الحوار المتمدن - من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 سباق المسافات الطويلة (2-6)
عقيل الناصري
الحوار المتمدن - العدد: 3245 -2011 / 1 / 13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963
سباق المسافات الطويلة: (2-6)
لا يزال القطار أمريكياً:
"الحقائق التي نسكت عنها تغدو سامة"
نيتشه
وهكذا تكالبت القوى الداخلية والخارجية في تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة عبر الانقلاب العسكري المدعوم من الخارج، وعبر تأجيج الاحتراب السياسي، والذي، كما أشرنا سابقاً، كان بعضه مبرراً كرد فعل موضوعي قامت به الطبقات والفئات الاجتماعية (المهزومة) تاريخياً وعملياً نتيجة فعل الثورة. والبعض الآخر كان غير مبرر مطلقاً وبكل المقاييس. وأعني به ذلك الصراع الذي نشب بين القوى السياسية التي في جوهرها تعبر، بصورة نسبية كبيرة، عن أهداف الثورة ذاتها وما يتلاءم مع زمنية المرحلة وماهياتها التاريخية، وهي في نفس الوقت تمثل جوهر طموحها المبتغى آنذاك. وبأنه الصراع بين التيارين القومي، وبالأخص الجمهوري منه، واليساري وبخاصةً الشيوعي.
لقد تزامن هذا الصراع مع تشتت التيار الوطني الديمقراطي الواسع وممثله الأرأس الحزب الوطني الديمقراطي وعجز قيادته عن مواكبة المرحلة التي كانت في الجوهر مرحلته. ترافق ذلك مع انكفائية التيار القومي الكردي وأنوية قيادته وعشائرية زعامته وخطل تكتيكه.. كلها عوامل، وغيرها، أضاعت فرصة تاريخية ندرت بها ظروف عراق القرن العشرين والوقت الراهن. وما يحل بالعراق الآن، هو في بعض أوجهه نتاج لذلك الصراع والضياع.
وعلى ضوء ذلك ومنذ النصف الأول من عام 1961 وخاصة بعد صدور قانون رقم 80، تكثفت العمليات التآمرية الانقلابية وأخذت أبعادها التطبيقية تتجلى بالتوترات الاجتماعية والاقتصادية وتعبيراتها السياسية، بصورة مقصودة ومصطنعة، وازدادت حدة الاحترابات بين:
التيارات الأساسية المؤثرة؛ بين بعضها والسلطة الوطنية؛ بين السلطة الوطنية والحركة الكردية؛ بين السلطة وأغلب دول الجوار ومعها أمريكا وبريطانية؛ بين السلطة الوطنية ومصر الناصرية.. مما أدى منطقياً إلى التشتت والتباعد بين السلطة وقاعدتها الاجتماعية وبين عناصر قيادة الحكم ذاته؛ وسادت اللامبالاة/العدمية إزاء مصير الجمهورية ونظام الحكم وعدم الاستقرار، وأغمضت مؤسسات الدولة الأمنية بصائرها عن التحركات المناهضة للسلطة، لا بل ساعدتهم في الوصول إلى مراميهم.
كما عمدت شركات النفط الاحتكارية إلى تخفيض الإنتاج والأسعار، مما عمق من الأزمة المالية، التي أثرت على حالة السوق وآليته. وتحركت القوى المتضررة المضادة للثورة في الريف من أجل تعميق الأزمة الداخلية كي يتاح لها استعادة بعض من مكانتها المفقودة بفعل الثورة وإجراءاتها. كما شرع طلبة التيار القومي والمنضويين تحت خيمته وبمساندة اتحاد طلبة كردستان في إضرابهم وعرقلة الدراسة في المعاهد العليا، واشتدت وتائر الحرب في كردستان التي حاربتها سلطة الزعيم قاسم بالوسائل السياسية، في حين حاربها ضباط التيار القومي بصورةٍ عنفية قصدية آنذاك وبالعقلية العسكرية المقترنة بأقسى وسائل القهر، بغية قطع أواصر إمكانية إعادة العلاقات بينها وبين السلطة التي بدأها الزعيم قاسم بــإعلان وقف القتال من جانب واحد والعفو العام، في الوقت الذي نسقت قيادة الحركة الكردية مع قوى الانقلاب الإطاحة بالسلطة، كما مدت علاقاتها مع القوى الخارجية الغربية ودول الجوار لمناهضة الحكم الوطني، تحت يافطة (التعاون مع الشيطان)(20).
