على مشاكل الطبابة والدواء
المركـز الثّقافـي
للبحوث والتوثيق
صيـدا
يدعوكم لحضور الندوة الدراسية حول:
أضــواء
على مشاكل الطبابة والدواء
يشترك فيها: الدكتور شوقـي علويـة، الدكتـور أحمـد مــراد،
الدكتور عـادل الراعي ، الصيدلي عاطـف البسـاط،
الدكتـور عبد الله البعلبكـي
يدير الندوة: الدكتور مصطفى دندشلـي (رئيس المركز الثقافي)
الزمـان: الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة الواقع فيه 6 تشرين الثاني 1987
المكـان: قاعة محاضرات جمعية الأدب والثقافة ـ بناية التنمية ـ صيدا
اللجنة الثقافية
التاريخ في 6 تشرين الثاني 1987
الندوة الدراسيّة
"مشاكل الطبابة والدواء"
في الظروف الراهنة
* * *
* كلمة ترحيب بالحضور،
ـ كلمة شكر للمحاضرين + جمعية الأدب
ـ شكر المحاضرين الذين لبّوا الدعوة وقبلوا أن يتحدثوا في هذا الموضوع الشائك…
ـ الإشارة إلى بعض الأمور (إيداء بعض الملاحظات) النقاط
1 ـ مضي عشر سنوات على تأسيس المركز الثقافي. وسوف نتحدث عن هذه التجربة الثقافية الغنية خلال هذه الرحلة الطويلة في لقاءات أخرى، شهر تشرين الثاني + والنصف الأول من كانون الأول ـ مخصصة لهذه المناسبة.
2 ـ شراء مقر للمركز الثقافي + المبلغ + التسديد وحملة التبرعات.
حملة التبرعات
التأييد المعنوي والأدبي لا يقل أهمية من التأييد والدعم المادي.
* ومهما يكن قلنا الموضوع مشاكل الطبابة شائك الاعتراف: ليس هناك من حلول جاهزة.
المشكلة هي مشكلة نظام: نظام اجتماعي اقتصادي سياسي.
من هنا التأييد للإضراب العام، هذا التأييد للأحزاب تعبير عن رفض+ احتجاج + استنكار (وهو أضعف ما يمكن أن يقدمه المواطن) لما يجري في الساحة السياسية عموماً من الحكم إلى الحكومة والميليشيات الطائفية والمذهبية والتفتيت السياسي وسيبان الإدارة والدولة، إلخ…
إذا كان الأمر هو مشكلة نظام ـ فهل يعني ذلك أنه يجب أن ننتظر!! ونترك الأمور على ما هو عليه من الفلتان؟ أليس هناك من معالجات ولو آنية، حتى نخفف عن عبء الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود.
* من هنا أهمية طرح مشكلة الطبابة والاستشفاء والدواء،
طرح المشكلة ـ للمشكلة جوانب متعددة:
1 ـ التقني + والتطور العلمي.
2 ـ علاقة الطبييب بالجهات المسؤولة.
3 ـ علاقة الطبيب بالمستشفى والعكس…
مع الأهمية لكل ذلك… إلاّ أن ما يهمنا هو طرح المشكلة من الزاوية الاجتماعية.
الرؤية الاجتماعية: المواطن ـ الطبقات الوسطى والشعبية وذوي الدخل المحدود.
العلاقة مع المستشفيات العلاقة بالضمان
المواطن: العلاقة مع الطبيـب والتعاونية
مشكلة الـدواء
من هنا ـ كثرة المستوصفات.
لطرح ومناقشة
إذن، لمعالجة هذه المشكلـة، مشكلـة الطبابة من الزاوية الاجتماعية ومن وجهة نظر المواطن دعونا مجموعـة من أصدقائنا الأطبـاء، وأكرر شكري لهم، لتلبيتهم هذه الدعوة وهم:
ـ الدكتور شوقي علوية: أخصائي في الطب النسائي، عضو في الهيئة الإدارية وهو يمارس مهنة الطب منذ أكثر من عشرين سنة وفي صيدا منذ عشر سنوات، وعنوان موضوعه انعكاس الأزمة على وضع المستشفيات.
ـ الدكتور أحمد مراد: أخصائي في طب الأطفال وهو يمارس المهنة في بنت جبيل وفي صيدا منذ 1969 وإلى جانب عمله العيادي ـ له نشاطات اجتماعية وصحية واسعة في العمل في المستوصفات ومؤسسة النجدة الشعبية وهو عضو في لجنة تنسيق المستوصفات في صيدا والجنوب.
وموضوعه ـ أزمة الصحة في لبنان، أمين رابطة الأطباء في صيدا.
ـ الصيدلي عاطف البساط: فهو يعمل في هذا المجال منذ مدة طويلة، فهو إذن خير من يحدثنا وحسب موضوع حديثنا عن مشكلة الدواء وارتفاع الأسعار بالنسبة للمواطن العادي.
ـ الدكتورعادل الراعي: أخصائي في طب الأطفال ومسؤول مركز الراعي الطبي، فهو على معرفة بمشاكل المواطن والمريض عن طريق العيادة وعن طريق المستشفى، إذ أنه يمارس المهنة منذ أكثر من
وموضوع حديثه ـ سياسة الدولة ومشكلة الطبابة.
ـ الدكتور عبد الله البعلبكي: وهو يمثل الطبيب الناشىء، الطبيب العصامي الذي لم يصل إلى الرتبة العلمية إلاّ بعد كفاح مرير، مثله في ذلك كمثل غيره من الأطباء، فمن خلال هذه التجربة وتجربته في العمل اليومي في مستوصف رشيد بروم وفي العمل في هيئة تنسيق المستوصفات في صيدا والجنوب فهو سيتحدث عن هذا الجانب بعنوان: المستوصفات ومشاكلها في صيدا.
كلمة التقديم
د. شوقي علوية
سيداتي، سادتي،
فـي ظـل الأوضـاع الاقتصاديـة والمعيشيـة الحالكـة، أضـواء علـى الطبابـة والـدواء.
هذا ما أحب المركز الثقافي للبحوث والتوثيق أن يكون موضوع ندوة اليوم من ضمن سلسلة من الندوات، ما سبق منها وما سيلحق.
وفي كلمتي الموجزة سأحاول أن أعالج كيفية انعكاس الأمور على الوضع في المستشفيات وتقديماتها الطبية ليس من باب توجيه الاتهامات ولا من باب المزايدة. لا نرى في هذه الندوة كرسي اتهام لأي طرف.
للمقدمة وجهـان
ففي الوجه الأول أظن من المفيد التذكير بأن نقطة الانطلاق في الموضوع الصحي هي الوحدة المكوّنة من المريض والطبيب… هكذا بدأت الأشياء.
فإلى فترة ليست ببعيدة كان الموضوع الصحي بكامله محصوراً بهذه الوحدة: يأتي المريض إلى الطبيب، أو العكس، فيتم تشخيص المرض ويقوم الطبيب بإعاء الدواء الذي يكون قد حضره بنفسه.
