المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - لبنان: لكل الطوائف اللبنانية ثوابتها وخطوطها الحمر، تجاوزها يدفع نحو الفتنة.
الأحد 11 أيلول 2011
لبنان: لكل الطوائف اللبنانية ثوابتها وخطوطها الحمر،
تجاوزها يدفع نحو الفتنة.
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز... حسان القطب
لبنان متعدد الطوائف والمذاهب والكيانات السياسية ومن حق كل فريق من هؤلاء أن يكون له ثوابته ومواقفه حتى خطوطه الحمر التي لا يقبل المساس بها أو تجاوزها احتراماً لصيغة العيش المشترك وحمايةً للسلم الأهلي، ولكن ما نشهده مؤخراً من تصريحات ومواقف وتسريبات تجاوزت الحد الممكن والمقبول والمسموح به الذي يمكن معالجته ورأب صدعه ومعالجة نتائجه.. وما سمعناه أخيراً على لسان البطريرك الراعي في فرنسا من خوف على الأقليات حين قال: (ورأى الراعي أن «تغير الحكم في سوريا ومجيء حكم للسنة سيؤدي إلى تحالفهم مع إخوانهم السنة في لبنان، ما سيؤدي إلى تأزم الوضع أكثر بين الشيعة والسنة»). إضافة إلى ما في هذا الكلام من إساءة للطائفة السنية في لبنان بتصويرها خطر على الكيان اللبناني بافتراض أنها ستتحالف مع فريق سني أخر غير لبناني لإثارة حرب أهلية، مع ما يحمله هذا الكلام من اتهام غير مبرر، ناهيك عن انه غير صحيح، فلم يخرج الجيش السوري من لبنان لولا تضافر مكونات المجتمع اللبناني من سنة ومسيحيين ودروز وبعض الشيعة وغيرهم.. وقد كان من الممكن أن يكون موقف أهل السنة في لبنان مختلف لو شاءوا ذلك ولكان التاريخ في لبنان يقرأ اليوم بشكل مختلف تماماً..
ولكن المؤسف والخطير في الأمر هو أن ما قاله البطريرك الراعي يتناغم مع ما ذكره سابقاً الجنرال عون حين نقل على لسانه أنه: (عبر عن نفوره من النظام السوري، لكنه شرح أن ليس هناك من خيار سوى التعامل مع العلويين من اجل حماية لبنان من السنّة قائلا: لا يجب أن تقع سوريا في يد السنّة لأنهم سيتحالفون مع سنّة لبنان ويطردون المسيحيين من المنطقة. وقال (رزق) إن معظم اجتماعه مع عون كان مخصصاً لشرح مدى قرب الأخير من نصر الله الذي وصفه بالرجل الحكيم والقائد المعتدل، مشيرا إلى "أن الشيعة في لبنان هم مثل الموارنة من طينة "ملح الأرض" وقال عون في السنة أنهم "غرباء" ومن دون جذور ومن جنسيات مختلفة وعشاق مال ومتطرفين جدا وأوضح رزق أن عون استعمل عبارات معادية للسامية ضد السنّة بدل استعمالها ضد اليهود، ونقل رزق عن عون أن التحالف الشيعي- الماروني هو الوسيلة لمواجهة التهديد السنّي الداخلي(آل الحريري والسنيورة) والخارجي (السعوديون)).. وتكامل موقف الجنرال عون والبطريرك الراعي مع موقف السفير الإيراني كما ذكر رزق قائلاً: (أنه سأل السفير الإيراني عن السبب الذي دفع أميركا إلى التزامها دفع مبلغ 20 مليار دولار على شكل مساعدات أمنية إلى حلفائها العرب في ظل الايجابية المحيطة بمساعي العلاقات بين إيران وأميركا، فكان رد شيباني وهو يدلّ إلى علبة سكاكر موجودة على الطاولة، إلى أن الإعلان الأميركي كان مجرد شوكولا، شيئاً لإسعاد السنّة وإلهائهم في الوقت عينه، قائلا : بينما ينشغل العرب بفتح حبات الشوكولا الأميركية وأكلها، سيبني الأميركيون شراكة جديدة مع الإيرانيين من باب الحاجة وليس المودة. ثم استرسل في حديثه عن النقاط المشتركة بين المسيحيين والشيعة في لبنان ولماذا تهتم إيران بتوفير الحماية للطرفين في وجه التطرف والطمع السنّيين).. وقد تناغم البطريرك وعون موقف نبيه بري الذي هو اليوم موضوع تساؤل اللبنانيين عن حقيقة مواقفه بعد أن كشفت وثائق ويكليكس ما كان يخفيه من مواقف وآراء وحتى تمنيات، حين عبر عن سعادته بمواقف البطريرك الراعي قائلاً لجريدة النهار: أنه (يؤيد كلام الراعي ويصفه بـ"الراعي الأمين والصادق على مصالح اللبنانيين". ويعتقد أن حديث البطريرك لا يختلف عن الموقف الذي أعلنه في سوريا نظاماً وشعباً في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في بعلبك. ويقول رئيس المجلس لـ"النهار" أن "كلام البطريرك في باريس يحمي لبنان من الأخطار، وأوافق على ما أعلنه وأثبتت رؤيته الثاقبة عن سعة أفق مرجعيته الدينية والوطنية")... وكان المقصود بهذا الكلام هو دفع الطائفة السنية للتطرف والمواجهة، لذا فإن تكامل هذه التصريحات في مضمونها وأهدافها التي تستفز الطائفة السنية في لبنان والمنطقة تقودنا إلى الاستنتاجات التالية:
- إن حملة الاغتيالات التي بدأت مع محاولة اغتيال النائب مروان حمادة واستكملت باغتيال الرئيس الحريري وسائر الشهداء كانت بخلفية سياسية في ظاهر الأمر، لكنها تحمل في طياتها بعداً آخر بدا الحديث عنه الآن بشكل واضح وصريح..وإلا لماذا التهويل والتحذير من الفتنة السنية – الشيعية في حال تم كشف الجريمة أو تمت إدانة قيادات أمنية في حزب الله بارتكاب هذه الجريمة التي تستكمل فصولها سياسياً اليوم، وما تصريح محمد رعد الأخير حول قطع الأيدي إلا نموذج من أصول ومبادئ المفاهيم الديمقراطية وروح المحبة والإخاء التي رآها البطريرك الراعي في حليفه الجديد.. وهذا ما أشار إليه النائب مروان حمادة حين قال: ( أنه وجّه الاتهام بالاغتيالات سياسياً إلى سوريا، لافتاً إلى أن "اليوم تزايدت شكوكي في أن لحزب الله علاقة بالاغتيالات، خصوصاً وأننا لا نعرف من نظام سوريا إلا الاغتيالات، بدءاً من اغتيال (رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" الشهيد) كمال جنبلاط وصولاً إلى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري"، مشدداً على أن "تفريق طهران بين النظام في سوريا والشعب له معانٍ عميقة، تفيد بأن النظام لا يمثل الشعب السوري").