وانغمس اليسار (الشيوعي تحديداً) في مطالبة السلطة ب (السلم في كردستان) حتى أصبح هذا الشعار، رغم أهميته الكبرى، مثبطاً لفعالية الإنذار الحزبي ذو الدرجة القصوى الذي كان قد أُعلن منذ مطلع كانون الثاني 1963، وهذا ما حال دون التصدي للانقلاب الذي بات معروفاً حتى من أي وحدة عسكرية سينطلق ومن هي قواه الرئيسية. وقد أدت حالة التناقض هذه التي كان يعيشها الحزب الشيوعي إلى عدم اتخاذه إجراءات ملموسة لمواجه الانقلاب وعجزه عن تنفيذ خطة الطوارئ التي أعدها لمواجهة ذلك(21).. وهذا يضع الباحث في حيرة في فهم كنه هذا التقاعس؟ ربما نجده في الصراع الداخلي الذي سكن لب العقل السياسي للكوادر العليا للحزب منذ أواسط عام 1959:
[وهذا ما كنت أتحسسه فيما يطرح في المنظمات القاعدية وحتى اللجان المتفرعة في بغداد حيث ملت تلك المنظمات من عدم انقطاع التوجيهات الحزبية الصادرة إليها بضرورة التزام أقصى درجات الحذر واليقظة إزاء الأخبار المتكررة عن احتمالات قيام حركات تآمرية انقلابية تستهدف الحكم. إذ كانت تتوالى في بيانات الحزب منذ صيف عام 1962 وحتى انقلاب شباط المشئوم. ولقد وصل الأمر جراء تكرار هذه الحالة، أن تراخت يقظة المنظمات القاعدية والجماهير الملتفة حول الحزب، مما سهل على المتآمرين في صبيحة يوم الجمعة 8 شباط 1963، انقلابهم بينما واجه الحزب حالة من الارتباك لم يستطع تجاوزها، وبالتالي فقد الحزب السيطرة، ليس فقط على الشارع، بل وعلى المنظمات الحزبية (وخاصةً في الجيش ـ ع.ن).
... ليس من الصحيح أن قيادة الحزب لم تنتبه إلى خطورة الأوضاع السياسية التي كانت تمر بها البلاد عشية الانقلاب. إذ إن شعوراً بذلك كان يعبّر عنه في مناسبة أو أخرى، ويبدو لي أن انشغال قيادة الحزب بموضوعة ((التكتل)) صيف وخريف ذلك العام، قد لعب دوراً في تأخير إحداث استدارة حادة في سياسة الحزب إزاء حكومة قاسم ونهجها، وما أن أوشكت القيادة على تصحيح سياسة الحزب أواخر عام 1962 وأوائل 1963 حتى كانت الفرصة قد أفلتت من قبضتها ووجه الانقلابيين بتخطيط ودعم المخابرات الأجنبية ضربتهم القاصمة بالحكم والحزب أيضاً](22) (التوكيد منا ـ ع.ن).
ومع ذلك فمن الناحية العملية لم تتخذ قيادة الحزب أي إجراء ملموس لمواجهة الانقلاب الوشيك الوقوع، سوى إصدار البيانات ودعوة الحكومة لإجراء تطهير واسع وفعال في صفوف الجيش، وهذا ما بدأ الزعيم قاسم القيام به، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإعادة حرية العمل للحزب، كما دعوا الجماهير إلى أن تكون محترسة ومستعدة للرد كرجل واحد(23).
في هذا الوقت الذي كان حزب البعث العراقي يعد عدته مع قوى الخارج، للانقضاض على السلطة الوطنية.
