مشروع ميثاق العمل الثقافيّ
نصّ الوثيقة التي قدّمها
الدكتور مصطفى دندشلي
إلى مؤتمر اللقاء الثقافي الوطنيّ
نيسان 1996 مشروع
ميثاق العمل الثقافيّ
أفكار للمناقشة
مقدمات
ومواقف وطنيّة
اللقاء الثقافيّ الوطنيّ :
1 ) حركة ثقافيّة ، فكريّة ، اجتماعيّة ، أهليّة ، ديمقراطيّة ، حواريّة ،
نشأت وتكوّنت في خضمّ الأحداث وفي رَحْمها .(1)
2 ) وهو إذ يضمّ هيئات ثقافيّة واجتماعيّة ، وشخصيات ثقافيّة ووطنيّة مستقلة من مهندسين وأطباء ومحامين وأساتذة ، إنّما هو استجابة حيّة ، ثقافيّة ، وفكريّة ، وممارسة عمليّة في آن معاً ، للتحدّيات التاريخيّة الكبرى ، واستجابة عمليّة لمواجهة الاعتداءات الإسرائيليّة البربريّة على شعبنا وأرضنا وأهلنا في لبنان انطلاقاً من الجنوب .
طبيعة الكيان الصهيونيّ :
3 ) وهذه الاعتداءات الإسرائيليّة الأخيرة على شعبنا في لبنان انطلاقاً من الجنوب والبقاع الغربيّ والتي كانت من ضحاياه البريئة ، مئات القتلى والجرحى من أطفال ونساء وشيوخ ، ومئات الألوف من المهجرين والنازحين ، قد أظهرت بوضوح وكشفت مرة أخرى للرأي العام العالميّ والعربيّ عن وجه إسرائيل الحقيقيّ ، الوجه البربريّ العنصريّ البشع ، وفضحت طبيعة هذا الكيان الصهيونيّ الذي يقوم على العنف والقهر والقتل والإرهاب . فسلسلة الاعتداءات العسكريّة المتتالية أعوام 78 و82 و93 وأخيرها وليمر آخرها التي نعيشها الآن في ربيع 96 ، هذه المجازر غير المبررة إنسانياً وعسكرياً التي ترتكبها إسرائيل بهذه الفظاعة والوحشيّة والبشاعة في قانا والنبطية والمنصوري وسائر قرى الجنوب والبقاع الغربيّ ، قد أدّت إلى مآسٍ إنسانيّة رهيبة يخجل منها الضمير العالميّ الإنسانيّ وإلى نزوح وتهجير للسكان الأبرياء الآمنين وتخريب للمواسم الزراعيّة وتفاقم للأزمات الاقتصاديّة والمعيشيّة والاجتماعيّة ، وخلق انهيارات سياسيّة وتعميق التناقضات الاجتماعيّة في الداخل .
4 ) لقد أظهرت الدولة الإسرائيليّة الباغية ، من خلال اعتداءاتها البربريّة المتواصلة ، عن بشاعة وجهها العنصريّ المتعصب . فهي إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على الأساس التوراتيّ الدينيّ العنصريّ الذي تقوم عليه هذه الدولة الاستيطانيّة العدوانيّة . فسياستها ، إنّما هي سياسة تقوم على القتل ، ومحكومة بالقتل . ولعنة القتل التوراتيّة تكمن فى جوهرها وطبيعة كيانها . وهي تدلّ بالتالي على وَهْم مشاريع التطبيع وخرافتها ، ذلك لمز المعركة في الحقيقة والأعماق ، إنّما هي معركة حضاريّة وثقافيّة وقوميّة بين المشروع العبريّ التوراتيّ العنصريّ ، ومشروع النهضة العربيّة وطموحاته القوميّة .
السياسة الأميركيّة :
5 ) لذلك ومن أجل الاستجابة للتحدّيات الكبرى التي تواجهنا في حياتنا الوطنيّة ، ينبغي علينا فضح القوى الدوليّة التي تساند هذا الاعتداء الإسرائيليّ الغاشم على شعبنا ، نساءً وشيوخاً وأطفالاً . ورفض سياسات الاستسلام ومواجهتها ، وفي مقدّمتها تلك التي تمارسها بالضغط والعنف والإرهاب الولايات المتحدة الأميركيّة ، ومن يدور في فلكها دولياً وإقليمياً ، عربياً ولبنانياً ...
