أحمد كمال أبو المجد يواصل حديثه للمسلماني : الحكم في مصر ظاهرة غريبة .. وأحيانًا كثيرة لا نختار حكامنا
أحمد كمال أبو المجد يواصل حديثه للمسلماني : الحكم في مصر ظاهرة غريبة .. وأحيانًا كثيرة لا نختار حكامنا
السبت 1 اغسطس 2009 2:04 م بتوقيت القاهرة
إعداد – خالد موسى -
واصل الدكتور أحمد كمال أبوالمجد الكشف عن جوانب من سيرته فى الحلقة الثانية من حواره مع الكاتب الصحفى أحمد المسلمانى، فى برنامج الطبعة الأولى بقناة دريم الفضائية.
وقال أبوالمجد إنه لم تكن هناك علاقة مباشرة ربطته بالرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، لكن علاقة إنسانية جمعته بالرئيس السابق محمد أنور السادات، انتهت بتعيينه وزيرا.
وتحدث أبوالمجد عن حرب الاستنزاف وشخصية جمال عبدالناصر، وتقشف عزيز صدقى، وعن اغتيال السادات وكيف كان مشهد القتل عبثيا مشيرا إلى أن فكرة القتل غريبة عن طبيعة الشعب المصرى.
وإلى تفاصيل الحوار الذى بثته القناة ليلة أمس الأول الخميس:
المسلمانى: كنا قد تحدثنا فى السياق السابق عن الطريق إلى ثورة 23 يوليو ثم توقفنا فى الطريق إلى 1956 و67 وكاريزما جمال عبدالناصر أو عصر جمال عبدالناصر؟
أحمد كمال أبوالمجد: فى مصر الحكم عندنا ظاهرة غريبة شوية ومعقدة ففى أحيان كثيرة نحن لا نختار حكامنا لكن من هنا يغدو تحليل منطلقاتهم الفكرية والسياسية أمرا بالغ الأهمية، فافرض أنك لم تختر الحركة مثل الثورة ويأتى بعدها عبدالناصر، أو بالاستخلاف مثل السادات، وكما جاء الرئيس حسنى مبارك، فإنه يظل من الضرورى أن تتفهم تكوينهم ومنطلقاتهم وأسلوبهم وليس من أجل المعرفة فقط ولكن من أجل أن يؤدى الناس واجبهم نحوهم، فلنفرض أن هناك رئيس جمهورية جاء له كاريزما عالية جدا لكن ليست لديه قدرات قيادية أو إدارية، إذن فالمهم أن يضم جهاز الدولة الذى حمل المسئولية يضم من حوله عناصر تتمه وتكمله.
كان لدى جمال عبدالناصر منطلقات أعتقد أننا يجب أن نحسبها له وكان شديد الحرص على تحريك الاستقلال الوطنى بشكل واضح وكانت هذه أحد المحاور الرئيسية فى شخصيته، فتراها فى موقفه من قناة السويس وفى موقفه من أمريكا وموقفه من السد العالى وانتقاله من طلب المعونة من الاتحاد السوفيتى مرة بعد أمريكا إلى آخره وكان نظيف اليد. لكن إيمانه بالديمقراطية فى رأيى كان إيمانا مشوبا بفكرة القيادة الملهمة التى ينبغى أن يفوض الناس لها عامة، وهذا يبقى عادة منتشرا فى الناس الذين لديهم كاريزما»، وأنا حريص على المصلحة العامة وعلى هؤلاء الناس فدعونى أعمل» فيترتب على ذلك بعض النتائج السلبية لأن قضية الحرية الشخصية لا تأخذ مداها وحتى عندما تقابل تنظيما يبدو ديمقراطيا تسوده فكرة الاحتواء فإذا خرج منه صوت معارض يعملون على احتوائه وتحجيمه، وهذا له آثار سيئة على المدى البعيد.
