنات المكب وأن نعيد تدويرها بعد غسلها وتعقيمها بشكلٍ جعلها سليمة. وكل مكوِّنات إعادة التدوير لها جدوى اقتصادية، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار العالمي، فليس هناك من شىء لا يفي إعادة تدويره.
إذن، نحن الآن في صدد مقاربة من هذا القبيل. وهذه المقاربة تقول بنفس التقنية القديمة: فصل مكوّنات المكب، معالجتها وغسيلها وتنظيفها ونخلها. ولكن، بدل من نقلها إلى مكان آخر لطمرها بشكل غير مجدي (ميِّت)، بعاد تدويرها بشكل حتى يكون لها جدوى اقتصادية، وأن يقوم المتعهِّد ببيعها. لأن ما حصل معنا، نحن، في هذه السنوات الثلاث من عهد مجلسنا، هو أن المكبّ ازداد حجماً، في حين أن الأموال (الهبة المالية) بقيت كما هي. إذن، فإن الكلفة المقدَّرة التي كانت في حينه تعتبر كلفة معقولة، باتت الآن من المفروض أنها كلفة تقريباً أقل من الإمكانية الضرورية، لذا، فإن التعويض عن فرق الكلفة إنما يكون في أهمية المكوِّنات التي كنا في السابق نريد أن نتخلص منها بأي شىء، أصبحت لها الآن جدوى اقتصادية. فنحن، في هذا الظرف الحالي، في صدد مقاربة من هذا النوع… وهذا هو في المضمون مشروع مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية، على أساس أنها هي التي ستموِّله. لقد أبقينا الهبة المالية لديهم وهم يموِّلون بناءً على جدول زمني وبرنامج زمني محدَّد، يعتمد على أن يكون هناك شغل معيَّن بكميَّة معيَّنة وبنسبة مئوية معينة أيضاً، فعلى هذا الأساس يتمّ الدفع بأقساط، ومن ثمَّ يعاد الشغل بنسبة مئوية معينة وبعدها يتمّ الدفع على دفعات وهكذا…
وهنا، أنتقل الآن إلى الحديث عن معمل معالجة النفايات الصلبة، فأقول: وهذا ما يعلمه الجميع، إنه قد نتج عنه جدال طويل في المدينة. ونتج هذا الجدال عن أنه كان هناك أزمة خانقة، وذلك نتيجة تطوّر وضع مكب النفايات وكبره، فلا بدّ والحالة هذه من إيجاد مخرج للنفايات التي تأتي إلى المكب حديثاً وبصورة دائمة. فأنت شركة تحت اسم I.B.C. وتعاقدت مع بلدية صيدا (قبل مجيىء المجلس البلدي الحالي) بموافقة الحكومة اللبنانية في ذلك الوقت. وهذا العقد، رغم أنه يتجاوز العديد من أصول العقود القانونية اللبنانية، إلاّ أنه سمح لهذه الشركة بإنشاء معمل على أرض مردودة في البحر. فكان لا بدّ من وجود شيئيْن:
الشىء الأول أن يصدر مرسوم بردم البحر. والشىء الثاني أن يصدر مرسوم من أجل تحويل هذه المنطقة، من منطقة سياحية إلى منطقة صناعية. وبعد إصدار المرسومَيْن، جرى توقيع عقد ثانٍ بين شركة I.B.C. وبين وزراة النقل، تسمح الوزارة للشركة في مهلة سنتَيْن لإتمام الأعمال الردمية في البحر في هذه المنطقة. بعد التوقيع على هذين العقديْن، ابتدأت شركة I.B.C. بشخص مديرها العام السيد حمزة المغربي، العمل. ثمّ توقف هذا العمل.