كانت حركة القوميين العرب، تعد هي الأخرى لحركة عسكرية، كان المفروض لها أن تتم في أول يوم عيد الفطر، أثناء الحفل الذي اعتادت جمعية المحاربين القدماء على إقامته. وكانت الحركة على أهبة الاستعداد لتنفيذ الخطة، وكانت تعتبر:
[أهم مؤامرة انقلابية نسقتها حركة القوميين العرب، هي مؤامرة 25 شباط 1963 ((أول أيام عيد الفطر)) حيث تقرر اغتيال قاسم في نادي الضباط إبان استقباله للمعايدين. ويبدو أن الحركة من خلال قيادييها الشابين البارزين نايف حواتمة وباسل الكبيسي، قد اتصلت بمجمل الكتل العسكرية القومية في الجيش في وقت واحد، كل على انفراد، فاتفقت مع كتلة اللواء الركن عبد العزيز العقيلي الموصلية الصغيرة ومع كتلة الضباط القوميين (صبحي عبد الحميد) المهمة وكتلة العميد الراوي (عبد الهادي) والمقدم حداد (جابر حسن). وطبقاً لمصادر كتلة صبحي عبد الحميد فإن خطة الحركة اعتمدت على كتلة الضباط القوميين وكان فريق الاغتيال بــإمرة الرئيس الأول الركن فاروق صبري عبد القادر، إلا أنه طبقاً لمصادر كتلة الراوي ـ حداد، فإن فريق الاغتيال كان مؤلفاً من عشرة ضباط صغار جميعهم من كتلة الراوي ـ حداد وتولى تدريبهم على العملية المقدم جابر حسن حداد نفسه، غير أن هذه المصادر تشير في الآن ذاته إلى أنه تم الاتصال بكتلة صبحي عبد الحميد وأحاطتها علماً بالعملية من قبيل تنسيق الجهد... وكان مبدر الويس وعامر حمدان وعبد الرحيم سلمان وعبد الأمير الربيعي ضمن فريق الاغتيال](24). ( التوكيدات من-ع.ن)
لكن، في الوقت نفسه، لم تنسق حركة القوميين العرب مع حزب البعث، الذي حدد في البدء نفس التاريخ والمكان لاغتيال الزعيم قاسم. وكان الطرفان في (سباق المسافات الطويلة) للسيطرة على السلطة. إلا أن هذا الأخير (حزب البعث) قدم موعد انقلابه نتيجة تسرب أخباره للسلطة التي شرعت بإحالة العديد من ضباطه وأنصاره المشاركين على التقاعد. إذ صدرت القائمة الأولى بالمرسوم رقم 34 في 24 كانون أول/ ديسمبر 1962 وبعدها صدر مرسومين آخرين برقم 58 و59 في 3 و4 شباط / فبراير 1963، وكان المفروض صدور القائمة الرابعة في يوم 9 شباط والتي تضم العديد من المشاركين الكبار في الانقلاب(25).
الصلة المميتة:
وهكذا أُعدت العدة وحددت أساليب العمل، وضبطت مواعيد البدء ونسقت العلاقات مع الخارج(26) وبُذئ بتحضير الإذاعة السرية الموجهة للانقلابين من الكويت، وأُعدت القوائم سلفاً بأسماء المناوئين والواجب القضاء عليهم وشل حركتهم باتفاق مسبق اتضحت هوية الواقفين وراءه، إذ:
[لا يمكن تجنب ارتكاب الخطأ في تقدير المصدر الذي جاءت منه هذه القوائم، أو من هو الذي صاغها، ولكن هنالك ما أكده الملك حسين بعد سبعة أشهر في حديث شخصي منفرد مع محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام، جرى في فندق كريون في باريس ويستحق الإيراد هنا:
(تقول لي أن الاستخبارات الأمريكية كانت وراء الأحداث التي جرت في الأردن عام 1957. اسمح لي أن أقول لك أن ما جرى في العراق في 8 شباط قد حظي بدعم الاستخبارات الأمريكية. ولا يعرف بعض الذين يحكمون بغداد اليوم هذا الأمر، ولكني أعرف الحقيقة. لقد عقدت اجتماعات عديدة بين حزب البعث والاستخبارات الأمريكية، عقد أهمها في الكويت. أتعرف أن... محطة سرية تبث إلى العراق كانت تزود يوم 8 شباط رجال الانقلاب بأسماء وعناوين الشيوعيين هناك للتمكن من اعتقالهم وإعدامهم. (الأهرام 27 أيلول 1963). وليس واضحاً ما الذي دفع الحسين إلى قول هذه الأشياء. فالواقع أنه لم يكن صديقاً لحزب البعث، ولكن ملاحظته يمكن أن تقرأ في ضوء ما كشف أخيراً من أنه كان يقبض راتبه منذ 1957 من وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي. آي. أي).
