مساهمـة في الحوار الإسلامي ـ المسيحي
المركــز الثّقافــي
للبحوث والتوثيق
صيـدا
يفتتح نشاطاته الثقافية ـ الاجتماعية بعقد ندوة عنوانها:
مساهمـة
في الحوار الإسلامي ـ المسيحي
في الجنوب اللبناني
يشترك فيها: المفتي الشيخ محمد سليم جلال الدين المطـران إبراهيـم الحلــو
النائـب الدكتـور نزيـه البـزري الدكتـور علــي الشامــي
الأب سليــم غــــزال العلامة الشيخ محسن عطـوي
إدارة الندوة: الدكتور مصطفى دندشلـي (رئيس المركز الثقافي)
الزمـان: الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة الواقع فيه 21 كانون الأول 1984
المكـان: قاعة محاضرات جمعية دار رعاية اليتيم ـ صيدا
نأمل حضوركم ومشاركتكم معنا في نشاطاتنا
اللجنة الثقافية
الحوار اليوم قبل الغد!!
فهمنا للثقافة، نحن في المركز الثقافي، ينطلق من مبدأين إثنين: الأول الالتزام الكلي، الواقعي والعلمي، بقضايا الناس والمجتمع، من جوانبها الفكرية والتربوية والاجتماعية. والمبدأ الثاني يحدد الغاية من ذلك والهدف النهائي له وهو الإنسان، الإنسان بالمطلق، أثمن رأس مال في العالم، وخليفة الله في الأرض: {إني جاعل في الأرض خليفة} (قرآن كريم).
فإذا كنا نؤمن بذلك حقيقة لا قولاً، بالقلب لا باللسان، فإن الحواجز أو أكثرها سينهار، وستائر الجليد ستذوب بين بني الإنسان، من كل الطوائف والمذاهب والأديان. فأعداؤنا، لنا جميعاً، هنا في الجنوب اللبناني، كُثُر: أعداء الخارج وأعداء الداخل. وهم يتربصون بنا الدوائر ويكيدون لنا الفتن والدسائس، وفي حوزتهم أسلحة فتاكة، ليس أقلها سلاح إذكاء الفتنة الطائفية والنعرات المذهبية.
فالمسؤوليات إذن أمامنا جسام، وهي موزعة علينا جميعاً دون استثناء، وبالتساوي. فإذا لم نكن أهلاً لتحمل هذه المسؤوليات، فالتلاشي ينتظرنا جميعاً، أو حتى الزوال عن هذه الأرض الطيبة. فالتاريخ لا يرحم. والأجيال المقبلة سيكون حكمها علينا قاسياً، إن نحن تهاونا في مواجهة المخاطر المحدقة بنا من كل جانب ومواجهة العدو الحقيقي الجاثم على صدورنا، وإن لم نستطع أن نتجاوز صغائر الأشياء ونوحِّد الصفوف ونعمّق التلاحم بيننا أمام خصوم الخارج وبدائلهم في الداخل.
من هنا أهمية هذا الحوار وفي هذا الظـرف بالذات، ومن هنا أيضاً أهمية كل حوار صادق ومنفتـح وبنَّاء. فبالحوار والحوار والحوار، تزول الأوهام و"الأساطير" والتشجنات.
نأمل مساهمتكم الفعالة معنا بحضوركم هذا الحوار الإسلامي ـ المسيحي البناء، الأول من نوعه الذي يعقد في مدينة صيدا والجنوب.
اللجنة الثقافية
تقديم
الدكتور مصطفى دندشلي
"الُخلُق كلُّهم عيالُ الله، فأحبهُم إليه أنفعُهم لعياله".
(حديث شريف)
{ولتجدَنَّ أقربَهم مودَّةً للذين آمنوا، الذين قالوا إنا نصاري، ذلك بأنَّ منهم قسيسين ورهباناً، وأنَّهم لا يستكبرون} (صدق الله العظيم).
تحت هذا الشعار الإنساني والأخوي والذي يعبّر عن مضمون تاريخنا الوطني، يسرُّنا، أيها الحفل الكريم، أن يفتتح مركزُنا الثقافي في صيدا، نشاطاته الثقافية ـ الاجتماعية بعقد هذه الندوة في يوم طيّب كريم، شاءت الصدف أن يقع بين مولديْن: مولِد النبيّ العربي الكريم وميلاد السيد المسيح.