ولكن، عندما جئنا نحن إلى المجلس البلدي في النصف الثاني من سنة 2004، كان موضوعاً أمامنا تواريخ معيَّنة. وكان من المفروض في منتصف 2005 تقريباً، أن يكون المعمل، معمل معالجة النفايات الصلبة، قد باشر العمل. ولقد كان من الواضح جداً أنه لن يستطيع أن يعمل في منتصف العام 2005. وعندما اتصلنا بمدير الشركة المسؤول، السيد حمزة المغربي، أبدى أن لديه مشاكل مالية وبحاجة إلى مهل جديدة. وبالتالي، فقد استطاع، كما قيل لنا، تسوية مشاكله المالية. ولكن بعدها فوجئنا أن جزءاً من مشاكله المالية، إنما هو تغيير اسم الشركة من I.B.C. international إلى I.B.C.S.A.L.. وهذه الشركة الجديدة تضم مساهمين صيداويين ومساهميين خليجيين وتحديداً سعوديين.
كذلك من ناحيتنا درسنا نحن من الناحية القانونية نقل التزاماتنا مع I.B.C. inter. إلىI.B.C.S.A.L.. وبعد دراسات قانونية مفصلة ومكثفة وافقنا على عملية النقل ونقل كل التزاماتنا تجاه I.B.C. inter. من حقوق وواجبات، إلى الشركة الجديدة I.B.C.S.A.L.. وقد قمنا نحن أيضاً بما يترتب علينا من مساعدة. ثم جاء المدير المسؤول السيد حمزة المغربي يقول لنا إنه بحاجة إلى جدول زمنيّ جديد. فأعطيناه ما طلبه وما يريد، رغم تأخره عن الإيفاء بالمواعيد ورغم مطالبة وزارة الأشغال العامة بشخص وزير الأشغال العامة في ذلك الوقت، عن طريق إرسال كتابَيْن تهديد يطلب منا إيقافه عن العمل بسبب تأخره عن مباشرة العمل، بل وحتى فصله وفسخ العقد معه. إنما نحن حاولنا أن نحافظ على الاستمرار في العمل معه حتى ينفذ العقد.
لكننا فوجئنا مرة أخرى بأنه يطلب تجديد مهلة إضافية. فجدَّدنا له أيضاً مرة ثالثة أو رابعة. ثم فوجئنا أنه بدأ يتحجج بحرب تموز 2006 ويعزو سبب تأخره إليها. فأعطيناه المهلة المطلوبة. لكنه جاء الآن ليطلب منا أيضاً مهلة محدّدة، غير أننا اتفقنا معه، خلال هذه المهلة المحِدَّدة، أنه لا يمكن بعد الآن الاتصال معه فقط، وإنما علينا الاتصال مباشرة بمجلس الإدارة ككل. وعندما رفض مجلس الإدارة الالتقاء مع البلدية، ذهب هذا المجلس واجتمع في المملكة العربية السعودية وأبعد السيد حمزة المغربي لصالح شخص آخر من آل الذوق من طرابلس، مما اضطررنا نحن للحفاظ على حقوق المدينة ومعنوياتها أن لجأنا إلى التحرك قضائياً. فنحن الآن في صدد جمع ملف قضائي كامل للوصول إلى نوع من التعويضات أو التسوية أو فضّ نزاع قانوني بيننا وبين هذه الشركة I.B.C..
أما مشروع محطة تكرير المياه المبتذلة ـ المجارير ـ التي تصبّ على شاطىء بحر صيدا، فقد أصبح تقريباً في حكم المنتهي. وتفصيل ذلك ـ كما أشرت أعلاه ـ أن هناك قرضاً يابانياً قُدِّم على دفعتَيْن والمشروع ينفَّذ على مرحلتَيْن. ومجلسنا البلدي جاء في أواخر المرحلة الأولى وشهدنا تنفيذ الدفعة الأولى. ومراحل تنفيذ الدفعة الأولى هي عبارة عن بناء المحطة وتكوينها ومدّ خط واحد تحت البولفار البحري ومدِّ خط واحد آخر من جنوب بلدة الغازية ومدِّ خط صغير "مقطوش" (مقطوع) في صيدا. بالإضافة إلى مدِّ بعض الخطوط في التلال المحيطة بمدينة صيدا.
