السفير - التـوراة جـاءت حقـاً مـن جـزيـرة العـرب
السبت 20-11-2010
التـوراة جـاءت حقـاً مـن جـزيـرة العـرب
انتوني لياس
في عام 1985، اصدر الدكتور كمال الصليبي، استاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت كتاباً بعنوان «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، حين اطلع، مصادفة، على معجم جغرافي بأسماء الأماكن في المملكة العربية السعودية. لقد اكدت دراسته صواب اعتقاده بأن أسماء الاماكن في التوراة العبرية التي كثيراً ما حيّر موقعها الفعلي دارسي التوراة تتطابق تماماً مع أسماء الأماكن في منطقة عسير الواقعة على الساحل الغربي للجزيرة العربية المطل على البحر الأحمر.
لقد توفرت لديّ معرفة عملية بالمفردات العبرية الاصلية للتوراة، وكنت اصدرت ثلاثة كتب عن اسماء الأماكن، وأنا اجد ان مئات الأمثلة التي اوردها كمال الصليبي مقنعة تماماً. الا اني وجدت مؤخراً ما أعتبره برهانا اضافياً قاطعا على صواب مقولة كمال الصليبي. وكي اشرح السبب اشير بادئ ذي بدء الى ان عسير تقع (وكانت تقع) ضمن المدار الاستوائي (بين درجات 17 و19 الى الشمال من خط الاستواء). وبحسب سفر اشعياء (38: 7-8) فإن النبي اشعياء (مطلع القرن الثامن قبل الميلاد) يعلم الملك حزقيا في اورشليم ان «الرب»، سيعطيه «علامة» وهي: «هأنذا ارجع ظل الدرجات الذي نزل في درجات أحاز بالشمس عشر درجات الى الوراء. فرجعت الشمس عشر درجات في الدرجات التي نزلتها».
هذه الحركة المرتدة للظل الذي يلقيه مؤشر المزولة كانت تعتبر تقليديا «معجزة» لأنه بحسب موقع اورشليم الراهن (31 درجة 47 دقيقة الى الشمال من خط الاستواء) فإن هذه الحركة تبدو مستحيلة. وهنا استشهد بما قاله الرياضي الفلكي الانكليزي الجليل توماس كيث: «لو ان مزولة العامودي صممت لمكان في منطقة الاستواء حيث انحدار الشمس يزيد على موقع المكان، فإن ظل المؤشر سيرجع مرتين الى الوراء في اليوم، مرة قبل الظهر ومرة بعد الظهر، وكلما تعاظم الفرق بين الموقع والانحدار كلما رجع الظل اكثر الى الوراء».
هنا، وتبعاً لنظرية كمال الصليبي، فإن التوقيت الأصلي في أورشليم زمن أشعياء لا يمكن ان يكون التوقيت نفسه في فلسطين اليوم، بل في عسير وداخل المنطقة الاستوائية. وعليه فإن رجوع الظل الى الوراء على «مزولة آحاز» لم يكن «معجزة» بل حقيقة. ولا شك بأنه يمكن إجراء تجربة في عسير في الزمن الحاضر لبرهنة ذلك (ملاحظة: حيث ان الانحدار هو قياس مسافة الزاوية الى الشمال او الجنوب لأي جرم سماوي من خط استواء الأرض، ولأن اقصى انحدار ممكن للشمس هو 23 درجة 28 دقيقة، فمن الواضح انه خلال بعض اشهر السنة سيرجع ظل مؤشر المزولة لكل موقع في عسير). لربما لم يكن الدكتور الصليبي مدركاً لهذه التفاصيل الفلكية التي أجد فيها برهنة وافية عن نظريته. وفحوى نظريتي هو ان اشعياء (الذي يعتقد بعض دارسي التوراة انه استقى معرفة فلكية من الآشوريين) أوهَم حزقيا انه في حضرة «معجزة»، فيما انه الواقع كان يشهد ظاهرة أصلية في أورشليم عسير التي يلح الصليبي على وجودها هناك وليس في فلسطين.
إن الحقيقة القائلة بالحركة الرجوعية لظل مؤشر المزولة في المنطقة الاستوائية حقيقة قائمة بذاتها يؤكدها ويشرحها كاملة، دنيس سافوي Denis Savoie في كتابه Sundials, Design, Construction and Use.
انهي كلامي بقولي إن كمال الصليبي لا يناقض الرسالة الدينية للتوراة العبرية على الاطلاق. إن أطروحته في «التوراة جاءت من جزيرة العرب، وفي كتــبه الاخرى، تدور فقط على الموقع الصــحيح للأماكن المذكورة في التوراة.
([) باحث انكليزي في علم الفلك.