كلمة المناضل - عددان - القمة الإسلامية الخامسة بين مقدماتها ونتائجها
كلمة المناضل العددان204 ـ 205 كانون2 ـ شباط 1987
القمة الإسلامية الخامسة بين مقدماتها ونتائجها
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
انعقدت في الكويت في الفترة ما بين 26ـ29/1/1987 القمة الإسلامية الخامسة بمشاركة واسعة من رؤساء الدول العربية والإسلامية ، لقد أثار المؤتمر قبل وأثناء انعقاده جدلا واسعاً لدى جميع الأطراف المشاركة فيه ، وكذلك أطراف أخرى لم تشارك بطريق مباشر ، خصوصاً تلك الدوائر الإمبريالية التي حاولت أن تجعل من المؤتمر منبرا لترويج السياسة الأميركية والاستسلامية في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي ، ومحاولة جعل نهج كامب ديفيد ومفرزاته سياسة وواقعاً مقبولاً من أطراف المؤتمر خصوصاً بعد قرار إعادة عضوية النظام المصري إلى المؤتمر الإسلامي ومشاركته فيه.
لقد كان الهدف أيضاً التمهيد للنظام المصري لإدخاله عبر البوابة الإسلامية إلى الساحة العربية وإعادة عضويته للجامعة العربية بعد ذلك ، بكل ما يحمله من أوزار اتفاقية الاستسلام مع العدو الصهيوني .
إن الدوائر الإمبريالية والرجعية المعادية للأماني العربية والتوجهات الإسلامية حاولت أن تجعل المؤتمر ينحرف عن الطريق الذي وجد من أجله في الأساس بعد محاولات الصهيونية حرق المسجد الأقصى عام 1969 وهو التضامن مع الوطن العربي في كفاحه ضد الصهيونية ودعم الحق العربي لا سيما في أبعاده الإسلامية وكان يهدف إلى حشد جهد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لمقاومة الصهيونية ومخططاتها ومقاومة السياسات الإمبريالية ، ومن أجل وحدة حقيقية في ضوء مبادئ الإسلام السمحة التي أعطت البشرية قيما ومبادئ ساهمت عبر قرون عدة ومن خلال الحضارة العربية في وضع أسس النهضة التي وصل إليها العالم اليوم .
وعند استعراض سريع للمواقف المختلفة والمشاريع المطروحة للقرارات وكذلك جدول الأعمال الزاخر بالموضوعات المتناقضة التي أعدت لتعرض على القمة يمكن أن نلخص المقدمات المشبوهة التي حاولت تلك الدوائر تنفيذها بالأتي .
أولاً : ـ تسويق نهج كامب ديفيد وسياسة الاستسلام عربياً وإسلامياً مع ما يتبع ذلك من آثار سلبية على الأمة العربية والشعوب الإسلامية وتعميم السياسة الأميركية في المنطقة وجعلها أسلوباً في الحياة تسعى الصهيونية وأميركا الوصول إليها وهو تثبيت دولة " إسرائيل" كيانا أصيلا في المنطقة حيث لا يمكن معه أن يتم أي عمل أو قرار أو سياسة دون مشاركتها ، وتصبح بذلك الدولة الأكثر قدرة على التأثير والفعل في توجيه السياسة والاقتصاد ، والثقافة والحياة العامة بسبب ما تتمتع به من تأثير ودعم الولايات المتحدة الأميركية ، وتكون بذلك قد حققت الشعار الذي طرحه غلاة الصهاينة ومنذ مدة بأن " إسرائيل ستصبح ضمن دول المجموعة العربية والإسلامية " .
ثانياً : ـ توجيه الاهتمام وحرف الأنظار عن المخاطر الحقيقية التي تواجه العالم الإسلامي والأمة العربية والمتمثل في وجود الكيان الصهيوني في فلسطين ومحاولات التركيز على قضايا خلقتها الإمبريالية الأميركية والدوائر الصهيونية والرجعية العميلة وشجعتها وغذتها وصعدت أوار اقتتالها ، وما تزال تشكل بؤرا للتوتر منتشرة في بقاع عدة مثل تشاد وأفغانستان ولبنان والحرب العراقية ـ الإيرانية ، وجنوب السودان والصحراء الغربية وغيرها كل ذلك في محاولات يائسة لطمس وتغطية معالم الخطر الحقيقي الناجم عن احتلال الصهيونية لفلسطين الذي هو سبب معظم مشكلات المنطقة وإشعال نار تلك الحروب المتعاقبة واحتلال أراض عربية أخرى .