6 ) بل أكثر تحديداً ووضوحاً ، فإن إسرائيل في وجودها وكيانها ، وفى هذه السلسلة المتتالية الأخيرة من الاعتداءات العسكريّة والمجازر بحقّ الأبرياء والآمنين من المدنيّين ، تلقى الدعم والتشجيع والحماية والغطاء العسكريّ والتكنولوجيّ والسياسيّ والماليّ والدبلوماسيّ من الولايات المتحدة الأميركيّة التي ، هي ، تقـف وراء هـذه السياسة الإسرائيليّة الرعناء ، تأميناً لمصالحها الاستراتيجيّة فى المنطقة ، وحفاظاً على وجودها وهيمنتها من خلال السياسة الإسرائيليّة وعَبْرها . فعدونا التاريخيّ والموضوعيّ والاستراتيجيّ ، إلى جانب الكيان الصهيونيّ الاستيطانيّ في المنطقة ، إنّما هو الولايات المتحدة الأميركيّة . فلا يمكن فصل السياسة العبريّة التوراتيّة والسياسة الاستراتيجيّة الأميركيّة في المنطقة الواحدة عن الأخرى . فهما من صنف واحد ووجهان لعملة واحدة .
أهداف الاعتداءات الإسرائيليّة :
7 ) وهكذا ، وضمن هذا السياق ، تتوضّح لنا أهداف هذه الاعتداءات الأخيرة التي تسعى ، من ضمن ما تسعى إليه ، إلى فرض الاستسلام وفرض شروط سياسة التطبيع الإسرائيليّة في المنطقة العربيّة ...
كما أنّ هذه المعركة البربريّة الأخيرة التي رمت فيها إسرائيل بثقلها العسكريّ على شعبنا الأعزل ، قد زادت الهوّة أكثر فأكثر عمقاً بين الرأي العام العربيّ والشعبيّ من جهة ، والأنظمة السياسيّة العربيّة وحكامها وملوكها من جهة أخرى . ودلّت في الوقت ذاته وبرهنت على أنّ معركتنا إنّما هي مع الحركة الصهيونيّة العالميّة والكيان الإسرائيليّ في المنطقة والولايات المتحدة الأميركيّة والداعمة والمؤيدة لها ، وعلى أنّها لن تتوقف وتنتهي في مواجهة الكيان الصهيونيّ الاستيطانيّ العنصريّ بعقد اتفاقات الاستسلام والخضوع ، هي معركة طويلة النفس .
المعركة الحضاريّة :
8 ) ذلك أنّ المعركة الحقيقيّة ، وفى الأعماق ، قد تحولت منذ زمن بعيد ، وأخذت طابع المعركة الحضاريّة في جوهرها ومضمونها بين المشروع الإسرائيليّ العدوانيّ والاستيطانيّ ، والطموح العربيّ في الوحدة والاستقلال .
9 ) ولكن في هذه الهجمة العسكريّة الأخيرة التي تختل فيها موازين القوى والمواجهة في لبنان ، برهن شعبنا مرة أخرى عن تضامنه العميق مع ذاته وعن قوة عزيمته وإرادته وتمسكه بحقّه وكرامته . وإنّ أعمال القتل والعنف والإرهاب الإسرائيليّ لم تزده في الواقع إلاّ تصميماً وعزماً على المواجهة والصمود .
10 ) ولربما ، ودون مبالغة ، قد نكون بأشدّ الحاجة في ظروف الانحطاط والتراجع والاستسلام ، إلى هذا النوع من المعارك مع إسرائيل حتى تكشف أكثر فأكثر ، هي نفسها ،عن بشاعة وجهها وفظاظته من جهة ، وحتى نمارس عملياً وحدتنا الوطنيّة العميقة فى الوجدان من جهة أخرى . وقد لا تتبلور هذه الوحدة الحضاريّة والتاريخيّة والوطنيّة ، ولا تتحقّق بصفاء أكبر ، إلاّ عَبْر المعارك والمواجهات . ذلك أنّ من خلال المحن والملمات ، تزداد اللحمة الوطنيّة تماسكاً والوشائج الإنسانيّة ترابطاً .