وأنا أظن أن ما حدث فى حرب 67 كان قمة تراكم الآثار السلبية بما فيها خداع النفس حول قوتك الحقيقية مقارنة بقوة الآخر أو كفاءة الأداء مقارنة بحجم التحديات وللتوقعات العالية جدا.. وأننا القوة السادسة فى العالم عسكريا ويقول شمس بدران إن الروس معنا وضحكنا كلنا كتنظيم سياسى فهم معنا إلى أى مدى؟ فهذه دول لها أجهزة استخبارات وأهداف استراتيجية كبيرة جدا لا تعامل من منطق واحد مثل شمس بدران عندما قال الاتحاد السوفيتى معنا، وأنا استعملت هذه العبارة قبيل حرب 73 وأخذ على نفس الرأى وانتقدت من الرئيس فقلت له يا ريس كان آخر عهدنا وآخر ذكرياتنا حرب 67 وشفنا قلنا إيه وحصل إيه.
ولما دارت حرب 67 لم أكن فى مصر كنت فى واشنطن مستشارا ثقافيا وكان لنا فى أمريكا وكندا ألف مبعوث، وجاءت لنا مئات المكالمات الهاتفية وأذكر كبار علمائنا المصريين الدكتور محمد عبدالهادى رحمه الله كان يدرس الاستشعار عن بعد remote sensing وكان يحضر لدرجة علمية أعلى من الدكتوراه حدثنى وظل يبكى عشر دقائق على التليفون فقلت له أتدفع 200 دولار عشان تبكى فترى هنا كيف كان شكل الانكسار. ونحن عرفنا من اللحظة الأولى وجاءنى أحد المبعوثين كان الدكتور صلاح شحاتة فجاء لى حاملا راديو قائلا حدث إمبارح كذا وتسمع الراديو المصرى يقول: أوقعنا كذا طائرة وكان الدكتور صلاح هو أخ للمهندس إبراهيم شحاتة وجلسنا نستمع للانتصارات المصرية إلا أننا فوجئنا بعد انكشاف الأمر لحقيقته حدث انكسار نفسانى لكل مصرى لدرجة أننى أذكر أن مسئول الحسابات فى المكتب الثقافى قال لى أنا مكسوف أن أقابل أى أحد، وكان من الشخصيات الموجود هناك الدكتور عبدالعزيز سيد والذى كان وزيرا للتعليم العالى والدكتور محمد أحمد سليمان والذى كان أمينا عاما للمجلس الأعلى للجماعات ووالد الدكتور أسامة سليمان أستاذ الأورام وأحمد سليمان وقد رجعا لمصر ولم يستطيعا التحمل بعد أن كنت رافعا رأسى للسماء وأتكبر، وهذا كان شعورا بالعار وبالهزيمة غير المفهومة.
أنا أذكر قبل المعركة بحوالى ثلاثة أسابيع كنت معزوما على العشاء من الملحق المصرى وكان اسمه صلاح أيوب من دفعة شمس بدران وكان موجودا الملحق العسكرى السورى والملحق العسكرى العراقى «وتخانقوا» فالملحق العسكرى المصرى يقول نحن قادرون على خوض المعركة وحدنا.. والملحق السورى يتحدث عن الأشاوس السوريين الذىن يستطيعوا حسم المعركة.. والعراقى يقول المغاوير يستطيعون أيضا الدخول، وعند قيام المعركة لم نر الأشاوس ولا المغاوير ورأينا هناك ما لم يره المصريون فى ذلك الوقت.
وأذكر أنى جاءنى جوفان كشيشيان والذى كان مندوبا للأهرام فى نيويورك وقال أنا لدى فيلم مزعج لكن المهم أن نراه عن استسلام مجموعة كبيرة من الجنود المصريين فوافقته.. وقلت له نشتريه وحصلنا عليه بطريقة ما بـ600 دولار. وعرضناه فبكينا لأنه كان فيه جنود ملقون على الأرض حوالى مائة مصرى بالملابس الداخلية وواضعين أيديهم على رءوسهم وكان جنديان إسرائيليان يحملان أسلحة فى وجوههم، ففعلا بكينا وكان الذى يعلق على هذا الفيلم جنرال أمريكى يدعى مارشال، وكان يقول إن الغريب أن هؤلاء الجنود كان بين أيديهم أسلحة كثيرة كانوا يقدرون بها على المقاومة لكن لم يقاوموا، وأن قطع الاتصال بين مجموعة لا تعلم الحرب انتهت أم لا واتصالها بالقيادة انقطع ــ هو التصرف الطبيعى وهذه كانت مأساة بكل المعايير.