- إن التهويل من خطر قد يصيب الأقليات في المنطقة في حال وصول الأكثرية السنية إلى الحكم في سوريا وغيرها، هو خطر مفتعل يهدف لتبرير عمليات القتل والتصفية والاعتقال التي يتعرض لها أبناء الشعب السوري والعراقي واللبناني بكل فئاته وليس السنة فقط، لتبرير تسلط بعض الأقليات على السلطة تحت ذريعة حماية وجودها، وما نراه من استهداف للمسيحيين في العراق هو لخدمة هذا المشروع الذي يستخدم الواقع المؤلم لمسيحيي العراق لحماية سلطته في سوريا وسواها.
- إن موقف المجلس الشيعي الأعلى في لبنان والذي ورد فيه: (ودان المجلس «التدخل الأجنبي السافر في الشؤون الداخلية السورية»، رافضاً أن «يتحول لبنان إلى مركز للتآمر على سورية، داعياً «الجميع إلى وعي حجم المؤامرة التي تستهدف وحدة سورية». وأسف لـ «عدم استجابة النظام في البحرين لمطالب الشعب.)هذا الموقف يدفعنا للتساؤل: لماذا لم يأسف المجلس الشيعي لعدم استجابة النظام السوري لمطالب شعبه كما أسف لدولة البحرين، ولماذا يكون لبنان قاعدة تآمر على سوريا إذا أيد فريق لبناني مطالب الشعب السوري..؟ وهو يرضى أن يكون لبنان منصة وقاعدة للتأمر على مملكة البحرين وشعبها ونحن نرى ونسمع كل يوم التحريض من محطات فضائية تابعة لحزب الله وأمل..
لكل طائفة في لبنان، مسلماتها وثوابتها ورموزها السياسية والدينية، وحتى الأحزاب السياسية تملك هذه الحيثية أيضاً، لذلك من يريد أن يتجنب الفتنة عليه أن يعي ما يقول وكيف وأين ومتى، ومن يطلب من الآخرين الاحترام ومراعاة خصوصياته وثوابته عليه أن يلتزم بما يطلبه، وبيان المجلس الشيعي الذي دافع عن بري بقوله:(وأسف المجلس لـ «انحدار الخطاب الإعلامي وتوسله التضليل والتشويه والقدح والذم والذي طاول المقامات الوطنية والسياسية والروحية لاسيما التعرض لمقام رئيس مجلس النواب نبيه بري. كما رأى «في استهداف الجيش والإساءة إليه وإلى دوره الوطني استهدافاً لكل اللبنانيين في أمنهم واستقرارهم.)، هذا البيان أعطى للخلاف السياسي بعداً دينياً ومذهبياً خطيراً لأن هذا المجلس تجاهل العبارات النابية والأوصاف الخطيرة التي أطلقها فريق بري وحزب الله بحق قيادات وزعامات ومقامات دينية وسياسية من طوائف أخرى مستندين للمصادر عينها (ويكيليكس) ولم يعترض هذا المجلس ولا سواه على هذا الأمر فماذا استجد اليوم حتى خرجت القضية من دائرة الصراع السياسي إلى صراعٍ من نوع أخر..والتحذير من الفتنة...؟؟
لذا نقول، تجنب الفتنة والبعد عن الصراع الديني الطائفي والمذهبي يتطلب لغة مختلفة، ومواقف أكثر موضوعية، والتعاطف مع مطالب الشعوب المقهورة والمسحوقة هو حس إنساني وواجب شرعي لمن يتحدث من منظور شرعي ساعة يشاء وحين يريد، وبالتحديد حزب الله ومن يواليه، ولمن لا يعرف نقول فقد وقف الشعب اللبناني وسائر الشعوب العربية مع دولة فيتنام إبان الحرب الأميركية عليها، لأنها قضية عادلة ولم يسأل أحد عن دين وهوية وسياسة الشعب الفيتنامي. أما حب الجيش اللبناني المستجد لدى هذا الفريق فبإمكانه تأكيده بتسليم من قتل الجنود اللبنانيين في البقاع ولا زال القتلة فارين، وبإعادة محاكمة من قتل الضابط سامر حنا الذي لم تتم محاكمته فصولاً بعد، وبإبداء الرأي الصريح بالحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بحق العميل المدان فايز كرم..
حسان القطب
hasktb@hotmail.com