كلمة رشيد القاضي
كلمة رشيد القاضي
ملاحظتي على معظم الأبحاث التي تعالج النظام السياسي في لبنان، أنها ترتكز على النصوص الطائفيّة، حتى يُخيّل للمرء أنها المكون الوحيد لنظامنا السياسي، وهي، أي الطائفيّة العلة الوحيدة فيه، وفي تجاوزها الحل لكل عيوب النظام ولكل أصناف الإضطراب والمعاناة وبمجرد إلغاءها بمرسوم أو بقانون، تستقيم الأمور، فيعلو فرح الديمقراطيّة وتزدهر الحرية وتعم الحالات، كأنّ النظام هو الذي أوجد الطائفيّة وليس العكس. وهنا أتساءل أليس هنالك علل أخرى في البلد تستوجب العلاج، سيّما وأنّ هنالك عللاً ليست لبوس الطائفيّة، وهي في الأصل ليست طائفيّة، وإذا طرحنا عملية على مكونات نظام الحكم اللبناني، لوجدنا أنّ الفلسفة التي يقوم عليها النظام هي التنسيق بين التناقضات والصراعات، باعتماده نظام المحاصصة. وكلما اشتد ساعد فريق عمد النظام إلى إرضائه بمزيد من الحصص في وظائف الدولة ومواقع القرار، بشكل يولد شعوراً عند الآخرين أنّ ما أخذه الفريق المشتد الساعد، هو من حصتهم التي يعتبرونها حقاً مكتسباً لهم. وقد حاول اتفاق الطائف، على غير نجاح يذكر، بسبب سوء التطبيق، أن يغيّر قواعد اللعبة بحيث يأخذ من كل فريق ويعطى الوطن، باعتماده نظام المؤسسات المركبة من جميع الطوائف والمذاهب، كما حاول الاتفاق المذكور أن يوحد المفاهيم الوطنية، عندما حسم موضوع هوية لبنان، ودعوته الكيان السيد المستقل، فلا عروبة تذهب بالاستقلال، ولا استقلال يتنكر للعروبة.
قلنا أنّ هنالك عللاً ليست لبوس الطائفيّة، وأولها وأخطرها التشتت الثقافي، فمنذ مطلع القرن السابع عشر، وهو تاريخ قدوم البعثات التبشيرية الكاثوليكية والبروتسنانية، قام على أرضنا صراع ثقافي بين الثقافة اللاتينية والثقافة الاتلكوسكونية، وبين كل منهما وبين الثقافة العربية. ومع هذا الصراع الثقافي قام صراع حضاري، بين الحضارة الغربية وقيمها من الحرية والديمقراطية وحقّ الإنسان في تنظيم حياته الدنيوية والحضارة العربية وقيمها الإسلامية المقيّدة بالحرام والحلال، وحدود الحق الإنساني أمام الحق الإلهي.
لقد كتب في الفوضى السياسية، أميرال فرنسي، توربان، زار لبنان في النصف الثاني منذ القرن التاسع عشر، ما نصّه: "إنّ الفوضى التربوية في لبنان لا مثيل لها. ولا يمكن للإنسان أن ينبأ بمصير قوم يتجاذبهم سياسات مختلفة ويطلبون العلم في مدارس لكل واحدة منها أغراض خفية وأساليب خاصة وكل واحدة تستوحي سياسة الدولة التي ينتمي لها، ولا تغرس بل تغرس طلابها إلاّ ما يخدم هذه السياسة ثم يخلص إلى القول: وعبثاً نبحث عن لبناني بالمعنى الوطني الصحيح، ولا بدّ من وقت طويل جداً وجهود كبيرة متواصلة ليقوم شيء من الوحدة فتيل كالظل. والتشتت الثقافي قد اتخذ طالباً طائفياً لإقبال المسيحيين على المدارس الأجنبية، ولتولي الأكليروس مهمة الإشراف على المدارس الأجنبية، ولكنه في العقود الأخيرة، شمل جميع الطوائف، إلى جانب الموضوع الثقافي هنالك البلد الاجتماعي للصراع الداخلي، وإذا لم يعد النظر في النظام الاقتصادي، بحيث تأخذ الدولة دور أكبر فيه، ضمن نظام الاقتصاد الحر، فإننا واصلون إلى صراع طبقي حاد ؟ نام للطبقة الوسطى التي تشكل صمام الأمان في المجتمع، وعلينا أن نذكر في هذا المقام رواسب العشائرية في المجتمع اللبناني، فالطائفة إذا لن تمثل شيخ العشيرة، تعتبر ذلك امتئاتاً على حقها.