عندما جئنا نحن إلى بلدية صيدا، كان لنا موقف: هل يمكن تشغيل محطة تكرير مياه الصرف الصحي في صيدا، دون أن تكون مجارير مدينة صيدا موصولة بها؟!… فأرسلنا كتاباً إلى مجلس الإنماء والإعمار واتخذنا موقفاً واضحاً وصريحاً مفاده أننا لن نسمح بتشغيل المحطة، ما دامت مياه الصرف الصحي في صيدا غير مشمولة بها. هنا تحرك مجلس الإنماء والإعمار مشكوراً بشخص رئيسَيْن ينبغي عليَّ أن أسجل لهما هذا الموقف وهما المهندسان: الفضل شق، ومن ثمَّم نبيل الجسر. وأعادا تحريك الملف، ونُقلت أموال كانت مخصَّصة لمناطق أخرى في لبنان، إلى صيدا. وتمَّ تحريك الجزء الثاني من المشروع. فإذا كان المشروع في جزئه الأول تبلغ تكلفته 26 مليون دولار أميركي، فالجزء الثاني منه تصل كلفته إلى حوالي 21 مليون دولار أميركي. فيكون المجموع الإجمالي حوالي 47 مليون دولار أميركي.
إن الجزء الثاني أو المرحلة الثانية من المشروع، هي عبارة عن وصل خطوط بقية المناطق ووصل خطوط صيدا كلها. ونحن الآن، إذا سارت الأمور ونُفِّذ البرنامج كما هو، فإننا نكون في نهاية العام 2008 قد انتهينا من هذا المشروع.
حالياً، المحطة لا تعمل إلاّ كل خمسة عشر يوماً بشكل تجريبي، وذلك حتى الانتهاء من إتمام وصل خطوط صيدا كلها، لأنه لا يجوز أبداً تشغيل محطة تكرير مياه الصرف الصحي في صيدا، دون وصل بها خطوط صيدا كلها. ونحن الآن في صدد الإعداد لدراسة ثانية ـ وذلك أن المعالجة الحالية هي معالجة أولية ـ فالحاجة إلى معالجة أكثر تطوُّراً أي دراسة تبحث في تطوير محطة التكرير الموجودة في الوقت الحاضر في البحر في سينيق، وتطويرها كي تصبح ليس فقط عبارة عن تصفية للمياه المبتذلة الآسنة وضخها على بعد 1800 م، وإنما أيضاً أن تتمّ معالجة المياه الآسنة وضخها وهي نظيفة.
واعتراضنا على المشروع واضح وملخَّصه أنه مشروع جيد، ولكننا بحاجة إلى تطوير شاطىء صيدا البحري وإلغاء مصبّات المجارير فيه والأنهار العشوائية عليه. ونحن لا نزال نتساءل: لماذا اختيرت مدينة صيدا ذات الكثافة السكانية العالية، لا بل والأعلى في المنطقة، كموقع لمحطة تكرير مياه الصرف الصحي، في الوقت الذي كان في الإمكان اختيار مواقع أخرى ذات كثافة سكانية أقل بكثير…. مثلاً هناك مواقع تغطي مساحة كبيرة تمتد من نهر الأوَّلي إلى نهر الزهراني، ومن صيدا وصولاً إلى منطقة كفرفالوس أو إلى جنجلايا. لقد كان في الإمكان فيما مضى إيجاد موقع آخر. لكنه الآن وصل المشروع إلى صيدا، فكان لا بد إذن من أن تتحمل صيدا عِبأه البيئي وبالتالي، هناك أمور كثيرة بحاجة إلى مناقشة، وكذلك أيضاً إلى مناقشة كيفية معالجة الأمور المادية: بمعنى مَن يتحمل مسؤولية الآثار البيئية السلبية، إذا حصلت؟!… مَن يتحمل مسؤولية صيانة هذه المجارير في حال وقع تعطيلها؟!… هذا مع العلم أن هذه الصيانة أُعطيت لصالح مصلحة مياه لبنان الجنوبي. ولكن، من خلال تجربتنا، لا أحد يقدر أن ينقذ المدينة، كما تستطيع أن تقوم به إدارتها المحلية، لأنها تتفاعل بصورة أسرع مع حاجاتها. فإذن، كل هذه الأمور بحاجة إلى توضيح وإلى دراسة مستفيضة في المستقبل.
