كلمة المناضل - البعث وسورية .. واستراتيجية "البعـُـد القومــي"
كلمة المناضل العدد 191 كانون أول 1985
البعث وسورية .. واستراتيجية
"البعـُـد القومــي"
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في تتابع مسيرة الأحداث على وطننا العربي الكبير ، ومع مرور الأيام تتضح أكثر فأكثر صحة النهج القومي الذي سار عليه حزبنا وثورته في القطر العربي السوري خصوصاً بعد الحركة التصحيحية وحتى الآن .
و عندما نودع عاماً من عمر تلك الأحداث تتبين بوضوح حقائق ذلك الموقف مما يزيد إيماننا رسوخاً بأن التحليل العلمي والموضوعي الذي وضعه الحزب لحركة التاريخ ماضياً ومستقبلاً في وطننا مستلهما نضال الجماهير وطموحها مستهدفاً ما تصبو وتعمل لأجله مع وضع ذلك كله في إطار ما يجري في العالم من أحداث ومتغيرات سواء في مجال العلاقات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التطورات الفكرية ، هذا التحليل الذي خطته مؤتمرات الحزب ومؤسساته القيادية وسار عليه القطر العربي السوري بقيادة الرفيق الأمين العام للحزب حافظ الأسد قد أوصل السفينة إلى الشاطئ الآمن بل وأكثر من ذلك قد رفع سورية وجماهيرها ووضعها في موقع الفكر والقلب في الوطن العربي متمثلة بذلك تاريخاً وتراثاً حافلين ليس في هذا القرن فحسب ، بل وفي عصور سابقة من التاريخ حيث كانت سورية وجماهيرها دائماً حاملة هموم الأمة العربية والمدافعة عن مصالح أوسع طبقات الشعب والمناضلة في سبيل أهدافها في كل العصور والأزمنة ومنذ ما يزيد على ألف عام وحتى اليوم .
وذلك كله جعل سورية في موقع القلب من الأمة العربية لأن من يدافع عن مصالح الأمة ويهب ما يملك في سبيل قضاياها ويكرس جهد أبنائه وعملهم ولقمة عيشهم وأرواحهم في سبيل رفعتها وسمو مكانتها ويهب المال والروح دفاعاً عن وحدة الأمة وحريتها وكرامتها مثل ذلك يحتل موقع الصدارة وتنعقد له راية القيادة في كل موقف وكل زمان .
و بأستعراض بعض مواقف الحزب وقيادته وثورته في القطر العربي السوري سواء كان في مجال مقاومة الغزو الصهيوني الاستيطاني لفلسطين أو احتلال الأراضي العربية الأخرى وما تفرع عن هذا الغزو من حروب ومعارك وما ينتج عنه من مواقف عربية ودولية وكذلك استعراض بعض الأحداث العربية الداخلية المرتبطة بشكل أو آخر بالغزو و مفرزاته في كل من لبنان أو مصر أو الأردن على وجه الخصوص وفي أقطار الوطن العربي الأخرى على وجه العموم في كل ذلك يتبين لنا أن موقف الحزب ومنذ أن تأسس ، ثابت لا يتغير في منطلقاته الأساسية حيث عالج الحزب ذلك من منطلق قومي عقائدي تمثل في الرفض الكامل للوجود الصهيوني الاستيطاني العنصري على الأرض العربية وضرورة العمل على إزالة ذلك الوجود وجميع ما ترتب عليه من آثار خلفها أو يخلفها في الواقع العربي . و الحزب في سبيل ذلك قد حشد ما يمكن من طاقات أعضائه وأنصاره أولاً ثم طاقات الجماهير على امتداد الساحة العربية ومنذ تأسيسه وبعد قيام ثورة آذار عام 1963 وضع طاقات سورية في سبيل المواجهة .
انطلاقاً من ذلك عندما نريد أن نقوم أو نفسر أو نحكم على أي موقف اتخذه الحزب وقيادته من أية قضية قطرية أو قومية أو دولية قبل ذلك علينا أن ننظر ونبحث في النسبة التي تحتلها القضية الفلسطينية القومية في هذا الموقف ومدى انطباق ذلك الموقف في جوهره مع المنطلقات الأساسية الثابتة التي رسمها الحزب ، عندما نفعل ذلك يتبين لنا بوضوح المسار الثابت والمستقيم لسياسة الحزب ومواقفه في مختلف المجالات .
والمدقق في ذلك والمتابع له يستطيع بسهولة ويسر أن يفسر كل موقف للحزب وكل سياسة سارت عليها سورية في المجالات العربية والدولة خصوصاً بعد الحركة التصحيحية .
في ضوء ما تقدم يستطيع الرفاق وغيرهم أن يفهموا بسهولة ويفسروا مواقف قيادة الحزب من أي حدث دون الدخول في تفاصيل بعض الأحداث اليومية التي ترافق ذلك الحدث لأن الحركات التاريخية وحزبنا أحد أبرزها في هذا الوطن ـ هي التي تعالج المسائل الكبرى ، كما أن القرارات والمواقف المهمة لا تتخذها إلا القيادات التاريخية .
أما التفاصيل في سياق أي حدث فمسألة متروكة للظروف التي يمر بها ذلك الحدث وعلى سبيل المثال نأخذ أحداث لبنان : موقف الحزب واضح منذ البداية يتمثل في المحافظة على وحدة لبنان ، عروبة انتمائه ، تحريره من الاحتلال والغزو الصهيوني والسيطرة الأجنبية ، وعدم تغليب أي صراع ثانوي فيه على الصراع مع العدو الصهيوني وعملائه . ذلك هو الأساس وفي سياق الأحداث تظهر بعض التفصيلات اليومية والروافد الثانوية والنشاطات الاستثنائية التي يجب معالجتها بحيث تصب جميعها في المجرى العام الذي رسمه الحزب , وهو يفعل ذلك مستلهما جميع قيم النضال الوطني والقومي واضعاً المنطلقات التي آمن بها موضع التطبيق الفعلي على الساحة اللبنانية .
وما ينطبق على مثال لبنان ينطبق على غيره من الأمثلة الكثيرة في الوطن العربي والعالم سواء كان في العلاقات مع الأردن أو مع منظمة التحرير أو غيرهما من الأنظمة والأقطار والدول .
وباختصار شديد نقول أن المقياس والمعيار الأساسي لأية قضية أو موقف أو تصرف أو علاقة من أية جهة كانت في نظرنا ، هو مقدار ما يشكله البعد القومي ـ كما نفهمه نحن ـ في ذلك الموقف أو تلك العلاقة ومدى ما يتحقق من الكسب لمصلحة الجماهير العربية وقضيتها المركزية في ذلك بغض النظر عن المصالح الإقليمية الضيقة أو المكاسب الانتهازية والشخصية لأية قيادة . ويجب علينا نحن البعثيين أن نستفيد من كل ذلك ونخضعه لمنطق ومصلحة (البعد القومي) كي تستطيع الجماهير الكادحة في الوطن العربي من تحقيق أوسع المكاسب في مسيرة النضال من أجل تحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية .