كلمة المناضل - الافتتــــــــاحيــــــة مقدمات كامب ديفيد وبعض نتائجه
كلمة المناضل العدد 149 حزيران 1982
الافتتــــــــاحيــــــة
مقدمات كامب ديفيد وبعض نتائجه
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
منذ أن وقعت حكومة مصر اتفاقات كامب ديفيد مع العدو الصهيوني والوطن العربي يعيش حالة من التدهور لم يشهدها من قبل ، وذلك بسبب ما أفرزته تلك الاتفاقات الخيانية من حالات التمزق السياسي والفكري والنفسي على الجماهير العربية بسبب اختراقها للحاجز النفسي الذي كانت الجماهير قد بنته في سنوات سابقة ضد الاختراق الصهيوني ولحماية الوجود العربي . ومنطقتنا اليوم تشهد نهايات مفجعة لذلك الاختراق الصهيوني ـ كما يحدث في لبنان ـ ويمكن أن يحدث في مناطق أخرى من الوطن .
فالاتفاقات كما يعرف الرفاق تضع في هدفها الاستراتيجي تصفية القضية الفلسطينية لصالح الصهيونية والإمبريالية ضد جميع التوجهات التي ناضلت جماهير الوطن وعلى مدى عقود عدة من أجلها ، وهي عودة شعب فلسطين العربي إلى أرضه وتقرير مصيره بنفسه ومحاربة الكيان الصهيوني في فلسطين وإنهاؤه .
وتصفية القضية الفلسطينية عبر اتفاقات كامب ديفيد تمر بمحطة الحكم الإداري الذاتي ((سلميا)) لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة ، كما هو معروف ، وعندما لم يحدث ذلك بسبب رفض ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني وقواه الوطنية والتقدمية والمساندة الفعالة التي قدمتها سورية والجماهير العربية رأت الإمبريالية الأميركية والصهيونية ومن خلال الاتفاق الاستراتيجي بينهما تجاوز تلك المحطة لفرض واقع جديد في الوطن العربي يتم من خلاله التفاوض وفرض الشروط الإمبريالية الصهيونية مباشرة عن طريق الغزو العسكري والاحتلال ، وكان ما حدث ويحدث الآن على أرض لبنان هدفه تصفية الوجود الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية ، وفرض الصلح والاستسلام على لبنان الرسمي الذي سيعاد تكونيه وتركيبه ضمن التوجهات المعادية ، وخلالها وبعدها خوض المعركة الفاصلة مع سورية الثورة قبل الوصول إلى تحقيق شعار التوازن الاستراتيجي بينها وبين العدو .
من الأشياء اللافتة للنظر هو الوضع العربي النائم أثناء المعارك ولم يحدث في تاريخ الصراع العربي الصهيوني أن قاتلت إسرائيل دولة عربية واحدة بمفردها كما يحدث الآن في قتالها مع سورية .
دوافع ذلك الإغفاء العربي الرسمي معروفة تماما لنا بعضهم معاد لسورية وحليف جيد للإمبريالية والصهيونية ، والآخر معاد لسورية وتوجهاتها ومتشف بما يحدث لها وغير مستعد لتأييدها . والقليل الباقي من دول جبهة الصمود ، أوضاعها وإمكاناتها وبعدها عن ساحة المعركة جعل مساهماتها محددة وهناك أيضا وضع جماهيري عربي مشلول بسبب الممارسات الديكتاتورية والقمعية للأنظمة على القوى الوطنية والتقدمية في مجمل ساحة الوطن ، ونرى قياداتها التي بقيت خارج السجون أما مهجرة أو منفية أو مغتربة ، عدا عن أن هناك أوضاعاً في لبنان ، ما كان يتعلق منها بالمقاومة أو الحركة الوطنية اللبنانية أو القوى الانعزالية ساهمت جميعها في تحقيق بعض أهداف الغزو الصهيوني .
وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمها حزب البعث العربي الاشتراكي وثورته في القطر العربي السوري وجيشه العقائدي الباسل خلال معارك حزيران في لبنان وما قدمته جماهير لبنان وفلسطين أمام تلك الغزوة فان ما يمكن أن يحدث في المستقبل هو الشيء الأهم في نظرنا .
إن حزبنا وجماهير شعبنا بقيادة الرفيق الأمين العام حافظ الأسد لن تسمح لهذه الحلقة الكبيرة من المؤامرة أن تمر كما يرغب العدو الصهيوني وحليفه الإمبريالية العالمية والقوى الرجعية العربية في المنطقة .
إن قرارنا هو الثبات والتصدي لها وإحباطها بشتى الوسائل والطرق مهما كلف الثمن ، لان أي ثمن يمكن أن ندفعه هو بالتأكيد اقل من خسارة الوطن ، وأماني الأمة والجماهير ومستقبلها ، وإذا لم يستطع هذا الجيل ـ بسبب مجمل الظروف العربية والدولية ـ تحقيق انتصار حاسم على العدو الصهيوني ، فيجب أن لا نفرط بأي من الأهداف والتوجهات الأساسية التي أرساها الحزب وجماهيره مما يمكن أن يكون منيرا لجميع الأجيال القادمة من تحقيق ما تصبو إليه ، وهو النضال من اجل فلسطين حرة عربية .
لقد مرت على الوطن العربي غزوات كثيرة خلال حقب التاريخ الماضية ، بعض تلك الغزوات بنى وأقام على أرضه الغازون دويلات استمرت عشرات السنين ومئاتها .
وبفضل حركة الجماهير وإصرارها على طرد الغزاة حققت أهدافها ، وكانت حينذاك تمر على الوطن حالات من التشتت والتمزق والولاءات والخنوع لتلك الكيانات اكثر مما نحن فيه الآن ، ومع ذلك فإرادة الشعوب أقوى من كل الغزاة والمحتلين .
تلك هي الأمم والشعوب الحية ، وذلك هو التاريخ وامتنا وتاريخنا يعطيان الدليل على ذلك .