وهذه كانت بداية تراجع تدريجى على الرغم من حرب الاستنزاف وهناك بطولات لا يمكن إنكارها أو الإقلال من شأنها إنما أنا كنت أسمع مرارا من حسين الشافعى عليه رحمة الله يقول لى الرئيس عبدالناصر مات فى 67 وقاوم الموت بحلاوة الروح والأمل فى الفترة من 67 إلى وفاته وأنه قد أنشأ صورة لمصر هائلة فى العالم العربى وفى الغرب، ففى العالم العربى شعبية هائلة وفى الغرب كراهية شديدة له ولمصر التى يحكمها، فالصورة هكذا.
المسلمانى: هناك سؤالان قبل حرب 67: هل كانت الهزيمة فى حرب اليمن سببا فى الهزيمة المروعة بهذا الشكل؟ والسؤال الثانى عن علاقة الرئيس عبدالناصر بحزب البعث أو الوحدة مع سوريا.
أحمد كمال أبوالمجد : أنا لست رجلا عسكريا ولا أستطيع تحديد نسبة مئوية ولو تقريبية لمسئولية حرب اليمن لكن هى أسهمت.. لكن الأسباب فى الحقيقة فى هزيمة 67 ترجع لتفكك فى القيادة وعدم الجدية فى بعض المواقع وإلى تأثير العلاقات الشخصية بين الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر عليهما رحمة الله على جدية الإعداد العسكرى وشكلت لجنة بقيادة اللواء حسن البدرى ولم تكمل عملها لأسباب لا نعرفها.
المسلمانى: من الناحية الفكرية فالرئيس جمال عبدالناصر إلى سنة 58 كانت هناك درجة من العقلانية والواقعية فى اتخاذ القرار وصياغة السياسية المصرية، والبعض يرجع علاقته بالبعثيين وبالمزايدات البعثية فى المرحلة هذه إلى أنه أصبح بعثيا هو الآخر وأن هذه المزايدات هى التى أدت لـ67.. هل تعتقد أنها السبب؟
أحمد كمال أبوالمجد : أعتقد أنها كنت عنصرا فعالا لأن علاقة عبدالناصر بالبعث لم تكن قوية وكان مستفزا من حزب البعث طول الوقت وكان حزب البعث يبرر الاستفزاز، فأنا أذكر عندما كنت وزير الإعلام أننى كنت أقابل عند وزير التعليم وهو الدكتور أحمد حافظ رحمة الله عليه بعض الوفود السورية التى يعرفها كانوا يطلبون منحا لناس غير حزب البعث.. وكان حزبا غريب التكوين وغلبت عليه النظريات وسخر منه الرئيس عبدالناصر فى بعض حديثه عن ميشيل عفلق إلى آخره.
هى أحزاب لا أحبها وأنا حضرت حوارات ومناقشات وأنا وزير إعلام وأنا وزير شباب أيضا مع بعض ممثلى حزب البعث ولديهم قدرة هائلة على الكلام، وأنا كنت دعوت وفدا صغيرا منهم على الغداء بيخت فى المعادى وبدأ يتحدث أحدهم كثيرا دون توقف فقاطعته قائلا: الغداء سيفوتنا فقال لى يكفى اليوم وغدا.
المسلمانى: بالعودة للسياق والمتصل بحرب 67 وحرب الاستنزاف؟
أحمد كمال أبوالمجد : حرب الاستنزاف كانت نقطة مشرقة وصحوة مبهرة تعبر عن الإصرار والرغبة فى الانتقام مما أصابنا كمصريين من ظلم ومذلة فى حرب 67 وكان هذا الإنجاز الإيجابى الكبير للرئيس عبدالناصر وبعد حرب 67 والتنحى، وأنا لا أعلم ظروف التنحى ومدى الجدية فيها.
