السفير - طريـق نجـاد إلـى بنـت جبيـل علـى الأرض.. وفـي الجـو
السبت 16-10-2010
طريـق نجـاد إلـى بنـت جبيـل علـى الأرض.. وفـي الجـو
علي دربج
كان الجنوب كريماً في الاحتفاء بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، فحضنه كما يليق بالضيف الكبير. خلف هذا النجاح ثمة طواقم أمنية وعسكرية ومدنية رسمية وحزبية مختلفة، عملت بصمت وجد وجهد، فكانت كخلايا نحل لم تهدأ إلا بعدما غادر نجاد مدينة بنت جبيل. بعضها عمل في السر، والبعض الآخر ظهر على الساحة، وجمعهم هدف واحد مشترك وضعوه نصب أعينهم في مراحل التحضيرات كافة، هو «الحفاظ على سلامة ضيف لبنان الرسمي والشعبي».
التنسيق بين الجهات المعنية الرسمية والقوى الامنية والسياسية الرئيسية (الحرس الرئاسي الإيراني والحرس الجمهوري اللبناني، الجيش اللبناني، قوى الأمن الداخلي، «حركة أمل» و»حزب الله») في المنطقة كان قائماً في كل صغيرة وكبيرة وفي أدق التفاصيل للحؤول دون حصول أي خرق امني على الأرض».
برنامج الرحلة إلى بنت جبيل لم يبق على حاله كما كان مقرراً مسبقاً. فبحسب مصادر متابعة للزيارة، فإن اصرار الأمن الإيراني المرافق لنجاد على التوجه إلى الجنوب براً، حال دون انتقال نجاد بمروحيات كانت مجهّزة لهذه الغاية بعدما وصل على متن واحدة منها إلى مدينة صور، حيث انطلق موكبه الأمني السيّار من هناك وقوبل من الأهالي بنثر الورود والأرز بالرغم من المسافة القليلة التي قطعها في المدينة... فيما كانت تعبر مواكب وهمية الأوتوستراد الغربي في صيدا ويظن البعض أن نجاد مرّ من هناك!
ولجأ واضعو خريطة الطريق الأمنية لنجاد، إلى التمويه. فقد اخترق الموكب الرئاسي الطريق الساحلي مروراً بقانا وكفرا حيث اوقفه اهلها ونحروا الخراف تكريماً له. وفي هذا الوقت كانت مروحيتان من طراز «غازيل» تابعتان للجيش اللبناني إضافة إلى طائرة عسكرية صغيرة تطير في السماء موحية بأن نجاد فيها.
وكالعادة، كان الجيش اللبناني هو المعني بالأمن في المدينة، في حين تولى «حزب الله» الناحية التنظيمية داخل الملعب مكان الاحتفال، كما كان مواكباً للخطة الأمنية الشاملة بالتعاون مع الحرس الجمهوري.
أهل البيت الذي احتضن الأمين العام للسيد حسن نصر الله في العام 2000 وأطلق منه مقولته «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» عادوا وأخلوا المنزل ثانية قبل ثلاثة أيام من تاريخ الاحتفال، لكن هذه المرة للضيف الكبير، فكانوا مثار غيرة جيرانهم.
نجاد الذي كاد أن يقبل الأرض الجنوبية، حــمل عاداته الدينية التي لم يتخل عنها في رحلاته الخارجية، فآثر الوضــوء ووقف للحظات يتأمل في الحشد الكبير وهو يتمتم بآيات قرآنية وتسبــيحات خافــتة عاش مــعها لحظات روحانية، قبل أن يخرج إليهم من الشــرفة ذاتها التي كان سبقه إليها الســيد نــصرالله، مطــلاً على المتلهفين لسمــاع كلماته العابرة للحدود... باتجاه فلسطين.
ولو أن الجمهور المحتشد أتيح له رؤية ما كان يجري في المنطقة الأمنية المحظورة والمخبأة، بعد انتهاء الخطاب، لتأثر بعضهم، وبكى البعض الآخر من عظمة المشهد.
فقد ذهب نجاد في عناق طويل وحار، مع أحد أبناء الحاج عماد مغنية وانهمرت دموع الرئيس الإيراني على خديه. عناق آخر بينه وبين أحد علماء الدين السنة جعل الأخير ينفجر بالبكاء حين وجد نفسه بين ذراعي نجاد.
الأمنيون المتابعون للزيارة كانوا متيقنين أن التهديد الإسرائيلي سيبقى حبراً على ورق، لـ«كونهم أعجز من أن يقدموا على أي خطوة حمقاء قد تفتح عليها أبواب جهنم». وهكذا ترجم التهديد بإطلاق بالونات بيضاء وزرقاء فقط!
تقارب المصادر المتابعة الناحية السياسية للزيارة بالقول إن ذاكرة الجنوبيين مليئة بالكثير من العطاءات الإيرانية، خصوصاً على صعيد إعادة الإعمار». وتضيف أن «مشاركتهم الكثيفة هي عربون وفاء عن الموقف التاريخي الداعم لقضيتهم المركزية وهي المقاومة وتعزيز صمودهم في وجه الاعتداءات الإسرائيلية».
وتتابع «إيران بالنسبة للجنوبيين ليست مجرد دولة لها ومصالح وعلاقات صداقة، بل إن ارتباطات الجنوب معها تاريخية، خصوصاً على المستوى الديني والعقائدي والعلمي وإضافة إلى السياسي».
كما أن مواقف نجاد كان لها صدى كبير في نفوس الجنوبيين، فهو أكمل من المكان نفسه ما بدأه السيد نصر الله، وبشّرهم بقرب زوال هذا الكيان الغاصب محاكياً بذلك عقيدتهم الدينية والسياسية.
وإذا كان نجاد لم يتمــكن من زيارة قلعة الصمود مارون الرأس، بسبب ضيق الوقت وبرنامجه الحافل فإن ملائكته كانت حاضرة والتي تجسدت بقيام وفد إيراني بجولة في القرية لا سيما في حديقتها المطلة على شمال فلسطين.
وبدا الانفعال جلياً على نجــاد بعد عودته من الجنوب في محطات ثلاث، أولها عندما التقى السيد حســن نصرالله وكان اللقاء عاطفياً وسياسياً وعبر خلاله نجاد عن مدى تأثره بالبرنامج الذي أقيم له، وخاصة في بنت جبيل وقانا، وثانيها عندما ودع رئيس الجمهورية ميشال سليمان وشكره على الحفاوة التي غمره بها متحدثاً بانفعال عن الاستقبال الجنوبي له، وثالثها، في المطار، عندما كان يودّعه وزير الخارجية علي الشامي وكان يتحدث مع الحاضرين عن مشاهداته هناك وفرحه الكبير بزيارة أرض الجنوب.