وربما كان على صلة بالموضوع أن نضيف أن عضواً في قيادة البعث العراقي عام 1963، طلب عدم ذكر اسمه، أكد في حديث مع المؤلف (حنا بطاطو ـ الناصري) أن السفارة اليوغسلافية في بيروت حذرت بعض القادة البعثيين من أن بعض البعثيين العراقيين يقيمون اتصالات خفية مع ممثلين للسلطة الأمريكية. ويبدو أن أكثرية القيادة في العراق لم تكن مدركة لما قيل إنه كان يجري](27).
لذا لا عجب من أن مطلب عراق الزعيم قاسم بالكويت ومن ثم الاتفاق على إقامة فدرالية معها والتي حظيت بالموافقة الأولية بين الطرفين على أسسها العامة مطلع عام 1963(28)، قد أُسقط بعد نجاح الانقلاب مباشرةً، حيث دعمتها، بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، الرشوة التي قدمتها حكومة الكويت والتي كان مقدارها كما أُشيع آنذاك في حدود 30 مليون دينار، التي يقول عنها الفكيكي أنها قد:
[حُولت إلى البنك المركزي العراقي ووصل مبلغ مليوني دينار باسم عبد السلام عارف الذي أمر بــإيداعها في حساب الخزينة العامة لبناء المجمع الإعلامي](29).
في حين يقول عبد الكريم فرحان، أحد أركان الحكم آنذاك:
في [8 أذار 1963، أي بعد شهر من الإطاحة بعبد الكريم قاسم، أُعيدت العلاقات الودية بين العراق والكويت، وبدأت مفاوضات تثبيت الحدود انتهت بــاتفاق مشبوه وقعه عن العراق البكر رئيس الوزراء، حصل بموجبه النظام العراقي على قرض كويتي ومبلغ ضخم من المال تقاسمه بعض قادة الحزب وشاركهم فيه رياض طه نقيب الصحفيين اللبنانيين الذي ساهم في إنجاح المفاوضات وعقد الصفقة](30). (التوكيد منا ـ ع.ن).
الهوامش:
(20) هنا لابد من التفريق بين العمل المسلح الذي قام به بعض رؤساء العشائر الكردية من الإقطاعيين والحركة التحررية الكردية، كزمن بداية ومضمون اجتماعي/ سياسي، إذ كليهما تداخلا زمنياً.. وقد ذهبت الحركة الكردية إلى حسم خلافاتها مع السلطة الوطنية بالسلاح، رغم أن الذي يقربها أكثر بكثير من الذي يباعدها عنها. وحسب ما نقله لي الأديب عبد الغني الخليلي في يوم 21 تشرين ثاني عام 2000 في ستوكهولم، عن لسان المدعي العام والمستشار القانوني للزعيم قاسم عبد الأمير العكيلي، الذي خاطب البرزاني الأب إلى أنه مستعد أن يمنح الشعب الكردي الحكم الذاتي بل وحتى حق تقرير المصير، وتخصيص حصة من النفط لأعمار منطقة كردستان العراق، وطلب منه فقط التريث لفترة زمنية ليست طويلة لتقوية مقدرة العراق العسكرية لكي يستطيع مقاومة تدخلات إيران وتركيا اللذين سيقاومان مثل هذا الأجراء عسكرياً. هذا الموقف وغيره، هو الذي دفع أعضاء المكتب السياسي للبارتي في البدء إلى رفض الاشتراك في الحرب ضد سلطة عبد الكريم الوطنية، لكن بعد أن حسم الصراع داخل الحزب لصالح البرزاني الأب وطرد بعض كوادره المتقدمة، وافق الحزب على تأييد خط الملا مصطفى الذي أعتبر نفسه ليس رئيساً للحزب حسب، بل زعيماً للشعب الكردي برمته وأخذ يطرح مفاهيم غير محددة المعالم لمطاليب عامة دون أن يحدد مضمونها وهذا ما يلائم حلفاءه الوقتيين في الداخل والخارج على السواء.