المسلمانى: حضرتك لا تريد الحكم على خطاب عبدالناصر إذا كان جادا فى التنحى عن الحكم أم لا؟
أحمد كمال أبوالمجد: لا أستطيع الحكم ولعل الأستاذ هيكل هو شاهد على هذا الأمر، إنما الناس كانوا يبحثون عن المخلص وكان هو المخلص الوحيد المعروف لهم فكان رد الفعل طبيعى برفض التنحى وتخرج المظاهرات وهذا أنقذ سمعة الرئاسة وسمعة عبدالناصر الرجل، فمن حقه أن يقول فى التاريخ بما أنجزه لكن أن يدفع ثمنا معقولا فيكون قد عجز عن إنجازه وأنا أرى أن العجز كان فى تكوين الشخصية المصرية ولهذا أنا أكره مثل مصطلحات الاحتواء وهى كلمة شريرة خبيثة تريد أن تجوف العمل من مضمونه.
المسلمانى: وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، أين كنت وكيف استقبلت الخبر فى 28 سبتمبر 1970؟
أحمد كمال أبوالمجد: كنت فى مصر وحضرت الجنازة وكان هناك زحام شديد جدا وكان الإحساس بالخسارة والضياع وحزن شخصى بفقدانك المظلة التى تستظل بها.
المسلمانى: وفاة عبدالناصر وبداية عصر جديد بتولى السادات رئاسة الجمهورية، فمن هو السادات قبل توليه الرئاسة؟
أحمد كمال أبوالمجد: أولا أنا لم تكن لى علاقة بجمال عبدالناصر فقد تصادف يوما أن جاء لزيارة معسكر الشباب بحلوان.. كنت مريضا ولم أذهب ولم تكن هناك علاقة مباشرة، لكن الرئيس السادات كنت أحس نحوه بصلة خاصة، خصوصا أننى قابلته مرتين أولاهما كانت فى المنزل الذى كنا نجتمع فيه قبل الثورة والمرة الثانية قابلته فى المؤتمر الإسلامى ولما قال لى سكرتيره الخاص فوزى عبدالحافظ عليه رحمة الله وهو زوج خالتى الصغرى، إن الرئيس السادات يود سماع تجربتك، زرته بمقر المؤتمر الإسلامى بالزمالك وجلسنا فى بلكونة وتبسطنا جدا فى الحديث واستمع إلى وتحدثت معه عن أوضاع المسلمين والجزائريين بالخارج والمعاملة الفرنسية لهم، فلما أصبح رئيسا كانت بينى وبينه صلة إنسانية.
وقد دعيت لتولى الوزارة وأنا فى واشنطن وكانت هناك سلاسة من المسئولين لتزكيتى عند الرئيس السادات، الدكتور عبدالقادر حاتم والدكتور عبدالعزيز صدقى وأظن الأستاذ محمد حسنين هيكل إذا كان ظنى لم يخذلنى وكان أخو الأستاذ هيكل الأستاذ فوزى هيكل رجلا محترما ووطنيا وإنسانا فاضلا بكل معانى الكلمة ومن الناس الأقوياء جدا، وأذكر أنه قام من وراء ظهرى بإعطاء دروس لابنى أيمن وهو فى واشنطن.
فالمهم وأنا بواشنطن فوجئت بمكالمة تليفونية من رجل يعمل بالمخابرات الحربية الأمريكية كان يتردد على المكتب الثقافى وكان مغرما بالحضارة الفرعونية وكان يأخذ منا كتبا وصورا وأفلاما عن تاريخ مصر الفرعونية فتعرفت عليه وكان يدعى جوى حبيب وهو من أصول لبنانية.. المهم أنه بينما كنت أقرأ للتحضير والترقية من أستاذ مساعد لأستاذ بجامعة جورج واشنطن فوجئت بإبلاغى باتصاله وأنه يجب أن أتصل به فورا فعندما اتصلت به هنأنى فهناك تنظيم جديد بمصر حزب يسمى بحزب الاتحاد الاشتراكى وشكلوا لجنة تنفيذية وأنا عضو فيها والمتولى هذا التنظيم شخص يدعى عزيز صدقى.
وفى اليوم التالى اتصلت بالسفارة للتأكد فلم أجد لديهم أية أخبار، وبعد ذلك قابلت كشيشان وقلت له ما حدث وأنى اتصلت بالسفارة ولم أجد شيئا، فقال لى إنه يحدث محمد حسنين هيكل يوميا وسيسأله ويتحقق من الأمر، فقال لى نعم هناك تشكيل وأنت عضو فيه، واتصلت بوزير التعليم العالى الدكتور محمد مرسى أحمد أستاذ رياضيات فقال لى لماذا لم تأت؟ فأجبته بأنى لم أعرف.
