كلمة المناضل - مؤتمر القمة .. والتضامن العربي .. إلى أين ؟
كلمة المناضل العدد 212 أيلول 1987
مؤتمر القمة .. والتضامن العربي .. إلى أين ؟
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في وقت تتزاحم فيه الأحداث في الوطن العربي ليأخذ كل منها حيزا مهماً ويحاول كل حدث أن يتصدر الأحداث الأخرى في موقع الأهمية ، تبقى قضية فلسطين والصراع العربي مع العدو الصهيوني العنصري الغاصب هي الحدث المستمر الذي يبرز الأحداث كلها ويحرك وجدان كل عربي صدمته هموم الوطن الكثيرة والكبيرة و أرهقته إرهاصاتها وتشعباتها وتعقيداتها وأناخت عليه بأثقال أصبحت همه اليومي ونظرة متعمقة فاحصة لتلك الأحداث والإفرازات الناجمة عنها تبين بوضوح أن أهمها وأصلها هو احتلال فلسطين واستمرار الصراع مع العدو الصهيوني . لذلك فعندما أقر الحزب ومنذ تأسيسه أن القضية المركزية للعرب جميعاً هي فلسطين كان يدرك بعمق أنها جوهر المشكلة وينظر إلى البعد التاريخي والقومي والمستقبلي للوطن العربي ولما يمكن أن يواجهه جراء تلك القضية فيما لو استمرت وطال أمد الصراع . كان العرب يواجهون مشكلة وبعد مدة أصبحوا يواجهون مشكلات عديدة ، ولو استمر ذلك الصراع فستجد الأجيال القادمة نفسها أمام مشكلات وتعقيدات أكثر بكثير مما نواجهه اليوم على كثرته .
فالوضع في لبنان مشكلة تحيطها تعقيدات كثيرة لو نظرنا إليها من جوانب متعددة . ونظام العراق وحربه المجنونة ضد إيران وما جرته على الوضع في الخليج العربي وما يمكن أن ينتج عنه مشكلة ثانية وربما أكثر كذلك ، والأحداث الدائرة في جنوب السودان مشكلة كذلك ، والتدخلات الإمبريالية والاستعمارية في جنوب الجماهيرية الليبية على حدود تشاد مشكلة أخرى وتعقيدات حرب الصحراء في مغرب الوطن العربي قضية أخرى تستحق الوقوف عندها أيضاً ، كل تلك الجروح وما تسببه في جسم هذا الوطن من آلام ونزيف دائم وهدر مستمر للطاقات البشرية والمادية تجعل الأمة العربية هزيلة في قوتها ومقاومتها لمواجهة الخطر الأهم في فلسطين وستبقى كذلك ما لم يتح لنا فرصة علاج تلك الجراح حتى لا تتسع فتزيد حجم الألم والنزف وبالتالي تزيد الضعف وتقل المقاومة وينهار ما تحاول أن تبنيه الجماهير في أقطارها وما حققته عبر سنوات النضال الشاقة .
واستعراض سريع للعمل العربي الرسمي عبر مؤتمرات القمة العربية التي انبثقت فكرتها الأولى لمواجهة الأطماع الصهيونية في فلسطين ومشاريع التوسع " الإسرائيلي " في الوطن العربي وكيفية مواجهة تلك الغزوة الإمبريالية العنصرية ، نجد أن جميع تلك المؤتمرات ـ العادية منها والاستثنائية ـ كان الهدف منها هو القضية الفلسطينية ومواجهة العدو الصهيوني ، لذلك فعندما أعلنت سورية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي أنها لن تحضر مؤتمرا يحيد في أعماله عن أهدافه التي وجد من أجلها وأن جدول أعمال المؤتمر يجب أن يتضمن ذلك فهي تكون قد وضعت الأمور في نصابها وأعادت المياه إلى مجاريها كما يقولون وأعادت العرب إلى الطريق الصحيح الذي بدؤوا السير عليه منذ أن عقد أول مؤتمر قمة عربي في القاهرة عام 1964 بل وأكثر من ذلك فلو استعرضنا مؤتمر قمة بيروت للدول العربية الذي عقد عام 1956 لبحث العدوان الإمبريالي الصهيوني على مصر وكذلك أول اجتماع عربي حين أنشئت الجامعة العربية عام 1946 يوم اتخذت مراحل اغتصاب فلسطين خطوات عملية بمساندة بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية آنذاك فكانت القضية الفلسطينية هي محور المؤتمر توضح ذلك المقررات العلنية والسرية لمؤتمر انشاص في مصر آنذاك . واليوم ونحن على أبواب مؤتمر آخر للقمة العربية سيعقد في الأردن وعندما حاولت بعض الأنظمة العربية جعل هذا المؤتمر يحيد عن الهدف الأساسي والأسمى لمؤتمرات القمة أو للعمل العربي الرسمي وأن يتجه اتجاهاً يحمل بدايات غير محمودة العواقب وتضر أضراراً لا حدود له بالوطن العربي ومستقبل العمل العربي المشترك وبالقضية الجوهرية للنضال العربي، وقفت سورية بحزبها القائد وأمينه العام أمام تلك المحاولات ولولا ذلك لشهدت الأمة العربية وضعاً صعباً كان للإمبريالية والصهيونية فيه مكسباً كبيراً ونجاحاً متزايداً ، في الوقت الذي تحشد فيه أساطيلها وقواتها العسكرية في الخليج العربي وتستنفر قواتها المحمولة وتتخذ قراراتها بالاعتداء على أراضي المنطقة وعلى الثورة الإيرانية تمهيداً لمساعدة الأنظمة العربية الحليفة لها وتأمين وصول إمدادات النفط للآلة الحربية والصناعية للإمبريالية العالمية وحليفتها الصهيونية واسترجاع مكانتها في الخليج وإيران كما كانت في عهد الشاه قبل أن توجه لها الثورة الإيرانية الضربة القاسية .
إن المقدمات الصحيحة تقود حتما إلى نتائج صحيحة كما أن المقدمات الخاطئة ستؤدي إلى نتائج مماثلة لها .
إن التضامن العربي إذا لم يكن لمواجهة العدو الأساسي والقضية المركزية في فلسطين لن يكون تضامناً لمصلحة العرب ولن يكون تضامنا فعالاً يفرز معطيات إيجابية تجاه الجماهير العربية التي تنظر بأمل إلى العمل العربي الرسمي فقط عندما يكون في الاتجاه الصحيح . لذا فمؤتمر القمة العربي يجب أن يكون للقضية المركزية أولا لأنها البداية وهي النهاية .