كلمة المناضل - عددان- احول المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي
كلمة المناضل العددان 67ـ 68 حزيران ـ تموز1974
حول المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في الثلاثين من أيار الماضي عام 1974 ، دعت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية المؤتمر القطري الخامس إلى عقد دورة استثنائية استمرت لغاية الثالث عشر من حزيران ومن خلال مناقشة جدول أعمال المؤتمر وتقارير القيادة القطرية والعرض الواضح الشامل الذي وضعه الرفيق الأمين العام للحزب أمام المؤتمر وبعد إعلان بيان القيادة القطرية عن أعمال المؤتمر ، يمكن أن نتبين بجلاء أهم الأسس والنتائج والمعطيات الإيجابية لمسيرة الحزب النضالية منذ قيام الحركة التصحيحية في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 ، حتى تاريخ انتهاء جلسات المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي ، كما يمكن تسليط الأضواء على آفاق المستقبل المنظور لحركة الثورة العربية الصاعدة التي يتبوأ حزبنا فيها مركز الصدارة .
(( لقد جاء انعقاد هذا المؤتمر وسط ظروف بالغة الدقة تشكل منعطفا تاريخيا هاما تمر به الأمة العربية وحركتها التحررية ، وقد حققت معه انتصارا يعد أكبر انتصاراتها في صراعها التاريخي ضد العدو الصهيوني والقوى الإمبريالية التي تسانده خلال ما ينوف على ربع قرن)) .
أن هذا المنعطف التاريخي الإيجابي ما كان له أن يتحقق دون ممارسة مسؤولة للاستراتيجية الصحيحة التي رسمها حزبنا ونفذها في المجالات المختلفة الداخلية والعربية والدولية .
وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية ، ومن خلال التصاقه بقضايا الجماهير العربية الكادحة ، وكذلك في تأكيده المستمر على أن ((التناقض الرئيسي في هذه المرحلة هو التناقض بين الأمة العربية من جانب ، والعدو الصهيوني والقوى الإمبريالية التي تسانده من جانب آخر ، وبالتالي فان الهدف الأساسي لنضالنا هو هدف التحرير الكامل)) الذي كان على الحزب أن يبني قواعد الثورة في القطر العربي السوري على أساسه ، وأن ينطلق في سياسته العربية والدولية من أجل خدمته والعمل بحزم وشجاعة على أن تسخر في سبيله الطاقات الجبارة التي يزخر الوطن العربي بها ، والموقع الاستراتيجي الذي يحتله ، والمكانة المرموقة التي حققها حزبنا في طليعة فصائل الثورة العربية وبين حركات التحرر العالمية .
ومن هنا كان على الحزب بقيادة الرفيق الأمين العام أن يؤكد على أن معركة المواجهة مع العدو الصهيوني هي معركة كل مواطن في هذا القطر وخارجه ، وينبغي أن تصان حرية المواطنين وكرامتهم لكي يعطوا أقصى ما عندهم ، ويجعلوا من الجبهة الداخلية حاجزا منيعا تتحطم عنده مؤامرات العدو وتحدياته ، وقلعة صامدة تشكل حماية حقيقية وقاعدة انطلاق للقوات العربية المسلحة التي أثبتت جدارتها ، وأكدت ثقة المواطنين بها، في معارك التحرير في الجولان وجبل الشيخ .
لقد عزز ذلك كله ثقة الشعب بقيادته السياسية ، وإيمان الجماهير العربية بأن اتفاقية الفصل التي وافق عليها المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي والقيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية في سورية ، أن تلك الاتفاقية التي اعتبرت انتصارا مجيدا لشعبنا وأمتنا، لم يحققها هنري كيسنجر الذي تحاول الدعاوة الأميركية أن تصوره بطلا للسلام ، وإنما تحققت قواتنا العربية المسلحة ، وعلى أساس أنها خطوة أولى على طريق التحرير الكامل ، و((قاعدة راسخة ننطلق منها في ظروف أفضل وأكثر ملاعمة لمتابعة نضالية في مختلف المجالات)) .
