النهار - عبـور السينودس والشركاء المسلمون
الخميس 21-10-2010
عبـور
السينودس والشركاء المسلمون
من ميزات السينودس الخاصّ بالشرق الأوسط، المنعقد حاليّاً في حاضرة الفاتيكان، أنّه اعتبر لبنان مع كنائسه جزءاً لا يتجزّأ من محيطه العربيّ والمشرقيّ. فالشركة التي تجمع أبناء هذه الكنائس في مختلف أنحاء الشرق الأوسط لا يمكن أحد أن ينكرها حين يريد دراسة أوضاع المسيحيّين فيها. وإن قصرنا قولنا على المجال الأنطاكيّ، الممتدّ من سوريا الشماليّة إلى بلاد ما بين النهرين وتخوم العربيّة، نجد أنّ أبناء هذه البقعة المباركة، على الرغم من انشقاقات كنائسهم بعضها عن بعض، قد تقاسموا تاريخاً كنسيّاً مشتركاً قائماً على حياة ملؤها القداسة والشهادة.
لا يسع أحد أن يعزل لبنان كنسيّاً عن محيطه. فالإرشاد الرسوليّ "رجاء جديد للبنان" الذي وجهه البابا الراحل يوحنّا بولس الثاني إلى عموم المؤمنين في لبنان (10 أيّار 1997)، حين يتناول موضوع الحوار الإسلاميّ المسيحيّ والعلاقات بين الأديان يسارع إلى الحديث عن العالم العربيّ والتضامن الواجب معه. وفي هذا السياق يذكّر البابا المسيحيّين في لبنان بأنّ "مصيراً واحداً يربط المسيحيّين والمسلمين في لبنان وسائر بلدان المنطقة (...) ومسيحيّو لبنان وكامل العالم العربيّ، وهم فخورون بتراثهم، يسهمون إسهامًا ناشطًا في التطور الثقافيّ (...) بودّي أن أشدّد، بالنسبة إلى مسيحيّي لبنان، على ضرورة المحافظة على علاقاتهم التضامنيّة مع العالم العربيّ وتوطيدها (...) وهم مدعوون إلى أن يبنوا مع المسلمين مستقبل عيش مشترك وتعاون يهدف إلى تطوير شعوبهم تطويراً إنسانيّاً وأخلاقيّاً".
تتبنّى هذا التوجّه ورقة العمل "الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة" التي سلّمها البابا بينيديكتوس السادس عشر إلى بطاركة الشرق الأوسط في حزيران الفائت تحضيراً للسينودس. تشيد الورقة برواد النهضة العربيّة المسيحيّين، الذين منهم العديد من اللبنانيّين، وتعتبر أنّ ما أسهم به هؤلاء "على مدى الأجيال كان عظيمًا في مجالات التربية والثقافة والأعمال الاجتماعيّة. لقد قاموا بدور أساسيّ في حياة بلادهم الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة". الجدير بالذكر انّ هؤلاء المفكّرين الروّاد الذين نبذوا الطائفيّة لم يكن هاجسهم سوى تأكيد وحدة الهويّة والمصير المشترك بين المسلمين والمسيحيّين. فدعواتهم إلى المواطنة والمساواة والاشتراكيّة والعلمانيّة والعروبة، لم تكن سوى دعوات إلى إيجاد قاعدة مشتركة تجمع المسلمين والمسيحيّين على قدم المساواة في دول ومجتمعات تصان فيها كرامة الجميع من دون استثناء.
سقطت هذه الدعوات الحالمة إلى المجتمعات الفاضلة، وذلك لأسباب عديدة، منها إنشاء دولة إسرائيل وطرد الشعب الفلسطينيّ من أراضيه والتمادي في الاعتداءات على كل الدول المجاورة، ثمّ تحوّل الأنظمة العربيّة إلى ديكتاتوريّات، وتنامي التطرّف الدينيّ الذي حال حتى دون المطالبة بالعلمانيّة، وغياب الديموقراطيّة الفعليّة. في المقابل أثبت النظام الطائفيّ، ولا سيّما في لبنان، فشله في تحسين ظروف الحياة والصمود لدى المسيحيّين في المجتمعات المتنوّعة طائفيّاً، إذ يقوم هذا النظام أصلاً على توازن الأعداد، فإذا اختلّت الأعداد يختلّ النظام ويصير عبئًا على المسيحيّين بدلاً من أن يكون حلاًّ مثاليّاً. وهذا الاختلال إن لم يحدث بعد على أرض الواقع فسيحدث يوماً ما ليس ببعيد من يومنا الحاضر.
لن نرى الآمال التي يسعى إليها أهل السينودس قابلة لأن تتحقّق فعلاً ما لم يكن ثمّة شركاء مسلمون ذوو مرجعيّة دينيّة أو ثقافيّة، ولديهم فاعليّة قصوى في مجتمعاتهم، يسهمون مع المسيحيّين في ابتكار أنماط جديدة من سبل مواجهة الانحطاط والتقهقر في بلادنا كافّة. فالكلام عن "العلمانيّة الإيجابيّة" يدغدغنا، نحن الساعين إلى رفع الغبن الرازح على رؤوس الأقلّيّات الدينيّة أو العرقيّة، لكنّ نصيبه من رؤية النور ضئيلة طالما ليس في المجتمعات الإسلاميّة من المرجعيّات مَن يتبنّاه أو يجاهر به أو يدعو أتباعه إلى القبول به. وهكذا بالنسبة إلى كلّ طرح لا يجد صدىً طيّباً لدى الشركاء المسلمين خوفًا من رمي تهمة الكفر في وجوههم.
رجاؤنا ألاّ يكتفي السينودس بقرارات تبقى حبراً على ورق، بل أن يضع آليات عمليّة لتنفيذها وتحقيقها، وأن يجد الشركاء المسلمين المقتنعين بالفعل لا بالقول بضرورة الحضور المسيحيّ ودوره التربويّ والثقافيّ والحضاريّ والسياسيّ في رقي البلاد. رجاؤنا ألاّ تضيع جهود السينودس الحالي كما ضاع بعض الإرشاد الرسوليّ "رجاء جديد للبنان" في دهاليز السياسات الداخليّة الضيّقة.
الأب جورج مسّوح