كلمة المناضل - الإرادة الصامدة المستمرة أنجزت الجلاء .. وتأسيس الحزب وانتصار الثورة - عددان
كلمة المناضل العدد 253 آذار ـ نيسان 1992
الإرادة الصامدة المستمرة أنجزت الجلاء .. وتأسيس الحزب وانتصار الثورة
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في غمرة احتفالات شعبنا وحزبنا بأعياد الثورة والتأسيس والجلاء التي تصادف ذكراها هذين الشهرين آذار ونيسان في كل عام ، تبرز أمام الجميع أعباء جديدة ومهمة تتمثل في مواجهة التآمر الإمبريالي على جماهير أمتنا العربية ، وعلى سورية وحلفائها الوطنيين والتقدميين العرب على وجه الخصوص .
ففي الوقت الذي هدأت فيه رياح عاصفة الصحراء بعد حرب العراق ضد الكويت واندحار الغزو بعد ذلك ، والتحولات الجذرية التي لفت دول المنظومة الاشتراكية السابقة وتحولها دون استثناء نحو نمط ليبيرالي غربي في مناحي حياتها المختلفة ونظمها السياسية وخضوع معظمها بعد معاناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية للهيمنة السياسية للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين ، وعلى الرغم من الادعاءات الأميركية لإيجاد حل للنزاع القائم بين العرب والإسرائيليين وإطلاق المبادرة الأميركية " لمبادلة الأرض بالسلام " والعمل على عقد المؤتمر الخاص بالمباحثات لتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعددة والمتكررة حول الصراع العربي الصهيوني . رغم كل ذلك يلاحظ العالم أن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية سياسة ذات وجهين وسياسة لا يتمثل فيها العدل والمساواة أبداً ، فهي في الوقت الذي تمالئ فيه إسرائيل ولا تتخذ أي إجراء للضغط عليها وإجبارها على تنفيذ القرارات الدولية تحاول في الوقت نفسه الضغط بجميع الوسائل الممكنة على الأمة العربية وعلى قواها الوطنية والتقدمية وعلى أنظمتها التي ترفض سياسة الهيمنة والتسلط الإمبريالي على الوطن العربي لإجبارها على الرضوخ لسياساتها وتنفيذ أطماعها ، فتراها تارة تتهم سورية بحادثة الطائرة الأميركية التي تفجرت فوق اسكتلندة ، وتارة تتهم المنظمات الفلسطينية ، ثم تتوجه بالاتهامات بعد ذلك نحو إيران ، وبعدها تتهم الجماهيرية الليبية بهذا الحادث وتؤلب الرأي العام العالمي وتشن حملة ظالمة ضد ليبيا ، وتدفع بمجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار بالعقوبات وتبدأ فعلاً بتطبيق تلك القرارات على الرغم من عدم وجود أي دليل مقنع أو إبراز أية أدلة للاتهام المذكور .
إن الهدف الإمبريالي الذي تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها لتحقيقه واضح وجلي أمام أعين كل ذي بصيرة ، فالمطامع الاستعمارية القديمة التي يسعى الغرب لتحقيقها في الوطن العربي لإخضاعه واستغلال خيراته شاهدة للعيان خصوصاً وان الوطن العربي بموقعه الاستراتيجي وثرواته النفطية ، وغيرها يشكل عاملاً مهماً لمسيرة الصناعة والتقدم في تلك الدول الصناعية والرأسمالية ، ووجود سياسة وطنية مستقلة في الدول العربية أمر لا يروق للغرب الإمبريالي .
أن السياسة العدوانية التي تمارسها الدول الغربية تهدف إلى إخضاع الأمة العربية وابتزاز ثرواتها وتحطيم إرادتها وهدر طاقاتها واستنزافها ـ واستمرار الاحتلال الصهيوني عاملاً ضاغطاً مهدداً ، واستنزافاً عسكرياً مستمراً يشل طاقات الأمة العربية وجهدها ، وعاملاً معيقاً لبناء الاقتصاد الوطني .
إن سورية بحزبها وشعبها وقائدها تعي تمام الوعي تلك الأهداف الخبيثة للإمبريالية وتسعى بكل الجهد الممكن لرص صفوف الأمة العربية وتوحيد طاقاتها لمواجهة ذلك التآمر .
وجولة الرفيق الأمين العام للحزب على دول الخليج العربي في نيسان كانت في هذا الإطار كي يستعيد العرب موقعهم ويحافظوا على ثرواتهم ويستلهموا تاريخهم ويرسموا مستقبل أجيالهم على نحو أفضل تتمثل فيه الإرادة العربية الحرة وينتفي فيه الخضوع للإرادة الأميركية والأجنبية .
إن المهمات التي يواجهها حزبنا وجماهيرنا قد ازدادت خلال المرحلة الراهنة ، وستكون أكبر واصعب في مستقبل الأيام ، لكن الإرادة التي انطلقت وأسست حزب البعث العربي الاشتراكي في السابع من نيسان عام 1947 هي نفس الإرادة التي فجرت ثورة الثامن من آذار عام 1963 وهي الإرادة ذاتها التي حققت جلاء المستعمر عن سورية ، وهي الإرادة التي بنت سورية الحديثة الصامدة المكافحة وهي الإرادة التي تتحطم عليها كل المؤامرات التي تستهدف النيل من شرف وكبرياء وكرامة الأمة ، تلك الإرادة ستقف في وجه كافة أشكال الهيمنة ، وستبقى تستنهض الشعب وجماهير الأمة العربية كي تصوغ حياتها الجديدة ومجد أجيالها القادمة في ظل وحدة عربية قومية وحياة ملؤها الحرية والمساواة .