ولكن التقدم العلمي انعكس، فيما انعكس على الممارسات الصحية وفرض ما يمكن أن نسميه توزيعاً في المهمات.
فأصبح تصنيع الدواء مثلاً علماً قائماً بنفسه وأصبحت صناعة الدواء أحد الأطراف المهمة في المعادلة الصحية.
ودخل المستشفى من الباب الواسع متخصصاً بتقديم الخدمات الصحية أكان ذلك على مستوى التشخيص بوسائل لا تتوقف عن التطور وازدياد الكلفة، أو على مستوى العلاج الطبي والجراحي الذي لم يتوقف هو أيضاً عن التطور وازدياد الكلفة.
وطبعاً استناد الإنسان من هذا التطور، من تطور معرفة الأمراض والوقاية منها أو علاجها. ولكن التوسع بهذه الزاوية ليس في مجال كلامنا الآن، وهو على حال أمر معروف ومعترف به… ولكن ما أحببت الإشارة إليه هو أن التطور جعل من المستشفى، الذي كان هامشياً في الماضي، نقطة استقطاب عملاقة وأساسية.
أما في الوجه الثاني من المقدمة فيجدر التذكير بأن الثورة الصناعية جاءت مستفيدة من التقدم العلمي وتدخلت في التركيبة الاجتماعية فغيرت معظم معالمها.
واختارت الشعوب أنظمتها من ملكية ورأسمالية واشتراكية، (وفي الواقع حصل بعض التداخل في بعض هذه الأنظمة) ولكنها كلها كان عليها أن تخضع للذهنية الصناعية وهي ذهنية الإنتاج والاستهلاك.
ومن خلال هذه الذهنية كان على الأنظمة مهما اختلفت أن تقدم التأمينات الاجتماعية من تقديمات كالمواصلات والتعليم مثلاً أو من ضمانات كالطبابة والشيخوخة مثلاً. وحسب مدى تطور المجتمع في مكان ما وتطور التأمينات أصبح دور الدولة يزداد رسوخاً، وإذا بقي للقطاع الخاص دور في بعض الأنظمة فهو دور رديف خاضع لإشراف الدولة وللكوابح التي تستعملها لمنع الفلتان والاستغلال أو الغبن مهما كان مدى الرخاء المعيشي الذي تنعم به المجتمعات.
أما في لبنان ففي البداية استمرت الدولة في تطوير الهيكلية البدائية التي تركها الاستعمار في القطاع العام، وكان معظم هذا التطوير مكاسب مطلبية لم يتمّ دون هزات.
ولكن الذهنية التي نعرفها جميعاً في بلادنا أدت إلى استقالة الدولة التدريجية من تأمين الخدمات والضمانات وتسليمها للقطاع الخاص تاركة له مطلق الحرية، وكل القوانين السارية المفعول لا مفعول حقيقي لها، وينطبق هذا الكلام على كل أنواع الخدمات والضمانات من شق الطرقات أو صيانتها أو المواصلات أو التعليم، وطبعاً الخدمات الطبية.
وهكذا أصبح الجموح والتسيب والتفرد ولاستفراد ميزة أوضاعنا.
وفي الموضوع الصحي، نقطة الثقل هي المستشفى كما ذكرنا. ومن الزاوية التي أتطرق فيها لموضوع الطبابة سأحاول كما قلت في مطلع هذه الكلمات أن ألقي الضوء على مصير خدمات المستشفى في ظل الظرف الراهن.
نتذكر جميعاً أنه لغاية نهاية الستينات كانت المستشفيات في صيدا في حالة بائسة إن من ناحية التجهيزات، الكفاءات البشرية أو من ناحية الخدمات، ولم تكن تستقبل سوى الحالات البسيطة.
ربما كانت الأوضاع في مستشفى عين الحلوة في حينه أفضل منها في المستشفيات الخاصة. ولكن منذ بداية السبعينات وبفضل الانتعاش الاقتصادي النسبي، ودخول أطباء أكفاء إلى الساحة الطبية في صيدا عرفت المدينة ما يمكن أن تسميه عصر المستشفيات الذهبي، إذ تطورت المستشفيات الموجودة بشكل سريع، وأنشأت مستشفيات جديدة ودخلت إلى هذه المستشفيات التقنيات الحديثة والمكلفة.
وأصبحت الخدمات الطبية التي تقدمها هذه المستشفيات على درجة عالية من الجودة. وساعد على هذا التطور السريع خلو الساحة من أي دور يذكر للدولة أكان ذلك في مجال تقديم الخدمات مباشرة (وكلنا يعرف كيف اضمحل دور مستشفى عين الحلوة) أو في مجال الإشراف على تطور القطاع الاستشفائي الخاص.
طبعاً مساوىء الوضع الطبي كانت موجودة، أهمها أن المريض تحمل الجزء الأكبر من تمويل انتعاش الخدمات الطبية، في حين أن هذا الأمر من واجب المجتمع ككل أي من واجب الدولة.
وهكذا فإن فترة البحبوحة النسبية لم تكشف سيئات تفرد القطاع الخاص في الأمور الطبية منذ بداية السبعينات لغاية 1985.
ولكن بحلول الأزمة بدأ قصور الدولة وتخليها عن دورها يظهر ويتفاقم مع تفاقم الأمور في كل المجالات ومنها الطبابة، ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
أين نحن الآن، وفي أي اتجاه نسير؟
قبل كل شىء، أحب أن أعلّق على كلام نسمعه دائماً من بعض القيمين على ساحة الاستشفاء وهو أنه لولا القطاع الخاص لما كان هنالك استشفاء في لبنان، مثل هذا الكلام هو من باب استغباء المواطن إذ أن الحقيقة: لولا استقالة الدولة التامة، ودعمها غير المباشر للقطاع الخاص لما كان هنالك استشفاء خاص في لبنان، أي لولا الأموال التي تدفعها الدولة للمستشفيات الخاصة لأغلق معظمها أبوابه في هذه الظروف.
أما فيما يهم المريض من ناحية التقديمات الطبية ونوعيتها وكلفتها فتجدر الإشارة إلى أن تقديمات المستشفى تحتسب بالنقد الأجنبي لأن ما يقدمه المستشفى مستورد (أي أن سعره تضاعف بين 150 و200 مرة تمشياً مع نسبة انهيار قدرة الليرة الشرائية).
وإذا قارنّا السعر الذي كان يدفعه المريض لعمل طبي معين في العام 1984 وما يدفعه اليوم تصبح الصورة أوضح.
إذا كان يدفع المريض في العام 1984 على عملية معيّنة مبلغ ثلاثة آلاف ليرة فعلية أن يدفع اليوم 500 ألف ليرة، في حين لا يدفع سوى 50 أو 60 ألف ليرة على العملية نفسها. ولو عضينا النظر، ولو للحظة عن ثقل هذا المبلغ على كاهل المواطن فهنالك فارق كبير بين سعر الأمس وسعر اليوم من السهل تفسيره، وهو انهيار قيمة أتعاب الطبيب والممرضة وسائر موظفي المستشفى بالدرجة الأولى، شأنهم في ذلك شأن الموظفين في سائر القطاعات، هذا جزء من الفارق.
