كلمة المناضل - الحدود أغلقت من أجل القضية ومن أجلها فتحت
كلمة المناضل العدد 49 كانون أول 1972
الحدود أغلقت من أجل القضية ومن أجلها فتحت
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
تشير كل الدلائل ، رغم ما يبدو من ركود في مجمل الوضع في ما اصطلح على تسميته بمنظمة الشرق الأوسط ، إلى أن إسرائيل التي قامت بشن سلسلة من الاعتداءات في الفترة الأخيرة ضد الشعب العربي في سوريا ولبنان ، وضد المقاومة الفلسطينية توالي تشديد هجماتها وضغوطها وتستعد لتصعيد اعتداءاتها وتوسيعها ضد حركة التحرر العربية ، وضد القطر العربي السوري بشكل خاص ، بهدف إخضاع العرب وتركيعهم وضرب الأنظمة الوطنية التقدمية وتصفيتها ، وبالتالي فرض الشروط الاسرائيلية الاميركية ، التي تستجيب لأهداف المخطط الإمبريالي الصهيوني المشترك في تحقيق أطماع الصهيونية التوسعية ، وفي إعادة الوطن العربي إلى مواقع التبعية والسيطرة لنفوذ الامبريالية العالمية وخاصة الامريكية .
لقد اعتبر الحزب والثورة في القطر العربي السوري أن مواجهة العدوان الإمبريالي الصهيوني القائم والمستمر للأرض العربية ، هو الحلقة الرئيسية في النضال العربي في المرحلة الراهنة ، وأن هدف إزالة العدوان وتحرير الأراضي العربية المحتلة هو الهدف الذي لا يعلو عليه أي هدف آخر ، وهو المسألة المركزية التي ينبغي أن تتوحد حولها كل الجهود .. لا سيما جهود القوى الوطنية التقدمية والمعنية بالتصدي للمخططات الامبريالية والصهيونية والرجعية العملية .
وفي إطار هذا الهدف فهم الحزب وثورته في القطر العربي السوري أن قضية التقدم والوحدة العربية قضية مواصلة النهج الداخلي التقدمي الوحدوي ترتبط بشكل أو بآخر بإنجاز هذه المهمة الرئيسية . لانه على حل هذه المهمة ، وعلى الكيفية التي يتم بها هذا الحل يتوقف وإلى أمد بعيد مستقبل ومصير حركة التحرر العربية ، وأنظمتها الوطنية، والتقدمية ، والإنجازات ، والتحولات التقدمية ، الكبيرة التي حققتها .. أن هذا يعني أن النجاح في التصدي للعدوان وإزالته وتحرير الأراضي العربية المحتلة ـ باستخدام كل الوسائل الممكنة وفي مقدمتها وسيلة القوة المسلحة ـ سيعزز أكثر فأكثر مواقع حركة التحرر العربية وأنظمتها الوطنية والتقدمية ، وسيعزز وبقوى التطور التقدمي الوحدوي، وبدفع به خطوات وخطوات إلى الأمام . فضلاً عن أنه سينقل نضال الشعب العربي الفلسطيني وحركته التحريرية والمقاومة الفلسطينية إلى مواقع متقدمة جديدة يكون فيها مجمل ميزان القوى في المنطقة لغير صالح المخططات الامبريالية والصهيونية والرجعية ، ويكون فيها بالتالي في صالح نضال الشعب العربي الفلسطيني في سبيل استرداد أرضه وتحصيل حقوقه الوطنية المشروعة ، وفي المقابل فان الاستسلام أمام الهجمة الامبريالية الصهيونية والرضوخ أمام المستبدين ، وفرض الشروط الامريكية الإسرائيلية .
إنما يعني سقوط حركة التحرر العربية وأنظمتها الوطنية والتقدمية وتصفية المكاسب والمنجزات التي حققها ، وضرب اتجاه التطور التقدمي ، وفي نفس الوقت تصفية القضية الفلسطينية وتحقيق أطماع إسرائيل والصهيونية التوسعية ، وعودة نفوذ الامبريالية والرجعية ، العملية إلى المواقع إلى فقدتها ..
ومن هنا كان حرص الحزب والثورة على أن يضع في المحل الأول قضية مواجهة العدوان ، ومن هنا كان حرصه على إخضاع نضاله وسائر جهوده لهذا الهدف الكبير انطلاقا من وعي أن جوهر هذا النضال ومحتواه هو انه نضال تحرري وتقدمي ، وان وحدة القوى الوطنية التقدمية داخل كل قطر وعلى صعيد الوطن العربي .
هي حجر الزاوية والأساس الراسخ لاستراتيجية حشد الطاقات وتعبئة كل الجهود والاستفادة من أية إمكانية ممكنة في سبيل المعركة الرئيسية وفي سبيل هدف التحرير .