ربما نكون قد تأخرنا بعض الوقت في عقد مثل هذا اللقاء، خاصة في تلك الظروف القاسية التي مررنا فيها، والتي كانت مشحونة بالاشاعات المدسوسة والمغرضة، غير أنه خيرٌ لهذه الندوة أن تعقد ولو متأخرة، مِنْ أن لا تعقد أبداً. وإذا كنا نحن في المركز الثقافي قد أخذنا على عاتقنا أمر تنظيم هذا اللقاء والتحضير له وذلك بأخذنا المبادرة والانطلاقة بها، إلاّ أن هناك كثيرين شجعونا في هذا السبيل، وأخص بالذكر هنا نائب صيدا الدكتور نزيه البزري وسماحة المفتي الشيخ محمد سليم جلال الدين وجميع القوى الوطنية في الساحة، والأخ الأستاذ مصطفى سعد، وكل الهيئات الثقافية والتربوية والاجتماعية التي اتصلنا بها، تأتي في مقدمتها جمعية الأدب والثقافة وجمعية مسجد الإمام عليّ ابن أبي طالب (المدينة الصناعية)، كما ينبغي التنويه لما قدمته جمعية دار رعاية اليتيم من تسهيلات لعقد هذا اللقاء…
بكلمة واحدة، إن مَنْ شجعنا في ذلك كله إنما هو شعب صيدا بمختلف فئاته وهيئاته:
ـ هذا الشعب الطيب والمسالم ولكن من غير ضعف أو جبن أو وَهْن،
ـ هذا الشعب الوطني الصادق في وطنيته وإنما من دون كراهية لأحد
ـ هذا الشعب الذي كان ولا يزال أشدَّ كُرْهاً للخلافات الطائفية ورفضاً للفتنة المذهبية، من أي شيء آخر، وذلك من منطلق تاريخه وانسجاماً مع تراثه ودينه…
وكذلك فقد أراد المركز الثقافي من عقد هذه الندوة أن تكون على الأخص تعبيراً صادقاً عن صوت المثقف والمربي والطالب، هذا الصوت الذي لم يسمع به حتى الآن، بهذه القوة وبهذا الوضوح ومن على هذه الأرض الجنوبية والذي هو جزء لا يتجزأ من المعركة الوطنية المصيرية التي يخوضها شعبنا المقاوم في الجنوب. بل إن صوت المثقف هذا يأتي في طليعة هذه المعركة ليقول: لا!! بِكل قوة وحزم وجرأة، لا لأعداء الخارج وبدائلهم في الداخل. كما أن هذا الصوت في الوقت ذاته وهو في خضم معركته الوطنية وفي طليعتها، يريد أن يطرح مجموعة من التساؤلات:
ـ لمصلحة مَنْ هذه النِزاعات الطائفية على أرضنا الطيّبة.
ـ لمصلحة مَنْ هذا الصراع المذهبي، الضمني أو العلني، والذي تعفُّ منه رائحةٌ كريهةٌ وقاتلةٌ لشعبنا، لكل شعبنا،
ـ مَنْ هي أخيراً هذه القوى في الخارج وفي الداخل، والتي تعمل في الخفاء أحياناً وأحياناً في العلن، على إذكاء هذه الفتنة الطائفية والنزاعات المذهبية…
فمحاولةً منا لإثارة الحوار البنّاء بين أخوة، قدرهم أن يعيشوا في وطن واحد، وعلى أرض واحدة وفي وَحدة إنسانية متكاملة، ومحاولة منا لإلقاء بعض الأضواء على إجابات ممكنة في هذا الشأن، دعونا السادة الكرام المساهمين في هذه الندوة، وهم في طليعة القيادات الروحية والوطنية والسياسية في الساحة الجنوبية، فلهم جميعاً شكرنا وتقديرنا…
ندوة الحوار الإسلامي ـ المسيحي في صيدا
تأكيد على التعايش ودعوة لمواجهة الفتنة
إدانة الاقتتال الطائفي وتصميم على المقاومة(*)
نظم المركز الثقافي للبحوث والانماء في صيدا، مساء أمس الأول ندوة تحت عنوان "مساهمة في الحوار الإسلامي ـ المسيحي في الجنوب اللبناني" في قاعة المحاضرات في جمعية دار اليتيم في صيدا، شارك فيها النائب الدكتور نزيه البزري، مفتي صيدا الشيخ محمد سليم جلال الدين، مطران صيدا ودير القمر للطائفة المارونية إبراهيم الحلو، إمام بلدة كفرملكي الشيخ محسن عطوي، مرشد دار العناية في الصالحية الأب سليم غزال، ورئيس قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية ـ فروع الجنوب الدكتور علي الشامي.
حضر الندوة أمين عام التنظيم الشعبي الناصري المهندس مصطفى سعد، رئيس اتحاد بلديات صيدا ـ الزهراني المهندس أحمد الكلش، رئيس تجمع الصناعيين في الجنوب المهندس سامي البساط، النائب السابق سميح عسيران، أعضاء جمعية دار رعاية اليتيم، رئيس دار العناية الأرشمندريت الياس كويتر، وحشد من رؤساء بلديات ومخاتير وممثلي فعاليات منطقة صيدا والزهراني وجزين وأساتذة الجامعة اللبنانية، وممثلون عن الهيئات والجمعيات الثقافية والاجتماعية المختلفة.
