كلمة المناضل - لكـي لا يبقـى شـهر أيـار شهر الدماء والدمـوع
كلمة المناضل العدد 54 أيار 1973
لكـي لا يبقـى شـهر أيـار شهر الدماء والدمـوع
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في الخامس عشر من شهر أيار من كل عام يتذكر العرب كل العرب والفلسطينيون منهم على وجه الخصوص ، يتذكرون النكبة المروعة التي صعقت فيها النفس العربية وباتت منذ خمس وعشرين سنة في ذهول مستمر لم تستفق منه بعد على هول النكبة وجسامة الحدث . ففي ذلك اليوم المشؤوم من عام 1948 ، تمكن العدو الصهيوني من إقامة دولته المصطنعة الغربية على أرض فلسطين العربية ، وأقام المحتلون المستوطنون الذين قدموا من آفاق الأرض المختلفة ، على أشلاء الضحايا والمشردين من أبناء شعبنا العربي أصحاب الأرض الحقيقيين .
ومنذ ذلك اليوم الأسود لم تنقطع سلسلة المذابح الوحشية والأعمال الإرهابية التي تستهدف وجود الشعب العربي الفلسطيني من أساسه والقضاء على آماله في العودة إلى دياره وتحريرها من الاحتلال الصهيوني الاستيطاني البغيض .
ومنذ ما قبل أيار المذكور والدم العربي يهرق في بطاح فلسطين ليروي شجرة الحرية وينميها ، لكن الدموع تختلط بالدماء والحقد على العدو الغاصب يتحول إلى مزيد من الذهول والضياع على الرغم من نمو إرادة القتال في نفس المواطن العربي ، ذلك إن الدماء المهراقة هنا وهناك على ارض الوطن العربي ، كثيرا ما تسفك بأيد عربية وتهدر معها الإمكانات التي كان يفترض أن تدخر لزجها في معركة المصير المشترك التي تصهر في أتونها كل عربي دون تمييز لهويته الإقليمية أو عقيدته وانتمائه الفكري والمذهبي .
ومن هنا لم تستطع نكبة عام 1948 حتى يومنا هذا ، أن تجعل آلاف الشهداء العرب الذين ما زالت مواكبهم تترى على كل درب وفي كل منعطف ، قيمة حقيقية في موازين الكفاح البطولي الذي عرف كيف ينفذ من الثغرات التي تحدثها في الجبهة العربية التناقضات الثانوية بين العرب أنفسهم .
لقد سالت في شهر أيار دماء زكيه وزهقت أرواح بريئة في مغرب الوطن العربي ومشرقة على أيدي الاستعمار الفرنسي . ولكن العربي حينذاك في كل من سورية ولبنان ومراكش والجزائر وتونس والبلاد العربية كلها ، أعطى القيمة الحقيقية للاستشهاد في سبيل استقلال الوطن وحريته . وحول دموع الحزن وذكريات المآسي إلى قوى جبارة وحوافز عظيمة كانت أساسا في القدرة على طرد الاحتلال الفرنسي وإقامة صروح الاستقلال الوطني . ونحن وان كنا نقدر بوعي ووضوح أن هناك اختلافا أساسيا بين كل من الاستعمار الفرنسي والإنكليزي من جهة ، والاستعمار الصهيوني الاستيطاني من جهة ثانية ، وان الظروف مختلفة أيضا على الأصعدة العربية والدولية ، وكذلك موازين القوى ونوعية المخططات الامبريالية المتبعة .
فانه علينا أيضا أن لا ننسى وان نذكر دائما وبوعي كبير أن قدرة الشعوب المبنية على إرادة لا تقهر في التصميم على تحقيق النصر على أعدائها ونيل حريتها ، إن هذه القدرة هي أقوى من أي عدوان ، واعظم من أي سلاح فتاك ، إن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي دعم وما يزال يدعم حركة المقاومة الفلسطينية ضد المواقف المتخاذلة والتأمرية التي تمارسها بعض الجهات العربية الرجعية من اجل تصفية المقاومة ، إن حزبنا يدرك خطر هذه المؤامرة وفداحة النتائج التي تترتب على تنفيذها ، من تحقيق المخططات العدوانية التوسعية ، وقضاء على طموحات شعبنا العربي في التحرير وتحقيق آماله وأهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية .
ولهذا فان حزبنا الذي يعتبر أن المعركة هي معركة شاملة بين الجماهير العربية وقواتها التقدمية وقوى التحرر العالمية من جهة ، وبين الامبريالية العالمية والصهيونية ومرتكزاتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية العالمية من جهة أخرى ، نقول أن حزبنا يدعو ، وبإصرار عنيد على تحقيق النصر ، القوى الوطنية والتقدمية العربية لان تتحمل مسؤولياتها كاملة في التصدي لهذه المؤامرات الخطرة من جهة ، ومن جهة ثانية لالزام الدول العربية كلها على الإسهام الفعال في المعركة بقواتها المسلحة وبإمكاناتها الاقتصادية عامة والبترولية بصورة خاصة .
عندما يتم ذلك وينبغي أن يتم وفق استراتيجية عربية موحدة ، يمكن أن يتحول شهر أيار من شهر للدماء والدموع وذكريات المآسي ـ إلى شهر تتحقق به الانتصارات العظيمة على دروب التحرير دروب الوحدة والحرية والاشتراكية ..
المناضل