وبمرور الزمن أصبح القتال عبئاً سياسياً ومادياً على السلطة والحركة الكردية ذاتها، وكانت من الأسباب المهمة التي ساعدت على نجاح الانقلابيين وسقوط حكم الزعيم قاسم. ومن هذا المنطلق يمكن فهم موقف الشيوعيين من الحرب ولماذا رموا الثقل الأكبر وراء شعار السلم في كردستان. لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه، من كان في قيادة الحركة الكردية، والبرزاني الأب تحديداً، قادراً على الوصول بتفكيره إلى ما وراء سقوط حكم الزعيم قاسم والمآل المرتجى من ذلك رغم التضحيات الجسيمة بالقيم والأرواح ومعاناة الشعب الكردي؟ من كان منهم يجروء على الموازنة بين أفضليات حكم الزعيم قاسم وبين أنظمة هي بالضد من الأماني التحررية لحركة الشعب الكردي بالأساس؟ ومن كان منهم يستطيع أن يستشف عمق الإخطار الناجمة عن التحالف مع أنظمة دول الجوار، المساهمة في ذبح الشعب الكردي وأمانيه في الاعتراف بهم كشعب، ناهيك عن تكوين دولته القومية المشروعة؟ يبدو أن قصر النظر وسم، ولا يزال، أغلب قيادات الحركة الكردية مما أعاقها عن تحقيق ما صبت إليها.. وما التحالف غير المقدس ضد نظام تموز/ قاسم إلا بداية الإخفاقات المرحلية للحركة.
21- للمزيد حول هذا الموضوع راجع ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد، مصدر سابق، الجزء الثاني ص 336 وما بعدها.
(22) صالح مهدي دكلة، من الذاكرة، سيرة حياة، ص ص 84 ـ 86، دار المدى، ط. الأولى، بيروت 2000. كذلك المصدر السابق، حيث ذكر: [ولقد كان لتكرار إصدار تلك الإنذارات أثراً سلبياً على يقظة الجماهير والقوى السياسية الأخرى وعلى الحزب نفسه. بحيث خدر إلى هذا الحد أو ذاك من تلك اليقظة] ص 336.
(23) حول هذا الموقف راجع: التعميم الداخلي الصادر عام 1967بعنوان (محاولة لتقييم سياسة الحزب الشيوعي العراقي في الفترة تموز 1958 ـ نيسان 1965]. علماً بأن القائمة الأولى بــإحالة الضباط المشاركين بالانقلاب على التقاعد، قد صدرت فعلاً وهذا ما سنتطرق إليه.
(24) محمد جمال باروت، حركة القوميين العرب، مصدر سابق، ص 269 وما بعدها.
(كذلك راجع تصريحات نايف حواتمة المنشورة في مجلة النور، العدد 93 في شباط / فبراير 1999، حيث يقول: [كنا في ذلك الوقت نعد لعملية انقلابية عسكرية وجماهيرية بالتعاون مع صف واسع من التشكيلات العسكرية القومية في الجيش التي كان من أبرز عناصرها عبد الكريم فرحان وصبحي عبد الحميد وعارف عبد الرزاق وفاروق صبري عبد الله وجاسم العزاوي. وكنت قد كتبت برنامج الحركة الجديدة الموعودة فلو كانت قد نجحت لربما تغير تاريخ العراق والشرق الأوسط. كنا سنبني وضعاً يتناغم مع مصر الناصرية في محاولة لبناء جمهورية متحدة ثلاثية من مصر وسوريا والعراق. بينما كان التسابق بيننا وبين البعث في ذلك الوقت، وهنا لم تكن غائبة التأثيرات البريطانية والنفطية عن كل ما يدور... هذا الذي عبر عنه علي صالح السعدي بقوله [دخلنا بغداد بقطار بريطاني (الأصح بقطار أمريكي وخرجنا بقطار بريطاني ـ الناصري) وبعدها صدر بيان شهير جداً خلال الأربع وعشرون ساعة الأولى بطمأنة كل الشركات النفطية على مصالحها وأنها لن تمس...]. لكن تناسى حواتمه أن فريقه العسكري لم يكن له امتدادات جماهيرية، ولم يكن مشبعاً بروح اليسار كما يقول في مقابلته هذه. بل[كان الحركيون في الأيام الدموية الأولى ((شباطيين)) أكثر من ((شباطي)) البعث وحرسه القومي. فحرضوا على استباحة دماء الشيوعيين. إذ أعلن بيان لهم، إن (تصفية هؤلاء الشيوعيين والرجعيين والشعوبيين، جزء لا يتجزأ من تصفية النظام الإرهابي كله... وذهبت الصحافة ((الحركية)) إلى حد اعتبار بيان المجلس الوطني لقيادة الثورة بتخويل القادة العسكريين حق الإعدام الميداني للشيوعيين بأنه ثورة ثانية تعادل القضاء على حكم عبد الكريم قاسم وأن تصفية الشيوعيين والرجعيين شرط لنجاح الثورة... كان نايف حواتمة يكتب أغلب افتتاحيات (صحيفة الوحدة الحركية في العراق) وصفحاتها الأولى.] محمد جمال باروت، مصدر سابق ص 180
(25) أرسلت السفارة البريطانية بتاريخ 25/02/1963، مذكرة إلى المخابرات العسكرية في وزارة الدفاع البريطانية، عن الانقلاب وما سبقه ذكرت فيه. [وفي كانون الثاني كذلك صدرت قائمتان بأسماء المحالين على التقاعد يصل مجموعهم إلى 111 ضابطاً منهم 2 برتبة لواء، و32 برتبة عميد و25 عقيداً و12 مقدماً...] راجع د. حامد البياتي، أسرار انقلاب 8 شباط، مصدر سابق، ص 141.