كلّنا مقاومة :
11 ) من هنا ، نجد أنفسنا وفي هذه الظروف الحرجة ، ولربما أكثر من أيّ وقت مضى ، أنّنا بحاجة إلى العمل بجميع الوسائل الممكنة، الديمقراطيّة والحواريّة ، السياسيّة والفكريّة والإعلاميّة، على تعميم في مختلف هيئات شعبنا اللبنانيّ وفئاته ومناطقه ، وتطوير مفهوم " المقاومة " واتخاذه شعاراً لنا وصياغته كما يلي : " كلنا مقاومة "، لمواجهة غزو العدو الإسرائيليّ واعتداءاته الهمجيّة ، في كلّ زمان ومكان . ذلك أنّه ، كما برهنت التجربة المرّة ، هو الخطر الداهم ، في الماضي والحاضر والمستقبل ، لوحدة شعبنا واستقلاله وسيادته . فمفهوم المقاومة ، في الحقيقة والواقع ، قد يتخذ ، بل وهو يتخذ ، مضامين وأشكالاً متنوّعة وعديدة . فإلى جانب المقاومة العسكريّة ، وهي أعلى أشكال المقاومة ، ثمّة مقاومة في السلوك والمفاهيم وهي لا تقل أهميّة عن الأولى ، بل وضرورة لها ، وهى المقاومة المدنيّة ، المقاومة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة والفكريّة والأدبيّة والتربويّة ، وهي المقاومة الشاملة الكليّة التي تتمّ وتتحقّق على مستويات مختلفة في السلوك والوجدان والعلاقات الاجتماعيّة ، وعن طريق الكتابة والتربية والتعليم والأدب والشعر والفنون . بكلمة مختصرة ، تلك المقاومة " المعترِضَة "، الناقدة التي تعمل من أجل إعادة بناء الإنسان ونُظمنا السياسيّة والاجتماعيّة والتربويّة والثقافيّة على أسس سليمة وحديثة ومتطورة .
الحالة الوطنيّة العامة :
12 ) وإنّ هذه الحالة من الوحدة الوطنيّة التي ظهرت ، ولربما أكثر وضوحاً وصراحة من أيّ وقت مضى في لبنان ، في مواجهة البربريّة العسكريّة الإسرائيليّة ضدّ شعبنا وأهلنا في الجنوب والبقاع الغربيّ ، هي حالة وطنيّة عامة ، شاملة ، تعبّر في أعماقها عن وجداننا وكياننا ووجودنا ومصيرنا الواحد . والسؤال المطروح علينا جميعاً وفي هذا الظرف الراهن بالذات ، مثقّفين وهيئات ثقافيّة ومواطنين ديمقراطيين ، هو كيف يمكن الاستفادة من هذه الحالة الوطنيّة الوحدويّة وتعميمها واستمراريتها ؟!...
13 ) ولقد ظهر أنّ من أهداف إسرائيل الآنيّة والبعيدة هو بالفعل والممارسة ، تهديم حيويّة هذه الطاقات والإمكانات الكبيرة التي يتمتّع بها شعبنا في لبنان ، ثقافياً وحضارياً وعلمياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، وتفتيتها بكلّ الوسائل ، ومنع لبنان من أن يُطلق نموذجه السياسيّ والوطنيّ والحضاريّ ، وهو نموذج مفارق للكيان الصهيونيّ ونقيضه ومعارضٍ له ... نموذج لبنان الوطنيّ الديمقراطيّ الوحدويّ إنّما هو اختراق للوجود الصهيونيّ التوراتيّ المتقوقع على ذاته وفضحه وإنهائه...
دور المثقّف الجذريّ :
14 ) من هنا ، يأتي دور المثقّف ، المثقّف الحقيقيّ ، " المثقّف الجذريّ "، المثقّف الذي يمكنه هو وحده أن يبلور أبعاد هذه المعركة وعمقها، ويوضّح أسسها ومضامينها ومنطلقاتها المبدئيّة.