ويتمثل جزء آخر بانهيار نوعية ما يمكن أن نسميه الخدمات الفندقية (الطعام والبياض والتكييف، إلخ…
وهذان الجزءان لا يؤثران من الناحية المبدئية على نوعية الخدمات الطبية بحد ذاتها. أما ما تبقى فيتمثل بنوعية الخدمات الطبية، وهنا يهدد الأمر بأن يصبح مقلقاً:
1 ـ بدأ يصرف النظر تدريجاً عن بعض الفحوصات التي يدخل بعضها في باب التشخيص وبعض الآخر في باب مراقبة تطور حالة المريض بعد العملية الجراحية أو خلال العلاج الطبي.
هذا التوفير الذي لا يشمل سوى الفحوصات غير الملحة ما زال خطره نظرياً في المرحلة الحالية… ولكن كيف ستكون الأمور إذا استمر التفاقم وعندما سيصرف النظر اضطرارياً عن فحوصات أساسية.
2 ـ يصرف النظر تدريجياً عن صيانة الأجهزة المعقدة والمكلفة التي تتعطل نظراً لبهاظة الكلفة. فقطعة الغيار التي كان ثمنها سبعة آلاف ليرة أصبح ثمنها مليون ليرة، وتلك التي كان ثمنها 50 ألف ليرة أصبح ثمنها 7 أو 8 ملايين ليرة… والصيانة لم تعد تشكل جزءاً من فاتورة المريض من جهة، والمستشفى ليست في وارد تحمل الخسائر من جهة ثانية.
3 ـ لم يعد في إمكان المستشفيات شراء أجهزة جديدة، فالجهاز الذي كان ثمنه مليون ليرة عام 1983 أصبح ثمنه 150 إلى 180 مليون ليرة اليوم أي أن اقتناؤه أصبح مجرد حلم لجميع المستشفيات. وفي بلاد العالم، حتى الغنية منها، تشتري هذه الأجهزة المكلفة مستشفيات الدولة لا المستشفيات الخاصة.
4 ـ المعدات التي تستعمل يومياً تستهلك، والمستفشيات لا يمكنها أن تجدد لأن الأسعار التي تتقاضاها، رغم ضخامتها وثقلها على كاهل المواطن لا تغطي نفقات تجديد المعدات.
حتى الآن تستعمل المستشفيات مخزونها، ولكن كيف ستكون الأمور غداً.
5 ـ الطبيب يجد أتعابه تذوب وتتآكل تدريجاً وشعوره بالغبن يجعله يصطدم بصاحب المستشفى.
الكلام نفسه ينطبق على الممرضة التي تستهلك القسم الأكبر من معاشها للانتقال بين سكنها في قرية قريبة أو بعيدة وبين المستشفى، شأنها في ذلك شأن كثير من الموظفين في القطاعات الأخرى.
وإذا استمر التدهور المعيشي فإن الخدمات الطبية التي تقدمها المستشفيات ستصل إلى وضع بائس وتعيس.
وكل هذا ليس سوى الجزء المنظور من جبل الجليد. وعلى سبيل المثال لا الحصر تكرس أموال الضمان لتغطية كلفة الاستشفاء، ورغم كل الزيادات التي طرأت منذ 1985 على تعرفة الاستشفاء فهي لا تعوض حتى القليل من ارتفاع سعر الدولار، وبما أن موضوع الضمان قد فتح ربما من المفيد الإشارة أي أن الطبيب لا يعتبر لا من قِبَل الدولة ولا من قِبَل الضمان قطاعاً خاصاً يستحق الاهتمام، فعندما تقرر سعر المعاينة 75ل.ل. كانت تساوي 12 أو 13 دولار، وهي ما زالت على حالها حتى اليوم وقد أصبحت تساوي 10 أو 12 سنتاً، وطبعاً لا يمكن الطبيب أن يتقيد بهذا السعر، والمضمون يدفع الفرق، أما المستشفى فيرفض استقباله لأنه مريض مخسر، وإذا شاء الاستشفاء فعلى حسابه الخاص.
تأخر الوزارة والضمان سنوات لدفع المستحق الذي لا يكفي لتغطية السعر الحالي لدواء قدم للمريض منذ سنتين، ولكن للمستشفيات طريقتها لمعالجة ذلك بشكل يجعلها تتفادى الخسارة.
وهنا نرى دور المواطن، فإلى جانب مطالبته بدعم سعر صرف النقد الوطني ورفع سمتوى معيشته عليه أن يناضل من أجل أن تتحمل الدولة مسؤوليتها من خلال ذهنية جديدة فتتولى هي أمر الطبابة بشكل جدي واستيراد الدواء.
ولا يغرنا ما نسمعه ونقرأه عن تغطية الدولة لتكاليف الاستشفاء بمجرد دفع المليارات لهذه المستشفيات، فإن حوالي 10% منها فقط يستعمل للخدمات الطبية والباقي لدعم استمرارية المستشفيات، أما باقي تكاليف الخدمات الطبية فيستمر المواطن في تحملها.
في حين أن المبالغ نفسها لو أنفقت بشكل سليم لكفت خلال سنوات قليلة لبناء مستشفيات حكومية حديثة في جميع المناطق اللبنانية وتجهيزها بشكل يؤمن خدمات من نوع تعجز عنه المستشفيات الخاصة.
أقول هذا الكلام ليس باب انتقاد المستشفيات، قلت في وارد الانزلاق إلى مؤامرة حرب الضحايا على الضحايا كما يسميها الرئيس سليم الحص، بل من باب الواقعية، إذ ليس في إمكان القطاع الاستشفائي الخاص أن يتوضى الربح وفي الوقت نفسه يقدم خدمات طبية باهظة الثمن يعرف سلفاً أن المواطن لا يمكنه تغطية تكاليفها.
المواطن الأوروبي يعيش حالياً في مناخ البحبوحة والانتعاش الاقتصادي، ومع ذلك فإن الخدمات والضمانات من شأن الدولة، والطبابة مجانية.
والمطلوب في لبنان أن تسترجع الدولة الخدمات الطبية من القطاع الخاص لأن الأزمة المعيشية أظهرت ما كانت تخفيه البحبوحة النسبية وهو أن القطاع الطبي الخاص لا يمكنه الصمود طويلاً في وجه الأزمات، فهو إما أن يجني الربح، أو ينهار جارفاً معه الخدمات والضمانات الأساسية واستمرار هذا الوضع هو في نظري قمة المستهجنات.
والسلام عليكم.
كلمـة
د. أحمـد مـراد
درهم وقاية خير من قنطار علاج: قول مأثور يشكل بحد ذاته جوهر الرعاية الصحية. أين نحن من هذا القول في مجال التطبيق؟
صفر لا يرحم، يكبر هذا الصفر مع تعاظم حجم كرة الثلج التي تلف النظام اللبناني تدهوراً في جميع ميادين الحياة وتضع الجميع أمام الإقرار شاءوا أم أبوا بأن عصر البحبوحة والترف والازدهار قد ولَّى ولن تستطيع قوة أن تعيده إلى ما كان عليه دون أحداث تغيير جذري في بنية هذا النظام.
