كلمة المناضل - دروس معاصرة ودروس تاريخية فهـــل مــن مستفـيد ؟؟؟
كلمة المناضل العدد 215 كانون الأول 1987
دروس معاصرة ودروس تاريخية
فهـــل مــن مستفـيد ؟؟؟
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
منذ ما يزيد على الشهر والانتفاضة في الأراضي العربية المحتلة مستمرة ومتصاعدة ، تلك الانتفاضة والتي أطلق عليها معظم الناس " ثورة الحجارة " تواجه العدو الاستيطاني بأشكال متعددة وتعطي في كل يوم جديد درساً جديداً في النضال والصمود ليس فقط للمحتلين الإسرائيليين ، بل ولحلفائهم وسندتهم الغربيين والإمبرياليين خصوصاً الإمبريالية الأميركية التي لم تستطع رغم كل الدعم والتأييد الذي تغدقه على ((دولة إسرائيل )) لم تستطع إلا أن توافق في مجلس الأمن الدولي على قرار يدين إسرائيل على ممارساتها في الأراضي العربية المحتلة ، لاول مرة منذ ما يزيد على ست سنوات , وتعطي هذه الانتفاضة دروسا اشمل واعم للعرب اللاهثين وراء الحلول الاستسلامية والراكضين وراء التصريحات الأميركية و التطمينات الإمبريالية الصهيونية والوعود الكاذبة التي تهدف إلى امتصاص المد الجماهيري العارم والرافض لكل أشكال التسويات الجزئية والمنفردة . والانتفاضة هذه تعطي الدرس الأهم لبعض القادة الفلسطينيين الذين يلهثون وراء عقد مؤتمر دولي للسلام في "الشرق الأوسط" على الطريقة والأسلوب والشروط الإمبريالية والصهيونية والذين يبذلون من الجهود والطاقات والأموال ويهدرون إمكانات الجماهير العربية والفلسطينية في عمل ليس وراءه من طائل وليس فيه من النفع إلا وعملائه . لقد أثبتت تلك الانتفاضة ـ الثورة بشموليتها واتساعها وعمق انتشارها منذ أكثر للعدو ما يزيد على عشرين عاماً ، وامتدادها لتشمل سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 أثبتت أن أي حل لقضية فلسطين أن لم يكن معتمداً على إرادة وآمال تلك الجماهير وأخذاً في الحسبان وجودها ، ورأيها ، وشعاراتها التي تقدمها كل يوم ، أن لم يكن كذلك فهو حل مرفوض في الواقع الفلسطيني العربي ، وقادم من خارج الحدود ، يقدمه من لا يشعرون بمرارة الاحتلال ولا يعيشون مرارة القمع والتجويع والتشرد وسترفضه تلك الجماهير الثائرة التي لها وحدها فقط الحق في تقرير مصيرها على ترابها الوطني ، والتي كان صوتها أقوى من جميع الأصوات المزايدة وأقوى من قرارات جميع المؤتمرات والاجتماعات وتأثيرها افعل من سائر الإذاعات والإعلام المتهالك على أبواب كامب ديفيد و مفرزاته ، لأنها تملك إرادتها وتاريخها ، ومستقبلها وهي وحدها معنية بذلك .
ولا بد في خضم تلك المعارك الباسلة من التذكير بأن الأصوات الغريبة التي دعت وتدعو إلى قيام حكومة فلسطينية في المنفى إنما تصب في النهاية في طاحونة الإمبريالية والصهيونية ومشاريع حلولها لأن تلك الدعوات واللجان المشكلة لبحثها من بعض القيادات الفلسطينية الانهزامية تشكل ضربة للنضال الوطني الفلسطيني والنضال القومي العربي عموماً لأنها تحاول امتصاص تلك الانتفاضة وإجهاض النتائج التي ستترتب عليها لصالح الحلول الاستسلامية المعادية ، أن محاولات توجيه الأنظار عن الانتفاضة إلى وجهة " حكومة المنفى " ومحاولة امتصاص الجهد القومي والدولي الذي يبذل في الدفاع عن ثورة الأهل في المحتل من الأرض أو إلى أي جهة أخرى مهما كانت ، يشكل طعنة لنضال الجماهير وخيانة للقضية ، يجب عدم السكوت عليها وإدانتها ، ومحاربتها ، بل وعقابها بما يتناسب مع تلك الجريمة ، ويجب أن يكون الشعار اليوم هو كل الجهد ، وكل الدعم ، وكل الاهتمام للثورة المتصاعدة في الأرض المحتلة لتعزيزها وانتشارها واستمرار صمودها لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها . لقد أثبتت تجارب النضال القومي العربي والنضال الوطني الفلسطيني ومنذ وعد بلفور عام 1917 حتى الآن ، أن أهم الأهداف الصهيونية والإمبريالية هو إجهاض كل حركة أو انتفاضة أو تحرك يسعى حثيثا للوصول إلى نتائج محددة في مسيرة ذلك النضال ، وتأتي بعض القيادات قصيرة النظر في مراحل مختلفة من مسيرة ذلك النضال لتحقق للعدو ذلك الهدف بطريقة سهلة وميسورة ، وتغطيها ادعاءات حسن النيه أحياناً أو تحيطها بضجيج إعلامي وشعارات براقة زائفة في محاولة خداع كبيرة للجماهير المناضلة .
ويأتي شعار " حكومة فلسطينية في المنفى " في إطار تلك الحملات الخادعة المضللة التي يجب مقاومتها وإسقاطها في مهدها .
إن الدروس التي تعطيها انتفاضة الأهل في الأرض المحتلة يجب أن تفتح عيون الجميع على الحقائق الموضوعية والتاريخية والمستقبلية في مجال القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الصهيوني الاستيطاني ، العنصري ، التي نادى حزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي دائماً بها والتي تمثلت باختصار شديد : إن فلسطين عربية وستبقى كذلك ما دامت جماهيرنا تناضل من أجل التحرير والعودة بمختلف الطرق والسبل والوسائل المتاحة لها . وان ذلك الصراع هو صراع مصيري لا يتم حسمه لصالح الأمة العربية إلا بالقضاء على الصهيونية العنصرية في فلسطين .
وكما اندثرت الغزوة الصليبية وممالكها وإماراتها التي استمرت ما يقرب من مائتي عام على أرض فلسطين والأراضي العربية المجاورة لها بفعل صمود الأهل ووجود القيادة التي رعت ذلك الصمود ومثلته برفض الوجود الصليبي وقاومته وهزمته ، في مراحل التاريخ السابقة كما كان ذلك في الماضي يكون اليوم وسيكون في المستقبل ، ولسوف تندثر دولة العنصريين الصهاينة وستندحر الغزوة الصليبية الجديدة بفعل صمود جماهيرنا ومقاومتها ، ووجود القيادة التي ترعى ذلك الصمود وتحتضنه وتنميه . فهل لنا من دروس تاريخنا العربي عبرة ؟