كلمة المناضل - أين نحن من المتغيرات التي تجري في العالم ؟
كلمة المناضل العدد 244 أيلول ـ ك 1 1990
أين نحن من المتغيرات التي تجري في العالم ؟
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في وقت يتجه فيه العالم نحو تطورات وتغيرات تشمل النواحي البشرية عامة ، وتتجه فيه الدول العظمى نحو الوفاق وتخفيف حالة التوتر وتحقيق مصالحة لم يشهد العالم منذ أكثر من قرن .
وفي وقت تتغير فيه اتجاهات كثير من الدول ، الاجتماعية والسياسة والاقتصادية كما حدث في دول أوربا الشرقية وبعض الدول الأفريقية .
وفي وقت تنحو فيه الدول التي تقسمت وتجزأت وقامت فيها أنظمة متباينة ولفترة تقارب نصف قرن وربما أكثر ، تنحو لتحقيق الوحدة القومية كما حدث في ألمانيا .. وكما يحدث بين الكوريتين ، وفي وقت تتقارب فيه مجموعات من الدول المختلفة للوصول إلى كيانات سياسية واقتصادية كبيرة كما يجري حالياً في دول أوربا الغربية ، أمام هذا كله يمر على الأمة العربية ظرف من أصعب الظروف من تشتيت وانقسام لم تشهده من قبل وهي في وقت أكثر ما تحتاج فيه إلى التماسك والوحدة للوقوف في وجه المتغيرات الكبيرة التي يشهدها هذا العالم ، حيث تغيرت فيه تحالفات كثيرة وحدثت تحالفات دولية لم تكن في بال أحد قبل عقد من السنين وخسرت الأمة العربية أصدقاء وحلفاء كان يمكن أن يكون لهم تأثير على المواقف الدولية فيما يتعلق بالنضال القومي العربي ضد الصهيونية والاحتلال والخطر الإمبريالي خصوصاً حين تشهد الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة مشاهد لمقاومة بطولية وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات من الانتفاضة ضد قوى الاحتلال الصهيوني .
إن الأسباب التي أدت إلى ضعف الموقف العربي وتمزقه كثيرة ومتعددة الوجوه ، ولا مجال للخوض في تفاصيلها الآن ، لكن أكثر ما أدى إلى التمزق هو اختلاف النظرية الاستراتيجية للموقف العربي وتوزع تلك الاستراتيجية في اتجاهات متعددة ، بل ومتناقضة في أحيان أخرى ، وأبرز مثال على ذلك موقف النظام في العراق عند اجتياحه لدولة الكويت وأهداف هذا النظام التي خرجت عن الإطار العام للاستراتيجية العربية التي تمثلت خلال نصف القرن الماضي بالوقوف في وجه المخططات الصهيونية والإمبريالية الرامية إلى استمرار احتلال فلسطين واستمرار تجزئة الوطن العربي وتمزيقه ، وبالتالي السيطرة والهيمنة واستمرار الاستغلال لخيرات الأمة العربية وثرواتها .
وهذا الهدف الصهيوني الإمبريالي هو الذي واجهته الأمة العربية وجماهيرها على امتداد تاريخها منذ أن ظهر وعد بلفور عام 1917 وظهرت خفايا معاهدة " سايكس ـ بيكو " لتقسيم الوطن وتجزئته والهيمنة على مقدارته ووقفت في وجهه وصاغت نظريتها لمقاومته ووضعت في أولويات أهدافها مكافحة ذلك الخطر وتعرية تلك الأهداف ومقاومتها ودحرها .
أن أي موقف لا يخدم هذه الأهداف ويقف في وجهها ويضعفها يكون في اتجاه معاكس لسير التاريخ ويخدم بالتالي أهداف أعداء الأمة ومستغلي خيراتها ومحتلي أرضها خصوصاً في الوقت الراهن الذي كما ذكرنا يشهد العالم فيه تغيرات كبرى تستعجلنا كي نتوحد ونتحرر ونلحق بركب التطور البشري .