وقال لى: يجب أن تأتى فورا، فعندما حضرت قالوا لى أنت الآن أمين شباب وحضرت اجتماعا استمر لمدة 15 ساعة وكان أمين عام الحزب فى ذلك الوقت الأستاذ محمد عبدالسلام الزيات، وفى يوم تحدث معى الدكتور عزيز صدقى قال إنه يجب أن يكون هناك اتصال بين العمل السياسى والعمل التنفيذى وقال لى أنا أرشحك وزيرا للشباب فقلت ليه يعنى فقال لى وما الغريب فى الأمر، فقلت له يعنى أن أحضر كل اجتماعات مجلس الوزراء ونرى حصة المواطنين من الشاى والسكر، فقال لى أنت رجل دستورى يجب أن تحضر كل اجتماعات مجلس الوزراء.
وبالفعل أصبحت وزيرا للشباب سنة 1971 وكان التعامل مع الأمور بسيطا لكن كانت هناك مشكلة كبيرة فمنظمة الشباب بدأت فى عهد عبدالناصر.. فحبها له وولاؤها له كان كبيرا لكن عندما قام السادات بتغيير مراكز القوى فى مايو 1971 كان لهم مركز مضاد للسادات وكان يشعر بهذا الموقف.
وقمنا بتنظيم اجتماع بالجامعة وقبل الجلسة فوجئت بكلام السادات لى أنه لن يتحدث ويجب على أنا التحدث فقلت له كيف ذلك؟ وأنا كنت قد رتبت للأمور تحسبا لهذا الأمر، وبالفعل بدأت فى التحدث وقلت لهم إذا هتفتم لجمال عبدالناصر مرة واحدة اهتفوا للسادات ثلاث مرات حتى ننزع العقدة الموجودة، ورأى السادات أن التنظيم كان محكما للغاية وحدث وهتفوا له فشعر بالراحة وقرر الكلام وكانت كلمة موفقة.
الفلسفة السياسية فى مصر سيئة وقال لى السادات إننى أخطأت خطأ عمرى لأنى كنت أشير لهم بالسكوت وهذا معناه أننى من الممكن التحكم فيهم بالسكوت مرة والكلام مرة أخرى وهذا أمر لا يتفق. فتصور الأمور السياسية أنك إذا أقمت علاقة إيجابية مع جمهورك قد تمثل خطرا وهذه فكرة غريبة عمرها لم تطرأ فى بالى لكن المسائل استمرت جيدة، ثم حدث تعديل وزارى تال أصبحت فيه وزيرا للإعلام والشباب لكن هناك بعض الناس شعروا بالزهق ــ «أنه كلما دخلت أمة لعنة أختها» ــ وأول ما ذهبت المنظمة وجدت أناس يجمعون ورقهم ويهمون بالمغادرة وبرروا بأن لهم فترة كل ما يقوموا بعمل يقولوا لهم إنه خطأ ويجب بداية جديدة ويكون قد مر عام ونصف على الأقل، وكان السبب فى ذلك أن القيادات السياسية سواء فى الحكومة أو فى الاتحاد الاشتراكى بدأت تتصارع على الشباب لأن الذى يؤيد الشباب يكون قويا والموضوع حين يصل للشباب يكون أثره سيئا ويمزق الشباب وأتمنى ألا يمر الشباب بهذه التجربة مرة ثانية لأنه يتخلى عن الوطنية ويصبح سمسارا سياسيا.
وأتمنى ألا يكون الحزب الوطنى هو الحزب الواحد.. يكون الحزب الرائد لكن ألا يكون الحزب الواحد وإلا فنحن بذلك بنهدر تاريخنا ونكرر الأخطاء بشكل كبير.