بهذه الكلمات يمكن الاكتفاء مختصرين كل أوجه الأزمة اللبنانية، كما وأنه يمكن النقاش والنقاش المضاد لساعات وساعات دون التوصل إلاّ لهذه الحقيقة ـ نظامنا شاخ وبات واجب إنهاء حكم الطوائف والعشائر.
وإذا أردنا أن نسلط الأضواء على مشاكل الصحة في هذه الظروف بالذات لا بدّ لنا إلاّ من تحديد ثوابت ننطلق منها في نقاش الأزمة الصحية.
أولاً: حق الإنسان في العلاج والصحة.
ثانياً: الطب مهنة، لكن الغاية منها بالغة القدسية والطهارة.
ثالثاً: حق الطبيب في حياة كريمة.
هذه الثوابت الثلاث منصوص عليها في قسم هيبوقراط الذي يؤديه كل طبيب وفي شرعة منظمة الصحة العالمية.
أمام هذه الثوابـت ما الذي يجري في لبنـان في القطاع الصحـي؟ فبغضّ النظر عن التشريعات والقوانين المنظمة إجرائيـة كانـت أو نقابية فإن هناك ثوابت لا بدّ من الإقرار بها:
أولاً: الطبابة والاستشفاء والصيدلة، قطاعات توفر أحسن الفرص للإستثمار المالي وتوظيف رؤوس الأموال.
ثانياً: السوق الحرة هي الإطار الوحيد المحدد لممارسة المهنة حيث صحة المواطن تشكل السلعة المتداولة في هذه السوق، هذا فضلاً عن أن المستهلك في سوق الصحة ليس مخيراً بل هو خاضع إلى حد كبير لشروط لا يملك بصورة عامة إلاّ الإذعان إليها، بسبب طبيعة الصحة نفسها.
ثالثاً: المناقسة والمزاحمة هي المحدد في بورصة الخدمات الصحية كافة.
بناء على كل ما تقدم من مسلمات فإنني لا أرى أي تمايز في انعكاسات الأزمة اللبنانية على القطاع الصحي عنه عن القطاعات الأخرى.
إن أبرز مشكلة تواجه الوضع الصحي تتمثل في هيمنة القطاع الخاص على مجمل الخدمات الصحية في لبنان، وتبرز حدة هذه المشكلة وانعكاساتها بأن الدولة باتت تمول على نفقتها جزءاً من اكلاف استشفاء وطبابة بعض فئات اللبنانيين في مؤسسات القطاع الخاص وتحول دور الدولة إلى وسيط بين القطاع الخاص الصحي وبين هذه الفئات من اللبنانيين، هذا مع بروز الازدواجية في المرافق الصحية العامة وشبه العامة من خلال تعدد المؤسسات الحكومية المعنية بتوفير الخدمات الصحية للمواطنين/ وزارة الصحة، الضمان، تعاونية موظفي الدولة، تعاونية قوى الأمن الداخلي، مصلحة الصحة في الجيش اللبناني…) ناهيك عن سوء الإدارة والسمسرة وانتفاء الضمير المهني والأخلاقي في التعاطي من قِبَل هذه المؤسسات عامة.
وإذا كان هناك من أضواء تسلط على الوضع الصحي في هذا البلد فما هي إلاّ مشكلات حادة عميقة ومعقدة تعود إلى ما قبل الحرب اللبنانية والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها اليوم. إنها أزمة عمرها من عمر وزارة الصحة نمت مع بطاقة فقر الحال التي كانت تعطى من قَبَل المختار إلى بطاقة الاستشفاء على نفقة وزارة الصحة والضمان والتعاونيات.
جميع هذه العوامل ساعدت كثيراً في ارتفاع أسعار الخدمات الصحية خلال السنوات العشر الماضية وقد تضافرت عوامل عدة في خلق هذه الارتفاعات، من بينها استفحال ظاهرة التضخم في لبنان على امتداد سنوات الحرب خاصة في الفترة الأخيرة وانتشار الفوضى والتسيب في سوق الخدمات الصحية بسبب انعدام الرقابة الجبرية على هذه السوق من قِبَل المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية المعنية بموضوع الصحة، وبسبب فشل هذه المؤسسات في إلزام القطاع الخاص بالتقيد بالتعرفات الطبية المختلفة وباحترام التشريعات والقوانين الموضوعية في هذا المجال. كذلك لعب تعاظم سيطرة القلة في سوق الصحة دوراً في زيادة أسعار الخدمات الصحية، وقد طالت زيادات الأسعار جميع بنود الإنفاق على الصحة ولكنها تفاوتت وسجلت أعلى المستويات في مجال الدواء وأسعار الأعمال الطبية والجراحية وأسعار المعاينات والتحاليل المخبرية والأشعة وتجاوزت هذه الزيادات نِسَب ارتفاع المؤشر العام للأسعار ونِسَب ارتفاع الحد الأدنى من الأجور.
إن ارتفاع أسعار الخدمات الصحية يشكل عنصراً أساسياً من عناصر أزمة الصحة في لبنان ـ إن اللبنانيين كانوا ينفقون وسطيـاً على الصحـة نحو 6.7% من إجمالي إنفاقهم الخاص عام 1966، وثمة تقديرات بأن هذه النسبة ارتفعت في عام 1981 إلى 8.6%. ولو حصرنا البحث في إنفاق الأسر التي لا يتجاوز دخلها الحد الأدنى للأجور حسب دراسة 1981 لتبين بأن نسبة الإنفاق تقفز إلى مستويات عالية عند هؤلاء ذوي الدخل المحدود والحد الأدنى للأجور ليتجاوز 11% و17% في المائة.
أما اليوم فالحاصل أعجز من أن تسجله دراسات، فوتيرة ارتفاع الإنفاق على الصحة أصبح أعلى بكثير من ارتفاع أسعار الدولار وهبوط القيمة الشرائية للنقد اللبناني.
وعلى سبيل المثال فلو سمحت لنفسي أن أحدو كلفة معاينة واحدة في عيادة طبيب أخصائي في مدينة صيدا معتمداً بدل الزيادة كحدٍ وسط 500ل.ل. وفاتورة الدواء 2500ل.ل. لتبين بأن نسبة الإنفاق الشهري في حال مرض شخص واحد ولمرة واحدة في مدينة صيدا يشكل ما نسبته 34% إذ ما احتسبنا الحد الأدنى للأجور 8500ل.ل.
إن أبرز أوجه علاقة ارتفاع أسعار الخدمات الصحية بأزمة الصحة عموماً في لبنان يكمن في ما أدّت إليه هذه العلاقة من فشل في نظام التقديمات الصحية ويطال هذا الفشل، سواء كان نسبياً أم مطلقاً، فرع الضمان الصحي وتعاونية الموظفين بصورة خاصة.