ومن هنا أيضاً يأتي دور المؤسّسات الثقافيّة والاجتماعيّة والأهليّة في هذه المحنة المستجدّة، لمواجهة الاعتداءات الإسرائيليّة البربريّة ، وفي سبيل تقوية المجتمع المدنيّ وتوحيد الجهود والطاقات الثقافيّة وتعميم الوعي الديمقراطيّ المشترك حتى يكون عاملاً من عوامل المقاومة في هذه المعركة التي يخوضها العدو الصهيونيّ على الأرض ضدّنا ، بكلّ قواه العسكريّة والسياسيّة وعلاقاته الدوليّة.
15 ) لذلك من الأهميّة الآن العمل بكلّ الإمكانات المتوافرة لدينا ، الماديّة والمعنويّة ، من أجل أن تتوحّد جهود الهيئات الثقافيّة ، ونحن منها ، والمؤسّسات الاجتماعيّة والأهليّة في لبنان ، وأن تنشط بفاعليّة أكبر وأشمل وأكمل ، وأن تكون فعلاً وقولاً على مستوى المعركة ، وصمود شعبنا ، ومستوى الأحداث المؤلمة نتيجة الاجتياح الإسرائيليّ وعدوانه الذي تواجهه جماهيرنا بعزم وصلابة وقوّة ... فلا تردد أو تقاعس أو لا مبالاة ، عندما يكون الأمر في مواجهة معركة من معاركنا الوطنيّة والمصيريّة .
16 ) وإنّ ما جرى وما يجري على الأرض من تكاتف وتضامن وتعاطف ، قد دلّ من خلال الممارسة على عظمة شعبنا الكبير وصلابته وتلاحمه وتعاضده وتعاطفه في الملمات ووقوفه كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً .
17 ) من هنا ، مسؤوليتنا الكبرى والتاريخيّة ، في دعم صمود شعبنا ومشاركته في تصميمه القوي والعنيد لمواجهة التحدّي الإسرائيليّ الاستيطانيّ العنصريّ ، والاعتداءات العسكريّة الإسرائيليّة الوحشيّة التي هي خرق لبسط مبادئ حقوق الإنسان والأعراف الدوليّة ...
18 ) وهنا أيضاً وأيضاً يُطرح علينا السؤال بإلحاح حول دورنا ، ودور كلّ واحدٍ منّا ، كمثقّفين وكهيئات ثقافيّة ، كلّ في موقعه ومجال عمله : فكلنا مسؤولون . وكلّ مواطن مسؤول ، مسؤوليّة تاريخيّة ، حضاريّة ، وطنيّة ، فلا مجال للتردّد أو للاستقالة أو للتراجع . وعلى كلّ واحد منّا ، مثقّفين وهيئات ثقافيّة ، أن يتحمل بوعي وإدراك وإرادة مسؤوليته التاريخيّة والاجتماعيّة . ذلك أنّ ما يمكن أن يقوم به المثقّف وما يفعله في هذا الظرف هو أن يقدّم جهداً لا غنىً عنه في الفعل المؤثّر على مستوى المواجهة الفكريّة والسياسيّة ، وأن يبلور الدور المميّز والضروريّ للمثقّفين الديمقراطيين الملتزمين وبالتالي لهذه الهيئات الثقافيّة ...
19 ) وفي هذا السياق ذاته ، لا بدّ من العمل على أن يترافق ويتكامل في كلّ حركة سياسيّة أو تيار ثقافيّ عام ، جديّ وفاعل ، مستويان متلازمان من العمل :
1 ـ مستوى مبدئيّ ، فكريّ ونظريّ .
2 ـ مستوى عمليّ ، ميدانيّ ، علائقيّ .
ودور الهيئات الثقافيّة والمؤسّسات الأهليّة يتحدّد هنا ممارسةً في أن تجتمع وتتخذ خطوات عمليّة وتصدر عن مواقف ميدانيّة محدّدة مرحلياً ، وأن تتبنّى في عملها سياسة اجتماعيّة ، وطنيّة ، تربويّة ، ثقافيّة ، واضحة المعالم والأهداف من أجل المشاركة في تنفيذها .