(26) حول هذا الموضوع، راجع تقرير السفارة البريطانية عن الحالة الداخلية في العراق بتاريخ 7 شباط 1963 .
(27) حنا بطاطو، مصدر سابق، الجزء الثالث، ص 300، وكما مر بنا سابقاً فإنه في مؤامرة الشواف وقبلها في مؤامرة الكيلاني، سبق أن أُعدت مثل هذه القوائم، ويبدو أن الثأرية المسبقة تكمن في أساس توجه الانقلابيين طيلة المرحلة وكلها كانت تصب في تصفية قوى اليسار الوطني عامةً والحزب الشيوعي بخاصة، وكأن مهمتهم هذه قد أوكلت لهم من قوى خارجية لها مشروعها العام ليس في العراق وحده بل في عموم المنطقة. وهذا ما دللت عليه العقود اللاحقة. وما نحن فيه هو أبرز سماته. كما أن محمد حسنين هيكل يورد الموضوعات المذكورة أعلاه دون أدلة علمية تسندها. كما أنه يلوي عناق الحقائق بما يخدم السياسة المصرية في حينها، ويبرر توجهاتها رغم أنف الحقائق. للمزيد راجع د. سيار الجميل، تفكيك هيكل، مصدر سابق.
(28) حول هذه الموضوعة راجع: أسوار الطين لحسن العلوي؛ مذكرات إسماعيل العارف؛ الموسوعة، الجزء السادس سقوط عبد الكريم؛ نجم محمود، المقايضة برلين ـ بغداد، وغيرها
(29) هاني الفكيكي، مصدر سابق، ص 304. ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا (عملت وقبل الإطاحة بالبعثيين في 18 تشرين الثاني 1963على تحقيق التفاهم وإزالة الخلاف بين الكويت والعراق نهائياً. كما قيل آنذاك – فاعترف النظام البعثي في العراق بالحدود التي رسمتها بريطانيا سابقاً بين البلدين.وهكذا عقدت الحكومة العراقية اتفاقاً مع شيخ الكويت جاء فيه: وبعد أن أطلع الجانب العراقي على بيان حكومة الكويت الذي ألقي في مجلس الأمة الكويتي بتاريخ 9/4/1963 والذي تضمن رغبة الكويت بما يلي:
1- تعترف الحكومة العراقية باستقلال الكويت وسيادتها التامة بحدودها المبينة بكتاب رئيس وزراء العراق بتاريخ 21/7/1932 (نوري السعيد) والذي وافق عليه حاكم الكويت بكتابه المؤرخ في 10/8/ 1932.
2- تعمل كل منهما على توطيد العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين يحدوهما في ذلك الواجب القومي والمصالح المشتركة والتطلع إلى وحدة عربية شاملة.
3- تعمل الحكومتان على إقامة تعاون ثقافي وتجاري واقتصادي بين البلدين على مستوى السفراء.
الشيخ صباح سالم الصباح رئيس الحكومة العراقية أحمد حسن البكر
... وتم توقيع هذه الوثيقة بمباركة حزب البعث في سوريا فتعهدت حكومة الكويت بتوظيف الأرصدة الكويتية في سورية والعراق، وقد أشيع إثر هذه الاتفاقية مع الكويت أن أمولاً ورشاوى قد قبضتها بعض قيادات البعث في سوريا والعراق...) أكرم الحوراني ، المذكرات، المجلد 6، الفقرة 162.
(30) عبد الكريم فرحان، حصاد ثورة، مصدر سابق، ص 109