كلمة المناضل - عددان - المعركة السياسية وأهداف المناورة الأمريكية بالحلول الجزئية
كلمة المناضل العددان 73-74 كانون ثاني ـ شباط 1975
المعركة السياسية وأهداف المناورة الأمريكية
بالحلول الجزئية
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
تشكل المناورة الأميركية بالحلول الجزئية في نطاق الدور الذي يقوم به وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر في المنطقة ، المحور الأساسي للدبلوماسية الأميركية.
هذه الظاهرة ، قد تثير سؤالا أساسيا ،حول ما إذا كانت هذه المناورة ضرورة دبلوماسية، للوصول إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338 لعام 1973، عبر خطوات مرحلية متعاقبة ، أم أنها على العكس من ذلك ، ترمي إلى التهرب من تنفيذ القرار ؟.
بل أن التساؤل حول هذه المسألة ، يمكن أن يذهب إلى مدى أبعد ، حيث تتوفر الكثير من الدلائل التي تشير إلى أن هذه المناورة بالحلول الجزائية لا ترتبط بمسألة تطبيق القرار رقم 338 أو محاولة تمييعه والالتفاف عليه ، بقدر ما هي تشكل جزءاً من سياسة التفتيت الاستراتيجي التي يمارسها العدو على صعيد المعركتين العسكرية والسياسية .
يعمق من هذا الاعتقاد حقيقة أن المعارك السياسية ، في حد ذاتها ، وان دارت حول مسألة البحث عن حل سياسي للصراع ، إلا أنها قد لا تزيد على أن تكون أداة من أدوات الصراع المسلح ، تمهد له أو ترافقه أو تعقبه ، لاعتبارات تقتضيها طبيعة الحرب الشاملة كنمط أصبح يميز الحروب المعاصرة .
أن الوقائع تشير حتى الآن ، إلى أن الدبلوماسية الأميركية ، تطرح الحلو الجزئية، وتلح عليها ، تجاوبا مع منطق السياسة الإسرائيلية أولاً . وانسجاما مع حقيقة أهداف السياسة الأميركية في المنطقة من جهة ثانية . فالموقف الإسرائيلي الثابت والمعلن ، هو موقف الإصرار على جعل مسألة البحث عن حل سياسي في المنطقة ، تتم مع كل قطر عربي على حده . كما أن هذه السياسة تتمسك بمنطق الحلول الجزئية ، وربط أي انسحاب إقليمي محدود بتنازلات عربية وسياسية معينة .
وتتبنى الدبلوماسية الأميركية بشكل معلن خطوط السياسة الإسرائيلية بهذا الصدد. وهي تتبنى هذه السياسة بالرغم من مخالفتها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 338، مما يشكل بحد ذاته دليلا ملموسا على اتجاه إسرائيلي ـ أميركي قائم يرمي إلى تفريغ ذلك القرار من مضمونه .
فلو افترضنا أن الدبلوماسية الأميركية لا تتبنى النهج الإسرائيلي ذاته لاعتبارات تتعلق بالسياسة الأميركية ذاتها ، وإنما لاعتبارات تتعلق بالبحث عن إمكانية للسلام ـ كما تزعم هذه الدبلوماسية ـ ، فإن هذه الفرضية ستكون بعيدة كلية أية اعتبارات منطقية، إذ يفترض في الطرف الذي يلعب دور العامل المساعد على إحلال السلام ، أن يتخذ موقفا أقرب إلى الحياد أن لم يكن الحياد الفعلي ، وإن يكون موقفه أكثر تعبيراً عن إرادة المجتمع الدولي ، والتصاقا بها ، بينما يمثل نهج الدبلوماسية الأميركية التزاما كليا بالسياسة الإسرائيلية .
هنا يصبح البحث عن مدلول هذه السياسة ضروريا ، لا من زاوية التأكد من مدى حرصها على السلام ، أو تهربها من أية إمكانية للسلام ، وإنما من دلالات المسلك الدبلوماسي المتبع ذاته ، في ضوء عوامل متعددة تتدخل لتساعد على فهم المرامي الحقيقية لسياسة الدبلوماسية المعادية .
لقد كان وما زال من المفروغ منه سواء في التقديرات العربية أو في تقديرات القوى المعادية لأمتنا العربية ، أن يكون بالوسع الوصول إلى سلام عادل ودائم في المنطقة ، من خلال تسوية تضمن تحقيق المطلبين العربيين المتلازمين في انسحاب العدو الكامل من الأراضي العربية المحتلة وإعادة الحقوق الوطنية والقومية المشروعة لشعب فلسطين العربي ، وذلك في ضوء توازن القوى الراهن . والعدو لا ينكر رفضه القطعي للالتزام بتنفيذ هذين المطلبين .
وفي ضوء هذا الموقف يصبح من الطبيعي ، أن يفهم طرح الدبلوماسية الأميركية للحلول الجزئية على أنه لا يشكل مدخلا لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 338 ، وإنما يشكل محاولة للتهرب من تطبيق ذلك القرار .