وأخيراً وليس آخراً، المسار الثقافي ـ التُّراثي، إنما هو جزء من مشروع أكبر، عنوانه: الأرث الثقافي والتنمية المُدنية. وهذا الأرث الثقافي والتنمية المُدنية هو مشروع متكامل، يضمّ عدة عناصر. والمسار الثقافي السياحي هو عنصر منه، والذي يبدأ من مدخل خان الفرنج ويسير إلى ساحة باب السراي، ويصعد في الشوارع الرئيسية حتى يلامس ساحة ضهر المير، ثم يسير نزولاً ليصل ويلامس آخر حي الشارع وحي الزويتيني من فوق، ثم يتجه نزولاً إلى أن يتقاطع مع القشلة وليخرج بمحاذاتها. فهو عبارة عن واجهة يبلغ طولها 1750م. ولكن إذا أضفنا إليه الواجهات الأخرى، يصبح طوله الإجمالي تقريباً 2800م. في وسطه تقع ساحة أساسية هي "ساحة باب السراي" التي تمّ تطويرها ونقل الكابلات الكهربائية التي وُضعت تحت الأرض وكذلك التجهيزات الأخرى، وتسوية بعض الأبنية المتهدِّمة.
هذه هي المرحلة الأولى من المشروع. والمرحلة الثانية هي ترميم العلقة البرية والقشلة. وضُمّ إليها حديثاً واجهة الواجهة البحرية وكذلك وضع الكابلات الكهربائية جميعها تحت الأرض. والمرحلة الثالثة تتعلق بشارع الشاكرية أي شارع المطران ومتفرعاته التي تصبّ في حيّ الشارع… والمرحلة الرابعة المستقبلية تلحظ بناء المتحف الوطني الذي سوف يُقام في موقع الحفريات في مدينة صيدا القديمة (بوابة الفوقا) التي يقوم بها المتحف البريطاني. وإذا استثنينا المرحلة الأخيرة ـ أي إقامة المتحف الوطني في صيدا ـ فإن كلفة المشروع قد ارتفعت من أربعة ملايين ونصف (4.5) المليون دولار أميركي إلى تسعة (9) ملايين دولار أميركي. والتمويل يأتي من البنك الدولي والدولة الإيطالية. وتنفِّذ هذه المشاريع ويقوم به مرة "الجنوب للإعمار" ومرة أخرى "جونيكو"، بحسب الاتفاقيات المعقودة….
إلى جانب ذلك، فقد تمّ مشاريع أخرى مهمة هي أيضاً: مشروع مؤسسة محمد زيدان الاجتماعية، الذي يقوم بتنفيذ ترميم سوق النجارين في مدينة صيدا القديمة، وسوف يتابع لاحقاً ترميم سوق الكندرجية… وتفوق كلفته عن المليون دولار… كل ذلك يتمّ تنفيذه تطوعاً ودون أيّ مقابل…
والآن يجري الحديث عن مشروع ترميم واجهة شارع الشاكرية أي شارع المطران، وأن يتحمَّل السيد محمد زيدان مع السيد ريمون عودة تغطية الكلفة المالية لهذا المشروع والتي تبلغ بين 240 ـ 300 ألف دولار أميركي. كما أن السيد سعد الحريري أبدى الآن رغبته في القيام بمشاريع من هذا النوع في مدينة صيدا القديمة بحجم كبير من الأموال. فنحن رحبنا بذلك. وكذلك هنالك مشاورات مع السيدة ليلى رياض الصلح عَبر مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية، ومع مؤسسة صرّاف وذلك لإعادة تأهيل وإحياء كنيسة مار نقولا ومطرانية صيدا للروم الأورثوذكس. وأهمية هذا المشروع (عملية الترميم) أنه يتمّ على مراحل، ولكن يتضافر حوله جهود أو ما يمكن أن يُسمى: "مشاريع خاصة".