ولا بدّ من تسجيل ضعف الوقاية وتردي أوضاع المحيط والبيئة كعاملين مهمين من عوامل مشكلة الصحة في لبنان. إن معظم إنفاق وزارة الصحة يصرف على العلاج والخدمات الطبية والاستشفاء والدواء وثمة تقديرات بأن نسبة النفقات الوقائية من إجمالي الموزانة في وزارة الصحة لا تتجاوز 4% وسطياً (عن محاضرة د. عدنان مروة وزير الصحة سابقاً الطبيب في مستشفى سيدة لبنان في كانون أول 1982).
أيها السادة: أمام كل ما تقدم أين يقف الطبيب وما هو دوره؟
ـ هل من الجائز أن نقسو عليه بحجة أنه لا يرحم؟
ـ هل من المنطق والحق وضع الطبيب في قفص الاتهام؟
ـ هل يجوز لأحد منا بالإجابة على هذه التساؤلات أن يكون محامياً للشيطان؟
أيها السادة من المعروف أن الإحتكار لجميع السلع الاستهلاكية أصبح سمة ما يدور في السنوات الأخيرة ـ والمحتكرون الفعليون أقلية لا يتجاوزوا 5% بالألف.
إذا ما سألنا من هو المحتكر الأكبر في المضاربة على الليرة اللبنانية فأهل العلم والاختصاص يشيرون بأصابع الاتهام مع تحديد الأسماء.
إذا ما سألنا من هو المحتكر الأكبر لهذه السلعة أو تلك في هذا البلد كل واحد منا نحن الجالسون في هذه القاعة وحسب مهنته واختصاصه يسمي بالأسماء محتكريها.
أيها السادة: هل سوق الصحة يشكل استثناءً؟ بالطبع لا. إذن الطبيب خاضع في المطاف الأخير لشروط "اللعبة" المحدّدة من قِبَل الأقسام المسيطرة في هذه السوق.
إن هذه السوق الصحية خاضعة لسيطرة القلة ولا بد للقوانين الاقتصادية من أن تفعل فعلها، فيطغى هاجس البحث عن الربح ويميل بالتالي الفارق بين الطابع الليبرالي لمهنة الطب والمهن الصحية الأخرى وطابعها التجاري نحو الانحسار بصورة تدريجية حتى يتحول في بعض الأحيان إلى شعرة ليس إلاّ.
إن إنشاء المستشفيات وافتتاح العيادات الفخمة في أكثر أحياء العاصمة ارتفاعاً في الخلوات وبدلات الإيجار والإفراط في الاعتماد على أحدث التجهيزات الطبية وأكثرها تعقيداً وكلفة بمعزل عن الحجم الأمثل للسوق وعن حاجاته الفعلية والركض وراء تنويع بعض أصناف وأشكال الخدمات الطبية سعياً وراء المزيد من الزبائن من محيط اجتماعي معين سرعان ما يتسع بفعل عقدة "التفاخر" أو "المحاكاة". إن هذه الظاهرات بالرغم مما في بعضها من إيجابيات بارزة وممّا تخلقـه من حوافز لمزيد من التطويـر في التجهيزات وفي أدوات ووسائل التشخيص الصحي ـ لا تشير فقط إلى ضخامة رؤوس الأموال التي بات يستلزمها التوظيف في المجال الصحي، وإنما يشير أيضاً إلى صعوبة بل استحالة تأمين الريعية لرؤوس الأموال هذه دون معدلات ربح عالية نسبياً: كما تشير إلى أن سوق الخدمات الصحية قد أصبح ميداناً من الصعب على أي وافد جديد ولوجه، ميداناً خاضعاً أكثر فأكثر لسيطرة قلة قادرة على التحكم في أصناف وأسعار الخدمات الطبية الأساسية/ من قلة من أصحاب المؤسسات الكبرى المسيطرة من مستودعات أدوية وشركات استيراد وتصدير وشركات تجهيزات طبية ومختبرات إضافة إلى قلة من الأطباء. أما البقية الباقية من الأطباء وهم الغالبية الساحقة ضمن غير المسموح لهم أن يكونوا أكثر من أدوات تلهث وراء تأمين حياة كريمة وهذا حق من حقوق الطبيب.
نعم إن الأغلبية الساحقة من الأطباء تحول في الآونة الأخيرة إلى أداة يتحكم فيها التروستات من محتكري سوق الصحة، فعلينا أن لا نظلم هؤلاء الصغار وأن نفتش عن مكمن الداء وتعريبه، نعم في كل قطاع من قطاعات الحاجيات الضرورية في هذا البلد تحولت اللعبة إلى لعبة "معلمين" والغاية والهدف يجب أن يكون كشف المعلم الأكبر.
في ضوء هذه المؤشرات والمشكلات التي تميّز الأوضاع الصحية في لبنان لا بدّ من إيجاد عناصر أساسية لسياسة صحية بديلة في لبنان أهمها:
أ ـ ازدياد وزن وفعالية القطاع العام كما ونوعاً.
ب ـ توحيد الخدمات العلاجية والصحية المقدمة من قِبَل المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية المختلفة، بما يخفف من الازدواجية ومن الهدر في الإنفاق العام على الصحة.
ج ـ إعادة تأهيل المستشفيات الحكومية تنظيماً وتجيهزاً، وربطها بمعاهد طبية.
د ـ استحداث كلية للطب في إطار الجامعة اللبنانية.
هـ ـ حصر استيراد الأدوية الأساسية ذات الاستهلاك الواسع في المكتب الوطني للأدوية.
و ـ زيادة شموليـة الضمان الصحي أفقيـاً وعمودياً بحيث يطال جميع عناصر القوى العاملة في لبنان، وبحيث يطال أيضاً مختلف أنواع الخدمات الصحية.
ز ـ إعادة تنظيم المستوصفات.
ح ـ الاهتمام في مجال الوقاية الصحية.
كلمـة
السيد عاطف البساط
الدواء، في هذه الأيام، كلمة على كل شفة ولسان، إرتفع سعره، تغيّر شكلهُ، كبُر حجمه، صغرت علبته، ذلك، أن الفوضى الموجودة حالياً، جعلت من كل مواطن صيدلي، بل خبيرٌ في الدواء، واختصاصي في فعاليته وهذا أمرٌ كثيراً ما نشكو منه. وأظنُّ أن المريضَ على جانب من الحق.. إن أنه من أين يشتري الدواء؟!
أنه يشتريه من أماكنَ، ولا أقول صيدليات، أنه يشتريه من أماكن يبلغ عددها حتى 30/11/1987 ألفاً وثلاث عشر مكان. هذه الأمكنة تُقتسم إلى 313 صيدلية قانونية على الأراضي اللبنانية و700 دكانة دواء، أي أن عدد الدكاكين أكثر من ضعف عدد الصيدليات المُجازة قانوناً.