لابد أن نعترف أن تحولا ملموسا طرأ على اتجاه سياسة الولايات المتحدة الأميركية ، وكان أحد الدوافع لنجاح وزير خارجيتها في الوصول إلى اتفاقيتي الفصل بين العدو من جهة وبين سورية ومصر من جهة ثانية في سياسة بعض دول أوروبا الغربية كانت عاملا مهما في هذا الاتجاه .
ولكن ما ينبغي أن يستقر في أذهاننا هو أن القيادة الحصيفة التي تميز بها الرفيق الأمين العام للحزب ، والتي اعتمدت على الاستراتيجية الصحيحة التي أقرتها مؤتمرات الحزب،والممارسات العملية القائمة على أساس الثقة المتبادلة مع الجماهير وقواها الثورية ، والتضحيات الضخمة التي بذلها شعبنا في معارك التحرير وحرب الاستنزاف على الجبهة السورية ، أن هذا كله وما تحقق من مظاهر التضامن العربي خلال المعركة، هو الأساس في الوصول إلى اتفاقيتي الفصل ، وبالتالي في انسحاب العدو الصهيوني من جزء من الأراضي العربية المحتلة ، وفيما أحدثته حرب التحرير من آثار سلبية في كيان العدو ومجتمعه ومؤسساته المختلفة . لقد أرغمنا العدو على الانسحاب ، واستطعنا أن نلوي عصا السياسة الأميركية تجاه بلادنا وقضية شعبنا المصيرية ، ولأول مرة بعد اغتصاب الصهيونية فلسطين العربية ، يضطر رئيس الولايات المتحدة الأميركية أن يأتي إلى بلادنا بعد أن تأكد له أننا لم نعد نخشى زيارته وزيارة ألد أعداء شعبنا ، لأننا في مبادرتنا في حرب التحرير وفيما حققته من نتائج ، استطعنا أن نضع ، لأول مرة ، أقدامنا على أرض صلبه ، وأن نبني أول مدماك في حصن من أهم الحصون التي تناضل من خلالها لتحقيق أهدافنا القومية ، وهو حصن الدفاع عن وجودنا في مواجهة أكبر تحد يفرض على أمة في التاريخ الحديث .
وبرغم هذا كله وعلى أهمية ما تحقق حتى الآن ، فلا بد أن نكون على درجة عالية من الحذر واليقظة ، ولا نركن للمناورات الخادعة التي تسجدها غطرسة العدو وتصريحات مسئوليه في فلسطين المحتلة ، ومن خلفهم القوى الإمبريالية التي تدعمهم وتتجاهل في الوقت نفسه حقوق الشعب العربي الفلسطيني .
من أجل هذا ، أكد المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي للحزب في سورية على ((ممارسة النضال بمختلف الأشكال وبصورة نشطه وفعالة في إطار تحقيق الهدف المرحلي ، ومواصلة بناء القدرة الذاتية عسكريا واقتصاديا وسياسيا ، والحرص على التوفيق بين كل أشكال النضال منطلقين من استمرارية المعركة مع العدو )).
أكد المؤتمر أيضا على ((متابعة تركيز الجهود باتجاه العدو الرئيس ، وتجنب المعارك الهامشية والجانبية على أساس استراتيجية حشد الطاقات العربية والعمل من أجل تحقيق أي خطوة وحدوية ممكنة )).
وإضافة إلى المقرارات التي اتخذها المؤتمر في المجال الداخلي للحزب وفي القطر العربي السوري والتي من شأنها تعزيز قدراتنا على الصمود والاستمرار في النضال ، فقد ((أعرب المؤتمر عن اعتزازه وإكباره للتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب العربي الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها ، وأكد على الاستمرار بدعم هذا الكفاح والاستمرار بوضع الإمكانيات في القطر العربي السوري في خدمته حتى تتحقق أهداف الشعب العربي الفلسطيني المتمثلة بتحرير كامل الأرض واسترجاع الحقوق ، وأكد على أهمية العمل والتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني )).
وفي الوقت نفسه أكد المؤتمر على ((ضرورة مواصلة العمل التعزيز وتطوير علاقات التعاون القائمة مع البلدان الاشتراكية الصديقة ، ولا سيما الاتحاد السوفييتي ))، إضافة إلى تأكيده على أهمية تطوير العلاقات بالدول الصديقة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية لكافة الشعوب المكافحة في سبيل تحررها وبناء مستقبلها .