أدار الندوة رئيس المركز الثقافي الدكتور مصطفى دندشلي الذي قدم المحاضرين في كلمة أشار فيها إلى خطورة المرحلة الراهنة، وإلى الشائعات المدسوسة والمغرضة ونوه بترحيب فعاليات صيدا وتجاوبها مع مبادرة المركز إلى عقد الندوة.
الشيخ محمد سليم جلال الدين
أول المحاضرين الشيخ محمد سليم جلال الدين قال في مستهل حديثه: إن الروابط التي تشد الناس بعضهم إلى بعض كثيرة أهمها رابطة الإنسانية التي تعود بالإنسان إلى أصل خلقه فيرى الناس كلهم تحدروا من أب واحد هو آدم، لذلك هم متساوون في القيمة الإنسانية، وقد أعطى الإسلام هذه الرابطة الإنسانية ما تستحقه من تقدير واعتبار، فجاء كتاب الله، القرآن الكريم منبهاً إليها، ومعلناً الأخوة الإنسانية، ولم يخص الله في آياته المسلمين فقط، وهذا دليل على أن لغير المسلم حقاً متكافئاً مع المسلم، في التمتع بالحقوق التي تضمن الأمن والاستقرار في شتّى ميادين الحياة، فالإسلام قائم على مبدأ المساواة المطلقة، فلا يميز ولا يفاضل بين فرد وآخر إلاّ بالتقوى والعمل الصالح.
أضاف الشيخ جلال الدين: لو رجعنا إلى التاريخ واستعرضنا الوقائع والحوادث التاريخية ووقفنا على وضع المسيحيين في الدول الإسلامية، نجد أن حقوقهم كانت مصانة، ومعاملتهم حسنة، وإن التعايش بين المسلمين والمسيحيين ظل قائماً إلى أن بدأت أطماع الأجنبي تبرز، وبدأ المستعمر يغذي الفتن الطائفية ليحقق أطماعه وأهدافه وها هو موقف الإمام الأوزاعي مع الخليفة العباسي في الدفاع عن المسيحيين في لبنان معروف كما كانت معاملة القائد صلاح الدين الأيوبي حسنة للمسيحيين إبان مفتوحاته وحكمه.
وختم الشيخ جلال الدين مؤكداً أن التعايش بين الطوائف اللبنانية قائم، وذلك مستمد من ظواهر تاريخية عرفناها في عهد الانتداب حيث كان الهلال والصليب يظهران متعانقين في المظاهرات. التي كانت تطالب بالاستقلال، وفي حواث 1958 كانت حقوق المسيحيين مصانة رغم الفتنة التي كانت تعصف في البلاد في صيدا والجنوب، وكذلك منذ عام 1975 حتى اليوم في منطقتنا. وهذا العيش سيدوم في اعتقادي طالما أبناء الطائفتين متمسكون بتعاليمهم السماوية، وأعون لكل ما يحدث من مفاجآت تحمل بين طياتها بذور الفتنة، التي يعمل المحتل وعملاؤه على زرعها متحصنين بالحذر والحكمة غير مخدوعين بما تظهره إسرائيل من العطف المشبوه على المسيحيين لأنه يرمي لتمرير مخططها.
المطران إبراهيم الحلو
بعده تحدث المطران إبراهيم الحلو فقال: إن الحوار الصادق البناء هو سبيل للتعبير والدرس والمشاورة والتفاهم في شتّى الأمور، ويتركز على قِيَم ثابتة وخالدة أساسها احترام الشخص البشري العاقل والحر والمسؤول والمدعو إلى حياة عائلية اجتماعية ووطنية وعالمية كريمة بتعاون ومحبة، والحوار الاجتماعي يهدف إلى التفاهم على الأمور والشؤون اجتماعية ووطنية. والحوار الذي يجري بين أناس ينتمون إلى عقائد دينية متعددة يجب أن يكون حوار الأخوة والمحبة أو لا يكون، فالمحبة واجبة على كل إنسان ولكل إنسان وحوار المؤمنين بالله يحترم الإنسان، وقدسية حقه في الحياة والحرية والكرامة ويهدف بكل محبة إلى تبني قناعات خيرة تخدم الإنسان والمجتمع، والحقائق الثابتة تفرض نفسها بقوتها وعذوبتها ولا تفرض من الخارج بالقوة والقناعة أمر ضميري وشخصي والالتزام أمر حر ومسؤول.
