كلمة المناضل - المتغير والثابت في عام 1988
كلمة المناضل العدد 227 كانون أول 1988
المتغير والثابت في عام 1988
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
ونحن نطوي صفحة عام 1988 الزاخرة بالأحداث والتطورات السياسية ، لا بد من أن نستعرض واقع امتنا وجماهيرنا وما حققته خلال عام مضى وما نتطلع إليه في عام مقبل ، خصوصاً وأنه حدثت في منطقتنا متغيرات يجب أن لا تغيب عن بال كل مخطط للسياسة ومحال للاستراتيجية وقائد للجماهير ، وكل رفيق حزبي يناضل لوضع لبنة في بناء مجد الأمة العربية وصياغة مستقبلها بأحسن صياغة والاستفادة من معطيات العلم والحياة لاسعاد أوسع الجماهير وتحقيق أمنيات جميع أبناء هذا الوطن . ولا بد في هذا السياق من تذكر ما يعانيه أهلنا في الوطن السليب فلسطين ، والأجزاء العربية الأخرى المحتلة من قبل الغزاة الصهاينة : في جنوبي لبنان وفي الجولان ، تلك المعاناة التي تفجرت في ضوء العجز العربي عن انتفاضة مضى عليها أكثر من عام ، ثابتةً متطورة ملهبة المشاعر في الداخل والخارج ، مؤكدة أن السبيل الوحيد لاسترجاع الحقوق هو سبيل الصمود والمقاومة وان المراهنات التي ينساق بعضهم وراء سرابها أن هي الا وهم خلفته ظروف التقاعس العربي وقصر النظر لدى القيادات التي أفرزتها ثقافة التقاعس ، وإيديولوجية الاستسلام .
وقد برهنت الأحداث الأخيرة أن المراهنات التي تحدثوا عنها من وجود " يسار إسرائيلي" ، أو " معتدلين صهاينة" ، أو " حمائم يهودية " ، على استعداد لإعادة الأرض والتفاوض " والسلام" شريطة أن يكون الموقف العربي والفلسطيني خاصة " معتدلاً " ، ونابذاً الإرهاب ، ومعترفا بالكيان الصهيوني الموجود !! برهنت الأحداث على أن ذلك وهم كبير يجب أن لا ينساق أحد خلفه .
وان من اعتقدوا أن حصان الرهان وهو حزب العمل الإسرائيلي ، فقد كان على مدى أربعين عاماً هو المخطط والمنفذ للايديولوجية الصهيونية العنصرية الاستيطانية ومؤسس الدولة الصهيونية الذي انتفض فجأة وعقد حلفاً مع من أسموه كتلة اليمين الإسرائيلي لمواجهة الانتفاضة في الداخل ، والعرب جميعهم في الخارج . بل ومواجهة ضغوط الرأي العام العالمي المطالب بإقرار تسوية ما لقضية الشعب العربي الفلسطيني ولو على الطريقة الانهزامية التي يلهث وراءها معظم المتقاعسين العرب ، وأصدقاء الولايات المتحدة الأميركية في الوطن العربي وخارجه .
ان الثوابت في السياسة والفكر العربيين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والموقف من الصهيونية العنصرية هو ما قرره حزبنا وعلى مدى نضاله خلال العقود الماضية مستلهما تاريخ الأمة وحضارتها وآمال أبنائها وتطلعات جماهيرنا ، وهو وحده الكفيل باستعادة الحقوق وصياغة حياة عربية جديدة ليس في فلسطين فحسب بل ، وفي أقطار الوطن عامة . وهذا ما يتمسك به حزبنا ، ويعد جماهيره وجماهير سورية من أجله ، ويحاول جاهداً أن يخلق أفضل الظروف في الواقع العربي لوحدة العرب ويحاول حشد جميع الطاقات من أجل تحقيقه .
وفي المتغيرات توقف الحرب العراقية الإيرانية ، ومحاولات حل قضية الصحراء الغربية والنزاع العربي حولها ، وطرح أفكار عملية لحل مشكلة جنوب السودان ، والتحولات والمستجدات التي حدثت في بعض دول المغرب العربي ، وما سيترتب على إعادة عضوية مصر في الجامعة العربية ، إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بلبنان ، والموقف الأميركي الأخير من منظمة التحرير الفلسطينية بعد تقديم التنازلات التي طلبتها أميركا منها ، ذلك على الصعيد القومي العربي ، أما على الصعيد الدولي فأبرز ما فيه العلاقة بين القوتين العظميين وانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية ، إضافة لما يجري من تطورات داخل دول المنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي من سياسة " إعادة البناء " ، وما يتبع ذلك في العلاقات الإقليمية والدولية ، وانعكاسها على النزاعات الإقليمية في مختلف مناطق العالم ويضمنها " منطقة الشرق الأوسط " ، كل ذلك يجعل العام الجديد عام 1989 عاما حافلا بالمستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحاول قيادات الدول والأحزاب والحركات والشعوب مواجهته ومناقشته واستيعاب نتائجه والتعامل معها .
ونحن أيها الرفاق كجزء مهم من حركة التحرر الوطني العالمية وطليعة مناضلة لحركة التحرر العربية يشملنا ذلك الانعطاف الكبير الذي يحدث في العالم ، ونتحرك بسرعة لمواجهة مستجداته ومعطياته في مختلف اتجاهاته المحلية والإقليمية والدولية . إن استمرارية أية حركة أو حزب أو قيادة تستلهم آمال الجماهير وتطلعاتها لابد لها وان تأخذ في الحسبان وتتحرك في الوقت المناسب لمعاصرة أي حدث وتفسيره واحتوائه وتطويره والاستفادة منه بما يتلاءم مع الأهداف الاستراتيجية للأمة التي يقودها ، والجماهير والطبقات التي يمثل مصلحتها وتطلعاتها ، أن مثل ذلك الموقف الطليعي قد ميز حزبنا ومنذ تأسيسه في استيعاب الظروف وصياغة سياسته في ضوء المستجدات وهذا سبب مهم من أسباب استمرار يته وبقائه وتجدده .
أن تطلعات الجماهير التي يمثلها حزبنا تتطور باستمرار لكنها في الأصل مبنية على أسس ثابتة راسخة لا يمكن التنازل عن أي منها : فالوحدة العربية ، وتحقيق حرية المواطن ، وإنجاز التحولات الاشتراكية سبيلاً لحياة كريمة ، هي أهداف استراتيجية ثابتة راسخة لا يمكن التنازل عنها أو التفريط بها لأنها تشكل بالنسبة لنا العمود الفقري الذي يحمل جسم حزبنا ومنظماته الجماهيرية والشعبية كافة .
كما أن الثوابت الفكرية والاستراتيجية في مجال القضية الفلسطينية كما أسلفنا لا يمكن التفريط مهما بلغت قساوة الظروف وانجراف المتهالكين وراء السياسات المؤقتة والرخيصة التي يعتقدون أنها تحقق سلاماً وهي في الواقع لا تحقق الا استسلاماً كاملا للعدو ومخططاته .
إن حزبنا إذ يستقبل عاما جديدا زاخرا بتلك الأحداث والمتغيرات يؤكد أن الطريق الصحيح هو طريق التمسك التام بالأهداف الثابتة للجماهير ، وان السياسة الصحيحة التي يكتب لها النجاح في النهاية هي السياسة التي تستوعب الظروف المستجدة وتوصل جماهير امتنا إلى أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية وبأقل قدر من المعاناة .