كلمة المناضل - مؤتمر السلام و الاحتمالات الثلاثة - عددان
كلمة المناضل العدد 249 تموز ـ آب 1991
مؤتمر السلام و الاحتمالات الثلاثة ..
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
فيما تتسارع الأحداث والتغييرات التي لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ زمن بعيد ، ويتحول فيها قطب مهم وبارز مثل الاتحاد السوفييتي ويشهد تبدلات في مجالات حياته المختلفة ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ، وتتغير خارطته السياسية كلياً فترة قصيرة وقياسية لم يكن يتوقعها أحد .
في هذا الوقت يقترب موعد انعقاد " مؤتمر السلام في الشرق الأوسط " كما اتفقت عليه الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي في وقت سابق .
ومع اقتراب هذا الموعد ، يزداد الضعف السوفييتي نتيجة ما يحدث فيه ، ويتعاظم النفوذ الأميركي في كافة المجالات ، ويزداد ويتصاعد التعنت الصهيوني وتضع إسرائيل كل يوم عراقيل جديدة أمام المجتمع الدولي لمنع انعقاد المؤتمر ..
أمام ذلك كله ما هي احتمالات انعقاد مؤتمر السلام ؟ وما هي احتمالات نجاحه أو فشله ...؟ وما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج للقضية الفلسطينية والقضية القومية بشكل عام .. ؟
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبروز التوتر والحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي من جهة والإمبريالي من جهة أخرى ، وإنشاء الكيان الصهيوني وظهور دولة إسرائيل في قلب الوطن العربي ، هذه المنطقة الاستراتيجية والحساسة بموقفها وثرواتها النفطية ، بدأت الولايات المتحدة الأميركية منذ ذلك الوقت بدعم إسرائيل بكل أسباب القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية لضمان سيطرتها على مقدرات النفط وإبقاء الآلة الصناعية الغربية في مأمن من مخاطر انقطاعه عنها . واتجهت بسياستها لمنع الاتحاد السوفييتي من بسط نفوذه وتأثيره على المنطقة أو بعض دولها ووقفت موقفاً عدائياً من القوى الوطنية والتقدمية وحاربتها .
واستمر الوضع على هذا المنوال حتى حدوث التغييرات الكبيرة في الاتحاد السوفييتي بعد انتهاج سياسة التغيير في السنوات القريبة الماضية ، وانتهاء سياسة المواجهة بين القوتين ..
وأخيراً جاءت أحداث الكويت وحرب الخليج لتؤكد سيطرة وهيمنة السياسة الأميركية ، وانتهاء تأثير الاتحاد السوفييتي في المنطقة وأفول نجمه كقوة مساندة لشعوب العالم الثالث وقضاياها التحررية في مواجهة الإمبريالية والصهيونية .
وعندما تحقق ذلك للولايات المتحدة الأميركية رأت أن مصلحتها في إنهاء بؤر التوتر في المنطقة الناتجة عن الصراع العربي الإسرائيلي أولاً ، أو أية صراعات وتوترات إقليمية داخل دول المنطقة قد تضر بمصلحتها الراهنة أو ستؤثر في المستقبل على استراتيجيتها في تأمين موارد النفط واستمرار تدفقه .
وبما أن أهم بؤرة توتر في المنطقة هي استمرار الصراع العربي الإسرائيلي ، لذا يجب العمل على تهدئة ذلك الصراع ، وإيجاد الوسائل الكفيلة بإنهائه ما أمكن ، وان الدعوة إلى مؤتمر سلام ربما تحقق ذلك حسب اعتقادها ، لذلك قامت بالدعوة له بالاتفاق مع الاتحاد السوفييتي ، وبذلت جهداً لترتيب ذلك مع الدول المعنية في المنطقة العربية .
وفيما يتعلق بالمؤتمر ، فإن احتمال انعقاده وارد جداً ، وتمثيل الأطراف المختلفة ، ربما سيؤخذ بعين الاعتبار ، والاتفاق على بعض الصيغ الإجرائية والتقنية ، قد يتم التوصل لها .
لكن مضمون قراراته ونتائجه تشير إلى احتمالات ثلاث :
أولاً : أن يفشل المؤتمر من أولى جلساته نتيجة تعنت إسرائيل ورفضها تطبيق قرارات مجلس الأمن ، خصوصاً قراري 242 و 338 اللذين ينصان على انسحاب كامل من جميع الأراضي المحتلة عام 1967 ، وهذا الأمر ربما لا تسمح به الولايات المتحدة الأميركية وشريكها الاتحاد السوفييتي ، لأنهما متفقان على العمل لاستمرار المؤتمر والمباحثات للتوصل إلى نتائج يرغبان في الوصول إليها .
ثانياً : أن تمتثل إسرائيل وتقبل بتطبيق قرارات مجلس الأمن ، وتقر بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة والبحث في النقاط الأخرى من القرارات خصوصاً حقوق الشعب العربي الفلسطيني وهذا أمر مستبعد في الظروف الراهنة لأنه لا شيء يمكن أن يجبر إسرائيل على مثل هذا الموقف خصوصاً إنها لا تشعر بالتهديد أو الإحراج أو تجابه موقف ضغط من أية جهة كانت .
ثالثاً : أن يشكل المؤتمر لجاناً متخصصة لبحث الأمور جميعها ، ويمكن أن يستمر عمل هذه اللجان أشهراً وربما سنوات عديدة دون أن تتوصل إلى أية قرارات أو نتائج مهمة ، وبالتقادم يمكن أن يمر الوقت وتميع تلك اللجان وأعمالها ومشاريع قراراتها كما تلاشت واندثرت غيرها من اللجان التي شكلتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن عبر السنوات الأربعين الماضية في موضوع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ، ويبقى كل طرف من الأطراف في موقعه وعلى موقفه ، هذا الاحتمال الأخير هو الأقرب إلى الواقعية ..
وسيبقى حزبنا وقيادته يعملان من أجل انعقاد المؤتمر الذي تحاول إسرائيل عرقلة انعقاده متذرعة بشتى الذرائع للوصول مع بقية الأقطار العربية الأخرى إلى سلام دائم وعادل مبني على تطبيق القرارات التي صدرت عن المجتمع الدولي ، ريثما تتوفر ظروف أكثر ملاءمة للأمة العربية عامة ولقواها الوطنية والقومية على وجه الخصوص لتستعيد موقعها القيادي والريادي ، وتستجد ظروف دولية وعربية أكثر توافقاً مع طموحات شعبنا وجماهيرنا وقضيتنا التي لا يمكن التفريط بها لأنها ملك الأجيال المستقبلية كما كانت ملك الأجيال السابقة .