ومن هنا كان أيضا إيمان الحزب وحرصه على تحقيق أية خطوة وحدوية ممكنة ـ وكان الدور الهام الذي لعبه ويلعبه على صعيد تحقيق قيام اتحاد الجمهوريات العربية وعلى صعيد العمل لترسيخه وتطويره على أسس تقدمية . ومن هنا أيضا كان إيمان الحزب وحرصه على تعميق وتوسيع علاقات الصداقة والتعاون مع كل قوى التحرر على إقامة الجسور وعلاقات التعاون والصداقة مع كل قوة دولية تقف مواقف العادلة ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية . أن هذا الفهم يعني أن الحزب لم ينظر إلى قضية الصراع فيما سمي بمنظمة الشرق الأوسط بمعزل عن الظروف الدولية ولم يفهمه على انه ذو طابع محلي فحسب ولكنه فهمه في أبعاده المحلية والدولية ، وحرص اشد الحرص على إقامة أوثق العلاقات والتعاون ... وعلى استخدام كل الوسائل النضال الممكنة ومن بينها النضال السياسي .. وفي مقدمتها الكفاح المسلح . الذي يعتبر في نهاية التحليل أعلى أشكال النضال ... والذي لا بد أن يستند إلى قوى ذاتية فعالة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا ..
أن السلطة الثورية في القطر العربي السوري وعلى رأسها الأمين العام للحزب رئيس الجمهورية الرفيق حافظ الأسد ، تدرك أبعاد المخطط الإمبريالي الصهيوني ، وتدرك أن إسرائيل تستعد وتحضر لاعتداءات جديدة خطيرة ، ربما كانت لا تقل خطورتها من حيث أهدافها وآثارها عن عدوان حزيران 1967 وهي ليست إلا استمرار له ـ وحلقة هامة في سلسلة تنفيذ الأهداف والمخططات المرسومة منذ ما قبل عدوان حزيران وبعده وحتى الآن . وبطبيعة وحجة لتبرير اعتداءاتها ، مثلما استخدمت وما تزال قضية الإرهاب والعمل الفدائي والمقاومة الفلسطينية لتغطية سلسلة الاعتداءات التي قامت بها ، وتقف معها والى جانبها الامبريالية الامريكية سواء في التغطية على العدوان أو في مدها بكل أشكال الدعم . بدءا من تزويدها بالأسلحة ... وانتهاء بالفيتو في مجلس الأمن، ومرورا بأشكال المعونات وتنسيق المواقف .
أن اعتداءات إسرائيل المتكررة وتصعيدها للعدوان وتوسيعه لا شك ينبغي أن تقابل بالردع المناسب وباليقظة التامة ، وفي نفس الوقت ينبغي أن تقابل بوضع عربي ودولي ( ) ، وبتقدير دقيق لظروف المعركة وإبعادها . أن السيطرة على الموقف والتحكم في مجريات الأحداث ، واخذ ميزان القوى بعين الاعتبار ـ أن كل هذه الأمور تضع الحزب وثورته في القطر السوري أمام مزيد من المسؤولية ، والعمل بالاتجاه الذي يضمن تحقيق النتائج المرجوة ... ولهذا فقد ظل القطر حريصا على العمل وبكل الاتجاهات في سبيل قضية التحرير التي تناضل في سبيلها .. وفي الوقت نفسه في سبيل خدمة قضية التقدم والوحدة العربية .
ولهذا كانت تحركاته ونشاطاته ومواقفه المختلفة في النطاق العربي سواء على صعيد اتحاد الجمهوريات العربية ، آو على صعيد المقاومة آو على صعيد العمل العربي المشترك لتحقيق افضل حشد للطاقات العربية . ومن هنا فقد كانت مواقفه بدءا من الزيارة التي قام بها الرئيس حافظ الأسد للخليج العربي لدولة الإمارات العربية ، ومرورا بمشاركة القطر في اجتماع وزراء الخارجية والدفاع العرب ، وانتهاء بفتح الحدود مع الأردن ، في سبيل خدمة القضية الأساسية التي نكافح في سبيلها والتي لا محيد عنها ـ في سبيل مزيد من التضامن العربي ، والعمل العربي الموحد لحشد الطاقات العربية وتحقيق افضل أشكال التعاون العربي والاستفادة من أية إمكانية متوفرة بروح الحرص على تحقيق وحدة الموقف العربي في حد أدنى على الأقل ضد عدوان الامبريالية والصهيونية وإسرائيل ..