المسلمانى : ماذا عن حكم الرئيس أنور السادات؟
أحمد كمال أبوالمجد: الرئيس أنور السادات كان فى جزء منه امتدادا لحكم عبدالناصر والجزء الآخر ابتعادا عن عبدالناصر لسببين لأنه أراد عندما تولى الحكم القيام بانفتاح سياسى وتعددية سياسية حققها بشكل جزئى وفى الوقت نفسه غير السياسية الاقتصادية ذات التوجه الاشتراكى وابتدأ يؤمن بالانفتاح السياسى والاقتصادى معا وهذه الفلسفة لم تكن موجودة فى عهد عبدالناصر، والذى أذهب إليه فى تحليلى أن عبدالناصر لم يكن ماركسيا لكنه أعجب بالماركسيين فكانت لهم جرعات تأثير على بعض القرارات السياسية تجاوز الحجم الحقيقى لهم وأنا شاهد على ذلك بكل دقة، والسادات لم يكن يعجبه هذا وابتعد عنه وأنا أذكر جيدا جزءا من الأزمة مع الاتحاد السوفيتى.
وقد جاء إلى هنا وفد سوفيتى رفيع المستوى برئاسة بوريس بونماريوف وكان الرجل الثالث فى الحزب الشيوعى وكان مسئولا عن منطقة الشرق الأوسط ومصر بصفة خاصة، وكان الرئيس السادات يكرهه جدا وكان هذا الرجل شخصية تقليدية فيها جفوة لدرجة أذكر أنه قبل 73 وأنا أصاحبه هنا، فأخذنا الوفد لرحلة وعندما كنا بالباخرة فقد كان يقول عن طريق المترجم هذه الباخرة تتحرك فقلت له لقد أسرفت فى الشراب لكنه كان على صواب وعندما مررنا بنادى بالمعادى وجد مصريين يرقصون فقال هل هكذا تريدون تحرير الأرض، فقلت له يا برويس هم يحاولون كسر حاجز الملل، قال لا تقل لى هذا إنى أعرف المصريين من الأجانب، ومرة أذكر أننى اصطحبته لأسوان فكان يسألنى عن المشكلات التى تواجهنا فى الحزب فقلت له إن وسيلة الاتصال بين المحافظات صعبة، فقال هذه كلها أعذار أنا كنت أحمل البريد لسيبيريا على ظهور الخيل.
وعندما ذهبت أنا للاتحاد السوفيتى استقبلنا وفد من منظمة الشبيبة وكان اسمه «تنزلى» وأخذ يتحدث عن تجربة الشباب فى الاتحاد السوفيتى فقلت له ما رأيك أكمل أنا الحديث عن تاريخ المنظمة من بدايتها إلى أن أنشأتم سد «براكتس» فى سيبيريا ونحن كنا نعلم جيدا هذا التاريخ وكان معى عدد قليل فى البعثة لكن الواحد منهم يساوى عشرة، وفوجئنا فى اليوم التالى أن نقلونا فى فندق كبير ونظموا لنا رحلة لسيبيريا ورحلة إلى طشقند وسمرقند، وفى أثناء الرحلة نادانى بونماريف قائلا هل رأيت الكنائس فى سيبيريا؟ فأجبته نعم وقال هل رأيت المساجد فى طشقند؟ فقلت نعم فقال عليك أن تذكر هذه مجرد مبان هى مثل أبوالهول والأهرام عندكم، فأجبته مع فارق وأحد أنه لا يوجد ألف مليون يعتنقون عقيدة أبوالهول ولا أكثر منهم وهم المسيحيون يعتقدون عقيدة الفراعنة فقال لى والمساجد فى طشقند مجرد تماثيل وعندما حدثت الرئيس قال لى إنه مبسوط من ردى عليه وقال هذا الرجل هو المسئول عن إفساد العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى.
المسلمانى: الصراع داخل مجلس الوزراء كيف كان يجرى فى ظل حكم السادات؟
أحمد كمال أبوالمجد: سأحكى لك واقعتين فأنا كنت أصغر الأعضاء سنا وكنت أجلس فى طرف الجلسة ففى يوم.. وأنا كنت وزيرا للشباب وكانت الوزارة قريبة من مجلس الوزراء وكان عندى السفير السوفيتى فاتصلت بالدكتور عزيز صدقى قلت له إنى لن أتأخر والسفير ربع ساعة وسيذهب ولكن إذا تجاوز الحضور الثلثين أخبرنى وأنا أحضر سريعا وعندما حضرت قال لى أنا زعلان منك مجلس وزارء مصر لا يتأخر بسبب السفير السوفيتى فقلت له أنا كنت سعيد بالاجتماع وأنا لم أعطله بعد إذن حضرتك لأنى حضرت قبل أن يكتمل الجمع.