أضاف: إن التعايش يظهر واضحاً في العيش المشترك في هذه المنطقة، وقد كان منذ القديم أيام أبائنا والأجداد كما حفظته القلوب وسلمته إلى التاريخ عيشاً كريماً باحترام ومحبة، وحافظنا عليه هكذا بالرغم من كل ما حدث في لبنان، فلقد مرت علينا بعض ظروف قاتمة تعبت فيها ضمائر وصبرت قلوب وانقشعت غمائم، ولا يزال اللبناني الجنوبي ولله الحمد متمسكاً بالقِيَم اللبنانية، وسيبقى على أصالته وهذه مسؤوليته يحملها بكبر أمام الله والضمير والتاريخ وعليه أن يسعى دوماً لتأمين أجواء العيش الكريم والشريف بالتعاون الصادق مع كل السلطات الدينية والمدنية وقادة الرأي والمواطنين العاملين في شتّى الحقول وسيسجل التاريخ كل ذلك.
الشيخ عطـوي
وتحدث الشيخ عطوي فقال: إن إعادة الحياة إلى موضوع الحوار الإسلامي ـ المسيحي ضرورية في هذا الظرف الراهن الذي تعيشه البلاد، وهو أكثر ضرورة على أرض الجنوب الذي يشهد أعنف هجمة من أعداء الإنسان وإذا كان بديهياً أن العدو لا يخوض الحرب بالآلة العسكرية وحدها ولمجرد الغزو وحده، بل يقوم في عدوانه على مرتكزات إيديولوجية وفكرية، يهدف إلى تثبيتها ونشرها فإن من البديهي أيضاً لمن يدافع عن الوطن أن يسل سلاح الفكر والعقيدة إلى جانب قوة الجسد وآلة الحرب ليكون دفاعاً موازياً لهجوم العدو وفي حجمه.
وأضاف: ولئن كان العدوان عملاً غير أخلاقي، يستمد نزعته من أهواء الإنسان ومطامعه المضادة لرغبات السماء وإرادتها فإن جوهر التصدي لهذا العدوان يكمن في التركيز على القِيَم الأخلاقية والمقولات العقلانية ومبادئ الحق، لتكون النقيض العقائدي لعقيدة العدوان وأخلاقه.
وتابع الشيخ عطوي: وأن يكون تلاقي النخبة وتفهمها مجسماً في نظر أهل الأديان بعضهم إلى بعض وواقعاً حياً يتحكم بسلوك الناس وأخلاقهم فإننا في هذا نريد أن نعيد القِيَم الدينية والخلقية التي عاش في ظلها أجدادنا حياة طيبة كريمة فحوارنا الذي نريد ليس له أهداف أكاديمية ولا تبشيرية، إنما يهدف إلى تعزيز الروح وبعث القِيَم وإعادتها إلى الحاكم والجندي والمثقف والعامل والفلاح مشددين على ضرورة انتزاع مفاهيم الحضارة الغربية وما جلبته إلى بلادنا من أنماط حكم وأنماط سلوك وهي زيفت جوهر الإنسان المسلم والمسيحي وأبدلت القِيَم الأخلاقية بقِيَم نفعية وصولية.
وختم عطوي: إن جوهر الحيوية في الحوار الإسلامي ـ المسيحي أن يتعاهد علماء الدين والزعماء المخلصون والمثقفون والمؤمنون على توثيق المودة بينهم في الدرجة الأولى، وعلى نقل هذه المودة والتشديد عليها في قلوب عامة الناس وبالقدر الذي ينجح فيه الدين بالسيطرة على مشاعر الناس وتنظيم حياتهم بالقدر الذي يكون الحوار ناجحاً وقيّماً.
الأب غـزال
بعده تحدث الأب سليم غزال فقال: أشعر أن قلوب الأكثرية الصامتة على الرغم من المحن والأحداث التي تهز جذور العائلة اللبنانية الواحدة، ما زالت مستعدة للإصغاء، للتلاقي، للمحبة، لبناء الوطن الذي هو مصيرنا جميعاً على الرغم من بروز التيارات المتطرفة والمتشنجة فقد جربنا في لبنان جميع الوسائل وسعينا إلى أهداف متباعدة أحياناً كثيرة طعناً بعضنا بعضاً عضضنا أصابع بعضنا البعض، أدخلنا إرادات غير لبنانية في ما بيننا، بنينا الأوهام على الشرق والغرب والجنوب والشمال فماذا حصدنا، جنينا التفرقة، قبعنا في صقيع الغربة والتناحر عدنا اليوم إلى نقطة الصفر، اقتنعنا اليوم بما لم نقبل به بالأمس، باختصار أن قدرنا واحد مستقبلنا واحد إرادة العيش يجب أن تبقى واحدة، كل الأوهام يجب أن تسقط، الدسائس أن تدفن، الرهان على القوى الخارجية لن يجدي نفعاً.
