السفير- كيف للهدوء أن يستمر في لبنان وهل تبقى إسرائيل مكتوفة الأيدي
23-10-2010
كيف للهدوء أن يستمر في لبنان وهل تبقى إسرائيل مكتوفة الأيدي؟
سامي كليب
لا يستند الهدوء الحالي في لبنان الى أي اُسٍّ متين، ولكنه هدوء مطلوب حتى اتضاح الرؤية لبعض القضايا الاخرى وفي مقدمها العراق، وبالتالي قد لا تكفي معادلة سين - سين لإبقاء الاوضاع هادئة، ذلك أن أطرافا إقليمية ودولية ليست بالضرورة فرحة بالانجازات السورية الايرانية ولا بانتعاش «حزب الله» و«حماس» و«التيار الصدري».
وقد أظهرت الأيام القليلة التي أعقبت زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى لبنان، ان مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان جاء الى بيروت ليبلغ المسؤولين فيه وتحديدا رئيس الجمهورية رسالة واضحة مفادها (ولو تلميحا) أنه كان من الخطأ فرش السجاد الأحمر أمام الضيف الايراني، وأن لبنان أدخل نفسه مجددا في سياسة المحاور. وما قيل تلميحا في لبنان، أعلن جهارا في واشنطن.
هذا التحذير الأميركي أعقبته جوقة من الترجمات المحلية، قادها كل من قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي اتصل به فيلتمان «للتحية»، حيث أكد جعجع (الذي يبدو أنه ندم على الترحيب الاولي بنجاد)، ان زيارة الرئيس الايراني تُدخل لبنان «في صلب المواجهة الكبيرة القائمة في المنطقة بين ايران وحلفائها من جهة والغرب والعرب المعتدلين وحلفائهم من جهة اخرى». (طبعا جعجع يضع نفسه في خانة الحلفاء المعتدلين، ويقينه بنفسه أنه لاعب إقليمي لا بل دولي بارز).
وانضم رئيس حزب الكتائب أمين الجميل الى جوقة المحذرين قائلا، (قبل أن يزور السفارة الإيرانية ويلتقي سفيرها) ان «الرئيس الايراني أدخل لبنان مباشرة في محور من دون أن يأخذ رأي الشعب اللبناني بكامله». ربما كان على نجاد أن يتقدم بطلب مسبق الى حزب الكتائب للذهاب الى المناطق الجنوبية المتاخمة لإسرائيل، حيث لعب الكتائبيون، ومعهم القواتيون، دورا «طليعيا» في التحرير.
أما الترجمات الاقليمية المباشرة للاعتراض على زيارة نجاد وعلى التقدم في معادلة سين – سين، فيمكن أن يراها المرء في الحركة المصرية، ذلك أنه ما إن استقرت الخيارات السورية والايرانية على نوري المالكي رئيسا مقبلا للحكومة العراقية، حتى كانت القاهرة تستقبل بالترحيب الكبير اياد علاوي، واذا بعلاوي الذي كان حتى الأمس القريب ينشد ود دمشق وطهران، يشن هجوما لاذعا على التدخلات الايرانية في العراق.
وها هم أكراد العراق يُطلون برأسهم السياسي ملوحين بتحالف وشيك مع علاوي والمجلس الاسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم. ومعروف أن القيادة السياسية لأكراد العراق باتت هي الاخرى في مقدمة صفوف القوى «المعتدلة» المؤيدة للولايات المتحدة والمخترقة الى حد كبير من الاستخبارات الاسرائيلية.
ويمكن المرء أن يرى أيضا الترجمات الاقليمية، من خلال التشجيع المصري غير المباشر لحركة فتح لرفض اللقاء بحماس على الأراضي السورية، بذريعة ان الرئيس السوري بشار الأسد انتقد بشدة في قمة سيرت الليبية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. يؤكد رفض «فتح» والتشجيع المصري له، ان القاهرة لا تزال متضررة من التفاهم السوري السعودي ومن التحالف الايراني السوري ومن كل ما تنجزه دمشق.
ونصل الى الترجمات الدولية، فنجدها خصوصا في التحذير الجديد الذي أطلقته كل من واشنطن وباريس ولندن من عرقلة المحكمة الدولية في قضية الرئيس الراحل رفيق الحريري، وتزامن ذلك مع إجراء «تفجير اختباري» في قاعدة كابسيو الفرنسية مماثل للتفجير الذي أودى بحياة الحريري، وذلك بناء على طلب من المدعي العام الدولي.
في خضم هذا الواقع، تحاول سوريا الحفاظ على وضع لبناني هادئ، وتدرك أن التنسيق الحثيث مع السعودية جوهري لإخماد أية بؤر توتر قد تظهر عند تيار المستقبل أو بعض المتطرفين في لبنان، وتحافظ على خط بياني واضح مفاده أن التحالف مع ايران مصيري، وأن «خيار السلام» مع اسرائيل قائم شرط أن يكون عادلا وشاملا ودائما وان يكون لتركيا دور الوسيط، ولا ضير في أن تستقبل دمشق مبعوثين أميركيين ما دام الهدف النهائي هو استعادة العلاقات الاميركية السورية على أسس واضحة.
ولكن ماذا عن اسرائيل؟
فلنفكر للحظة واحدة بما يفكر به مسؤولوها: أحمدي نجاد عند حدودها ينذر بإنهاء وجودها. المفاوضات مع الفلسطينيين غير مجدية بحد ذاتها وغير مفيدة لتلميع صورة اسرائيل القاتمة في العالم. سوريا تفرض شروطها التفاوضية من موقع قوة. «حزب الله» يكثف قدراته العسكرية على نحو مهدد لمدن اسرائيل وشواطئها. ايران قد تكون قطعت شوطا بعيدا في مجال القدرات النووية والردعية. أردوغان يرفض حتى المشاركة في مؤتمر لو حضره نتنياهو. العاهل المغربي الملك محمد السادس رفض استقبال شيمون بيريز. واشنطن ستغرق قريبا في معركة الانتخابات الرئاسية وهي مشغولة أصلا بالهم الافغاني والعجز عن تحقيق أي اختراق شرق أوسطي. الحليف الاوروبي الاول - نيكولا ساركوزي غارق في ثورة مطلبية تهدد كيانه وسط تنامي القلق من تفجيرات أمنية يشنها «القاعدة» على الأراضي الفرنسية. بريطانيا مهمومة بتقليص جيشها لتحسين ميزانيتها.
هل تبقى اسرائيل مكتوفة الأيدي؟
من الصعب تصور ذلك، ومن الأصعب معرفة كيف ستنفس احتقانها في ظل حكومة وكنيست وأجهزة أمنية يغلب عليها التطرف الأعمى سياسيا وأمنيا ودينيا.
في ظل كل ما تقدم، كيف للهدوء أن يستمر في لبنان؟