كلمة المناضل - مـع شهـداء العاشـر مـن نيسان فـي بيـروت
كلمة المناضل العدد 53 نيسان 1973
مـع شهـداء العاشـر مـن نيسان فـي بيـروت
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
تكثر في تاريخنا العربي الذكريات ، وتكاد على كثرتها تمتزج المآسي منها بالانتصارات، وفي شهر نيسان وحده ذكريات عديدة وهامة ، ففي السابع منه عام 1947 تأسس رسميا ، حزب البعث العربي الاشتراكي الذي جسد شعارات الجماهير العربية وأهدافها نضالا ثوريا ما يزال يتجدد منذ اكثر من ثلاثين عاما مضى ، وحدد بذلك الطريق واضحا أمام فصائل حركة الثورة العربية في طول الوطن العربي وعرضه . وفي السابع عشر من نيسان عام 1946 ، تحقق جلاء جيوش الاحتلال الفرنسي عن القطر العربي السوري ، بعد كفاح ضد المستعمر دام ربع قرن من الزمن بذل فيه شعبنا تضحيات كبيرة ، كان أعظمها آلاف الشهداء الذين سقطوا في ساحات الوغى دفاعا عن حرية الوطن وسيادته وتحدثت ببطولاتهم البطاح العزيز التي رووها بدمائهم الزكية التي دونت بها تلك الفترة من تاريخنا المعاصر .
وفي السابع عشر من نيسان عام 1963 وقع ميثاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسورية والعراق ، تلك الوحدة التي افتدتها الطلائع الوحدوية الاشتراكية في الوطن العربي عامة، وفي الأقطار الثلاثية المذكورة على وجه الخصوص ، افتدتها طلائع شعبنا بالعرق والدم وبأغلى ما يملكه المناضلون المؤمنون ، في الوقت نفسه الذي كان فيه أعداء الوحدة يمزقون بتآمرهم المواثيق ويضربون أهداف الجماهير . خدمة للمصالح الانفصالية الرجعية والمكاسب الشخصية التي يحميها الانفصال .
وأخيرا وفي السابع عشر من نيسان عام 1971 أتعلن قيام اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسورية وليبيا ، تلبية لنداء التاريخ وتضحيات الأجيال وآمال وطموحات الجماهير العربية نحو تحقيق مستقبلها المشرق .
أنها حقا لذكريات رائعة لانتصارات عظيمة لمسيرة شعبنا الوحدوية الاشتراكية . انتصارات ستبقى دون شك منارات مشعة على دروب الوحدة والحرية والاشتراكية . لكنها لكي يبقى لها دورها في حياتنا الحاضرة وفي مستقبلنا . وحتى لا ينطفئ أوارها ، ينبغي أن تتحول من مجرد ذكريات لانتصارات مضت ، إلى حوافز نضالية تشحذ فينا العزائم وتنير عقولنا من اجل أن نتخطى واقعنا المرير القاتم الذي جسدت مرارته القاتلة، مظاهر سلبية عديدة في ساحات النضال العربية أهمها .
تلك التحركات التي قامت بها القوى الرجعية المضادة لحركة الثورة العربية في أنحاء مختلفة من الوطن العربي . والتي تمكنت من أن تهرق في بعض مدن القطر العربي السوري دماء زكية ينبغي أن تكون ناقوس خطر ينبه رفاقنا وجماهيرنا المناضلة ليزيدوا من حذرهم ويقظتهم ويفوتوا الفرص على القوى المعادية للثورة . بمزيد من الوعي الحزم . لعزلها سياسيا واجتماعيا ومنعها من التأثير على مسيرة الثورة التقدمية ، واستغلال سياسة الانفتاح على الجماهير التي انتهجها الحزب جديا بعد حركة 16 تشرين الثاني التصحيحية عام 1970 .
ولقد كان فيما جرى في مدينة بيروت في العاشر من نيسان من غزو جري للعدو في قلب عاصمة دولة عربية . المفترض أن تكون من دول المواجهة مع العدو الصهيوني . كان لهذا الغزو آثاره البعيدة في نفوس وعقول المواطنين العرب . وآلام عميقة لا يمكن أن تزيلها الكلمات كما يجب ألا تمضي أحداث مريرة كهذه دون أن يقف عندها المناضلون العرب المسلحون بالوعي الثوري والإيمان الذي لا يتزعزع بالنصر ، يقفون عندها ، ليس لأنها الأولى أو الأخيرة في صراعنا مع الصهيونية . وإنما لأنه أن لفصائل حركة الثورة العربية ، ونخص منها فصائل المقاومة الفلسطينية . أن لها جميعا أن تدرك أن الثغرات التي تتركها حالة التشرذم والتشتت هي التي ينفذ منها العدو لضربنا وإذلالنا ومحاولة القضاء التام على المقاومة . مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية.