ويدخل في هذا الجانب أيضاً أهميّة التنظيم ومنهجيّة العمل والإعداد لترجمة الفكر ونقله من حيّز النظر المبدئيّ ، إلى عمل تغييريّ وممارسة في اتجاه الإصلاح ، الإصلاح الاجتماعيّ العام. كلّ ذلك حتى يكون لفكر المثقّف في نهاية التحليل معناه العمليّ في حياة الإنسان والمواطن .
20 ) وإذا لم يقم المثقّف في مراحل تاريخيّة معيّنة ، بدوره الفكريّ الخلاّق في البحث والوعي التكامليّ للمشاكل المطروحة على النحو الكافي ، فإنّه لا يكون والحالة هذه خارج المسؤوليّة، بل هو في صميمها ، مسؤوليّة ما يحصل في المجتمع من أزمات أو خيبات . ذلك أنّ فهم الأحداث التاريخيّة واستيعابها وتطوّر المجتمع وتقدّمه ، إنّما يدخل في نطاق مسؤولية عمل المثقّف ، فعلاً لا قولاً ، ويدخل بالتالي في نطاق مشاركته في إقامة وتوضيح وتعميم تلك البنية الاجتماعيّة والفكريّة الخلاّقة التي تشكل صورة متقدّمة من أشكال المقاومة في مجتمعنا .
* * *
مَـن نحـن ؟
مَن هو اللقاء الثقافيّ الوطنيّ ؟
وهنا نصل إلى طرح ، أو إعادة طرح ، السؤال بطريقة أكثر تحديداً : مَن نحن ؟... وماذا نريد ؟... وكيف يمكن ، في ظروفنا الراهنة ، أن نحقّق ما نريده نظرياً وفكرياً ، وفي الممارسة العمليّة ؟... وإنّنا سنحاول أن نجيب عنه بأسلوب مكثّف ، مبدئيّ ، فنقول :
اللقاء : هو تجمّع ، تكتل ، تيار ، يضمّ ، كما قلنا أعلاه ، هيئات ثقافيّة واجتماعيّة وأهليّة وإنسانيّة ، وشخصيات ثقافيّة مستقلة ، تلتقي مرحلياً أو استراتيجياً حول أهداف ومبادئ ، تعمل فيما بينها بطريقة جماعية ، ديمقراطيّة ، حواريّة ، مستقلة من أجل ترجمة هذه المبادئ والأهداف النظريّة في الممارسة والمشاركة العمليّة . واللقاء مستقل استقلالاً كلياً في الفكر والممارسة العمليّة وهو يرفض الخضوع أو الضعف أمام أيّ إغراء أو أيّ اختراق سياسيّ أو تغليب المصلحة الخاصة أو الآنيّة على المصلحة العامة العليا .
الثقافة : الثقافة في مفهومنا السريع والمختصر هي حركة الفكر ومنهجيّة في الأسلوب والعمل والسلوك ، تصدر عن الواقع ، الواقع الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ ، وتعود إليه وتتفاعل معه ، وتتأثّر به وتؤثر فيه ، من أجل فهمه واستيعابه ووعيه في أبعاده وعمقه ، والمساهمة في عمليّة تغييره نحو الأفضل ولمصلحة الإنسان . فللثقافة ، بهذا المعنى ، دورٌ ودور اساسيّ لا غنى عنه في حركة التغيير الاجتماعيّ والتاريخيّ والحضاريّ ، وفي أيّ عمليّة تغيير واعية وهادفة ولمصلحة الإنسان ، كلّ إنسان وكلّ الإنسان .
المثقّف : في هذا المفهوم الخاص ، هو المثقّف الملتزم ، الناقد ، الاعتراضيّ ، الوطنيّ ، الديمقراطيّ الحقيقيّ. هو أداة الثقافة ووسيلتها من أجل نقل الأفكار والمبادئ النظريّة إلى حيّز الممارسة والتنفيذ العمليّ . وهو بالتالي أداة هذا التغيير الاجتماعيّ والتاريخيّ ، أقلّه على الصعيد الفكريّ والتصوّر العقليّ ، والتأمل النظريّ والطموح المستقبليّ .