من مثل هذا الواقع لا يمكن أن يخرج نظام ديمقراطي، الدولة الديمقراطية تقوم عندما يتوحد المجتمع الديمقراطي، والمجتمع الديمقراطي، قيامه رهن نظام تربوي لبناني، وبإنماء متسع القاعدة الشعبية وبدولة القانون وإلى أن يأتي ذلك فأين أنقل ديمقراطية الطوائف على ديمقراطية الطامعين.
كلمة أسامة عباس
أولاً: لا أعتقد أن المشكلة الأساسية في نظام الحكم في لبنان ليس في الطائفيّة بحد ذاتها بل هي في ممارسة الطبقة السياسية الحاكمة سواء كانوا حكاماً أو أحزاباً أو قوى ضغط، فهي التي تحرك الطوائف عندما تريد لتحقيق مصالحها في الحكم. وإلاّ فبماذا نفسر غياب الطوائف في كثير من الأحيان وفي قرارات مصيرية لتعود وتحيا فجأة تحت تأثير وبتوجيه من الطبقة السياسية.
إن فساد الإدارة من رشوة ومحسوبية وسواها ليس سببها الطوائف بقدر ما تسببه الطبقة السياسية لممارستها المشوهة والشخصانية. ومن يقتنع بأنّ الطوائف تستطيع أن تستوعب النصوص والقوانين لكي تتخذ موقفاً منها لولا الطبقة السياسية التي تتفضل بالتبرع بهذا الدور لتحريك الطوائف في سبيل تحقيق مصالحها وطموحاتها الشخصية وكيف نستطيع أن نفسر تضامن الطبقة السياسية وخاصة إذا كانت تمثل أجهزة سياسية وإدارية ضد المواطن وحريته وعيشه بكرامة من كل الطوائف والمذاهب.
ثانياً: إنّ الديمقراطية ليست حالة طقسية نمارسها في الأساس إنما هي حالة ذهنية تستمد شروطها ومقومات وجودها واستمرارها من خلال الاقتناع التام بها من قبل جميع الفئات والقوى التي تشكل المجتمع، وتحتاج لتطبيقها بشكل سليم إلى ظروف موضوعية تحتم وجودها وتكرسها.
في القرآن الكريم يذكر قصة فرعون مع قومه ويفسر لماذا سجدوا له وصدقوه بأنه رب وإله عظيم قائلاً في إحدى الآيان "فاستخف قومه فتبعوه". إنها مسألة الاستخفاف بالناس وبعقولهم قبل كل شيء.
ثالثاً: أعتقد أن مشكلتنا مع الحرية ليس حصولنا عليها وممارستنا لها بل أن المشكلة الأساسية هي أننا لا نملك رؤية واضحة لمسألة الحرية، ما هو تصورنا لهذه المسألة؟... ما هي الضوابط والقيم التي تحدها؟... ما هو موقفنا من حقوق الإنسان؟... وماذا نريد من الحرية وأي حرية نريد؟...
رابعاً: هناك تساؤلات حول الطائف أثيرها ويثيرها معي الكثيرون:
ـ من المسؤول عن تمييع نصوص اتفاق الطائف؟... بعد الاتفاق لم نعد نعرف طبيعة قرارات الأجهزة التنفيذية والتشريعية ولا نعرف من أين تستمد مؤسسة الترويكا شرعيتها وما هو التوصيف القانوني لها.
ـ من المسؤول عن تنفيذ جزء من الاتفاق وإهمال الجزء الآخر؟... علماً أنّ الاتفاق نفسه يحمل في طياته بذور نهايته ولا يلبي طموحات الكثيرين، والممارسة الحالية ستسرّع في إنهاء هذا الاتفاق. هل هي أزمة نظام أم أزمة هوية أم أزمة كيان؟...
في النهاية كنت أطمح بسماع رؤية مستقبلية عن نظام الحكم في لبنان في ظل المتغيرات الدولية، وفي ظل عملية التسوية الجارية في المنطقة ومستقبلها ومستقبل المنطقة على أساسها؟...