وأشار غزال إلى أن منطقة صيدا والجنوب لم تشهد حوادث الطائفية، وأن الحوادث التي حصلت تعبّر عن مصالح شخصية وتدخلات خارجية ولا تعبر عن أحقاد متوارثة، ودعا إلى رص الصفوف ومقاومة الشر ودفن الفتنة ولاحظ دور المدارس في التوجه من منطلقات طائفية وتقصير الدولة في صهر المواطنين، ورأى أن قلة من الشعب تقود الوطن إلى أهداف غير واقعية لا يقبلها ضمير.
وأضاف الأب غزال: لقد أصبح أمامنا خيار واحد التقاتل والفرزالطائفي، ولكن هذا الخيار مرفوض حتماً فخير لنا أن نهلك جوعاً من أن ننهش لحوم بعضنا البعض والغرباء يتفرجون علينا، والعالم يسخر من همجيتنا، المحبة وحدها القادرة على أن تبني الإنسان، أن تزيل الأحقاد، أن تنير العقول، أن تفتح الأبواب، والحس الوطني وحده قادر على الصمود وعدم الانهيار ورفض المخططات التقسيمية والطروحات الطائفية وقمع الفتن وتحقيق إرادة العيش المشترك. إذا أردنا أن نستمر لا يبقى أمامنا إلاّ قبول الأطراف اللبنانية بعضها بالبعض الآخر وتجاوز الأخطاء ونبذ الأحقاد والتطلع إلى المستقبل بعين واحدة وفكر واحد وقلب واحد.
ودعا الأب غزال في ختام حديثه إلى وعي الفرق بين الطائفية والروحانية وطرح تساؤلات عن نتائج التقاتل الطائفي وفعالية قوة السلاح وطلب العون من الدول الأخرى مناشداً اللبنانيين الإجابة عليها.
الدكتور الشامي
بعده تحدث الدكتور علي الشامي فقال: يشترط الحوار الإقرار المسبق بواقع التمايز كما يتضمن نزوعاً نحو وحدة انتماء لا تلغي التنوع، ذلك أن الوحدة والتنوع هما عوامل تكميلية في مبدأ الحوار نفسه واقعه وغايته، تماماً كما هما سمة طاغية على حركة الوجود، ويجسد الحوار بين الناس الخطوة الأولى في إنجاز كبير ويؤكد على اعتراف متبادل بالهُوية والوجود الحر للمتحاورين ويحلم بتأسيس رؤية جماعية لمستقبل منعمة بالأمل. ولكي ينجح الحوار الإسلامي ـ المسيحي ينبغي إسقاط الأقنعة عن وجوه الطائفية، هذا العنف المستتر والمعلن يجب أن يزول ولم يتمّ ذلك إلاّ إذا أدرك الجميع عمق الاختلاف الجوهري بين الطائفية والدين، الطائفية تجعل من الطائفة خصوصية سياسية ومصالح وامتيازات وتعطي للطائفة أولوية على ما عداها بحيث يشعر الطائفي أنه وحده الموجود والجدير بالحياة، وسط مجتمع يضج بالتناقضات والمصالح الطائفية، هذا العدو الشرس والمقنع للعقائد.
أضاف: إن الحوار الوحيد المجدي الآن أن نتكلم لغة واحدة في مواجهة العصر الإسرائيلي. إن مشاريع إسرائيل تتهاوى وسط التضحيات الجسام، وقد تحولت فعلاًُ إلى أشلاء بفضل دماء الشهداء ومعاناة المعتقلين وبطولة المجاهدين وإيمان المؤمنين، فإن تنهزم إسرائيل في الجنوب هو انتصار للوطن ولجميع الطوائف وبالتالي فالحوار الذي يبقي التعايش قائماً وراسخاً، وهو ذلك الحوار الذي يحافظ على الجنوب كنموذج خير للبقاء ونموذج لوحدة الأرض والناس والمصير كنموذج لانفتاح العقائد وتعايشها لتعدد الثقافات وتفاعلها.
