السفير - نصف انقلاب حتى الآن.. متى يكتمل؟
20/09/2010 العدد: 11696
نصف انقلاب حتى الآن.. متى يكتمل؟
نصري الصايغ
لا انقلاب على الدولة، والأسباب كثيرة: أولا: لا دولة في لبنان. بشهادة شبه إجماعية من مفكرين وسياسيين وأناس طيبين جداً.. ثانياً، لأن برامج السياسيين وأفكار المفكرين، تؤكد على ضرورة بناء الدولة، وقد تأخر الشروع بذلك، منذ حكومة عبد الحميد كرامي، التي انتهى به المطاف إلى إعلانه الشهير: هذه مزرعة، لا دولة.. ثالثاً، لأن ممارسات السلطات اللبنانية كانت معادية للدولة... الدولة نصوص ومؤسسات. السياسيون، بكامل قواهم الطائفية، لا يشبهون نصوص الدستور ولا قوانين الدولة، ويعتدون على المؤسسات، الإدارية والقضائية والمالية والاقتصادية والزراعية والكهرومائية والأمنية والعسكرية.. رابعاً، لأن لا وجود لدولة في العالم، أكانت من صنف أوروبي أم من جنس العالم الثالث، تشبه «دولة لبنان»، لأنها بحاجة حيوية ودائمة، إلى أن تحكم وتدار وتساس من خارجها.
ومع ذلك، فهناك انقلاب، ولكنه انقلاب في السياسة، وليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة.
كان الرابع عشر من آذار، الحامل شعار «ثورة الأرز»، الانقلاب التام في السياسة، من داخل هياكل «الدولة». (يلزم وضع أهله عند كتابة كلمة دولة لبنان). لقد أفضى اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى سلسلة من القرارات، التي قلبت السياسة في لبنان رأساً على عقب. وهذه عيّنة، من دون إطلاق حكم قيمة عليها. الحياد يفرض قولها بمعزل عن جدواها وارتباطاتها.
أولاً: أسقطت حكومة عمر كرامي في الشارع.. وهي حكومة «شرعية»، ممهورة بثقة نيابية، بتغاضٍ حكيم(!) من قبل الجيش اللبناني الذي أصرّ على عدم إراقة دماء لبنانية. نعم، قرار حكيم.
ثانياً: إفراغ المؤسسات القضائية والأمنية، عبر اتهامها بالتقصير أو بالمشاركة، وهذه الأجهزة كانت حاكمة ومتحكمة في سياسة البلد. لقد اتهم الضباط الأربعة بالجريمة، وقيل كلام في عدنان عضوم، أخجل من كتابته في هذه السطور. وقد جاءت هذه الخطوة الانقلابية، استجابة لتقرير فيتزجيرالد، وبعد استقالة القاضي اللبناني ميشال أبو عراج.
ثالثاً: خارج أي معيار قضائي وأي أدلة اتهامية، توجهت الأصابع إلى سوريا، قيادة وأمنا وأعوانا، وحُمّلت سوريا وأعوانها في لبنان جريمة الاغتيال. ما أدى إلى انسحاب سوري مذل، وانتفاء شرط من شروط اتفاقية الطائف: العلاقات المميزة مع سوريا.
رابعاً: محاولة اقتحام فاشلة للقصر الجمهوري، ثم تجريد الرئيس من سلطاته القليلة، واعتباره غير موجود، وغير شرعي (علماً أن أكثرية 14 آذار صوّتت له ولو بحجة الضغط.. عذر أقبح من ذنب).
خامساً: احتلت الحكومة ورئيسها مركز الرئاسة، وعقدت اتفاقاً مع الأمم المتحدة، أفضى إلى ما لا تحمد عقباه :محكمة دولية بشروط البند السابع.
سادساً: انقلاب على العيش المشترك، الصيغة الهشة والكاذبة. فحكم فريق 14 آذار من دون شريحة شيعية ذات أرجحية ممتازة.
وقد فتحت هذه الخطوات الانقلابية لفريق 14 آذار، الطريق لنقل لبنان إلى معسكر معادٍ لسوريا والمقاومة، (يا محلا حلف بغداد ومشروع إيزنهاور!) مؤلف من الولايات المتحدة بقيادة هولاكو القرن الواحد والعشرين، (جورج بوش) ومجلس الأمن، والمجموعة الأوروبية، ودول الاعتدال العربي، (تقرأ الاعتلال العربي) إضافة إلى من يعنيهم أمر إسرائيل أكثر من أمنهم القومي. وقد أتاح هذا الانقلاب الناجح يومها، إلى توظيفه توظيفاً مخزياً في عدوان تموز 2006.