لقد وعى حزب البعث العربي الاشتراكي وثورته في القطر العربي السوري تلك المخططات المشبوهة التي تتهدد الأمة العربية والشعوب الإسلامية فكان تحرك الرفيق الأمين العام حافظ الأسد رئيس الجمهورية ومشاركته في الحضور شخصياً جلسات المؤتمر والنشاط البارز الذي مارسه كان عاملاً أساسياً وحاسماً في إعادة توجيه مسار النقاش وتوجيه المؤتمر كله في وجهة صحيحة ، ألا وهي التركيز على القضية الفلسطينية كأس لكل الجدل والنزاع الذي يحيط بالأمة ، مؤكداً بحضوره وبتحليله ومواقفه وما قدمه في الكلمة المهمة التي تحدث فيها بشمولية وعمق وما قدمه من دلالات تاريخية ومعاصرة وما قام به من اتصالات ثنائية مع وفود المؤتمر مؤكداً المنطلقات الأساسية في الصراع العربي ـ الصهيوني معرياً كل السياسات الانهزامية والاستسلامية الأخرى المدعومة من الإمبريالية وعملائها بالإضافة إلى ذلك فانه أشار إلى قضايا حركة التحرر العالمي ، وطالب المؤتمر بتأييدها والانتصار لها كما فضح السياسة الإرهابية التي تمارسها الإمبريالية مؤكداً أن الإرهاب هو ما تتعرض له الأمة العربية والشعوب المناضلة التي تقاسي من الضغط والاحتلال والاعتداءات وحشد الأساطيل مميزاً بذلك بين الإرهاب هذا وبين ما تمارسه الشعوب المكافحة من حق في مقاومة الاحتلال والاستلاب والتشريد الذي تسببه قوى الظلم والعدوان .. وبذلك وضع المؤتمر في مساره الصحيح واستطاع الرفيق الأمين العام أن يوجه الأنظار مرة أخرى نحو القرارات والتوصيات الصحيحة التي تخدم الأمة العربية والتوجهات الإسلامية ، وبذلك أصبح المؤتمر مظاهرة لمحاكمة النهج الأميركي الإمبريالي الصهيوني وتعريته بدلاً من أن يكون منبرا للترويج له ، لذا نرى أن الأجهزة الإعلامية الإمبريالية لم تعر اهتماماً كبيراً لنتائج المؤتمر كما كانت تطبل وتزمر قبل انعقاده . وقد أيد الأصدقاء في الدول الاشتراكية والاتحاد السوفييتي خصوصاً الموقف الواضح الذي وقفه الرئيس حافظ الأسد وقدروا جهوده في المؤتمر واهتمامهم بالنتائج الإيجابية التي تمخض عنها .
إن النتائج التي خلص المؤتمر إليها إيجابية بشكل عام مع أنها لا تصل إلى الحد الذي يطمح إليه المناضلون العرب والتقدميون في العالم الإسلامي لكنها بأساسها تشكل نقطة مهمة من نقاط الارتكاز الذي يعتمد عليه في النهاية صوغ القرار العالمي والتأثير في الرأي العام في كثير من دول العالم فمن المعلوم أن دول المنظمة الإسلامية تشكل ثلث مجموع أعضاء الهيئة العامة للأمم المتحدة ، وقد شاركت المنظمة الدولية عبر أمينها العام في المؤتمر وبالتالي فان تلك القرارات والتوصيات ستنعكس بشكل إيجابي على ما ستصدره الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة لصالح النضال العربي في مواجهة الإمبريالية والصهيونية .
إن تأكيد المؤتمر الإسلامي للقرارات السابقة بخصوص الصراع العربي الصهيوني ومواجهة السياسة العنصرية لدولة "إسرائيل" يشكل منطلقاً للحفاظ على جوهر المنظمة والغايات والأهداف التي تأسس من أجلها كما ذكرنا وهذا يعطينا الأمل ويدفعنا للاستمرار في تنمية وتوطيد علاقاتنا مع الأشقاء والأصدقاء على أساس المواقف القومية الثابتة ودعوة الجميع وباستمرار إلى التمسك بها والدفاع عنها .