ويصبح السؤالان المطروحان هما : لماذا هذا التهرب ؟ ولماذا يتم التهرب من خلال طرح الحلو الجزئية ؟
الإجابة بالنسبة للشق الأول واضحة ، هي أن العدو بسياسته العدوانية ـ التوسعية ، ليس مستعد للرضوخ لإرادة المجتمع الدولي في إيجاد سلام دائم وعادل في المنطقة ، لأن ذلك لا يعني فقط تنازله عن سياسته العدوانية ـ التوسعية ، وإنما يعني تراجعه الكلي ، وهزيمته الكلية . أن رضوخه لهذه الإرادة يمكن أن يتم فقط في حالة وصوله إلى درجة من العجز المطلق على الصعيد العسكري ، لا تجدي معها محاولة المناورة إلى أن يعيد بناء قواته .
فالعدو يرفض السلام العادل ، وليس مستعداً للسعي من أجله ، لا من خلال مؤتمر دولي للسلام ، ولا من خلال منطق الحلول الجزئية .
لماذا يتحدث العدو إذن عن إمكانية الوصول إلى حلول جزئية ؟ ولماذا تتبنى السياسة الأميركية المنطق ذاته ؟
في تقديرنا أن العدو لا يطرح الجزئية ، انطلاقا من وجود استعداد فعلي للوصول إلى مثل هذه الحلول ، وإنما يطرحها انطلاقا من اعتبارين رئيسيين :
أول هذين الاعتبارين ، حاجة العدو إلى المناورة بالحلول الجزئية بغية كسب الوقت إذ أن الحلول الجزئية تشكل في مثل هذه الحالة بديلا سياسيا يسمح باستمرار التهرب من تنفيذ قرار المنظمة الدولية إلى أن يكون بالوسع التنصل الكلي من هذا القرار ، سواء كان هذا التنصل الكلي معلنا أو عمليا .
أما الاعتبار الثاني ، فهو تجزئة الموقف العربي .
أن هذا الاعتبار الثاني ، هو أكثر دوافع السياسة المعادية أهمية على الإطلاق .
ففي الوقت الذي يناور فيه العدو للحصول على الفرصة الزمنية اللازمة لإعادة بناء قواته بغية استئناف خطط العدوان والتوسيع ، فإنه يعمل على تمزيق وحدة الموقف العربي ، من خلال تجزئة المعركة السياسية ، وإثارة مشاعر القلق والاضطراب وانعدام الثقة في الصف العربي .
فإذا كان المبدأ الأساسي الذي يحكم استراتيجية النضال ن هو " وحدة النضال العربي .. والنضال من أ<ل الوحدة " ، فإن العدو يراهن في نطاق سياسة التفتيت الاستراتيجي التي يمارسها على الحيلولة دون وحدة النضال العربي ، وعرقلة إمكانية الوحدة العربية ، نظرا لأن استراتيجيته العسكرية تقوم على أساس الانفراد بكل قطر عربي على حده ، وتلافي مواجهة قوات عربية موحدة .
ومشاريع الحلول الجزئية هي المنفذ الذي يحاول من خلاله العدو تنفيذ سياسته في التفتيت الاستراتيجي . ولا شك أن الدبلوماسية الأميركية التي تضع في مقدمته أهدافها الحيلولة دون وحدة النضال العربي وعرقلة النضال العربي من أجل الوحدة لمعرفتها بمدى تأثير ذلك على نفوذها ومصالحها في الوطن العربي ، تلتقي مع العدو العربي ، تلتقي مع العدو الصهيوني كليا ، التقاء مصلحيا سافرا ، في تبني هذه السياسة والاستمرار بها .
فكيف نجابه هذه السياسة ؟
من الواضح أن المجابهة الصحيحة لهذه السياسة تتمثل في التمسك بالشعار الرئيسي الذي طرحه حزبنا باستمرار كتلخيص لاستراتيجية النضال العربي ، وهو التمسك بـ"وحدة النضال والنضال من أجل الوحدة"
أن التطبيق العلمي لهذا الخط النضالي الصحيح يستدعي :
1ـ رفض الحلول الجزئية رفضا مطلقا . ويجب أن يكون الفارق بين الحلول الجزئية وبين مسألة انتزاع الإنجازات المرحلية الممكنة دون التنازل عن الهدف الاستراتيجي واضحا .
2ـ وحدة القوات العربية المقاتلة في نطاق عملية تعبوية تضمن حشد أكبر طاقة قتالية ممكنة ووحدة القيادة والخطط العملياتية . كل ذلك في إطار استراتيجية عربية شاملة للتحرير .
3ـ العمل الدائب من أجل تحقيق إنجازات وحدوية ، هي أكبر ضمانة للانتصار في المعركة .
أن تقييم موقف أي نظام عربي من الصراع العربي ـ الصهيوني في هذه المرحلة ، إنما يتحدد في ضوء موقفه من هذه المسائل الثلاثة الأساسية ، وبالذات من مسألة التطبيق الفعلي لمطلب "وحدة النضال والنضال من أجل الوحدة" .
فالقبول بمنطق الحلول الجزئية ، كالاتبعاد الفعلي عن ساحة القتال ، كالتهرب من مطلب الوحدة القومية ، كلها مواقف تخدم خطة العدو الصهيوني ـ الإمبريالي لأضعاف الأمة العربية ، والاستمرار في احتلال أراضيها ، ونهب ثرواتها .