لا نأتي على ذكر قبلات السنيورة، واعتذاره لتأخره إزاء ما طلبته كوندوليسا رايس، وما أفتى به جون بولتون. ولا نتحدث عن حفلة الشاي في ثكنة مرجعيون.
سابعاً: بلغ الانقلاب نهايته، عندما أقدمت حكومة 14 آذار، على إصدار قراري الخامس من أيار، لقد بلغ الحمق مرتبة قصوى. فمن كان يظن أو يشك أن هذين القرارين لن يقودا حزب الله إلى اجتياح بيروت بالسلاح، هو في ذروة الغباء.
لقد انتهى الانقلاب الأول في السابع من أيار 2008. ولكن الانقلاب المضاد لم يبدأ إلا منذ كانون الأول عام 2009. عندما زار الرئيس سعد الحريري دمشق، المتهمة بقتل والده.
نحن اليوم نشهد انقلاباً على الانقلاب الأول، ولكنه ما زال في بدايته.
÷ الخطوة الأولى للانقلاب، هي في الزيارات المتكررة من قبل سعد الحريري لسوريا.
÷الخطوة الثانية: تبرئة سوريا من تهمة قتل رفيق الحريري.
÷الخطوة الثالثة: الاعتراف بشهود الزور ودورهم التخريبي الذي أساء إلى سوريا والتحقيق وسعد الحريري بالذات.
حتى الآن، هذا الانقلاب يقوده سعد الحريري. ولكنه لا يستطيع أن يقول: هذا يكفي.. نصف انقلاب لا يفيد، انقلاب مضاد بالتقسيط هو المطلوب. وعليه، فلكي يكمل سعد الحريري انقلابه على نفسه، وعلى 14 آذار، وبواسطة 14 آذار بذاتها، عليه أن يستكمل مسيرته الانقلابية بالخطوات التالية.
÷ استكمال الإجراءات لمحاكمة شهود الزور. وهذه الخطوة بذاتها، هي أكثر من نصف انقلاب، لأنها تلغي مفاعيل شهود الزور، وأهمها، الانقلاب الأول، الذي بدأ في 14 آذار 2005.
÷ التوقف ملياً أمام المحكمة الدولية. فهل هذه المحكمة جديرة بكشف الحقيقة عن جد؟. دعنا من السياسة والإحراجات المحلية والإقليمية. لقد بات واضحاً أن المحكمة لو جاءت بالحقيقة الناصعة، فلن يصدقها فريق ولن يكذبها فريق. المحكمة أخذت عنوة من لبنان، بصيغتها وموادها القانونية، لقد كانت بذاتها انقلاباً تاماً على لبنان «الدولة». انتزعت القضاء منه. انتزعت الأمن منه. وباتت سلطة لا سلطة فوقها... ومراجعة مواقف الدول التي رفضت في مجلس الأمن إنشاء المحكمة بهذه الآلية والنصوص، دليل على خطورة المحكمة آنذاك على السلم الأهلي...
أتساءل: ألم يكن ديتليف ميليس المرشد القضائي لفريق 14 آذار في انقلابهم؟
÷ وكما حدث في انقلاب 14 آذار، على «الدولة»، في السياسة، فأفرغت الرئاسة وأخذت قوى الأمن إلى... وتحوّل القضاء إلى مغارة آل بابا... لا بد من حركة تصحيحية تعيد الأمور إلى نصابها، ليس تحت إصلاح القضاء. فهذا غير قابل للإصلاح، بسبب العبث السياسي فيه، ورخاوة مناعته. وليس مطلوباً إصلاح أجهزة الأمن، بسبب استفحال الولاءات فيه لغير «الدولة»، واستدراجها إلى أصحاب الدويلات الطائفية والمطلوب: اتفاق على خير الأمور.
إن نجاح الانقلاب الأول، بقيادة فريق 14 آذار، احتاج إلى دعم دولي وإقليمي وداخلي طائفي ومذهبي. ونجاح الانقلاب الثاني، يمكن أن توفر له س+س، الظروف ليكون أقل صخباً وضجيجاً، على أن يتولى قيادة هذا الانقلاب الهادئ، سعد الحريري بنفسه.
إذا لم يكن ذلك كذلك... فالانقلاب سيكمل طريقه، من دون شبكة أمان «وطنية». فقد تتحول شوارع بيروت إلى محطة لتظاهرات مختلفة.
كل هذا، كي لا تسقط السلطة كلها.
كل هذا، كي لا تسقط «الدولة» برمتها.
كل هذا، كي يبقى سعد الحريري رئيساً لحكومة التوافق الوطني.
كل هذا، كي لا يبقى واحد من شهود الزور ومن فبركهم وزودهم وخطط لهم، خارج المساءلة والمحاكمة والسجن.
إذا لم يكن ذلك كذلك... فسيعتكف السلم الأهلي لفترة، وقد يعتكر... والله أعلم.