إنّ دور المثقّف بهذا المعنى هو أن يعي ظروف المجتمع في حركته التاريخيّة من الماضي إلى المستقبل ، انطلاقاً من لحظة الحاضر . بمعنى أن ينطلق من الواقع الذي يعيش فيه ، وهو جزء منه ، بكلّ تعقيدات هذا الواقع الاجتماعيّ وقضاياه المتنوّعة . وأن يلتزم التزاماً فكرياً وسلوكياً بقضايا الشعب والمجتمع ، وأن يقدّم بالتالي وعياً متكاملاً للمرحلة التاريخيّة التي يمر بها . ومن ثمّ أن يعمم هذا الوعي بصورة تكامليّة ورؤية مستقبليّة ، قولاً وكتابة وممارسة . فهو بهذا المفهوم عاملٌ أساس من عوامل التغيير وعنصر طليعيّ في عمليّة التطوير الاجتماعيّ والتقدّم الحضاريّ . فهو بكلمة شاهدٌ عصره ، شاهدُ حقّ وصدقٍ ، لا شاهدَ زورٍ وبهتان . فهو ضمير الشعب في أعماقه وروحه ، وفي طموحاته وآماله . وهو إذن الناطق الحقيقيّ باسمه في مراحله التاريخيّة والاجتماعيّة.
الوطنيّ : وهو مفهوم يعني هنا فيما يعنيه ، هذا الشعور العام ، الوجدانيّ ، والنفسيّ ، والثقافيّ الذي يربط المواطن ـ الإنسان بأرضه ومجتمعه ، ويدافع بالرأي أو الممارسة أو بكليهما عن مصالح البلد الذي ينتمي إليه ، مصالحه الحقيقيّة ومصالح الفئات الاجتماعيّة العريضة والواسعة التي ينتمي إليها ، متجاوزاً في ذلك كله ، في فكره وعمله وسلوكه ، أيّ فروقات طائفيّة أو مذهبيّة أو مناطقيّة . والنظر إلى الإنسان ـ المواطن بكليته ، والانطلاق منه في تحقيق حقوقه المواطنيّة وواجباته القانونيّة والإنسانيّة .
فضمن هذه الرؤية الشموليّة والواقعيّة لدور الثقافة والمثقّف ، وكما نفهمه ، يتحدّد لنا عمل ونشاط وطموحات اللقاء الثقافي الوطنيّ الديمقراطيّ ونشاطاته وطموحاته المستقبليّة .
* * *
مـاذا نـريـد ؟
الأهداف والغايات :
إنّ الأهميّة ، الأهميّة القصوى الآن، ولربما أكثر من أيّ وقت مضى ، هي العمل الدؤوب، المخطّط ، المدروس والمتواصل من أجل تنشيط جميع القوى الوطنيّة والتيارات الثقافيّة الديمقراطيّة ، عَبْر مؤسّساتها المتنوّعة .. وإنّ الهدف من وراء ذلك وانطلاقاً منه ، إنّما هو بلورة تيار وطنيّ ديمقراطيّ في المنطقة .
لهذا، وتحقيقاً لكلّ ما تقدّم ، نرى من الأهميّة الكبرى والأساسيّة الآن، وفي مرحلة التأسيس والتكوين تحديداً ، أن تعتمد الدعوة إلى قيام " اللقاء الثقافيّ الوطنيّ " أكثر ما تعتمد على وَحدة ، أو توافق وانسجام كليّ وديمقراطيّ في المنطلقات السياسيّة والمواقف الوطنيّة والمفاهيم المبدئيّة والنظريّة، والثقافيّة والديمقراطيّة العامة ، وهي مفاهيم ومنطلقات تصبّ في منحى الجهد المنظّم ، الواعي ، الديمقراطيّ المتواصل .. ولا يمكن أن يتمّ ذلك في ظروفنا الراهنة ، إلاّ عن طريق :
1 ـ حشد الكفاءات الوطنيّة والقوى الديمقراطيّة والمؤسّسات الثقافيّة والعلميّة والإمكانات الفكريّة وتعاونها والتنسيق في ما بينها ، ولا سيّما تلك التي تلتقي معنا ، مع برنامج عملنا النظريّ والعمليّ ، في طروحاتها السياسيّة العامة وفي توجهاتها الوطنيّة والديمقراطيّة في هذه المرحلة بالذات ، كلّ ذلك من أجل :
* إقامة أسس الوفاق الوطنيّ الثابت والحوار الديمقراطيّ المتواصل .
