كلمة المناضل - الجولة الحادية عشرة من مباحثات واشنطن ومفهوم
كلمة المناضل العدد 261 تموز ـ آب 1993
الجولة الحادية عشرة من مباحثات واشنطن ومفهوم السلام العادل ..
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
تبدأ في الحادي والثلاثين من آب الجاري الجولة الحادية عشرة من المفاوضات العربية الإسرائيلية في واشنطن بعد فترة من الانقطاع بسبب العدوان الإسرائيلي الواسع على جنوب لبنان والخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالجنوب المقاوم للاحتلال .
خلال الجولات العشر الماضية من المفاوضات إثر مؤتمر مدريد تركز البحث حول تطبيق قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و 338 وكان هناك مفهومان مختلفان الأول من الجانب العربي الذي يؤكد الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بالحقوق الثابتة للشعب العربي الفلسطيني وحقه في إقامة سلطته الوطنية على أرض فلسطين والثاني المفهوم الإسرائيلي من جهة أخرى الذي يريد التنصل ، من الالتزام بذلك ويقدم تفسيرات غير واضحة حول هاتين المسألتين .
بعد التحولات العميقة التي جرت في العالم عقب انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية التي كانت تقف بحزم إلى جانب الصف العربي ومفهومه للقرارات الدولية تلك ، وكان هناك جزء كبير من الرأي العالم العالمي يساند الموقف العربي ، الذي كان موحداً في تلك الفترة وقبل حرب الخليج حول فهم مشترك لهذه القرارات إضافة إلى موقف مؤيد للعرب من دول حركة عدم الانحياز ومجموعة الدول الإسلامية.
تلك المواقف جميعها كانت عاملاً مهما في تماسك الموقف العربي أساساً ، عاملاً ضاغطاً على الموقف الإسرائيلي ومن خلفه الموقف الغربي والأميركي المساند له ، مما جعل العرب يقفون أمام معادلة متوازنة تقريباً تساعدهم في مواقفهم وتفسيرهم للقرارين 242 و 338 الذي انعقد على أساسهما مؤتمر مدريد للسلام ، لقد حدث تحول عميق في الموقف الدولي المساند للعرب ، بعد انهيار دول المنظومة الاشتراكية . وانعكس ذلك التحول على مجموعة دول عدم الانحياز التي كانت تضم عدداً من تلك الدول التي أصابتها التحولات ، وانعكس ذلك أيضاً على عدد غير قليل من الدول الإسلامية التي كانت تؤيد الموقف العربي والتي تعمقت الخلافات بينها إثر حرب الخليج والمواقف المتباينة منها ، ولحق ببعضها الانقسام والتشرذم بسبب الهيمنة الأميركية على عدد من حكوماتها .
لقد تأثر الموقف العربي سلباً إثر ذلك ، إضافة لما كان قد لحقه من تراجع كبير جراء ما خلفه توقيع اتفاقية كامب ديفيد وأثرها النفسي والمادي على الجماهير العربية ، وما تركته حرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية بعد احتلال الكويت من آثار مدمرة في الموقف العربي النفسي والمادي .
لقد أصبح موقف معظم الدول العربية وحكوماتها في حالة من الضعف بحيث أصبح معه الحفاظ على ما هو قائم يعتبر من الأمور المهمة أمام كثير من الأنظمة العربية ، خصوصاً بعد انشغال معظم تلك الأنظمة بما تواجهه من أزمات داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية جعلت الهم الأساسي لعدد منها تثبيت الأمن ومواجهة التحديات الداخلية والانكفاء على نفسها وأصبح اهتمامها بالشان العام وقضية الصراع العربي الصهيوني أمراً ثانوياً جداً بالنسبة لها .
في مثل هذه الأوضاع الدولية والعربية جرت المفاوضات في معظم جولاتها السابقة وفي مثلها أيضاً ستبدأ الجولة الحادية عشرة .
إن سورية اليوم أيها الرفاق تقف أمام رأي عام عالمي يفهم القرارين 242 ـ 338 فهماً مختلفاً عن فهمها وكذلك لا يشاركها معظم العرب هذا الفهم ، بل ويذهب بعضهم إلى حد مشاركة الإسرائيليين والعالم فهما يكاد يكون مشتركاً بينهم ، وتجد سورية أن من العسير عليها في مثل هذه الظروف إقناع العالم بوجهة نظرها وفهمها للقرارين المذكورين وهي مع ذلك تحاول جهدها مع كافة الأطراف العربية أولاً ، والأطراف الراعية لمؤتمر مدريد ـ الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ـ أن تصل إلى مواقف تستطيع من خلالها الحفاظ على ما يحقق للعرب كرامتهم وحقهم في استعادة الأرض العربية التي احتلت عام 1967 والاتفاق على ترتيبات تحقق للشعب العربي الفلسطيني حقوقه السياسية .
وستبقى سورية وقيادتها ملتزمة بما عاهدت جماهير الأمة العربية عليه في المحافظة على الموقف الذي يحقق الكرامة ويعيد الحقوق ، مؤكدة بأن ما يشهده العالم اليوم من موقف سياسي مهيمن أحادي القطبية تمثله السياسة الأميركية لا يشكل صورة العالم المستقر الذي يسعى الجميع للوصول إليه .
وستبقى سورية بقيادة الحزب وأمينه العام الرفيق حافظ الأسد رئيس الجمهورية مناضلة مع جميع محبي الحرية والسلام والعدل والمساواة في العالم للوصول إلى عالم متوازن مستقر تستطيع فيه الشعوب المختلفة من تحقيق حياة تقدم واستقرار وأمن وعدل ومساواة ، وهذا الهدف السامي هو أساس مضمون الرسالة الخالدة التي تحملها الأمة العربية للإنسانية .