أن الاستشهاد هو اعظم ما يستطيع المناضل أن يقدمه في سبيل قضية أمته ووطنه وعلى الأخص عندما يكون الشهداء هم من القادة الذين يضربون للجماهير مثلا أعلى في التضحية والفداء . ولكن الاستشهاد يفقد قيمته وحتى قدسيته عندما يصبح غاية في حد ذاته ، آو طلبا للموت دونما هدف يعزز مسيرة الجماهير ، آو يكون مجرد تعبير عن مظاهر عجز أصحاب القضية في أن يضعوا الشهادة ثمنا لانتصار جديد وعظيم لقضيتهم .
إننا لا نبغي في هذا ممارسة المزايدات الكلامية التي من شأنها ذر الرماد في العيون . ولكننا نعتقد انه آن للعرب أن ينتقلوا جديا إلى انتزاع أسلحتهم المعنوية والمادية من أيدي أعدائهم ويشهروها في وجوههم ووجوه حماتهم وشركائهم من الامبرياليين الذين تقودهم الولايات المتحدة الاميركية ، أو من الرجعيين الذين تقودهم مصالحهم الشخصية المرتبطة بالامبريالية الاميركية وأشكال السيطرة الأجنبية كافة .
أن حشد الطاقات العربية وزجها في المعركة لا يمكن أن يعبر عنه باستقالة حكومة عربية ومجيء أخرى لمواجهة أزمة معينة ، ولا يتحقق بالمتاجرة بالشعارات وافتعال أحداث جانبية لاتخاذها ذريعة في الأحجام عن المساهمة في المعركة . إننا نفهم الحشد الحقيقي للمعركة بان تقوم فعلا جبهة وطنية تقدمية في كل قطر عربي على غرار ما تم في القطر العربي السوري ، وأن تعد القوات المسلحة في الأقطار العربية وتعبأ وفق استراتيجية عسكرية ملتزمة تضع احتمال الاشتباك مع العدو في خططها الدائمة ويكون بمقدورها التدخل الدائم والفعلي الذي يمليه واجب النضال المشترك في القضية بالبديهة ليست قضية مصر وسورية وحدهما اللتين وقع ويقع عليهما دائما العبء الأكبر في مواجهة العدو بكل طاقاتهما السياسية والعسكرية والاقتصادية والبشرية .
أن استخدام البترول العربي والأرصدة العربية المجمدة ، ينبغي أن لا يبقى شعارا أجوف لتغطية التنصل من الإسهام الحقيقي في المعركة .،
إذ أنه ليس من عربي مخلص لا يرغب في تسخير الطاقات البترولية من اجل حشد الطاقات البترولية من اجل حشد الطاقات العربية ، ونحن نصر على أن يتحول هذا الشعار الذي تطلقه بعض الجهات بقصد التعمية وتمييع المواقف ، نصر أن يتحول إلى واقع حي يتجسد بان تبادر دول البترول إلى تقديم ما ينبغي عليها فعلا من أموال وإمكانات لخدمة المعركة إضافة إلى الواجب الذي على قواتها المسلحة أن تؤديه إلى جانب جيوش الدول العربية المواجهة للعدو وبخاصة القوات المسلحة في سورية ومصر.
أن الإخلاص والجدية والمعرفة الواعية في تحويل هذه الشعارات إلى واقع ملموس ، هو الحشد الحقيقي للطاقات العربية ، وذلك الحشد الذي يضرب المصالح الامبريالية في المنطقة ويستخدم الإمكانات العربية الجبارة لمصلحة القضية العربية ، بهذا وحده يكون لدماء شهداء العاشر من نيسان في بيروت ولدماء آلاف الشهداء الذين سبقوهم ، يكون لدمائهم القيمة الحقيقية في معارك الكفاح من اجل تحقيق النصر وبناء المجتمع العربي الاشتراكي .
المناضل