لقد شارك القطر في مؤتمر وزراء الخارجية والدفاع الذي انعقد مؤخرا في الكويت ، وكان موقفه واضحا وصريحا . وهو الموقف المبدئي الذي لا تنازل فيه ولا تراجع عنه، موقف الصمود وحشد الطاقات في سبيل المعركة .. وإذا كان مؤتمر الكويت هذا لم يحقق النتائج المرجوة منه حتى في حدها الأدنى ، وإذا كان حاله الفشل . فلأن مواقف التهرب من المعركة والمشاركة فيها . التي وقفتها بعض الأنظمة التي يمكن وصفها بالمزاودة ، وبعض الأنظمة الرجعية ، لم تشأ لهذا السبب آو ذاك أن ينجح هذا المؤتمر .. وكان وفد القطر العربي السوري هو الوحيد الذي يحمل خطة عمل واقتراحات واضحة ومحددة ومدروسة . بينما كانت أساليب التمييع والتهرب تلف مواقف اكثر الوفود الأخرى ..
وعلى الصعيد العربي أيضا انطلاقا من حرص القطر على اتخاذ كل المواقف التي يمكن أن تخدم المعركة ومصالح شعبنا ، في هذا القطر العربي آو ذاك ، قرر وبمبادرة منه أن يعيد فتح الحدود مع الأردن وكان حديث الرفيق رئيس الجمهوريات الفريق حافظ الأسد حول هذا الموضوع واضحا عندما أجاب في معرض رده على سؤال حول الموضوع لجريدة البيرق البيروتية :
((فالحدود أغلقت من اجل القضية ومن اجل القضية فتحته ، وذلك حتى يتاح للجميع أن يسهموا في معركة التحرير .. أن وراء فتح الحدود رغبة في تخفيف أعباء الشعب العربي في الأردن ولبنان ..)
أن هذا الإجراء وغيره من مواقف القطر تشير إلى حرص القطر على اعتبار قضية المعركة هي القضية الأولى ، والى التقدير الدقيق لأشكال التناقضات القائمة والمواقف المطلوبة إزاءها بروح المبدئية والمرونة الثورية والثقة بالنفس .
صحيح أن استعراض الوضع العربي قد لا يبعث على الارتياح ولا يكون مشجعا بسبب واقع التناقضات الموجودة فيه ، وبسبب المحاولات الرامية إلى تعميق هذه التناقضات ، وابقاء الصراع العربي الإسرائيلي نزيفا وهدرا للطاقات العربية ، وابقاء ميزان القوى في مصلحة إسرائيل ضد البلدان العربية حتى وان كانت مجتمعة ، كيف بها إذا كانت منفردة . وإزاء هذا الوضع ـ وإسرائيل خطر ماثل ـ واعتداءاتها لا يمكن تجاهلها ، وهي قد تلجأ في كل وقت لتضرب ، وتوجه ضرباتها ضد مواقع الصمود العربي ، وضد سوريا بشمل خاص ، فما العمل ؟؟..
أن وحدة القوى الوطنية التقدمية داخل القطر ، ووحدتها على الصعيد العربي ، وبناء جبهات داخلية متينة ، وجبهة عربية شعبية تقدمية موحدة قوية ، وتحقيق افضل أشكال التنسيق والتعاون . والصداقة مع كل قوى التحرر والتقدم في العالم ومع الدول الاشتراكية ، هو الأساس الراسخ لصمودنا وكفاحنا في كل المعارك التي نخوضها وفي مقدمتها معركة التحرير ..
أن مجمل الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الامريكية سواء على النطاق العربي ، آو على النطاق الدولي بما في ذلك داخل الأمم المتحدة يكشف حقيقة أهدافها العدوانية ويؤكد أنها العدو رقم واحد ليس لشعبنا فحسب ولكن لكل شعوب الأرض وهي ولا شك تقف وراء اعتداءات إسرائيل المتصاعدة . وتقف وراء حملة الضغوط التي يتعرض لها العرب عبر مشاريع الحلول المختلفة سواء أكانت حلولا منفردة آو حلولا جزئية . وفي كل هذه المحاولات إنما ترمي إلى تصفية قضية فلسطين / وضرب حركة التحرر العربية ، وتحقيق أطماع إسرائيل التوسعية ، واعادة المواقع التي فقدتها ..
يبقى أن تدرك الأمة العربية وقواها الطليعية حقيقة هذه المخططات العدوانية التي تبيت ضدها .. وان تعرف كيف تميز بين أصدقائها واعدائها ، وكيف تعبئ جهودها وتتحرك لمواجهة التحدي .
ومثلما اثبت قطرنا بصموده ورده على الاعتداءات المتكررة ومواقفه المبدئية في كل المشاريع الاستسلامية التي طرحت وتطرح . انه لن يفرط بأي حق من حقوقه الوطنية والقومية والاجتماعية .. سيظل يثبت ويبرهن بشعبة وجيشه وجبهته الوطنية التقدمية التي يقودها حزبنا العظيم انه جدير بالدور المشرف الذي يقوم به .
المناضل