النائب البزري
وفي ختام الندوة تحدث النائب نزيه البزري فقال: نحن بلد واحد نتمنى العيش الكريم ونتمنى السعي في تطوير العالم وعلاقاتنا مع العالم وإعطاء رسالتنا في العالم حظها في هذا العالم الذي يعيش حالة اقتتال شرير. ولقد قبلت بهذا الموضوع على الرغم من أني عشت في كل حياتي، لا أفرق بين المواطنين بين طوائفهم وأديانهم عشت بهذا مرغماً في تربيتي وحياتي السياسية وقبلت الحديث اليوم لأن هناك فئات طاغية تريد أن تنهش لبنان وتقول إذا ما انسحب العدو فإن لبنان الجنوبي سيقع فريسة للاقتتال، نحن نريد أن نكون طليعة للجيش اللبناني في الجنوب نقول للحكم المركزي لا تخف، إننا هنا يداً واحدة نتحاور فيما بيننا ولا نتقاتل نعيش بلغة التفاهم على حب وطن واحد، ورفض سياسة السلب والاقتتال والانتفاع، وإن طريق الطوائف هي طريق لله والناس أحرار بها أما الطريق التي ندعو إليها فهي طريق جميع الطوائف، طريق جميع الأديان للوصول إلى بناء وطن واحد. نحن اليوم على معصم خطر فإما أن نكون وإما أن لا نكون، وهذا المعصم قوته في اتحادنا وتفاهمنا ولا يمكن أن نجابه عدونا أياً كان قوياً أو ضعيفاً قريباً أو بعيداً، إلاّ إذا جابهناه بقوة واحدة، باتحاد متين، ولكل آراؤه وأفكاره ولكن لا يمكن لهذه الأفكار أن تمنع وصول الجيش اللبناني إلى الجنوب، نحن نسعى لتوحيد المواقف والدعوة لعيش مشترك سليم لخدمة واطن واحد، هذه هي أهدافنا هذا هو حوارنا نحن نتقبل كل ما حدث بروح واحدة ونعتبر أن كل ما حدث لنا سابقاً ليس من طائفة، وليس من دين، إنما من عدو واحد يعرفونه ونحن نعرفه. وتساءل ماذا يحدث لو نحن في الجنوب قبلنا الترهات التي تقول إذا تمّ انسحاب هناك، هناك خوف من اقتتال داخلي. وقال: أيها الصهاينة إرحلوا. ولن نقتتل ونحن كفيلون بدمائنا وأولادنا وأخواننا على احتواء أي اختلاف سيحدث وضبطه في قالب واحد ضمن مصلحة الوطن.
وختم النائب البزري: لماذا يريدون حاجزاً دولياً شمالي الليطاني خلافاً لقرار الأمم المتحدة، أنهم يريدون ذلك ليخلقوا حاجزاً لحماية إسرائيل ونحن لسنا مجبرين على أن نكون حماة لحدود أية دولة نحن حماة لدولتنا وليكونوا هم حماة لدولتهم نحن هنا سنضبط الأمن وسوف لا يكون هناك أي تجاوز، لا خوف على لبنان إذا ما تحرر جنوبه ولا خوف إذا ما بقيت مقاومته، لا خوف إذا ما بقي حواره وتعايشه إني أوجه النداء للجنوبي، إن ما تسمع يا أخي الجنوبي وما تراه ليس بالحقيقة، الحقيقة في مقاومتك وبقائك يداً واحدة في هذه المقاومة التي ستقودك إلى النصر وتقود لبنان إلى التحرر.
في ندوة جنوبية هي الأولى عن الحوار الإسلامي ـ المسيحي
البزري وجلال الدين والحلو وعطوي والشامي
شددوا على التعايش والوحدة ونبذ الفتنة(*)
"الحوار الإسلامي ـ المسيحي" كان موضوع ندوة هي الأولى من نوعها في الجنوب، أقيمت مساء الجمعة في دار رعاية اليتيم في صيدا بدعوة من المركز الثقافي للبحوث والتوثيق.
شارك في الندوة النائب نزيه البزري ومفتي صيدا والجنوب الشيخ محمد سليم جلال الدين وراعي أبرشية صيدا ودير القمر للطائفة المارونية المطران إبراهيم الحلو وعضو "تجمع علماء جبل عامل" الشيخ محسن عطوي والمرشد الروحي في دار العناية ـ الصالحية الأب سليم غزال ورئيس قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية في صيدا الدكتور علي الشامي.
وحضرها جمهور من ممثلي الهيئات الروحية والاجتماعية والتربوية والثقافية، تقدمهم رئيس البلدية المهندس أحمد الكلش والأمين العام لـ "التنظيم الشعبي الناصري" المهندس مصطفى سعد ورئيس دار العناية الأب جورج كويتر.
افتتح الندوة رئيس المركز الدكتور مصطفى دندشلي بكلمة معتبراً أنه "خير أن تعقد متأخرة من أن لا تعقد أبداً". ورأى أن الهدف منها "إثارة الحوار البنّاء بين أخوة قدرهم أن يعيشوا في وطن واحد وعلى أرض واحدة".