الواقعة الثانية ولا أستطيع تذكرها 100% لكن وزير التموين قام بإرسال علبة كرتون بها حلاوة مولد لكل عضو فغضب الدكتور عزيز صدقى، وقال هذا لا ينفع هذه رشوة كل واحد منا يطلع 30 جنيه ويدفعها فدفعنا كلنا ثمن هذه العلب، وأنا كنت وزيرا للشباب كنت أمر على الدكتور على الدين هلال الذى كان يسكن فى الهرم والدكتور يحيى الجمل كان يسكن فى شارع جابر بن حيان بالدقى وكنا نذهب بعربيتى وكنا ندفع البنزين واستهلاك العربية، ولم يدر فى ذهن أحدنا هو مفيش بدل وكان عندنا سعادة بأداء هذا العمل وكنا أحيانا نبيت فى حلوان فكانت الأمور بسيطة.
المسلمانى: السادات معك وأنت وزير الشباب هل كان متفاهما؟
أحمد كمال أبوالمجد: نشأت بينى وبينه علاقة بها تبسط وتتجاوز ضرورات الوظائف إلى درجة كبيرة، فأذكر أننى كنت غير مدخن ولكن إذا عزم عليا أحد ودخل علينا السادات كنت لا أشربها أمامه، بينما كانت شخصيته تساعد على غير ذلك، ولكننى مارست غير ذلك بأدب ولياقة.
وأذكر جيدا أننى بعدما خرجت من الوزارة لم تعجبنى الطريقة التى خرجت بها من الوزارة وهو أمر مهم جدا وقد كان بيانا من رئاسة الجمهورية يقول صدر قرار بتعيين يوسف السباعى وزيرا للإعلام إضافة لعمله وزيرا للثقافة لدرجة أن بعض الوزراء ترددوا فى الاتصال بى لمعرفة حقيقة ما حدث وبعد ذلك قررت السفر للكويت لكن الرئيس السادات طلب منى الحضور قبل السفر وعندما ذهبت له وجدته فى تمشية مع عثمان أحمد عثمان فقلت يا ريس أنا عندى عتاب وأنا اللى فى قلبى على لسانى قلت إنى قرأت إنك تعطى أوسمة للأمناء وأنا كنت أمينا للشباب وانتظرت أن يحدثنى أحد فلم يحدثنى فكلمت أمين المجلس فقال لى لأنك وزير الشباب فأنت ستأخذ مع الوزراء فأخذ كل الوزارء ولم أحصل على شىء وبعد أيام قابلت الدكتور عزيز صدقى فقال لى أن لى وسام عند رئاسة الجمهورية فقلت له لن أحصل عليه فالتكريم يجب أن يكون فيه علانية ودون التكريم ستكون قطعة من الصفيح وأنا لست غاويا فى لمّ قطع الصفيح وبعد عدة أيام وجدت نور العمارة مظلما ثم وجدت رجلا عسكريا قال لى أنا سلمت الوسام فى المنزل فقلت له هى الأوسمة بقيت تتسلم على السلالم، فقلت للرئيس السادات كل هذا فقال لى بطريقته يعنى عاوزنى كل يوم أقرأ الأخبار والأهرام أشوف وقال بطريقته أيضا أنا ندهلتك عشان كدة وقال البلد بها حقد وانتهى الموضوع بهذه الطريقة ولكن ظلت العلاقة ودية خلافا لما يظن الناس.
المسلمانى: اتفاقية كامب ديفيد والانفتاح وهما أبرز أمرين فى نهاية عصر أنور السادات؟
أحمد كمال أبوالمجد: هى بالفعل من المعالم الرئيسية التى كانت فى سياسته مختلف عليها فكان ينظر لبعيد والناس تنظر لما هو أقرب وهو تصور الحصول على سلام فى هذه المسألة رئيسيا جدا وهو مفاوض شاطر وله مواقف فى اتفاقية كامب ديفيد بعضها جاد وبعضها تمثيلى يعبر عن الغضب بطريقة تعبر عن أزمة. وقد وصل لنتائج فى كامب ديفيد نتائج معقولة لكن لكى تنشئ سلاما فإنك تحتاج طرفين وإسرائيل تستطيع أن تنشئ حربا لكنها لا تستطيع أن تقيم سلاما واختلف الناس على هذه الاتفاقية إلا أننا استرددنا جزءا كبيرا من سيناء وكانت هناك فرصة للتنمية لفترة ما بعد حرب إلى أن تقوم حرب أخرى ونسأل الله ألا تقوم.
