السفير - نجاد: رسالة أخوة إيرانية ... إلى لبنان الواحد والمقاوم
تظاهرة شعبية حاشدة تواكب الرئيس الإيراني من المطار إلى القصر الجمهوري
نجاد: رسالة أخوة إيرانية ... إلى لبنان الواحد والمقاوم
نصر اللـه يـؤكّد أن إيـران ضمانـة ضـد الفتـنـة ... وتجـديـد لاءات عبـد الناصـر
لا تشبه زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى لبنان، زياراته إلى أي من الدول التي زارها من قبل. هو لبنان المقاومة التي غيّرت المعادلات. لبنان النموذج في عيشه المشترك ووحدته الوطنية، ولو أصابها بعض الوهن والاهتزاز. هو لبنان جار فلسطين، أصابته في نكبتها، وأعطاها نموذجا بتحرره من الاحتلال، ولو أن جزءا عزيزا من أرضه ما زال أسيرا.
هو لبنان الذي انتصر أهله لكل ثورات العالم، بما فيها ثورة إيران، التي مهما قيل فيها وعنها، فإن مشروعها اليوم، هو مشروع كل اللبنانيين، كما قال السيد حسن نصر الله مرحبا بنجاد في الضاحية الجنوبية المقاومة.
هو لبنان الذي ندر أن تجد فيه معادلة ذهبية أضلاعها الشعب والجيش والمقاومة، ولو تنكر لها البعض داخليا في خضم الاشتباك السياسي المفتوح. لبنان الذي قررت إيران أن تختصر المسافات بينها وبينه، فشرّعت ما لم تشرعه له، بالحبر والإرادة السياسية، فكانت ولادة 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم في وقت قياسي، وضمن وجهة لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين، لم يسقط منها الا الاتفاق العسكري، بفعل إملاءات خارجية، جعلت لبنان ينضبط تحت سقف القرارات الدولية ويحرم من فرصة تسليح جيشه بالعتاد والسلاح الايراني.
هو لبنان الغارق منذ سنوات في أزمة سياسية خطيرة، بفعل الجريمة ـ الزلزال التي ذهب ضحيتها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقرر فتح ذراعيه سياسيا وشعبيا لرئيس دولة أحيطت زيارته بدعوة من نظيره اللبناني العماد ميشال سليمان، بسيل من التشكيكات الداخلية والخارجية، التي زادتها زخما واستثنائية وهدوءا وحولتها الى مناسبة لتأكيد الوحدة الوطنية، بدليل الاستقبال الذي اقيم على شرف الضيف وجاء عاكسا لكل الطيف السياسي اللبناني، من دون استثناء.
دخل أحمدي نجاد الى كل مكان، في اليوم الأول من زيارته، بخطاب لبناني جامع، من خلال إشارته التحذيرية اللافتة للانتباه لما يحاك لمنطقتنا لإيجاد الخلافات والقلاقل، ولزرع الفتنة فيها، ولا سيما في لبنان، «حيث امتدت يد الغدر الآثمة الى صديق عزيز (الرئيس الشهيد رفيق الحريري) لتترك بعدها الأفواه الباطلة لتوجيه الاتهام الى الأصدقاء الباقين» في اشارة واضحة الى رفض أي اتهام يوجه للمقاومة و«حزب الله».
أوصل أحمدي نجاد رسالة إيران إلى كل اللبنانيين «سنبقى معكم أبدا»، فاتحا أبواب التعاون اللامحدود، من الدولة الى الدولة، بما يفضي الى استفادة كل لبنان من هذا التعاون، في شتى المجالات، وبلا استثناء وبلا لون سياسي او مذهبي او مناطقي. خاطب مسلمي هذا البلد كما مسيحيوه بلغة الوحدة والتحذير من ان الشياطين لا تستسيغ الوحدة والانسجام لأن فيهما قوة وصلابة، «ولذلك فإن الشياطين تعمل دائما على التشويش».
جاء باسطا يد إيران الى الجميع، وإن كانت المقاومة تشكل ثابتة الثوابت، وأعلن ما يشبه التوأمة بين لبنان وإيران، فأكد للشعب اللبناني ان «قضاياكم وقضايا الشعب الايراني واحدة، ونحن موجودون معكم في جبهة واحدة، وعزة لبنان وتطوره عزة وتطور لنا ايضا، وسنبقى معا الى جانب بعضنا البعض في السراء والضراء».
اختار منبر السيد حسن نصر الله في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية، ليلقي خطابا فلسطينيا ولبنانيا وعربيا وإسلاميا وإيرانيا، وأعلن ما يشبه بيان النعي للمشروع الاميركي المتراجع، ومن خلفه للكيان الإسرائيلي الذي «يتدحرج اليوم في مهاوي السقوط وليس هناك من قوة قادرة على إنقاذه»، محذرا من أن اسرائيل ربما تبادر الى شرور جديده، لكن أية شرارة جديدة تبدر من هذا الكيان، لن تجدي، ولن تؤدي إلا الى تقصير عمره».
وأما الأكثر دلالة، فكان اعلان نجاد، تشكل جبهة مقاومة من فلسطين ولبنان وسوريا وتركيا والعراق وإيران، تمتلك رؤية مشتركة وحق الدفاع عن المنطقة وحقوق شعوبها.
اليوم الأول: لقاءات ... واتفاقيات
وفي التفاصيل، أقيم للضيف الإيراني استقبال سياسي في المطار تقدمه رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلا رئيس الجمهورية، فيما واكبته تظاهرة شعبية ضمت آلاف اللبنانيين والفلسطينيين على طول طريق المطار وصولا للقصر الجمهوري حيث أجريت له مراسم استقبال رسمية بحضور رئيس الجمهورية
ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري.