جلال الدين
المفتي جلال الدين تحدث أولاً عن الروابط التي تشد الناس، وأهمها رابطة الإنسانية، مؤكداً "إن الإسلام أعطى هذه الرابطة ما تستحقه من تقدير واعتبار.
وتطرق إلى التعايش الإسلامي ـ المسيحي في صيدا وجوارها، فرأى "أن الروابط التي تشد أبناء الطائفتين في هذه المنطقة مستمدة من وحدة الرجوع إلى الله في العبادة والتصرفات والتعامل ووحدة الوطن واللغة والتقاليد والعادات، مدعومة بروح المحبة السائدة بينهم. فهي نموذج رائع للعيش القائم على الألفة والشعور المشترك كأنهم عيلة واحدة تجمعهم وحدة المصير. فهم يتبادلون الزيارات والفرحة في الأعياد المختلفة والحزن في الأتراح.
لا يسكتون على الإساءة إذا بدرت من جانب نحو الآخر، ولا يسمحون للفتنة بأن تنال من عيشهم الوطني المشترك، وقد برهنت الحوادث التي مرت على البلد في عهود وعصور متتالية على قيام هذا التعايش بين أبناء الطائفتين.
في عهد الانتداب كان الهلال والصليب يظهران متعانقين في التظاهرات التي كانت تجوب البلاد، وفي حوادث 1958 كانت حقوق المسيحيين مصونة على رغم الفتنة، وكذلك منذ 1975 حتى يومنا هذا.
وهذا التعايش لا يزال قائماً على رغم ما يسعى إليه المحتل وعملاؤه لإثارة الفتنة الطائفية، وهو سيستمر ما دام أبناء الطائفتين متمسكين بتقاليدهم السماوية وواعين كل ما قد يحدث من مفاجآت تحمل بين طياتها بذور الفتنة التي يعمل المحتل وعملاؤه على زرعها، متحصنين بالحذر والحكمة في كل تصرفاتهم وفي تعاملهم، غير مخدوعين بما تظهره إسرائيل من العطف المشبوه على المسيحيين لأنه يرمي إلى تمرير مخططها".
الحلـو
وقال المطران الحلو: "إن الحوار الصادق البنّاء موضوع اجتماعنا هو سبيل للتعبير والدرس والتشاور والتفاهم في شتّى المواضيع، ويرتكز على قِيَم ثابتة خالدة أساسها احترام الشخص البشري العاقل والحر والمسؤول والمدعو إلى حياة عائلية واجتماعية ووطنية بتعاون ومحبة لهناء المجتمع وسعادة الإنسان ومجد الله".
وتناول مفهوم الحوار الاجتماعي، واعتبر "إن حوار المؤمنين بالله يحترم الإنسان وقدسية حقه في الحياة والحرية والكرامة ويهدف إلى تبني اقتناعات خيرة تخدم الإنسان والمجتمع"، وقال: "إن الحوار الإسلامي ـ المسيحي في الجنوب يظهر واضحاً في التعايش في هذه المنطقة الذي كان منذ أيام آبائنا وأجدادنا عيشاً كريماً باحترام ومحبة. وقد حافظنا عليه على رغم كل ما حدث في لبنان الذي تمت فيه مجدداً كلمة أشعيا النبي: "ناحت الأرض ورزحت وخجل لبنان وذوى ولبنان غير كاف للوقود". مرت علينا ظروف قاتمة تعبت فيها ضمائر وصبرت قلوب وانقشعت غمامات ولا يزال اللبناني الجنوبي، ولله الحمد، متمسكاً بالقِيَم اللبنانية وسيبقى على أصالته، وهذه هي مسؤوليته يحملها بكبر أمام الله والضمير والتاريخ. وعليه أن يسعى دوماً إلى تأمين أجواء العيش الكريم الشريف بالتعاون الصادق مع كل السلطات الدينية والمدنية وقادة الرأي والمواطنين العاملين في شتى الحقوق الاجتماعية والوطنية.
عطـوي
وقال الشيخ محسن عطوي: "إعادة الحياة إلى موضوع الحوار الإسلامي ـ المسيحي ضرورية في هذا الظرف الذي تعيشه البلاد، وهي أكثر ضرورة في الجنوب الذي يشهد أعنف هجمة لأعداء الإنسان. وإذا كان بديهياً أن العدو لا يقود الحرب بالآلة العسكرية وحدها ولمجرد الغزو وحده، بل يقوم في عدوانه على مرتكزات إيديولوجية وفكرية يهدف إلى تثبيتها ونشرها، فإن من البديهي أيضاً لمن يدافع عن الوطن أن يسل سلاح الفكر والعقيدة إلى جانب قوة الجسد وآلة الحرب".
