كلمة المناضل - قضية العرب الأولى والعلاقات السورية اللبنانية
كلمة المناضل العدد 57 آب 1973
قضية العرب الأولى والعلاقات السورية اللبنانية
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
ليست بنا حاجة كبيرة لإعادة ما كتب وما شرح بإسهاب في حزبنا ومقررات مؤتمراته وقياداته المختلفة حول الوضع الذي تجتازه جماهيرنا العربية فيما يتعلق بالقضية العربية الأولى في فلسطين والغزوة الإمبريالية الصهيونية على الأمة العربية والاحتلال الذي يجثم على أرضنا وفي ربوع وطننا ، كل ذلك اصبح الغذاء اليومي لرفاق حزبنا وجماهير شعبنا .
ومن خلال التحليل العلمي والموضوعي لمعركتنا الراهنة ثبت الحزب حقائق جوهرية يجب تمثلها يوميا في جميع مواقفنا وأعمالنا كانت أبرزها :
1ـ ضرورة تلاحم جميع قوى الشعب وفصائل الثورة العربية وجماهير امتنا وحشد طاقاتها المختلفة لمواجهة معركة التحدي التي تستهدف أرضنا وتراثنا وتاريخنا ووجودنا.
2ـ لقد علمنا التاريخ انه في مراحل الخطر تلداهم والاجتياح الأجنبي لأي أمة من الأمم
ولأي شعب من شعوب الدنيا تتكاتف جميع فصائل ذلك الشعب وتلك الأمة لمواجهة الخطر .
3ـ أن شعوبا مختلفة وأنظمة متناقضة قد وحدت قواها للوقوف في وجه أخطار كانت تحيط بها وتهدد كياناتها ومستقبل شعوبها ، كما حدث في الحرب العالمية الآخرة حين وقفت الأنظمة الاشتراكية جنبا إلى جنب مع الأنظمة الرأسمالية ، وهي أنظمة متناقضة أساسا ، وقفت في وجه الخطر النازي والفاشي الذي هدد دولها .
4ـ يجدر بنا نحن دول الأمة العربية ذات التاريخ الواحد واللغة والحضارة الواحدة والمستقبل المشترك إلى آخر ما هنالك من عوامل الوحدة والتوحيد ، يجدر بنا أن نقف متحدين لمواجهة الغزوة الإمبريالية الصهيونية .
تلك هي الحقائق التي طرحها حزبنا وتعمل قيادة حزبنا على تمثيلها وتطبيق نصوصها .
ومن هنا كان الموقف الذي وقفته قيادة الحزب والدولة في القطر العربي السوري أبان الأزمة التي مرت في لبنان في أيار 1973 بين السلطة وبين المقاومة الفلسطينية والتي أغلقت على أثرها الحدود بين البلدين .
لقد طرح الحزب والقطر العربي السوري أمورا أساسية لفتح الحدود .
تتخلص فيما يلي :
أولا ـ لقد أغلقت الحدود من اجل المقاومة أولا وللوقوف في وجه تصفية القضية الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني ، لذا يجب أن نتأكد أن الأمور عادت إلى طبيعتها في لبنان بما يطمئن أن فصائل المقاومة المتواجدة في لبنان لن تمس وان المخطط الذي رسم لسحق المقاومة وطرد الشعب العربي الفلسطيني من لبنان قد أوقف نهائيا .
ثانيا ـ هناك قضايا وتعقيدات نشأت معظمها إبان وبعد الأزمة الأخيرة وان كانت لها جذور سابقة يجب السعي من جانب السلطة اللبنانية لحلها بما يتناسب مع فهمنا وبما يتوافق مع مصلحة جماهيرنا وقضاياها وبما لا يسيء إلى لبنان الشقيق ، ومن أهم تلك القضايا :
أـ هناك عدد كبير جدا من العمال العرب السوريين الذين يعملون في لبنان وهم محرومون من ابسط الضمانات التي يجب توفرها لهم وباعتراف السلطة في لبنان انه يوجد 150 ألف عامل سوري يعملون في معظم القطاعات التي يرتكز عليها الاقتصاد اللبناني ، وبشكل مخالف لجميع أحكام العمل في جميع دول العالم وبما يتنافى مع قرارات المنظمات الدولية فيما يتعلق بحقوق العمل ، فهؤلاء وفي لبنان فقط محرومون من جميع الحقوق التي يتمتع بها أي عامل في أية دولة كانت وخاصة من نواحي الضمان الاجتماعي والصحي ، ولا تنطبق عليهم قوانين العمل المطبقة على عمال لبنان مع انهم يؤدون الالتزامات التي يدفعها عمال لبنان لجميع المؤسسات .
وعلاوة على ذلك فقد عومل هؤلاء العمال معاملة لا تليق إطلاقا أثناء الأزمة وبعدها مما أساء كثيرا لهم ولوطنهم ولشعبهم . وما زالت بعض تلك الإساءات تتكرر بين حين وآخر .