وهو سؤال برسم الأساتذة المحاضرين.
كلمة الدكتور طوني ضو
مع شكرنا إلى مركز الدراسات والتوثيق والأخوة في حركة الحوار الديمقراطي على مبادرتهما. أتمنى في مؤتمر بهذا الحجم وبهذا المستوى أن نعتمد الصراحة. إذ فيما حضرات السادة منهكون في إيجاد حلول لدولة هي بحجم الطموحات يؤسفنا أن نرى القيّمين على الدولة يتنازعون حول الحصص والصفقات وكيف يعطلون العمل الديمقراطي في البلد. فأعادونا الآن غلى أزمة قد تؤدي به إلى الأسوأ. وكلنا يعرف أن واقع الدولة بكل عناصرها هي أشبه بمريض مصاب باشتراكات كلما حاول أطباء الفكر والسياسة معالجة مرض معيّن برز مرض آخر. ذلك لأنه العلاج أو العملية لم تأتِ حتى الآن بالحلول الجذرية لأسباب الخلل الداخلية والخارجية ولعلّ أهم مشكلة تحول دون الوصول غلى التغيير الإصلاحي والبناء الحقيقي لدولة ما بعد الألفين، هي في واقع البعض وبممارساتهم للأسف كأجراء في مزرعة تابعةن ولصاحبها وحده الكلمة الفصل في أيّ شأن من شؤون تقرير مرتكزات الدولة ومؤسساتها. فالمؤسسات معطلة من حيث ذاتية التقرير مهما كان نوع العملية التقريرية.
ومن هنا يبدأ النظر بالحل. فكل المثقفين والمفكرين وحضراتكم في المقدِّمة غير قادرين على تغيير أيّ شيء أو إصلاحه، من دون تذليل العقدة الأساسيّة المتمثِّلة بإقرارٍ قاطع حاسم لوجود دولة بكل معنى الكلمة اسمها لبنان ذات سيادة وحرية واستقلال. وبعد ذلك، تفاءلوا مع وجود نخبٍ أمثالكم.
إنّ معظم الإشكاليات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وحتى السياسيّة على أهميتها، ستجد لها سبيلاً إلى حيِّز التطوّر والعلمنة أو غير ذلك من الأنظمة المُعصرنة المتوافقة مع تركيبة لبنان، مع العلم أن إسرائيل تعرف كيف تحارب التوافق على الدولة ومفهومها.
إنّ وجودنا في هذا المكان ضروري ولذا فَلْنوجِّه اهتمامنا وتضامننا الوحدوي والحواري إلى العقدة الأولى، وحيت تزول أقول جازماً أن الكيف في سؤال المؤتمر الكبير تصبح مسألة ممارسة صادقة وعملية تنظيمية وقد شخصها المحاضرون والمناقشون الأخصائيون، ونتيجتها الإيجابيّة ستكون حتمية. المهم إيها السادة هو تحرير الوطن اللبناني والإنسان اللبناني وهويته الوطنية والقوميةن وإلاّ فإلى أيّ إنسان وفي أيّ وطن نريد أن نبني او نعيد بناء الدولة المعاصرة؟... وشكراً.
حسين دبلان ناصر
حضرة رئيس حركة الحوار الديمقراطي في لبنان المحترم
تحية وبعد، جواباً على طلبكم نقول، لقد بدأنا بالتوعية والاتكال على الله، على كلّ المستويات بكل القضايا المشروعة، ولكي نستمر يجب أن تضمن حقوق الأعضاء وأمر الدفاع عنهم عند الاقتضاء اولاً، ومن ثمَّ يجب أن توزع الأدوار ليعرف كلُّ عضوٍ المهمة الموكولة إليه حتى لا تختلط الأمور وتتشابك بالأذهان، وتتعارض بالأعمالن والناس يقولون: الحالة لم تعد تطاق، ويسألون العمل؟... وكل ما يقال صحيح، والمثل يقول: لا يحمل الجَوْر إلاّ الثور فأمّا السكوت وأمّا رسم خطّة للضغط على المسؤولين لإصلاح الحالة والانتظار وأمّا القيام بثورة عارمة تقضي على الأخضر واليابس والابتداء من نقطة الصفر لإصلاح ما نشكو منه والسلام.