ورأى "إن هذا الحوار يهدف إلى تعزيز الروح وبعث القِيَم وإعادتها إلى الحاكم والجندي والمثقف والعامل، ويشدد على ضرورة انتزاع مفاهيم الحضارة الغربية وما جلبته إلى بلادنا من أنماط الحكم والسلوك". ودعا إلى توثيق المودة بين القياديين ونقلها إلى المواطنين.
غـزال
وقال الأب سليم غزال: "في هذا الظرف لم يعد الكلام مجدياً، فقد صمت الآذان واختفى صوت العقل أمام صوت المدفع ودخان البارود والنار ولم نعد نرى على وجوه الناس إلاّ القلق والمعاناة".
وأضاف: "جربنا في لبنان كل الوسائل وسعينا إلى أهداف متباعدة أحياناً كثيرة، طعن بعضنا البعض الآخر، وعضّ بعضنا على أصابع بعض وأدخلنا إرادات غير لبنانية في ما بيننا وبنينا الأوهام على الشرق والغرب والجنوب والشمال فماذا حصدنا؟ جنينا التفرقة وقبعنا في صقيع الغربة والتناحر وعدنا إلى نقطة الصفر واقتنعنا اليوم بما لم نقبله بالأمس".
الشامـي
وتحدث الدكتور علي الشامي، ومما قال: "يشترط الحوار الإقرار سلفاً بواقع التمايز كما يتضمن نزوعاً نحو وحدة انتماء لا تلغي التنوع، ذلك أن الوحدة والتنوع هما عاملان تكوينيان في مبدأ الحوار نفسه (…).
أن أي مساهمة جادة الإنجاح الحوار الإسلامي ـ المسيحي تحتاج إلى ملامسة العلاقة الخاصة القائمة بين المسيحية والإسلام كرسالتين صادرتين عن أصل إلهي واحد".
البـزري
وتساءل النائب البزري: "لماذا هذه الدعوة، ولماذا هذا الحوار؟" وقال: "هناك فئات طاغية تريد أن تنهش لبنان، وتقول إذا انسحب العدو الإسرائيلي فإن لبنان الجنوبي سيقع فريسة الاقتتال. نحن نريد أن تكون اليوم طليعة الجيش اللبناني في الجنوب، فنقول لهؤلاء وللحكم: "لا تخافوا، إننا هنا يد واحدة، وإننا نتحاور في ما بيننا ولا نتقاتل. نعيش بلغة التفاهم على حب وطن واحد وخدمة وطن واحد، لا في خدمة الاقتتال والسلب والانتفاع (…).
نحن على مفترق خطر جداً، فإما أن نكون وإما لا نكون، وقوة موقفنا في اتحادنا وتفاهمنا، ولا يمكن أن نجبه عدواً أياً كان ومهما كان قوياً أو ضعيفاً بعيداً أو قريباً إلاّ إذا جبهناه بقوة واحدة وباتحاد متين. لكل أراؤه وأفكاره، ولكن لا يسمح لهذه الآراء والأفكار بأن تمنع وصول الجيش اللبناني إلى الجنوب. ولا يجوز أن تكون عثرة في طريق توحيد لبنان وتحريره، هذه الأهداف التي طالما سعينا إليها وما نزال.
نحن نتقبل كل ما حدث بروح واحدة باعتبار أنه لم يأت من طائفة أو من دين، إنما أتى من عدو. لذلك يجب أن تتشابك الأيدي وتتوحد الجهود لمواجهة هذا العدو ليتحرر لبنان، ولن يتحرر لبنان إلاّ إذا تحرر جنوبه (…).
إننا ننادي بأعلى صوتنا: "ارحلوا ولن نقتتل، ونحن كفيلون بدمائنا وأولادنا وإخواننا باحتواء كل اختلاف سيحدث وضبطه في قالب واحد لمصلحة الوطن. نحن بالعشرات والمئات وراء الجيش اللبناني ليتمكن من أداء واجبه في ضبط الأمن".
وتساءل: "لماذا يريدون القوة الدولية شمال الليطاني خلافاً لقرارات الأمم المتحدة؟ إن ذلك هدفه خلق حاجز لإسرائيل ولسنا مجبرين على أن نكون حماة لأي دولة. نحن فقط حماة دولتنا، ومن هنا نؤكد أننا سنضبط الأمن، ولن يكون هناك أي تجاوز، شأننا في السابق، وسنكون وراء كل جندي لأداء واجبه".
ووجه نداء إلى كل جنوبي قال: "إن ما تسمعه يا أخي الجنوبي وما تراه ليس الحقيقة، الحقيقة هي مقاومتك، ووحدة هذه المقاومة لأنها ستقودك إلى النصر وستقود لبنان إلى التحرر".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ـ جريدة "السفير"، تاريخ 23 كانون الأول 1984.