ب ـ المعروف أن هنالك عددا من الصحف المأجورة والأبواق الدعائية المشبوهة والتي هدفها الإساءة للشعب العربي وقضيته والإساءة لسورية والحزب الرفاق المسؤولين فيه ، وفي كل يوم قبل الأزمة وأثناءها كانت هذه الأبواق تعمل بشكل محموم دون أن يكون هناك سلطة تحد من إساءاتها ، في حين أن قانون المطبوعات اللبناني ـ الذي يعطي الحرية لمثل هذه الأبواق ـ فيه أيضا ما ينص على محاسبتها حين إساءتها .
جـ ـ هناك عدد كبير من المطلوبين السوريين ترفض السلطات اللبنانية أحيانا وتتلكأ كثيرا جدا أحيانا أخرى في تسليمهم إلى السلطة في سورية ، مع العلم بوجود اتفاقية قضائية بين البلدين تحتم تسليم مثل هؤلاء المطلوبين لقضايا معظمها لا علاقة لها بالسياسة . بالإضافة إلى ذلك ، هنالك عدد كبير من اللاجئين السياسيين والفارين والجواسيس الذين تمتلىء بهم شوارع بيروت ومدن لبنان يعملون جميعا ضد القطر العربي السوري وضد قضية الجماهير وضد الأمة العربية بأجمعها ، وكل هؤلاء يجدون لهم مأوى أمينا في لبنان دون رقابة أو محاسبة .
أن أي بلد يحترم جيرانه يجب أن يوقف هذه الأعمال التي تسيء إلى ((حسن الجوار)) و((الاخوة)) .. وغيرها .
لقد طرحت سورية جميع تلك النقاط طالبة حلها ، وباستطاعة السلطة في لبنان أن تقوم بذلك دون عناء كبير ، ودون أن يكلفها ذلك شيئا كما نعتقد .
إن إغلاق الحدود بين سورية ولبنان كان أصلا ردا على المحاولات الرامية لتصفية العمل الفدائي والشعب العربي الفلسطيني هذه المحاولات التي خلقت ذيولا لها ومنعكسات يعتبر استمرارها استمرارا للتآمر على القضية الفلسطينية .
إن حزبنا يرى أن تنفيذ ما تقدم من إعطاء العمال العرب السوريين حقوقهم ووقف أو الحد من الإعلام المعادي وتسليم المطلوبين والضغط على الجواسيس وعملائهم يعطي الضمانة للمقاومة ويساهم بشكل أساسي وجدي في إعادة العلاقات بين سورية ولبنان إلى وضعها السابق أن لم نقل افضل من السابق .
وكما قلنا أن قضية الحدود لم تكن كما يحلو للبعض أن يصورها على أنها قضية سورية ـ لبنانية ، أو أن موقف القطر العربي السوري موقف إقليمي يحاول أن يركع لبنان لبنود الشروط السورية ، بل بالعكس هي قضية وطنية قومية تتعلق بالعمل العربي والقضية العربية ونابعة من استراتيجية حزبنا ومقررات مؤتمراته حول المعركة والمقاومة الفلسطينية ، أنها قضية تتعلق بمصير امتنا ومستقبل أجيالها يجب التشدد في قبول شروط حلها بما يكفل الضمانات التي نوهنا إليها والنضال في سبيلها ويضع السلطة في لبنان أمام مسؤولياتها الوطنية والقومية والشعب العربي الفلسطيني وللمساهمة في معركة التحرير .
لهذه الاعتبارات الجوهرية التي أكدت حرص قيادة الحزب على دعم المقاومة الفلسطينية وحماية مصالح الجماهير العربية في لبنان وخارج لبنان ، وقف القطر العربي السوري في المفاوضات التي تمت بين السلطات المعنية في القطرين الشقيقين ، الموقف الذي أملته تلك الاعتبارات والذي حقق بالفعل أهم المشكلات آنفة الذكر .
والأمل يحدونا بعد اليوم أن تقف السلطات اللبنانية بحزم وإخلاص ضد المحاولات المشبوهة التي تعمل جاهدة لنسف الأسس التي تضمنتها اتفاقية فتح الحدود .
ولئن وثقت قيادة الحزب والسلطة في القطر العربي السوري بالإجراءات المتخذة من اجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ومتابعة الحوار لحل بعض المشكلات المعلقة ، فان الثقة بوعي الجماهير العربية وقواها التقدمية هي الأساس دائما في تصدينا لأي جهة تحاول التآمر والمساس بالثورة الفلسطينية وبمصالح الجماهير العربية ، كما أننا على استعداد مستمر للوقوف بحزم وصلابة من اجل متابعة النضال لتحقيق الأهداف القومية في الوحدة والحرية والاشتراكية .