وهذا في حد ذاته يشكل خطراً على الصحة العامة ما بعده خطر فالدواء ليس سلعة تباع وتشرى؟! أبداً؟ إنه سلاح ذو حدين، الدواء علاج والعلاج علم قائم بذاته. وإلاّ لماذا أوجَدَ القانون الصيدليّات؟ ولماذا أوجد العلمُ علمّ الصيدلية والأقرباذين؟ تحديد خصائص الأدوية وطرق إعدادها وفق معادلاتها) وهو أيضاً، علم، مستقل عن الطب استقلالاً تاماً.
ومن هنا كان الخطأ الشائع في القولِ: الصيدلي نصف حكيم! لا أبداً. فالصيدلي صيدلي. والطبيب طبيب.
ونتيجة لهذه الاستباحة العلمية، فإن تقريراً نشر في جريدة الأنوار في الشهر الماضي يقول إن 10% من المرضى في المستشفيات يعالجون بسبب أدوية تعاطوها. كيف؟ ولماذا؟
إما لأنهم أخذوها من الجارة أو إما من صيدلية غير قانونية، أو دكان دواء. فالصيدلي هو الذي يرشدك إلى طريقة الاستعمال، وهو الذي يرشدك إلى الأدوية المتناقضة، أي لا يجوز استعمال دواء مثلاً مع دواء آخر، أو العكس. وهو الذي يحذرك من مضارّه إن أكثرت منه أو مضارّه إن أقللت منه. ومن السمومُ الناقصاتِ دواء.
والصيدلي، هو الذي يرشدك إلى الفرق بين المنوم والمهدىء والمسكن. وهو الذي يحدد لك الكميات والنسب الواجب تناولها والممنوعُ تجاوُزُها. وبالقانون الصيدلي هو السؤول إن أخطأ الطبيب بالمقادير..
ومن جملة ما يعانيه المواطنُ هذه الأيام، مشكلة ارتفاع أسعار الدواء، ارتفاعاً غير مقبول حيث يزيد سعر علبة دواء في بعض المرات 60 مرة أو 70 مرةٍ عما كان عليه سعرها في منتصف عام 1986.
الدواء هنا غالٍ، صحيح، صحيح أن الليرة اللبنانية تنخفضُ، لكن التسعيرة كيف تحصل؟
هناك فـي وزارة الصحة قانون أو حصار له حسابية لكيفية تسعير الدواء، شرط أن لا يزيد سعره هنا، عن سعره هناك في بلد المنشأ. فهي تحتسب 22.5% للصيدلي و10% للمستورد.
ولكن هناك فرق بين ربح الصيدلي هنا وربحه هناك. فبسويسرا مثلاً يربح الصيدلي 40% يعني أول فرق: ½17% ذهبت إلى جيب المستورد ثانياً: هناك 10% للموزع من المستورد إلى الصيدلية. وهذه لا وجود لها في القانون اللبناني.
ثالثاً: هنـاك سعر التصدير وهو غير سعر الداخل في كل البلـدان، فهو أرخص وهذا فرق ثالث.
رابعاً: هناك نسبة لا تقل عن 20% وتصل أحياناً إلى 40% من سعر الدواء توضع في حساب المستوردين في الخارج. وهذا يعني أن فاتورة المنشأ التي يقدمها المستورد إلى وزارة الصحة تكون أغلى من الحقيقة بـ 20% إلى 40%. ولدينا الإثباتات الكافية لذلك.
إذاً أصبح المجموع: ½17% + 10% + 20% حداً أدنى من العمولات الخارجية ½57%، وهذا ليس بالأمر الشطط، بل هي الأرقام تتكلم، وهي حقائق تكشف الأكاذيب والترهت ورب قائل: أين هي نقابة الصيادلة في كل هذا؟
والجواب أن نقابة الصيادلة يسيطر عليها المستوردون منذ عام 1975 وآخر انتخاب جرى في شباط 1987 انتخب نقيب مستورد أيضاً!! وحتى تعرفوا مدى اهتمام الصيدلي الجنوبي في هذا الأمر، وهو المعني أولاً وأخيراً، لأن الجنوب يشكل الفئة الكبرى من العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود، أقول لكي تعرفوا مدى اهتمام الصيدلي الجنوبي في أمر نقابته، كان هناك، يوم الانتخاب صيدلي واحد من الجنوب.
وتأكيداً لصحة ما أقول، فإن إحدى الشركات العالمية الكبرى، وحتى تحارب التهريب الذي يحصل، من الأدوية التي تُعرضُها في لبنان، أنزلت في شهر تشرين الأول الماضي، أنزلت إلى الأسواق الصيدلانية أدويتها بدون غلاف، أي بدون علبة كرتون، مع فارق في السعر يساوي تقريباً 50% وحُجَّتها أن تحارب تهريب الدواء. لا أبداً، فالمعمل واحد، فهو البائعُ والوحيد بجميع الأحوال. ولكن التاجر هنا هو الذي قبل بيعه، فخفَّض الأسعار ليحارب بيع الدواء عن غير طريقه هو.
وانتقل إلى نقطة ثالثة: الدواء المستورد من الشركات مباشرة، من راقبه؟
من حلله؟ من جرّبه على الحيوانات؟ قانوناً هذا يجب أن يحصل. التحليل الكيماوي، الجرثومي، التحليل الكمّي وتأثيره.
ـ في لبنان، المختبر المركزي متوقف عن العمل، حتى في أيام العزّ لم يكن يعمل. وإليكم الـ فيتامين B1، كما علمونا له تاريخ فعالية وتاريخ انتهاء. ولكن إحدى الشركات الكبرى كانت تصدره إلى لبنان بدون تاريخ!! كيف هذا؟
الجواب: عدة احتمالات: أولاً: تجارياً حتى يباع بأكلمه ولا تفسد منه أية كمية.
ثانياً: قد يكون في الأساس فاسداً وأعيد تصديره إلى بلدان العالم الثالث ونحن منها.
ثالثاً: قد يكون هذا بطلب الوكيل نفسه لأن السعر يصبح أدنى والربح أكبر.
ومن هنا أعلنها صراحة بأن الدواء الآتي عن غير طريق الوكيل هو أَصَحُّ وأنفعُ من الدواء المُسْتَورد مباشرة من المعمل الأساسي، المعمل الأم. لماذا؟ لأن المُسْتَوْرَدُ من غير الوكيل ومن غير المعمل مباشرة، أتى من بلدٍ آخر، وهذا البلد يوجد به مختبرٌ للتحليل، قبل إنزال الدواء للاستهلاك من المريض مباشرة. والمريض هو الإنسان. ولكن هل للإنسان حساب في الربح والخسارة هنا؟
أما النقطة الخامسة، فهي أن بعض الأشخاص ذوي النية الحسنة، بدأوا في استيراد الدواء غير مباشرة، وبيعه بسعر مُخفضٍ، وعقدوا لذلك الندوات التلفيزيونية، ولكننا لم نسمع بهم بعد شهر أو شهرين. فإما أُسْكِتُوا، وإما حلالهم الربح فسكتوا. وهي تجرِبةٌ جديدةٌ بالدراسة والاهتمام.