المسلمانى: ماذا عن اعتقالات سبتمبر؟
أحمد كمال أبوالمجد: فى رأيى كانت خطأ لأنك اعتقلت ممثلى قوى الشعب على اختلاف أطيافه وكان هذا تعبيرا عن غضب عصبى نتيجة اختلاف الرؤية وتصاعد الهجوم على سياسة الرئيس السادات ولهذا عندما تولى الرئيس مبارك أفرج عن كل الناس وهذه كانت بداية طيبة جدا.
إذا انتقلنا إلى سياسية الانفتاح فأنا أرى أنها سياسة صائبة فى ذاتها لكن الآليات ووسائل التنفيذ لم تكن كلها كما يسميها الدكتور أحمد بهاء الدين سداح مداح، فأنت تتصور أن عليك قيودا شديدة.. ينطلق الناس ولايزالون منطلقين والنهج الاستهلالكى لم ينته والمصرى يفخفخ نفسه بما يجاوز موارده والذى حدث هو نهج استهلاكى شديد بالإضافة إلى أن النظام الليبرالى اقتصاديا أفرز رأسمالية متوحشة وزود الفجوة بين الطبقات وجعل مهمة التنمية تتم فى قلق نتيجة الضيق الاقتصادى والمعاناة المعيشية التى يعرفها سكان القبور ويصعب على سكان القصور أن يتصوروها تصورا حقيقيا.
إنما الذى أذهب إليه هو أن الباب مفتوح وعناصر النجاح متوافرة والأمل لا يجوز أن يغيب إنما علينا أن ندقق ولا نكون انطباعات ونعقد بأيدينا كثيرا من المشكلات والكثير من مشكلاتنا من صنع أيدينا حتى التطرف الدينى وأنا أزعم أن علاجه وارد وحتى قضية الإخوان المسلمين أزعم أن حلها بالوسائل السياسية ممكن للغاية، ونحن نتحدث الآن عن فتنة طائفية.
فماذا قدمنا سوى عملية تجميل بسيطة وهى قضايا لها جوهر والمساواة بين المواطنين وكل شخص يتمتع بحماية قانونية متساوية والشعب المصرى طيب جدا فإذا حدثته عن أزمة تريد أن يضيق فيها على نفسه سيضيق، ولكن إذا رأى مظاهر استفزازية فى جانب وهو منفرد بالتحمل فلن يقبل ونحن نمارس مخاطرة كبرى، وأنا أرجو من أجهزة الأمن ومن أجهزة الإعلام ألا تهول فى الأمر وكما يهول فيه بعض الناس ولا تهون فى الصدق مما يكسب الثقة والثقة ويعين على أن تصحبك القافلة فى طريق وعر مهما كان طويلا.
المسلمانى: اغتيال أنور السادات ونهاية المشهد؟
أحمد كمال أبوالمجد: مشهد اغتيال السادات مشهد عبثى والذين اغتالوه ندموا وفكرة القتل غريبة على طبيعة الشعب المصرى والذين ارتكبوه وقعوا فى حماقة وفى جهل وكنت أقرأ فى المراجعات التى تمارسها بعض الحركات الإسلامية التى تزيدنى حزنا.. كان عليكم أن تراجعوا من البداية بدل أن يدفع كل المجمتع ضحايا وقادة وأمن، وأنا أنكر ومازالت أنكر الفكر الدينى الانعزالى الانحصارى الرافض للآخر والذى يستبيح كل شىء والذين يعرفون من الكتاب أمانى ولا يعرفون مقاصد الشريعة ولو عرفوها ما فعلوا ما فعلوه ونحن جميعا مقصرون فى التنوير الإسلامى..