كلمة المناضل - الذكرى الخامسة والعشرون لتأسيس الحزب
كلمة المناضل العدد 42 نيسان 1972
الذكرى الخامسة والعشرون لتأسيس الحزب
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في السابع من نيسان منذ خمس وعشرين سنة ، تحققت أول تظاهرة قومية منظمة على أرض سورية العربية ، لتدوي صرخة نضال تتردد أصداؤها على امتداد وطننا العربي الكبير ، وتتنادى مع طلائع جماهير أمتنا في كل قطر من أقطارها ، كي تتواكب جميعا على مسار البعث قوة ثورية منظمة ، استوعبت الآفاق التاريخية للكفاح التحرري ، وانطلقت تقود مسيرة الجماهير في نضالها من أجل بعث هذه الأمة ، وخلق المناخ الثوري الذي يتفتح عن ميلاد الإنسان العربي الجديد إنسان مجتمع الوحدة والحرية والاشتراكية
لقد كان حزب البعث العربي الاشتراكي ذلك التنظيم الرائد الذي اضطلع بقيادة معركة التحرير العربية فكر وعملاً ، وتأتينا الذكرى الخامسة والعشرون لتأسيس الحزب هذا العام تزحم الأحداث النضالية الكبرى التي يخوض غمارها شعبنا العربي في كل أرجائه، لتؤكد أن حزبنا ليس حركة سياسية فحسب ، وإنما حركة حضارية شاملة بعثت الحياة الجديدة في هذه الأمة ، وفجرت أماناتها . ونفخت روح التمرد على كل ما يعوق مسيرتها نحو التقدم ، إن حزبنا نضال على كل المستويات ، وقد عمل منذ البدء على بناء نظريته لبنة لبنة مستقيا من السمات الأساسية لمجتمعنا العربي والمعاناة اليومية للممارسات النضالية على اختلاف مجالاتها ، دون أن يعزل نفسه عن التراث العالمي للفكر الإنساني الذي اعتبره معينا فكرياً يأخذ منه بالقدر الذي يفرضه منطق العلم والموضوعية ، واستنادا الى تاريخ الحزب نبادر إلى القول بدون مغالاة أو تجاوز للواقع والحقيقة ، بأن الفترة التي انقضت من عمر حزبنا كانت حافلة بالنضال والتجارب بحيث أغنت حركة الثورة العربية وتركت أرها الايجابي في حياة الوطن العربي عامة وفي القطر العربي السوري بشكل خاص باعتباره موطن ثورة الحزب ومكان تأسيسه وتمثل هذا الأثر في نمو الوعي الشعبي وتعاظم المد الجماهيري وتصاعد العمل الوحدوي والنضال الاشتراكي اللذين أكد الحزب التلاحم العضوي بينهما ، فأغني بذلك مفهوم النضال القومي بمضمون تقدمي وثق ارتباطه بالجماهير وبأهدافها ، وسيظل هذا الأثر يزداد عمقا واتساعا مادام الحزب مستمراً في أداء رسالته .
ولقد جاءت كلمة الرفيق الأمين العام بمناسبة اليوبيل الفضي لتأسيس الحزب مستعرضة التاريخ الكفاحي لحزبنا كما سجلته كل المعارك التحررية والتقدمية التي تصدى لها شعبنا العربي ، وتؤكد في الوقت نفسه على الاستمرار في أداء هذه الرسالة في جميع ميادين النضال التي تخوضها جماهير شعبنا العربي في كل المجالات ، وهؤلاء هم رفاقنا في كل قطر عربي يمارسون كل أشكال النضال من أجل قضايا أمتنا مقدمين التضحيات متعرضين لشتى أشكال الاضطهاد نتيجة مواقفهم الصلبة إلى جانب مصالح الجماهير والثورة . ولقد دأب الحزب من خلال نشاطاته في كل ميادين العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعلى الصعيد القطري والعربي والدولي ، يترجم شعاراته إلى واقع حسي انعكس على ساحات النضال المختلفة ، على ساحة النضال الوحدوي والاشتراكي والتحرري للشعب العربي في كل مكان وعلى ساحة النضال من أجل القضية الفلسطينية بوجه خاص ، فاتخذا مواقف واضحة ومحددة من القضايا الرئيسية ، من قضية الوحدة ، إلى قضايا التحرر الوطني ، فقضايا الاشتراكية وبناء القاعدة الاقتصادية وإخراج مفهوم الحرية من نطاقه الضيق أعطاه مضمونه الاجتماعي ، ورأى في الوحدة الثورة الأساسية التي تعطي الحرية والاشتراكية كل المدى والأصالة ، ووضع دعوة القومية العربية في إطارها الصحيح عندما أكد على الأساس الشعبي للوحدة وعندما ربط النضال الوحدوي بالنضال الاشتراكي ، واستمر بعد ذلك يناضل من أجل الوحدة حتى تكلل هذا النضال بعد السادس من تشرين الثاني 1970 بقيام دولة اتحاد الجمهوريات العربية كنواة للوحدة العربية الشاملة ، ومن أجل تعزيز الاتحاد وتهيئة الأسباب التي تمكنه من أداء دوره الحقيقي يواصل العمل بصدق لتحقيق اللقاء الكامل بين التنظيمات الشعبية والسياسية لجمهوريات الاتحاد . وفي معرض الحديث عن قوى الوحدة الوطنية أكد الرفيق الأمين العام في كلمته بأن القوى الثورية الجماهيرية التي تحتويها هذه الوحدة هي الأداة القادرة على متابعة النضال وتحقيق المكتسبات وحمايتها وهي القادرة على متابعة النضال وتحقيق المكتسبات وحمايتها وهي القادرة على صنع الوحدة وترسيخها ، وكانت الخطوة التي حققها الحزب في الذكرى التاسعة لثورة الثامن من آذار بقيام الجبهة الوطنية التقدمية في القطر العربي السوري منسجمة مع هذه الرؤية ومدعمة لخط الحزب الهادف الى تعزيز الوحدة الوطنية في كل قطر عربي ، والوحدة القومية للامة العربية من أجل تجميع طاقاتها وحشدها ، وزجها كاملة في النضال ضد كل عوامل التجزئة والتخلف ، وضد قوى العدو الامبريالي والصهيوني، ومن أجل تحرير الأرض العربية وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد .
هذا وإن حزبنا إذ خاض ويخوض كل ميادين العمل النضالي فإنه حدد كل مساراته ضمن الأسس الاستراتيجية التي رسمها لحركة الثورة العربية والتي جعل القضية الفلسطينية محورا لها جميعا لانه منذ البدء نظر إلى أن الطريق إليها هو طريق الكفاح الجماهيري المنظم والمستمر ، ولذا فقد تنادى الحزب منذ البداية إلى ممارسة النضال المسلح وكان رائدا في دعوته لتشكيل كتائب مسلحة لتحرير فلسطين ، كما كان اول من دعا الى قومية المعركة بعد صدور قرار التقسيم ووقوع النكبة عام 1948 ، وحدد طبيعة العدوان الصهيوني وصلته العضوية بالامبريالية ومخططاتها ، واعتبر الغزو الاستيطاني لفلسطين العربية جزءا في التخطيط الامبريالي الجديد في المنطقة ، بعد ظهور بوادر الثورة بحكم كونها عاملا من عوامل إزالة التناقضات في الوطن العربي التي كانت ترتكز عليها سياسية الاستعمار لنهب شعبنا وثرواته ، ومن طبيعة التناقض القائم في المنطقة العربية والدور الذي أسندته الدوائر الامبريالية إلى إسرائيل فإن أطماع هذا الغزو ليس لها حدود ، بل هي ترسم وتخطط لاعتداءات جديدة تحت شعار حدود إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وهذا واضح من تصريحات العدو ومن أعماله المستمرة لتغيير معالم الأرض وبناء المستعمرات الجديدة والتحدي الصارخ للأمم المتحدة والرأي العام العالمي ، وبما يبذل من دعم أمريكي مطلق لتنفيذ هذه الأطماع وكل الأعمال العدوانية ، لذا نقول إنه طريق كفاح شعبنا طريق شاقة تتطلب نفسا طويلا وتضحيات كثيرة ، وإن شعبنا من أجل ذلك مصمم على ان يعد للنصر عدته ، وحزبنا إذ يعتبر وحدة هذا الشعب في مقدمة مقتضيات المعركة وعوامل النصر ، فقد بذل كل الجهود لتوحيد صفوفه في القطر العربي السوري مع السعي إلى أن تترافق بجهود مماثلة لتوحيد صفوف الشعب العربي وتجميع طاقاته في مختلف أقطاره .
هذا وإن حزبنا وجماهير شعبنا العربي لن تسمح بان تتحول قضية الصراع الى مجرد مشكلة حدود لذا فإن هذه الجماهير التي صممت على انتزاع حريتها وتحقيق النصر لقضاياها العادلة سوف تقاوم كل المخططات التي تستهدف أي حل منفرد يقوم به أي فرد عربي أو أية دولة عربية ، والتي تؤدي إلى حل القضية الفلسطينية لمصلحة العدو وعلى حساب مصلحة هذه الجماهير ، مع وجوب التركيز بان قوة شعبنا الذاتية هي الأساس الذي لا بديل عنه ، علما بان ذلك لايمنع من الاستفادة من دعم الأصدقاء وأنصار الحق والعدالة في العالم ، وان طريق انتصارنا ويبدأ وينتهي في عواصم وطننا وليس في عواصم العالم ، وذلك بانتهاج طريق التضحية والفداء والإعداد والحشد لكل قوانا وإمكاناتنا في كل مجالات حياة شعبنا . وستبقى ثورة الحزب في القطر العربي السوري الملاذ الاساسي للمقاومة الفلسطينية التي تمثل سمة من السمات البارزة للحشد في وطننا العربي وتشكل جزءا لايتجزأ من الثورة العربية يجب أن تتاح له كل فرص النمو والاستمرار لكي يؤدي دوره كاملا في انتصار هذه الثورة ولقد أكد الرفيق الأمين العام إن هذا القطر قد حمى المقاومة الفلسطينية ودعمها وسعى من أجل وحدة فصائلها ، وسيواصل هذه المساعدة وهذا السعي وسيقف بكل حزم ضد كل المحاولات الرامية إلى تصفيتها . لأن قوى الثورة الفلسطينية يجب أن تنمو وتتعزز ، ودعمها ضرورة من ضرورات الكفاح العربي . إن ذكرى تأسيس الحزب الخامسة والعشرين إذ تعود بالفكر النضالي إلى مرحلة تاريخية طويلة من نضال الحزب الشاق على درب الكفاح الثوري الذي خاضته جماهيرنا العربية ، فإنها في الوقت نفسه باب ينفتح على التاريخ المستقبلي لهذه الثورة تتراءى من خلاله أبعاد المعركة ، وآفاق النضال الذي يجب أن نخطط من أجله ، كما يجب ان ننطلق منه في مقاييسنا التقييمية ، بحيث يقدر من خلاله صدق الانتماء الحزبي ، ويقاس كل عطاء بمقدار ما قدم لمصلحة الشعب ومصلحة الثورة وقضاياها وأهدافها .
المناضل