وهناك أخيراً المساعدات، العينات، الهبات، وهي تقدم لمن؟ وأين؟ وكيف؟
وهنا أظن أن الضجّة القائمة الآن في الصحف المقرُوءة والمسموعة والمرئية، عن بيعها، خير جواب لسؤالي.
وختاماً، فإنني أسأل كيف فات على الاتحاد العمالي العام في إضرابه هذا أن يضيف إلى موجبات إضرابه سبَبَيْن رئيسيّيْن:
أولاً: المطالبة بإباحة استيراد الدواء.
ثانياً: بإلغاء التفرقة الإلزامية. وعندئذٍ تبدأ المافسة التجارية ويبدأ سعر الدواء بالإنخفاض.
وهذان المطلبان يستطيع أي وزير للصحة أن يَتَّخِذَ بهما قراراً مع الإصرار والتصميم ويحيله بعد ذلك إلى مجلس النواب. كما أن من الأسباب الرئيسية لتخفيض سعر الدواء، الحدّ من عدد الأنواع الموجودة على الأراضي اللبنانية. فمن صنف Ampicilline مثلاً يوجد أكثر من 15 نوعاً. فلو اختصرناها في صنف أو صنفين يكونان الأفضل والأرخص، نكون بذلك قد خدمنا المريض والاقتصاد والوطن.
أكرر: ـ إباحة استيراد الدواء.
ـ إلغاء التعرفة الإلزامية.
ـ اختيار الأجْوَدِ من الأدوية والأرخص.
ـ التصنيع المحلي.
وأخشى ما أخشاه، أن نرى في يوم من الأيام، المرضى يقفون على أبواب الصيدليات، كما يقف الناس الآن على أبواب الأفران، وأمام محطات البنزين، فبعض المستوردين لا يُسَلمون الصيدلي إلا قطعة قطعة، حتى يحتفظوا بالربح لأنفسهم. وهناك معمل في الجمهور، لا يسلم إلاّ كل شهرين أو ثلاثة، فهو يصدر إنتاجه إلى البلاد العربية، لأن الربح أسرع وأوفر.
وبعد، فأنا أتكلم عن الحقيقة كما هي وكما أراها، وأظنني نسيت في هذا الجمع، أننا نعيش حالة حرب منذ 1976 وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم…
كلمـة
د. عـادل الراعـي
عندما نتكلم عن أزمة الطبابة والدواء فإننا نتكلم عن أكثر وجوه الأزمة المعيشية حساسيةً وتداخل عناصر وتشابك أطراف. فالأرقام والاحصائيات والجدوى الاقتصادية تتداخل وتتشابك مع ما تفرضه مهنة الطبابة من تغاضٍ وترفع عنه المادة وسعي دائم لتأكيد البعد الإنساني والأساسي للعلاقة بين الطبيب والمستشفى والمريض. هذه العلاقة والتي استمت قبلاً بالوضوح والبساطة زادتها ظروف التقدم العلي والتقني، مع ما استتبع ذلك من متطلبات مادية، تعقيداً وتشابكاً. هذا على الصعيد العام والعالمي، ولظروف الحرب في لبنان والفوضى التي تنتاب مجتمعه وتحلله من كل نظام وترابط اتسمت هذه العلاقة مؤخرةً بالتسيّب والانفلات والصراع في الأغلب والأعم. فالمواطن يعي ويغفو على هاجس الخوف من المرض وبالتالي اللجوء إلى الطبيب أو المستشفى، والطبيب والمستشفى ينظران إلى المرض وتشخيصه وعلاجه بعين وإلى التكلفة الباهظة وقدرة المريض السداد والوفاء بعين أخرى. والتكلفة الباهظة للتشخيص والعلاج تطال جميع الأمراض وكل الحالات.
ونحن لا ندعي أن الاستشفاء والطبابة كانا على ما يرام قبل الحرب اللبنانية وبوجود الدولة فالغياب الحكومي عن التدخل الفعال في هذا القطاع كان بارزاً شأنه في ذلك شأن باقي القطاعات الأساسية من تعليم وتموين وبناء وغير ذلك. إلا أن الحرب أتت كذلك على هذا الدور الحكومي الخجول برغبة الدولة ورغبة الأفراد.
فبدون دور حكومي فعال ومنظم لغيره من الأدوار لن يستقيم وضع قطاع الطبابة والدواء. والسبب الرئيسي برأيي للأزمة الحالية في هذا القطاع الحيوي والهام غياب هذا الدور وتجيره للقطاع الخاص ـ المستشفيات الخاصة. فالدور الحكومي ـ التدخل الحكومي ـ يأخذ أشكالاً متعددة:
1 ـ المستشفيات الحكومية، أهم الأشكال.
2 ـ التدخل المباشر والمستقل لبعض أجهزة الدولة في علاج أفرادها ـ الجيش ـ الدرك ـ الجمارك وغيرها.
3 ـ الضمان الاجتماعي.
4 ـ تعاونية موظفي الدولة.
ولنلقي نظرة سريعة على كل من هذه الأشكال لنرى ما أصابها من فوضى وتسيب واضمحلال:
فالمستشفيات الحكومية متوقفة في معظمها عن العمل، مستشفى صيدا الحكومي أكبر مستشفيات الجنوب وكان يقدم خدماته العلاجية إضافة إلى أبناء صيدا والجنوب لقسم كبير من أبناء الإقليم والشوف؟ متوقف منذ الاجتياح الإسرائيلي إذ أنه قضت ودمر وسرق ونهب من قِبَل الإسرائيلية وغير الإسرائيلية. وقد جرت محاولات لإعادة تأهليه وتشغيله بعد الاجتياح وقدمت عروض بعضها أميركي وبعضها نرويجي Non-consult إلاّ أنها فشلت لفقدان الحماس عند وزارة الصحة ولتطورات الأوضاع وما استتبع من خروج أميركي وغربي من مناطقنا الوطنية. وعلى ما نعلم ليس هناك الآن محاولات أخرى جادة وما يطرح معه اقتراحات لتشغيل مستوصفه أو بعض أقسامه لن يكون من شأنه إلا تقديم دوره الأساسي والمركزي من يفيد أن يفيد من واقع الأزمة شيئاً.
مستشفى النبطية متوقف الآخر عن العمل ومؤخراً، تخلت عنه وزارة الصحة لوزارة الجنوب. وأعادت حركة أمل تشغيله بإدارتها.
مستشفى صور متوقف تقريباً وأن حاولت حركة أمل بمساعدة إحدى الجمعيات الأهلية تشغيلـه.
مستشفى مرجعيون يعمل وبمستوى جيد ومقبول وللأسف بتعاون بين وزارة الصحة وجيش لحد العميل والجيش الإسرائيلي.
مستشفى جزين متوقف وهو أصلاً أقرب إلى مستشفى ريفي حيث لا أقسام للجراحة ومقتصر على أقسام التوليد والصحة العامة.