* إرساء قواعد ثابتة للانصهار الوطنيّ ، بغية تحقيق وحدة وطنيّة مجتمعيّة حقيقيّة.
* إقامة أسس النظام السياسيّ الديمقراطيّ البرلمانيّ العادل ، السيّد ، المستقلّ ، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وتطبيق مبادئ شرعة حقوق الإنسان دون تفريق أو تمييز من أيّ كان وبأيّ شكل من الأشكال .
2 ـ العمل بكلّ الوسائل والإمكانات عن طريق الفكر والممارسة العمليّة في سبيل :
* مواجهة الاعتداءات الإسرائيليّة البربريّة العنصريّة وفضح مخطّطاتها التوسعيّة ، على مختلف الصعد والمستويات في لبنان والوطن العربيّ .
*مواجهة عمليات التطبيع ومفاوضات الاستسلام والغزو الثقافيّ والحضاريّ والسياسيّ.
* مواجهة مشاريع الخضوع والسيطرة الاقتصاديّة والسياسيّة والحضاريّة والثقافيّة تحت أسماء الفيدراليات أو مشاريع الأحلاف العسكريّة أو الاقتصاديّة أو السياسيّة أو مشاريع الشرق أوسطيّة القديمة أو الجديدة .
3 ـ تعميق الوعي وتعميمه، الوعي الفكريّ والثقافيّ ـ الحضاريّ، والسياسيّ ـ الوطنيّ، بالمبادئ ـ الثوابت الواردة في مقدّمة الدستور اللبنانيّ المعدّل 1990 وتطويرها وتعميقها وتجاوزها لاحقاّ .(2) وفي المنحى ذاته ونتيجة لذلك ، تنمية الشعور الحقيقيّ بالانتماء إلى تاريخ واحد ، وثقافة واحدة ، وإلى وطن واحد ومصير واحد ، دون تمييز أو تفريق على أساس من دين أو طائفة أو منطقة .
4 ـ العمل عن طريق الفكر والثقافة والبحث الاجتماعيّ والمنهج العلميّ ، على الإسهام في عمليّة الإنماء الشامل المتكامل للمجتمع ، ضمن رؤية مستقبليّة .
5 ـ التعبير العلميّ عن حاجات المجتمع ، بالكلمة والرأي والنقد والموقف الصريح والواضح ، في سبيل تحقيق عدالة اجتماعيّة غايتها الإنسان .
6 ـ الانفتاح على جميع الطاقات الوطنيّة والقوى الديمقراطيّة والإمكانات الفكريّة والعلميّة والهيئات الثقافيّة والأهليّة والإنسانيّة الهادفة التي نحن جزء منها وهي تلتقي معنا في الأهداف والمبادئ والسياسة العامة والإفادة منها والتعاون معها دون انغلاق أو إحجام ، سواء كان ذلك على المستوى الجماعيّ المؤسّساتيّ أو على الصعيد الفرديّ .
7 ـ العمل بكلّ جدّية وديمقراطيّة على توحيد نشاطات الهيئات الثقافيّة والأهليّة والإنسانيّة المستقلة وغير المرتهنة لأيّ قوة سياسيّة ، من أجل بلورة الوعي الوطنيّ الحرّ وبناء المجتمع الديمقراطيّ المستقل في لبنان .
8 ـ وضع برنامج عمل متكامل، واقعيّ ومتنوّع ، يطال مختلف فئات الشعب الاجتماعيّة، على أن يكون ذلك برؤية واقعيّة مجتمعيّة ، مستمرة ومتواصلة ، وفي مختلف المراحل الزمنيّة المعيّنة ... ذلك أنّ المستوى الذي ينبغي أن ينطلق منها برنامج العمل هذا ، هو المستوى الواقعيّ المحليّ والواقعيّ الجنوبيّ واللبنانيّ والواقع الإقليميّ العربيّ والدوليّ.