وحفل برنامج اليوم الاول للزيارة، بلقاءات رسمية أجراها نجاد مع الرؤساء الثلاثة ميشال سليمان ونبيه بري وسعد الحريري، وبمحادثات رسمية توجت بتوقيع 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين لتطوير العلاقات والتعاون الثنائي في مجالات الزراعة والطاقة والنفط والغاز والتجارة والصناعات اليدوية والسياحة والتعليم العالي والصحة والبيئة والإعلام والاتصالات وتقنية المعلومات والتقنيات. وقدم نجاد هدية الى لبنان، جهازا تقنيا يدعى «نانو سكوب» يعمل على تطوير البرامج العلمية والتقنية موجود فقط في 6 دول في العالم ولبنان البلد السابع الذي يحصل عليه، وأكد نجاد أن هذا الجهاز هو من صنع إيراني كامل.
وشدد الرئيسان سليمان ونجاد «على أهمية صيانة الوحدة الوطنية اللبنانية وميثاق العيش المشترك ودعم الدولة ومؤسساتها وتعزيز دعائم الاستقرار والسلم الأهلي بما يساعد على مواجهة المخاطر والمؤامرات التي تسعى الى زرع الفتنة بين اللبنانيين وإضعاف قدراتهم الوطنية الرادعة ونشر بذور الفوضى والتشرذم في المنطقة ككل».
وبعد زيارة نصب تمثال الشهداء في وسط العاصمة، أقام حزب الله و«أمل» احتفالا جماهيريا حاشدا في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية. وألقى نجاد خطابا مطولا، وصف فيه لبنان بمدرسة المقاومة وحذر من «إيجاد الخلافات في منطقتنا»، وقال: «في لبنان امتدت يد الغدر الآثمة إلى صديق عزيز وشخصية غيورة على وطنها، ثم نرى كيف تلفق الأخبار لتوجيه الاتهامات إلى بقية الأصدقاء سعياً للوصول إلى مرامٍ باطلة عبر زرع بذور التشرذم». انهم يريدون الإيقاع بين شعوب تتألف من فئات وأديان متنوعة عاشت مع بعضها بمحبة ووئام، يريدون إلحاق الأذى بالعلاقات الأخوية بين الشعوب، كالعلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري».
وتوجه الى اللبنانيين قائلا : «التفتوا، فالأعداء كلما احتلوا بلداً أو غزوا شعباً، لعبوا على وتر الحساسيات الطائفية والنعرات المذهبية»، فإيجاد التشرذم هو أسلوب مكشوف، والأعداء لا يريدون لشعب هذه المنطقة أن يكون موحداً، مستقلاً ومتطوراً، ولكن بفضل وعي الشعوب، فقد افتضح اليوم أمر فتن الأعداء، وشعوب المنطقة تدرك جيداً أن رمز العزة هو الوحدة، وهي تعي تماماً ماهية المفرّقين، وستفوت الفرصة على الأعداء».
وعبر شاشة المنبر نفسه، أطل الأمين العام لـ«حزب الله» ليعلن في الاحتفال الجماهيري الحاشد ان إيران تتطلع أن يكون لبنان حرا مستقلا موحدا سيدا عزيزا شامخا حاضرا في المعادلة الاقليمية، وأن «ليس لدى ايران مشروعها الخاص ومشروعها للبنان هو مشروع اللبنانيين وما يريده الشعب اللبناني، الذي يتطلع إلى أن يكون شعباً مستقلاً سيادياً، حاضراً في المعادلة الإقليمية، وليس هناك مشروع إيراني آخر ومشروعها للمنطقة العربية هو مشروع الشعوب العربية وأنَّ ما تريده إيران في فلسطين هو ما يريده الفلسطينيون في فلسطين، وهو أن تعود المقدسات الإسلامية والمسيحية وأن تعود الأرض من البحر إلى النهر وأن يقيم هذا الشعب المظلوم على أرضه المستقلة المحررة بالدم دولته».
وحذر من أن «هناك من يروج أن ايران مصدر الفتنة وتسعى لتمزيق الصفوف»، وقال: ايران هي من أهم الضمانات الكبرى اليوم لوأد الفتن وتعطيل الحروب ونصرة المستضعفين.
وأقام الرئيس نبيه بري مأدبة عشاء على شرف الرئيس الايراني في عين التينة، شارك فيها الرئيسان سليمان والحريري وعدد من رؤساء الحكومات السابقين، وأكد بري ان «المقاومة ما كانت لتستكمل مهمتها في تحرير أرضنا لولا مساعدة إيران».
وشكر بري لإيران «مبادرتها للإعلان عن استعدادها لتسليح الجيش». وأكد أن «دعم إيران للمقاومة ومشروع المقاومة هو دعم لكل لبنان واللبنانيين، وليس تسليحاً للشيعة في لبنان، وقال: كلبنانيين وكشيعة لبنانيين وكشيعة عرب، نرفض وندين تزوير الوقائع التاريخية والسياسية والتلاعب بالحاضر عن طريق استبدال الأعداء، وجعل إيران هي العدو الأوّل للعرب بدل إسرائيل. ونحن نعتبر إيران حرزاً مانعاً لعدم الوقوع في الفتن.
ومن المقرر أن يزور الرئيس الإيراني الجنوب، حيث اكتملت الاستعدادات لاستقباله ولا سيما في بنت جبيل حيث يقام له استقبال جماهيري كبير، ويأتي ذلك في ظل استمرار التشويش الإسرائيلي على الزيارة بالتهديد والوعيد والتظاهرات والتحركات الاستفزازية على الحدود الجنوبية وبالتحليق المكثف للطيران الحربي في أرجاء المنطقة استباقا لزيارته الجنوبية المقررة اليوم.