والبديل عن هذا الغياب للدور الحكومي المباشر. عن طريق المستشفيات الحكوميـة ـ كان اللجوء لما سمي "أسرة وزارة الصحة في المستشفيات الخاصة" حيث توقع اتفاقية بين المستشفى ووزارة الصحة تقوم الأولى بموجبه بتخصيص بعض أسرتها لمعالجة المرض معه غير القادرين وتقوم الثانية بتحمل نفقات علاجهم اعتماداً على فواتير تقدم من المستشفيات. هذه العملية تحتاج لجهاز إداري وجهاز مراقبة فعالين لضبطها وتأمين حسن تنفيذها لتقوم بتعويض نقص المستشفيات الحكومية وتأدية غرضها من تأمين طبابة قطاع من المواطنية الغير قادرين، إلاّ أن غياب هذا الجهاز مع مرحلة انهيار مؤسسات الدولة قضى عن نسبة النجاح.
كلمـة
د. عبد الله البعلبكي
مع بداية عهد الاستقلال وحتى أوائل السبعينات نشطت وزارة الصحة والانعاش الاجتماعي والصليب الأحمر لاحقاً بإقامة مستوصفات ومراكز صحية في الأقضية، مع بداية السبعينات تزايد عدد المستوصفات وتضاعف مع بداية الحرب اللبنانية لكن هذه المرة نتيجة الاهتمام الملحوظ من قِبَل الأحزاب والهيئات الإنسانية والدينية في أغلب المناطق اللبنانية خاصة في الجنوب والبقاع والشمال.
لقد بدأ نشوء وعمل المستوصفات الصحية الشعبية في مدينة صيدا يتزايد وبشكل ملحوظ في فترة السنوات العشر الأخيرة، وذلك نتيجة للظروف التي نجمت عن الحرب الأهلية في لبنان من جهة وللغياب الملحوظ في تغطية الجانب الصحي من قِبَل الدولة ومن خلال وزارة الصحة. ولقد تجلّى ذلك واضحاً في مدينة صيدا بالتعطيل المقصود لمستوصفات الدولة والتي هي بالأساس قليلة العدد ولا تفي أصلاً باحتياجات المواطنين اليومية والمستوصف العائد لوزارة الصحة العامة عاطل عن العمل إلاّ عن دفع رواتب موظفين وإداريين يلحقون به هنا وهناك وكأنه أضحى مأوى للعجزة. إضافة إلى تعطيل عمل المستشفى الحكومي ومركز العيادات التابع له، مما حدا ببعض الهيئات والجمعيات وتلافياً للنقص الفادح في المجال الصحي إلى إنشاء مستوصفات شعبية في بعض أحياء مدينة صيدا غايتها الأساسية خدمة المواطنين الذين هم في أمسّ الحاجة لها نتيجة للظروف المعيشية التي يرزحون تحت أعبائها. ومع تزايد حدة الغلاء والتي طالت بشكل صارخ كلفة الطبابة والدواء أصبح المواطن الذي كان يرفض التوجه إلى المستوصفات ويتباهى بأنه يذهب إلى أمهر الأطباء بات اليوم على الأرض يا حكم والمستوصفات غدت الملجأ الشبه الأخير عنده وهي بدورها تنوء به وتدب الصوت عالياً.
هذه المستوصفات والجمعيات والهيئات الصحية رغم تعددها وتعدد برامجها تستمر اليوم بالقيام بعملها بفضل الدعم الذي تحصل عليه من مصادر مختلفة محلية وعالمية وبفضل تطوع كثير من الأطباء في العمل في هذه المستوصفات، وبالنظر إلى وضع المستوصفات القائم اليوم يهمني أن أشير إلى:
أولاً: إن المستوصفات لا يمكن أن تكون بديلاً عن الدولة في المجال الصحي رغم الجهد الكبير الذي تبذله في هذا المجال، وذلك نظراً إلى أن هذا العمل يحتاج إلى إمكانيات ضخمة تفوق حجم المستوصفات ولا يملكها إلاّ الدولة التي هي المسؤولة الرئيسية عن تغطية الجانب الصحي لكافة المواطنين وخاصة الطبقات الشعبية منهم، بتأمين المستشفيات والعيادات المتنوعة في المدينة والريف على السواء، بالإضافة إلى تأمين الدواء، كل ذلك بأسعار يستطيع المواطنون تغطيتها وخاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان. ويأتي دور المستوصفات في هذا المجال كعنصر مكمل ومساعد لعمل الدولة وخاصة في مجال الوقاية والارشاد والطب المدرسي.
ثانياً: بالرغم من قيام تجمع المستوصفات في صيدا نتيجة لحاجة المستوصفات إلى برمجة وتنسيق عملها على صعيد المدينة ككل، فإن هناك عقبات ومشاكل عديدة تعترضها. يمكن اعتبار أهمها هو اقتصار هذا التجمع والتنسيق على مدينة صيدا فقط دون الترابط والتفاعل مع المناطق الأخرى وبالأخص مع مراكز الجمعيات والهيئات والمستوصفات نفسها مما يؤدي في أحيان كثيرة إلى تقليص عمل ونشاط المستوصفات نتيجة عدم توفر الإمكانيات اللازمة لتغطية كافة النشاطات التي يتضمنها يرنامج عمل التجمع.
ثالثاً: إن المستوصفات كما ذكرنا تابعة لمؤسسات صحية واجتماعية عندها من التجربة والخبرة ما يؤهلها لبدء مرحلة جديدة ـ في مواجهة الاحتكار والاستغلال في القطاع الصحي وذلك من خلال تقديم خدمات متنوعة بسعر الكلفة ومما يساعدها على ذلك أن أغلب المؤسسات التي تملك مستوصفات قد أقامت علاقات واسعة تؤهلها لتطوير عملها الصحي في جميع الميادين.وإحدى أكبر ثمار التطور النوعي في عمل المستوصفات، يمكن أن يتلمسه الباحث بالرغم من جنينيته في مستوصفات صيدا، وذلك في الميادين التالية:
أ ـ الاهتمام الجدي باللقاح حيث أثبتت حملة التلقيح الأخيرة والتي نفذت بجهود المستوصفات فقط بعد تأمين اللقاح من قِبَل اليونيسيف نجاحاً باهراً، هذا مع العلم بأن مستوصفات صيدا قد أجرت مسحاً شاملاً لجميع المنازل والعائلات وذلك لاعتماد بطاقة التقليح العائلية.
ب ـ الطب المدرسي، إن إحدى أنجح الحلقات المركزية في عمل مستوصفات مدينة صيدا اضطلاعها بالطب المدرسي على أن يشمل جميع المدارس الرسمية والخاصة.
ج ـ إنشاء عيادات أسنان لدى المستوصفات.
هـ ـ تفريغ أطباء متخصصون بالصحة العامة والأطفال.
أما عن المشاكل التي تعاني منها المستوصفات وهو ما نتناوله دائماً في هيئة تجمع المستوصفات وباستمرار:
1 ـ عدم توفر اللقاحات بشكل مستمر وغياب الدولة المفتعل في عدم المساعدة ع