9 ـ تحقيق الديمقراطيّة ، بمعناها الحقيقيّ ، قولاً وفعلاً ، في الفكر والممارسة، والمشاركة والعمل الجماعيّ في علاقات " اللقاء الثقافيّ الوطنيّ " التنظيميّة الداخليّة بين أعضائه وهيئاته المختلفة ، وعلاقاته الخارجيّة مع مختلف الهيئات الثقافيّة ومؤسّسات المجتمع الأهليّ والقوى الوطنيّة والسياسيّة التي تلتقي في أهدافها ومبادئها وسلوكها مع توجهاتنا.
* * *
مناهج العمل :
إنّ شخصيّة اللقاء الثقافيّ الوطنيّ، هي شخصيّة ، وطنيّة ، ديمقراطيّة ، حواريّة ، مستقلة، تهدف إلى تأسيس تيار ثقافيّ ديمقراطيّ وطنيّ له هُويته السياسيّة ومبادئه الأساسيّة ومنطلقاته الوطنيّة المستقلة ، وبرنامجه الاعتراضيّ والنقديّ والتغييريّ ، على الصعيد النظريّ المنهجيّ والممارسة العمليّة .
وهو يعتمد من أجل تحقيق أهدافه وغاياته ومبادئه ، الأسلوب الديمقراطيّ والحوار الفكريّ والعلميّ ، منهجاً وسلوكاً ، وذلك عن طريق :
1 ـ إقامة المحاضرات واللقاءات والندوات والمؤتمرات من أجل طرح قضايا المجتمع ، في الداخل وفي الخارج وعلى مختلف المستويات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والوطنيّة والثقافيّة والتربويّة ، ومناقشتها باعتماد الحريّة الفكريّة ، والحوار الديمقراطيّ البناء وحريّة الرأي وحقّ الانتخاب .
2 ـ العمل على نشر الدراسات والنشرات والبحوث النظريّة والعمليّة الواقعيّة المتعلقة بشؤون المجتمع وقضاياه الاجتماعيّة والفكريّة والثقافيّة والوطنيّة العامة وتعميمها في القول والممارسة عن طريق الكتابة والإعلام المرئيّ والمسموع والمقروء ، وذلك لبلورة أهداف " اللقاء الثقافيّ الوطنيّ " ونشرها على نطاق واسع .
_______________________
1) إنّ هذه الأفكار والمبادئ النظريّة والمواقف الوطنيّة العامة ، مطروحة علينا جميعاً للنقاش والحوار والبحث الديمقراطيّ الواسع ، الجديّ والعلميّ ، من أجل توضيحها وتفصيلها وتطويرها ، ومحاولة تنفيذها من خلال التنظيم ، والممارسة العمليّة والإعداد المنهجيّ .
2 ) الباب الأول : أحكام سياسيّة ، مقدّمة الدستور ( تعديل 1990 )
أ ـ لبنان وطن سيد حر مستقل ، وطن نهائيّ لجميع أبنائه ، واحداً أرضاً وشعباً ومؤسّسات في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دولياً .
ب ـ لبنان عربيّ الهُويّة والانتماء ، وهو عضو مؤسّس وعامل في جامعة الدول العربيّة وملتزم مواثيقها ، كما هو عضو مؤسّس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلام العالميّ لحقوق الإنسان . وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء .
ج ـ لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة ، تقوم على احترام الحريّات العامة ، وفي طليعتها حريّة الرأي والمعتقد ، وعلى العدالة الاجتماعيّة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل .
د ـ الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عَبْر المؤسّسات الديتوريّة .
هـ ـ النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها .
و ـ النظام الاقتصاديّ حرّ يكفل المبادرة الفرديّة والملكيّة الخاصة .
ز ـ الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسيّ من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام .
ح ـ إلغاء الطائفيّة السياسيّة هدف وطنيّ أساسيّ يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطّة مرحليّة .
ط ـ أرض لبنان أرض واحدة لكلّ اللبنانيين . فلكلّ لبنانيّ الحقّ في الإقامة على أيّ جزء منها والتمتّع به في ظلّ سيادة القانون ، فلا فرز للشعب على أساس أيّ انتماء كان . ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين .
ي ـ لا شرعيّة ليّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك .